العمري يبحث احتياجات أهالي صامطة    أمير مكة خالد الفيصل: القيادة أولت العاصمة المقدسة اهتماماً خاصاً    جدل متصاعد بين تل أبيب وغزة حول مصداقية تبادل الأسرى والمحتجزين    تحركات أوكرانية في واشنطن ومساع جديدة لتأمين تسليح متقدم    أمير المدينة يرعى ملتقى مآثر عبدالعزيز بن صالح    سالم الدوسري: إنجازات منتخبي وفريقي تهمني أكثر الجوائز الفردية    برئاسة" آل خليفة".. انطلاق مؤتمر الحلم الآسيوي في الرياض بمشاركة دولية واسعة    ضبط مليوني قرص إمفيتامين بالرياض    السعودية توزع المساعدات لمخيمات النازحين في غزة    ألمانيا تنشر مقاتلات في بولندا لحماية الجناح الشرقي للناتو    رئيس الاتحاد الآسيوي يهنئ المنتخب السعودي بمناسبة تأهله إلى كأس العالم    الصحة تؤكد مأمونية أدوية الستاتين وتلاحق المضللين    جازان.. تدشين مشاريع تعليمية بقيمة تتجاوز مليار ريال    إحالة قضية تبديل جثمان بمستشفى الرس إلى النيابة    فيفا يأمل أن تكون المدن المضيفة «جاهزة» لاستضافة مونديال 2026    الكلية التقنية بأبوعريش تنظم محاضرة توعوية بعنوان "تماسك"    أول ملتقى عن أئمة المسجد النبوي    الذهب يتجاوز 4200 دولار مع آمال خفض الفائدة وتوترات تجارية    نائب أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة تأهل المنتخب السعودي لكأس العالم 2026    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    المسح الصناعي شرط لتسجيل المصانع والمنتجات الوطنية    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى (11682) نقطة    أمير حائل يهنئ أمانة المنطقة بحصولها على شهادة أفضل بيئة عمل صحية أوروبياً    من مدارسنا تبدأ الحكاية.. ومن التميز تُكتب الريادة    نائب أمير القصيم يطلع على منجزات جمعية العناية بالمساجد برياض الخبراء    وزير البلديات والإسكان يبدأ جولة آسيوية لتعزيز الشراكات في القطاع العقاري والمدن الذكية    مخبأة في شحنة مكسّرات.. "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من مليوني قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بجازان ينفذ ورشة عمل "السرد القصصي في العمل الإعلامي"    نائب أمير جازان يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب إلى كأس العالم 2026م    القصيبي في كتارا.. رمز وجمع في سيرة فرد وشعروائية    السديس يتفقد استعدادات الرئاسة لانطلاق ملتقى مآثر الشيخ عبدالعزيز بن صالح    نائب أمير حائل يزور مشروع "إرث" التراثي العائلي بعقدة    إسناد تشغيل وصيانة محطات تنقية «السدود» و«الجوفية» لهيئة المياه.. مجلس الوزراء: تعديل نظام مهنة المحاسبة وتنظيم صندوق التنمية الوطني    تحت رعاية أمير الرياض.. نادي الطيران يكشف تجارب مبهرة لمعرض 2025    السعودية مركز عالمي للخدمات اللوجستية    على مرحلتين في الرياض وجدة والخبر.. تعزيز قدرات الخريجين في مجال الأمن السيبراني    "الصحراء والبحر" يلتقيان في معرض "آل خليفة"    برشلونة يخوض الكلاسيكو بقميص المغني شيران    كيف ينظر العماني للقراءة؟    محلك «صفر»!    