‏أمير جازان يطّلع على التقرير السنوي لأعمال الجوازات بالمنطقة    HONOR تكشف عن جهاز HONOR MagicBook Art 14 2025 الفائق النحافة    محافظ صبيا يستقبل رئيس البلدية المعين حديثًا    نائب أمير تبوك يستقبل المواطن حمود الحويطي المتنازل عن قاتل شقيقه لوجه الله تعالى    أمير جازان يستقبل رئيس مجلس الجمعيات الأهلية بالمنطقة وأعضاء المجلس ويطلع على التقرير السنوي    نائب أمير الشرقية يتسلم التقرير السنوي لأعمال فرع هيئة الهلال الأحمر بالمنطقة    أمير المدينة يفتتح ملتقى "جسور التواصل"    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان وأعضاء فريق قافلة طب الاسنان التوعوية الخامسة    المملكة تدين وتستنكر استمرار الانتهاكات الإسرائيلية في سورية    وزير الخارجية يصل إلى تونس في زيارة رسمية    تعليم الطائف يدعو الطلبة للتسجيل في بطولة الأولمبياد العالمي للروبوت (WRO)    جمعية رواد العمل التطوعي تنفذ ورشة عمل تحت عنوان "إدارة الفرص التطوعية"    القيادة تهنئ رئيس جمهورية طاجيكستان بذكرى استقلال بلاده    القبض على (22) مخالفًا لنظام الحدود لتهريبهم (320) كيلوجرامًا من "القات" بجازان    منصة التقييم الذاتي تمكن أكثر من 117 ألف منشأة من تعزيز امتثالها وتحول الرقابة إلى ممارسة مؤسسية مستدامة    مؤثرون ومشاهير    إعطاء أفضلية المرور يسهم في تحقيق السلامة المرورية    ولي العهد يلقي الخطاب الملكي في مجلس الشورى غدا    فييرا: "السعودية مركز عالمي للرياضات القتالية"    الأهلي يبتعد عن الأحمد    دراسة متخصصة: ثقة الجمهور بالإعلام الرقمي "متوسطة" وتطوير مهارات الصحافيين مطلب    النائب العام يرأس وفد المملكة في مؤتمر الرابطة الدولية للمدعين العامين بسنغافورة    وزارة الصناعة والثروة المعدنية و ( ندلب) تطلقان المنافسة العالمية للابتكار في المعادن    رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه يحضر أول مواجهة"Face Off" بين كانيلو وكروفورد    الذهب يرتفع إلى 3651.38 دولار للأوقية    إثيوبيا تدشن اليوم سدا ضخما لتوليد الطاقة الكهرومائية    نيبال تتراجع عن حجب مواقع التواصل الاجتماعي    الجيش اللبناني ينتشر في الجنوب لضبط الأمن    بدء استقبال طلبات تراخيص«الحراسة الأمنية»    نائب أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة الزامل    أطلقها وزير الموارد البشرية لتعزيز صحة العاملين.. لائحة لخفض معدل الأمراض والإصابات المهنية    9 إجراءات إسبانية ضد إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية    «السفارة بجورجيا» تدعو المواطنين لتحديث جوازاتهم    قاتل المبتعث «القاسم» يدعي «الدفاع عن النفس»    الفرنسي «ماتيو باتويلت» يحمي عرين الهلال حتى 2027    في ختام معسكره الإعدادي.. الأخضر يرفض الخسارة أمام التشيك    تجاوزو فان بيرسي.. ديباي هدافاً ل «الطواحين»    محامي الفنانة حياة الفهد ينفي دخولها في غيبوبة    أنغام تشدو من جديد في لندن ودبي    تفاهم بين «آسان» و«الدارة» لصون التراث السعودي    دواء جديد يعيد الأمل لمرضى سرطان الرئة    140 ألف دولار مكافأة «للموظفين الرشيقين»    "الصحة" تستكمل التحقق من فحوص اللياقة والتطعيمات للطلبة المستجدين    يوم الوطن للمواطن والمقيم    إصبع القمر.. وضياع البصر في حضرة العدم    عندما يكون الاعتدال تهمة    حين يحترق المعلم يذبل المستقبل    50.2 مليون بطاقة صراف آلي تصدرها البنوك    33.8% زيادة عالمية بأسعار القهوة    علاج جديد لارتفاع ضغط الدم بمؤتمر طبي بالخبر    ضبط 68 مروجا و603 كيلوغرامات من المخدرات    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: "التماسك بين الشعب والقيادة يثمر في استقرار وطن آمن"    إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع "مجتمع الذوق" بالخبر    تحت رعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام    وزير الحرس الوطني يناقش مستجدات توطين الصناعات العسكرية    صحن الطواف والهندسة الذكية    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    رقائق البطاطس تنقذ امرأة من السرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لحظةُ النصّ الذاتية
نشر في الحياة يوم 15 - 09 - 2012

حين نتأمل في العملية الإبداعية نبدأ غالباً بالسؤال: هل يجب أن نثق بالشّرارة الأولى، شرارة الإلهام التي ابتكرها الرومنطيقيون وكانت بمثابة صلة الوصل بينهم وبين قوى الكون الخفية، الهاربة من سلطة العقل، المتوارية في مجاهل اللاوعي؟ أليست هي لحظة اصطدام الفكرة بحجر الكلام؟ كيف يمكن الكاتب أن يحوك بثقة، ومن دون تردّد، خيوط فكرته؟ هل ثمة حقاً ما يستحقّ وصفه بالموضوع، أصلاً، يمكنه أن يضفي وهم التناغم على النصّ؟
غالباً، ما تبتكر الكتابة قوانينها الذاتية، بمعزل عن إرادة المؤلف، ويهجرُ الكاتبُ الموضوعَ أو الفكرة إلى شيء آخر. هل لأننا نقولُ دائماً شيئاً آخر حين يرهق الموضوع كاهلنا، وتصير زلّة القلم أكثر صميمية من كلّ خطاب؟ وما الأسلوب الذي يجب أن نعتمده لبلورة الشرارة الأولى؟ أهو الأسلوب الواقعي، أم السوريالي، أم الرمزي، أم التجريدي، أم الانطباعي؟ أيّ مزيجٍ من الإيحاء والعاطفة والفراغ ينبغي أن نستخدم لابتكار فضائنا اللغوي؟ أي رقصة ينبغي أن نؤدّيها بين أنقاض الصور والكنايات والرموز؟ أليس من الأفضل أن نهجرَ كلّ شرط مسبق، ونختار التراسل الحر للأفكار، والتدفّق العفوي للعواطف، والبريق الهادئ للمشاعر، نختار الهذيان في أشفّ حالاته، على طريقة جيمس جويس في رائعته «عوليس»؟ ألا تقودنا تلك الشفافية، التي تعكس حركة اليد على الصفحة البيضاء، إلى تأتأة لمّاحة أكثر فصاحة وإفصاحاً من كلّ كلام؟!
