يقف المحللون السياسيون مذهولون أمام تطورات متلاحقة دولياً، ومنهم فيكتور دافيد هانسون، الذي أعد مقالاً مطولاً عن صعود الصين وموقعها الدولي في منظومة العلاقات الدولية في National Review، المقال يؤكد مفارقات على الساحة الدولية ملفتة للانتباه، فالصين تشعر أن الوقت حان لتعكس قوتها العسكرية قدراتها الاقتصادية، في الوقت الذي تختبر طائرات فائقة السرعة وتطوِّر حاملات طائرات وتتقدم في عالم الابتكار العلمي، تتراجع القوة الأميركية، وانعكس هذا في رفض الصين استقبال مسؤولين أميركيين من النوع المتعجرف من نوعية جون بايدن، الذين دأبوا على تقديم النصح للصينيين في مجال حقوق الإنسان، «طنطن» الأميركيون كثيراً حول العراقوإيران في الوقت الذي زاد نفوذ إيران في العراق، وتوطدت علاقات روسياوالصين مع إيران كحلفاء ينسقون معاً على الساحة الدولية، فأقوال الولاياتالمتحدة باتت محل شك حتى من أقرب حلفائها وهو ما يعكس تراجع تأثيرها دولياً، لكنه يرى أن الحالة المصرية مثال صارخ على تراجع النفوذ الأميركي دولياً، ففي الوقت الذي ظلت مصر حليفاً لأميركا منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل العام 1979، باتت العلاقات المصرية الأميركية في أسوأ حالاتها، حيث بات المصريون يبحثون عن مصالحهم خارج الدائرة الأميركية، بصورة لن تخسر فيها مصر أميركا، بل تخسر أميركا جانباً كبيراً من تأثيرها ونفوذها في مصر. وعلى الصعيد الإفريقي فالصين باستثماراتها تكتسب عاماً بعد عام أرضية قوية على حساب النفوذين الفرنسي والأميركي، ويساعد الصين في هذا نضوج النخبة الأفريقية ووعي الشعوب الأفريقية بمصالحها. إن العالم المتعدد الأقطاب المكون من دول قوية، كروسياوالصين والهند والبرازيل، ومتوسطة القوة كمصر وجنوب أفريقيا وتركيا يخلق نمطاً جديداً بعيداً من الأنماط التقليدية التاريخية للقوة في العالم، لكن هذا يستدعي من الذاكرة ما حدث في عشرينيات القرن العشرين، حينما بدأت اليابان بترجمة قوتها الاقتصادية المتنامية (بعد خمسين عاماً من التعلم المكثّف من الرأسمالية الأوروبية الصناعية) إلى قوة عسكرية ضخمة. لم يكن الأميركيون والأوروبيون يأبهون لهذه القوة الآسيوية، التي صارت تهدد الأمن والسلم في المحيط الهادئ والاستعمار الأوروبي لشرق آسيا، في هذا التوقيت بدأت اليابان في الترويج لمساوئ الاستعمار الأوروبي لجاراتها الآسيويات، واستعمرت منشوريا العام 1931، لكن الأوروبيين المذهولين بنمو اليابان العسكري والاقتصادي لم يأبهوا كثيراً لطموحها في الساحة الدولية، خصوصاً أن قليلين في الولاياتالمتحدة تنبّهوا لتفوُّق القوة العسكرية البحرية اليابانية على قوة الولاياتالمتحدة. كان اليابانيون ينتظرون الوقت المناسب للإعلان الصريح عن قوتهم. بدأت أوروبا الحرب العالمية الثانية، وركزت الولاياتالمتحدة قوتها البحرية في ميناء بيرل هاربر بدلاً من سان دييغو لردع اليابان، فدمرت اليابان هذا الأسطول المهدد لأمنها. هذا يعكس أن العجرفة الأوروبية والأميركية والثقة الزائدة عن الحد أمام تنامي قوة الصين العسكرية والاقتصادية، إنما هي عجرفة سيدفع الأميركيون والأوروبيون ثمنها غالياً، خصوصاً أن اليابان باتت كحليف لهم مكشوف أمام الصين، فقوة اليابان أضحت جزءاً من الماضي، مع تقلص عدد اليابانيين وارتفاع عدد المسنين في البلد، وتباطؤ الاقتصاد، وانكماش القوة الأميركية الراعية لليابان، هذا ما يفسر التحرش العسكري الصينيباليابان في الفترة الأخيرة، ليقف الأميركيون الآن حائرين أمام التغيرات الجذرية في المحيط الهادئ، لكن يبقى استعراض القوة الصينية وارداً بصور متعددة إلى أن تحين لحظة فرض الإرادة الصينية. * كاتب مصري