كود الطرق السعودي نقلة لتفعيل مواصفات السلامة    أكد عدم استفزاز دمشق لإسرائيل.. الشرع: لا نسعى للحرب وإعادة الإعمار أولوية    70 مليار دولار لانتشال غزة من تحت الركام    توقّع بتوهّجات شمسية الأيام المقبلة    ترأس اجتماع لجنة الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: مضاعفة الجهود لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن    إعادة فتح برنامج فرص لشاغلي الوظائف التعليمية    إنقاذ عشريني من «فطريات أنفية» خطيرة    عبر نموذج ذكي يعزز دقة التشخيص وجودة الحياة.. «التخصصي» يرسخ ريادته في طب الأعصاب    وجبة «برغر» إسبانية بسعر سيارة    حاضرون وداعمون    مشاركة الجموع عطّلت العقول بالركض خلف الترندات    سالم الدوسري: تأهل يدل على قوة منتخب السعودية    المملكة أوقفت الحرب في غزة وتسعى لدولة فلسطينية    عون يأمل وقف العمليات الإسرائيلية لبدء التفاوض    بوصلة السلام    متعة الترفيه    أمين العاصمة المقدسة يرأس الاجتماع الثالث للجنة الأعمال البلدية والبيئية لتعزيز التكامل التنموي بمكة    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يتبقّى من الثقافة عندما تُهيمن عليها السياسة؟
نشر في الحياة يوم 19 - 12 - 2012

علاقة الثقافي بالسياسي هي إحدى المسائل الإشكالية في فكرنا العربي الحديث والمعاصر. فهل ثمة هيمنة للسياسي على الثقافي أو العكس؟ أم أنّ ما بينهما يندرج في إطار التفاعل الجدلي حيث يشتبك السياسي بالثقافي، والخرافي بالعقلاني، والذاتي بالجماعي، في عملية تاريخية معقدة يصعب الفصل بين عناصرها ودور كل من هذه العناصر في حركة التاريخ ومآلاته؟
يتصدى لهذه المسألة رشيد الحاج صالح في كتابه «الوجه السياسي للثقافة العربية المعاصرة» (الدار العربية للعلوم-ناشرون)، فيذهب إلى أن الصراعات المعرفية في الساحة الثقافية العربية تكاد تكون أقوى من الصراعات العسكرية، ما يستدعي التفكير السوسيولوجي في الوعي السياسي للناس للكشف عن آليات تكوين الآراء والأفكار السياسية في الثقافة العربية ومدى تأثير الفئات المهيمنة في رسم خريطة الوعي السياسي العربي.
ينطلق المؤلف في كتابه (304 صفحة) من فرضيتين، أولاهما أنّ الثقافة تنقسم الى ثقافة «مُهيمِنة» هي ثقافة الفئات الأقوى والأكثر نفوذاً، وأخرى «مهيمَن عليها» وتُمثل ثقافة الفئات الأضعف والمُسيطر عليها اجتماعياً وسياسياً، ويترتب على هذا الانقسام أنّ الثقافة المهيمنة توجّه الثقافة المُهيمَن عليها، وتسيطر عليها بطريقة خفيّة لاواعية. أمّا الفرضية الثانية، فهي أنّ المعرفة فعل سياسي بالدرجة الأولى، وان المعارف الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية وعقائد الناس وعاداتهم وقيمهم، كلها ذات مضمون سياسي خفي ويراد منها خدمة المصالح الأيديولوجية للفئات الأقوى اجتماعياً. فالمعرفة هي أداة للسيطرة وعملية اجتماعية أكثر من كونها عملية عقلية، والعقل المعرفي منذ أقدم العصور حتى اليوم لم يكن أكثر من وسيلة لتسويق أهداف ومصالح الأقوياء وتسويغ عمليات التسلّط والهيمنة التي يمارسونها على بقية مكونات المجتمع تسويغاً عقلياً ومعرفياً.