غالباً ما ندوّن الهلوسةَ، إذاً، من دون مونتاج أو تنقيح. نتركها مثلما تأتي أو تهبط، مباغتة، متناقضةً، ومعتمةً. الجرح الأول الذي يتسبّب به برقُ المخيلة، قد يكون هو الأبلغ، والأكثر ديمومةً. نتمثّلُ صيغةَ رامبو في تشويش الحواس، والانفتاح الكلّي على الإشراقات الدّاخلية. نتحرّكُ من المحسوس إلى المجرّد، ومن الحضور إلى الغياب. نتذوق بالعينين، ونلمسُ بأصابع الضوء. نلعبُ بالألوان، والحركات، والأخيلة. نبدّل وظيفة الرموز والصور. نمحو ذاكرة المفردات، نتعجّبُ، نحارُ، نتناقض. أليست الفوضى جزءاً لا يتجزأ من نسيج النصّ؟ ألا يشكّل الخروجُ عن الإيقاع في الشعر إيقاعاً آخر؟ نفكّر في صرخة إليوت في (الأرض الخراب): «يا ابنَ الإنسان، أنتَ لا تستطيعُ أن تقولَ أو تتكهّنَ، لأنّكَ لا تعرفُ سوى هشيم من الصّور المحطّمة». هذا ينطبق على فنّ الكتابة أيضاً. ما الذي نعرفه سوى الهشيم؟ هشيم الرموز والأفكار والصور. وهل يمكن أن ندركَ ما لا يُدرك؟ نتأمّل الصور، والأصوات، والإشارات، والأصداء، لا نسعى إلى معرفة نهائية، أو حقيقة عليا، أو برهان حاسم. نقتفي خطوات الأعمى بورخس، ونتلمّس الظّلال العابرة في العتمة، متكئين على عكّاز الحدس، ندوّنُ جوهرَ العبورِ من ضفّة إلى أخرى.
لا نستخدم الوزن أو القافية لأنها تمثل قيوداً على النصّ. بعضنا يفضّل موسيقى النثر الحرّ، الزاخر بإيقاع الأشياء حولنا، وفي داخلنا. إيقاع العبارة أو المقطع، المتأتي من التناسق العامّ لحركات الإعراب، وسيمفونية النحو والصرف، القائمة على جدلية السّكون والحركة. فالنثر، كالشعر، نمطٌ لغوي مموسق، وأدواتُهُ الصور المدوّنة، المسموعة والمرئية معاً. ولكي ننقل المعنى، ينبغي أن لا نكتفي بالصورة المرئية، بل يتوجّب معانقة اللامرئي، عبر الإصغاء إلى ما يسمّيه رولان بارث هسهسة اللّغة، بالاتكاء على شعاع الحروف، وكيمياء الكلام. من هنا، لا ينبغي للنص أن يقول أو يفصحَ أو حتّى يدلّ. حسبه أن يكون هيكلاً من الحبر على مساحة عمياء من البياض.
ولكن أليست اللّغة، في مستوياتها الرمزية، خيانة للمعنى؟ أليست محاولة يائسة للهروب من فخّ الدلالة؟ الكتابةُ، في كثير من حالاتها، تدوينٌ عسيرٌ للحظةٍ مغدورة فقدت نضارتَها. إنّ أقصى ما يستطيع النصّ فعله هو الاقترابُ من ذاك الصّدى الذي نسمّيه «حياتَنا». من هنا، قد تكون الكتابةُ وقوفاً على الأطلال، واستعادة رثائية لعالم يسقط، شيئاً فشيئاً، في الأفول. ليست حياتنا سوى ذكرى لحدثٍ يتحوّل، لحظة حدوثه، إلى صدًى للصّدى. والحديثُ عن الصدى لا ينفصلُ عن الحديث عن اللّغة، لأنّ جوهرَها مجازٌ منزاحٌ عن أصله. من هنا، لا نكتبُ من أجل أن نقنصَ «الحقيقة» بل لكي ندوّن صدى عبورِنا في العالم، ونخلّدَ الأثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.