تبدو القوات النظامية السورية مصممة على تطهير دمشق من كل المجموعات المعارضة المسلحة التي تقاوم بضراوة، لا سيما في الأحياء الجنوبية وضواحي العاصمة المتاخمة لها، حيث يملك المعارضون هناك أماكن تجمع معززة. وإذا كانت الأحياء ال17 التي تتألف منها العاصمة السورية لا تزال كلها مبدئياً في أيدي القوات النظامية، إلا أن هناك جيوباً للمقاتلين المعارضين لا تزال تقاوم لا سيما في جنوب العاصمة وشرقها، وهي مناطق تتصل جغرافياً مع مناطق الريف التي تعتبر قواعد خلفية للمجموعات المقاتلة المعارضة. وخطت المعارك والعمليات العسكرية في دمشق وريفها خطوط تماس لا تقوم على معايير طائفية، كما قد يخطر للبعض، إنما هي رسمت، كما هي الحال في معظم الحروب، بين المناطق الفقيرة والمناطق الأكثر ترفاً. وغالباً ما تتركز المعارك مثلاً في حي القابون (شمال شرق) الذي يقطنه سنة وعلويون، وحي القدم (جنوب) المختلط ايضاً بين سنة وأقلية علوية، بينما يتألف سكان في عربين وداريا وجرمانا وصحنايا التي تشهد عمليات واسعة منذ أشهر من سنة ومسيحيين وعلويين ودروز. ويسعى المقاتلون المعارضون إلى الوصول إلى وسط العاصمة عبر محور يمتد من شمال شرق إلى جنوب غرب دمشق. وأكثر الأحياء توتراً في العاصمة برزة (شمال)، والقابون، وركن الدين (شمال)، وبساتين المزة (غرب)، وجوبر (شرق)، والقدم (جنوب)، وكفرسوسة (جنوب غرب)، والتضامن (جنوب شرق)، ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين (جنوب). ومعظم هذه المناطق، لا سيما الجنوبية منها، تضم عدداً كبيراً من الفلسطينيين ومن النازحين السوريين من درعا وحمص وغيرها من المناطق التي بدأت فيها الاضطرابات قبل الانتقال إلى العاصمة خلال الصيف الماضي. كما أنها مناطق فقيرة وتحوي الكثير من المساكن العشوائية. ويشير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن النظام أقدم على تفجير العديد من المباني في حي التضامن «بحجة عشوائيتها، علماً أنها مبنية منذ زمن، فيما السبب الحقيقي هو تقليص الأمكنة التي يمكن المقاتلين المعارضين الاختباء فيها». ويشير المرصد إلى وجود أعداد كبيرة من الإسلاميين في أحياء العسالي (جنوب) والقدم والتضامن، مؤكداً أن معظم الذين نفذوا عمليات انتحارية في منطقة دمشق يتحدرون من هذه المناطق. وغالباً ما تشكل الأحياء الفقيرة والمهمشة في كل الدول تربة خصبة لتسلح الناس وغضبهم. في منطقة المزة مثلاً، لم تطاول الاشتباكات الأحياء الراقية، إنما البساتين، وفي كفرسوسة كذلك، تتركز المعارك خصوصا في اللوان، الذي هو على تماس مع ريف دمشق. ولا وجود بشكل عام للمجموعات المقاتلة المعارضة في الأحياء البعيدة نسبياً من المعارك في دمشق، مثل قاسيون (شمال) والمهاجرين (شمال غرب) ودمر (شمال غرب) والسروجة (وسط) والقنوات (وسط) والشاغور (شرق) ودمشق القديمة (وسط)، وهي مناطق يسكنها بغالبيتها أناس من طبقات ميسورة يفضلون الأمن والحفاظ على مصالحهم على الانخراط في النزاع.