اختار المؤلف لكتابه المنهج النقدي التحليلي متوخياً نقد الأنظمة المعرفية في الثقافة العربية من خلال نقد الوعي السياسي والأيديولوجي والعلمي والتاريخي بغية جعل المعرفة «داخل الواقع» وليست مفارقة له، الأمر الذي يخرج الثقافة العربية من ثنائياتها التقليدية ويستجيب للتغير، ويسدل الستار على المشاريع الدينية والقومية والماركسية والاشتراكية، كونها مشاريع وجدانية قائمة على الرغبات والعواطف. ولذلك يقصي الكتاب مفاهيم مثل الأصالة، المعاصرة ، الحداثة، القومية، الاشتراكية إذ لم تعد لها أي فاعلية في فهم الأنساق الثقافية العربية المعاصرة.
آليات السيطرة
بالنظر في نموذج الثقافة المهيمنة وآلية عملها، نجد أنها تقوم بفرض قيمها وأفكارها من خلال تحويلها إلى قيم اجتماعية عامة بحيث تتبناها الفئات الأضعف بطريقة لاواعية. وهكذا تسيطر الثقافات بعضها على بعض باعتماد آليات معنوية تقوم على التكيّف والتمويه والاستبعاد والتدجين الفكري. وهذا يعني أنّ ثقافة النخبة هي التي تقود الثقافة الشعبية إلى قبول ثقافة الفئات المسيطرة في المجتمع وتبنيها. فثقافة النخبة هي الحلقة الوسطى بين الثقافة الشعبية وثقافة السلطة، ودورها دور الوسيط في تسويق الأفكار والقيم التي تريد ثقافة السلطة أن تشحن الناس بها. فالمثقفون القوميون يدافعون عن ثقافة الأنظمة القومية، والمثقفون الدينيون يقدمون المشاكل السياسية بوصفها مشاكل أخلاقية ناتجة عن قصور الحس الديني.
أما الثقافة الشعبية فتتميز بكونها ثقافة تابعة ومنقادة ومتكيفة تميل عموماً إلى التكيف والاندماج مع الثقافة المهنية، وهي ذات سمات عامة أولاها أنها عاطفية غير عقلانية وتفتقد الحس النقدي، وثانيتها تميزها بالحضور القوي للمجتمع في وعي الفرد بحيث تسيّر النفس الجماعية عقل الفرد وطريقة تفكيره، وثالثتها التأثير السحري للألفاظ والكلمات، حتى أن الثقافة الشعبية تعيش في عالم اللغة وتبتعد عن عالم التفكير الواقعي والعقلي. أمّا رابعتها، فتتمثل في ثنائية القيم والتقسيمات الحادّة التي لا تعرف التوسطات، وخامسة سمات الثقافة الشعبية وأبرزها الاعتقاد بالقدرية المطلقة والمبالغة في دور الغيبيات في أمور الناس، ما يُبعدهم عن التفكير في الأسباب الحقيقية لمشاكلهم ويقود إلى الإيمان بطبائع ثابتة للناس وقيم مطلقة للحياة. هذه السمات تصب كلّها في خدمة الفئة الأقوى وتعزيز مصالحها وأحكامها هيمنتها على المجتمع بأسره.
مضمون سياسي
يتبنى المؤلف التفسير السياسي للمعرفة، فطرق التفكير والمذاهب الفلسفية والعقائد والاخلاق والوعي الديني، عمليات ذات مضمون سياسي، الأمر الذي يعني أن العقل لم يكن مستقلاًّ وقائماًّ بحدّ ذاته بقدر ما هو متورط في خدمة الأهداف السياسية للفئات الاجتماعية المتناحرة، ومن هنا تهافت المنهج التأملي التقليدي الذي يدرس العقائد والفلسفات بطريقة مثالية، فمشكلتنا هي أولاً مشكلة سياسية لأن النظام السياسي هو الذي يشكل الوعي الديني والاخلاق والتربية وهو الذي يوظف كل تلك العناصر بما يخدم أهدافه ومصالحه السياسية. في هذا السياق يجب أن ندرج ما يدور من مناقشات حول حقوق المرأة وما يجري تداوله من تصورات ومعتقدات كالقول بالمستبد العادل وبقوة الحق التي لا تقهر، فالحقائق المتداولة في أي مجتمع تُنتج بإشراف كامل وتوجيه مطلق من أجهزة الدولة.
