قبل 30 عاماً قطع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد خطوط الهاتف عن بلدة حماة لمنع انتشار أي أنباء عن حملته ضد انتفاضة شهدتها المدينة عام 1982 وقتل خلالها عدة آلاف من الأشخاص حتى قبل أن يعرف العالم عنها شيئاً. وبعد مرور ثلاثة عقود بدأ ابنه الرئيس السوري بشار الأسد حملة عسكرية مستمرة منذ 18 شهراً ضد انتفاضة مماثلة وعلى رغم تسليط وسائل الإعلام العالمية الضوء عليها إلا أن الرئيس السوري يستطيع الاستفادة من الانقسامات بين القوى العالمية التي تعود إلى الحرب الباردة ومن إحساس متزايد بالعجز وعدم الاكتراث لتجنب التدخل الأجنبي المسلح. ويعتقد كثير من المراقبين أن سورية ينتظرها شتاء دموي مع فشل أي من الجانبين في توجيه ضربة قاضية للطرف الآخر وعدم ظهور أي دلالة تذكر على ضبط النفس. ويقول ناشطون يستقون تقاريرهم من مصادر مختلفة إن أكثر من ألف شخص يقتلون في سورية كل أسبوع بعضهم من مقاتلي المعارضة والبعض من الموالين للحكومة والكثير منهم من المدنيين. وبدلاً من أن يثير العنف غضباً عارماً أكثر من أي وقت مضى فإنه أصاب على ما يبدو العالم الخارجي بحالة من الشلل لم يستطع معها تقديم حلول للأزمة السورية مما أطلق العنان للنظام لزيادة الاعتماد على القوة العسكرية ضد معارضيه الذين بدأوا ثورتهم باحتجاجات في الشوارع وباتوا يقاتلون الآن حرباً أهلية غير متكافئة. وأصبحت الغارات باستخدام القاذفات وعمليات التمشيط التي تقوم بها طائرات الهليكوبتر فوق الأحياء السكنية إجراء يومياً في حين أن الأنباء التي أفادت بمقتل مئات الأشخاص في بلدة داريا قبل ثلاثة أسابيع لم تثر أكثر من مجرد إدانة رمزية في الخارج. وقال جوليان بارنز داسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «هناك تراجع في مدى التفاعل العام مع القضية خارج سورية وهذا يعكس العنف الشديد في الصراع». وأضاف أن (الأزمة) لا تعبئ المجتمعات الغربية للضغط على حكوماتها للتحرك». وحتى إذا شعرت القوى الغربية بضغوط متزايدة للتحرك فسوف تشل حركتها المخاوف من إثارة صراع إقليمي أوسع نطاقاً والعزوف عن تسليح خصوم النظام والخلافات داخل الأممالمتحدة حيث تعرقل روسيا والصين أي خطوات ضد الرئيس السوري. والحالة الواحدة التي وصفتها الولاياتالمتحدة بأنها «خط أحمر» وقد تؤدي إلى تدخل عسكري هي في حالة ما إذا نشر النظام صواريخ مزودة برؤوس حربية كيماوية لكن ذلك لم يؤد إلا لتشجيع الرئيس السوري أكثر وأكثر. وقال بارنز داسي: «قالوا (القوى العالمية) على نحو مؤكد لن نتدخل ما لم يستخدم الأسلحة الكيماوية». وتابع: «شعر الأسد بالحرية في استخدام المزيد من العنف». وأضاف: «زادت وحشية الحكومة والعنف الذي تقوده الحكومة ولم يسفر ذلك عن أي رد فعل». ومما يعكس شعور الحكومة السورية بأن التقاعس الدولي منحها رخصة للتحرك قال ناطق باسم إحدى جماعات المعارضة إن السلطات السورية احتجزت لفترة قصيرة ثلاثة أعضاء من جماعته المعتدلة التي تعمل بتصريح رسمي بعد عودتهم من بكين بوعد بدعم الصين لهم. وقال ناشط بالمعارضة عرف نفسه باسم يعقوب متحدثاً من حي اليرموك بجنوب دمشق حيث يشكو السكان من القصف المتكرر: «لا توجد استجابة من المجتمع الدولي. فقدنا الأمل