على رغم اتفاق غالبية الخبراء والاقتصاديين الألمان على أن الاقتصاد الألماني سيواصل مسيرة النمو العام المقبل، وسط بحر أوروبي من الجمود والركود الاقتصاديين، إلا أنها تختلف بوضوح حول معدل النمو المنتظر لمجمل العامين الحالي والمقبل. ففي حين يتوقع بعضهم نمواً نسبته 0,3 في المئة هذا العام ينتظر بعض آخر، وكذلك الحكومة الألمانية، أن يبلغ 0,8 في المئة، بينما يرجح آخرون مثل اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية نمواً من واحد في المئة. وفيما ينتظر البنك المركزي الألماني نمواً من 0,4 في المئة فقط عام 2013 يتوقع اتحاد الغرف الألمانية 0,7، علماً أن التوقعات السابقة كانت تشير إلى 1,3 في المئة. وكانت لافتة جداً النتائج التي أظهرها مؤشر معهد بحوث الاقتصاد الألماني «إيفو» في ميونيخ أواخر الشهرين الماضيين. ففي حين فاجأ مؤشر أجواء الشركات الجميع في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بارتفاعه من جديد من 100 إلى 101,4 نقطة بعد ستة أشهر من التراجع المستمر، عاد وسجل ارتفاعاً آخر في الشهر الجاري، قافزاً نقطة كاملة إلى 102,4 نقطة، أي إلى الحد الذي بلغه في تموز (يوليو). وإذ عكس هذا التطور الإيجابي توقع الشركات الألمانية بحصول نمو جيد في أعمالها خلال الأشهر الستة المقبلة، رأى محللون أن ألمانيا ستتمكن بفضل ذلك من تفادي خطر الانزلاق بدورها إلى حافة الركود الاقتصادي في العام المقبل. وعقّب خبير النمو في المعهد كلاوس فولرابه على التطور الإيجابي غير المنتظر قائلاً: «إنها مفاجأة ضخمة أعادت الارتياح والطمأنينة إلى رجال الأعمال والشركات»، خصوصاً أن التحسن في المؤشر شمل مختلف القطاعات الاقتصادية والإنتاجية في البلاد. وأعرب مسؤولو الشركات في مؤشر توقعاتهم عن نصف السنة المقبل، عن تفاؤلهم بتحسن أعمالهم. وتراجع رئيس المعهد هانس فرنر زِن عن تشاؤمه الشديد السابق واعترف بأن النمو في ألمانيا «يصمد أمام أزمة الديون الأوروبية». ويستفتي معهد «إيفو»، وهو المعهد الأهم في ألمانيا، شهرياً سبعة آلاف شركة ألمانية. وعلى رغم أن نتائجه تُعتبر عادة دقيقة جداً، حذر المعهد مع ذلك من الإفراط في التفاؤل. توقعات النمو وعزز المؤشر الشهري لمركز البحوث الأوروبية «زد أي في» في مانهايم والصادر أواسط الشهر الماضي، التفاؤل بالنمو المنتظر خلال الأشهر المقبلة، بعد أن عكس للمرة الأولى منذ أيار (مايو) الماضي ثقة خبراء المال والمودعين في قدرة الاقتصاد الألماني على مواصلة نموه خلال الأشهر الستة المقبلة. وارتفع المؤشر على سلّمه من 15,7 نقطة سلبية إلى 6,9 نقطة إيجابية. وأجمع الاقتصاديون الألمان على أن الدول الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا، وكذلك الولاياتالمتحدة، سدّت الفجوة الكبيرة التي كانت ستنشأ في قطاع الصادرات الألمانية بسبب تراجع الطلب من دول الاتحاد الأوروبي، منذ تفجر أزمة الديون فيها، ما ساهم بشدة في ضمان استمرار النمو في اقتصاد البلاد، ولو على مستوى منخفض. وفي هذا الإطار ازدادت الطلبات على الصناعة الألمانية في تشرين الأول الماضي أكثر مما كان متوقعاً، وبنسبة 3,9 في المئة عن أيلول (سبتمبر)، وفق تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد، وهي الزيادة الأعلى منذ كانون الثاني (يناير) 2011. وبعد أن أظهر قطاع الاستهلاك هذه السنة قدرة واضحة على تعزيز مسيرة النمو في البلاد، يتوقع خبراء أن تحقق نفقات الألمان خلال عيدي الميلاد ورأس السنة هذا الشهر، رقماً قياسياً جديداً يتجاوز الثمانين بليون يورو. وقال خبير اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية ألكسندر شومان، إن الاتحاد يتوقع أن تنتهي مرحلة الركود الراهنة في منطقة اليورو، إذ سيسجل اقتصادها نمواً سلبياً وسطياً من 0,3 في المئة خلال العام المقبل، فتنتقل إلى مرحلة الجمود (صفر في المئة) قبل تحقيق نمو وسطي من 1,2 في المئة عام 2014، وفق توقعات البنك المركزي الأوروبي. لكن الشركات الألمانية المصدّرة قلقة قليلاً من ارتفاع كلفة اليد العاملة في البلاد بنسبة 0,7 في المئة للساعة الواحدة، بعد الزيادات المتتالية التي حصلت على الأجور في السنوات الأخيرة، ما سيجعل المنافسة في الأسواق الدولية أصعب من السابق. وسيزيد قلقها بسبب مطالبة بعض الخبراء والنقابات العمالية أخيراً بزيادة الأجور العام المقبل بنسبة 4 في المئة على الأقل لتعزيز القوة الشرائية الداخلية في البلاد لتكون مدماكاً أساساً للنمو من أجل فكّ الارتهان الكبير للصادرات، ما يجعل الاقتصاد الألماني يقف على رجل واحدة.