والنظام العربي بدوره يلجأ إلى تفعيل الطرق اللاعقلانية في وعي الناس من أجل بناء وعي سياسي يتميز بالطاعة والاعتزاز بالخضوع. بهذا يفسّر المنحى الخرافي اللاعقلاني للثقافة العربية. فالإحصاءات تدلّ على أن التفكير الخرافي لا يزال راسخاً حتى داخل الجامعات، بمعنى أنّ المعتقدات الشعبية التقليدية تنتصر على التفسيرات العلمية، وهي تدير ظهرها لمبادئ التفكير العلمي.
وليس أكثر دلالة على هذا المنحى اللاعقلاني من تصدّر تراث عصر «الخراب» بتعبير ابن خلدون، لائحة الكتب التراثية الأكثر قراءة اليوم في العالم العربي، فوفق موقع «الوراق الإلكتروني» المعروف بتحقيق الكتب التراثية ونشرها، يتبين أن عدد قرّاء هذه الكتب يتراوح بين المليون وربع المليون والمئة وخمسة وعشرين ألفاً، وهي كتب يغلب عليها التفسير الخرافي، الذي لا سند له في القرآن ولا في السنة، وتعبّر عن حالة الضعف والتقهقر والتجزئة التي عانتها البلدان الإسلامية في ذلك العصر، فضلاً عن أنها تعتمد النقل والتقليد وتبتعد عن المناقشة والتحليل والاستنتاج.
في رأي المؤلف أن الإقبال على تراث عصر الخراب يكمن في أن مجاله الإبستيمولوجي يشبه المجال الابستيمولوجي لعصرنا، فطرق تفكيرنا في واقعنا وهويتنا ووعينا السياسي والعقائدي، تشبه ما كان موجوداً في عصر الخراب. وهذا كله يرتب على المثقف العربي اليوم مسؤولية تاريخية، فعليه أن يقوم بدور الصانع للحقائق والهادم لكل الأحكام المسبقة، بغية إعادة تكوين الحقائق من جديد لا تقديم الحقائق الثابتة والمطلقة للناس. ما يفرض تكوين وعي تاريخي واقعي عن التراث ووقف التلاعب به بما يخدم السلطتين الدينية والسياسية.
في نظرة إجمالية، نرى أن الكتاب أفلح في الإضاءة على الوجه السياسي للثقافة العربية المعاصرة وفي إعادة التفكير السوسيولوجي حول التراث العربي الإسلامي ومدى تأثير الفئات المهيمنة في رسم خريطة الوعي السياسي العربي. ولكن مع ذلك، يبقى لنا بعض الملاحظات النقدية على الكتاب، والتي تتمثّل بالتكرار والاستعادة التي لا تُشكّل إضافة ذات شأن إلى الفكر الأيديولوجي العربي. وإن كنا نتفق مع المؤلف في أهمية موقع السياسي ودوره في الفكر الفلسفي والديني والاجتماعي، إلا أننا لا نتفق معه في إلحاق الثقافي بالسياسي إلى حد القول بالهيمنة المطلقة للسياسي، على ما درج عليه الفكر الشيوعي في المرحلة الستالينية، فالفكر الإبداعي يتجاوز العصر الذي تمخض فيه ليطاول الهمّ الإنساني في كل العصور، وإلا لما كان للأعمال الفلسفية والأدبية الكبرى القدرة على الاستمرار والتألق رغم مرور الأزمنة.
ولا يعود إخفاق الفكر العلمي إلى أسباب سياسية بحتة، بل إلى أسباب أخرى بنيوية تاريخية لها دورها ويجب أن تؤخذ في الاعتبار. بالإضافة إلى أنّ ثمة تفاعلاً جدلياً يحكم العلاقة بين السياسي والثقافي، وإعطاء الأولوية لأحدهما يشكل إغفالاً لهذا التفاعل واجتزاء للحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.