في أن يهب الناس لمساعدتنا». ولا يضمن الاستخدام المتزايد للقوة العسكرية لواحد من أكبر الجيوش في الشرق الأوسط تحقيق الانتصار للنظام الذي فقد السيطرة على معابر حدودية مع تركيا والعراق ومناطق كبيرة في الشمال وأجزاء في معظم المدن السورية. ولكن بعد اغتيال أربعة من كبار القادة الأمنيين في 18 تموز (يوليو) استعاد النظام السيطرة على معظم أنحاء العاصمة ولا توجد إمكانية تذكر في أن يتمكن مقاتلو المعارضة من الإطاحة به بفضل تفوقه العسكري الساحق لا سيما القوة الجوية. وأدى لجوء النظام إلى الضربات الجوية في مناطق خارج نطاق سيطرته إلى حدوث موجات جديدة من اللاجئين ودفع تركيا إلى المطالبة مجدداً بإقامة «ملاذات آمنة» داخل سورية وهي الفكرة التي سرعان ما تلاشت لعدم استعداد أي حكومة على ما يبدو لحماية هذه المناطق. ويمثل البعد الطائفي للانتفاضة التي تقودها الغالبية السنية ضد النظام المنتمي للأقلية العلوية الشيعية ووجود مقاتلين إسلاميين في صفوفهم مبعث قلق آخر للقوى الغربية. وقال فولكر بيرثيس مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: «لا أحد يريد المخاطرة بظهور أفغانستان أخرى ويدعم المتمردين الذين يتحولون بعد ذلك إلى جهاديين» في إشارة إلى الدعم الغربي للمجاهدين الأفغان الذين حاربوا المحتلين السوفيات في الثمانينات ثم انقلبوا بعد ذلك على الغرب. وألقت أيضاً أدلة على ارتكاب مقاتلي المعارضة السورية لأعمال وحشية بظلالها على الحديث الغربي عن المساعدات وقال بيرثيس: «إذا قدمت دعماً... حتى لو كان دعماً لوجستياً وغير عسكري وإنساني فإنك لا تستطيع تجاهل الأمر إذا بدأت الحركة التي تدعمها في التصرف بنفس طريقة النظام الذي تحاول هي إسقاطه». وقال الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي هذا الأسبوع إن الأزمة السورية لا تزال تحتل مكانة بارزة على جدول الأعمال الدولي لكن الخلافات داخل الأممالمتحدة تصيب القوى العالمية بالشلل وقال العربي للصحافيين في القاهرة: «لا... لا أقول أن العالم فقد الاهتمام... العالم كله لا يعرف ماذا يفعل بالضبط وهذا مخز بالتأكيد لأن الناس يموتون كل يوم». وعلى رغم كل الخسائر البشرية فإن نطاق الاضطرابات والعنف الطائفي الذي أعقب الاحتلال الأميركي للعراق المجاور يجعل أي زعيم أوروبي أو أميركي يفكر ملياً قبل أي تدخل في سورية. لكن بعض المنتقدين يقولون إن الوقوف موقف المتفرج يجب ألا يكون خياراً للحكومات الغربية. وقال أندرو تابلر الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «أسوأ شيء في هذه المرحلة هو عدم اتخاذ أي إجراء... سيؤكد ذلك أن أسوأ كابوس نتوقعه يتحقق». وقال إن الإحجام الأميركي عن مساعدة مقاتلي المعارضة في الوقت الذي بدأت تتخذ فيه الانتفاضة شكلاً عسكرياً منذ عدة أشهر حرم واشنطن من أي نفوذ على الجماعات المسلحة وأصبحت غير قادرة على منع وصول الأسلحة إلى العناصر الإسلامية المتشددة. وأضاف أن ذلك قد يزيد من مخاطر تحول سورية من دولة يسيطر عليها حلفاء إيران عدوة أميركا إلى دولة يديرها إسلاميون مناهضون للغرب ولو أن ذلك لن يحدث إلا بعد قتال طويل الأمد. وقال تابلر: «النظام لن يسقط بسهولة... سيكون شتاء دموياً للغاية».