"أرامكو" ضمن أكثر 100 شركة تأثيراً في العالم    رصد 8.9 ألف إعلان عقاري مخالف بمايو    الإبراهيم يبحث بإيطاليا فرص الاستثمار بالمملكة    "كروم" يتيح التصفح بطريقة صورة داخل صورة    تدريب 45 شاباً وفتاة على الحِرَف التراثية بالقطيف    ضبط مقيمين من الجنسية المصرية بمكة لترويجهما حملة حج وهمية بغرض النصب والاحتيال    اختتام ناجح للمعرض السعودي الدولي لمستلزمات الإعاقة والتأهيل 2024    أنشيلوتي: كورتوا سيشارك أساسيا مع ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا    ثانوية «ابن حزم» تحتفل بخريجيها    ترمب يصف محاكمته الجنائية في نيويورك بأنها «غير منصفة للغاية»    ضبط مواطنين في حائل لترويجهما مادة الحشيش المخدر وأقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    «الربيعة» يدعو إلى تعزيز المسؤولية الدولية لإزالة الألغام حول العالم    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم بزيارة تفقدية    شولتس: إصابات "بالغة" إثر هجوم "مروع" بالسكين في ألمانيا    أمر ملكي بالتمديد للدكتور السجان مديراً عاماً لمعهد الإدارة العامة لمدة 4 سنوات    مفاوضات غزة «متعثرة».. خلافات بين إسرائيل وحماس حول وقف الحرب    كذب مزاعم الحوثيين ..مسؤول أمريكي: لا صحة لاستهداف حاملة الطائرات «آيزنهاور»    الذهب يستقر قبل بيانات التضخم الأمريكية    الهلال يبحث عن الثلاثية على حساب النصر    مورينيو يختار فريقه الجديد    حجاج مبادرة "طريق مكة" بمطار سوكارنو هاتا الدولي بجاكرتا    «الجمارك»: إحباط تهريب 6.51 مليون حبة كبتاغون في منفذ البطحاء    وكيل إمارة حائل يرأس اجتماع متابعة مكافحة سوسة النخيل الحمراء    فاتسكه: دورتموند قادر على تحقيق شيء استثنائي أمام الريال    خلافات أمريكية - صينية حول تايوان    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والنبوي    فيصل بن فرحان يلتقي وزير الخارجية الصيني و وزير الخارجية العراق    رياح مثيرة للأتربة والغبار على مكة والمدينة    إسلامية جازان تقيم ٦١٠ مناشط وبرنامج دعوية خلال أيام الحج    5 مبتعثات يتميّزن علمياً بجامعات النخبة    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    ترقية 1699 فرداً من منسوبي "الجوازات"    "سامسونغ" تستعد لطرح أول خاتم ذكي    المملكة ضيف شرف معرض بكين للكتاب    توجيه أئمة الحرمين بتقليل التلاوة ب"الحج"    أطعمة تساعدك على تأخير شيخوخة الدماغ    الرياضة المسائية أفضل صحياً لمرضى للسمنة    البنك الأهلي واتحاد «القدم» يجددان الرعاية الرسمية للكرة السعودية    الغامدي يكشف ل«عكاظ» أسرار تفوق الهلال والنصر    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    جدة تتزين لأغلى الكؤوس    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الخريف لمبتعثي هولندا: تنمية القدرات البشرية لمواكبة وظائف المستقبل    «الدراسات الأدبية» من التقويم المستمر إلى الاختبار النهائي !    كيف تصبح زراعة الشوكولاتة داعمة للاستدامة ؟    5 أطعمة غنية بالكربوهيدرات    المملكة تستضيف الاجتماع السنوي ال13 لمجلس البحوث العالمي العام القادم    المعنى في «بطن» الكاتب !    كيف نحقق السعادة ؟    العِلْمُ ينقض مُسلّمات    الحوكمة والنزاهة.. أسلوب حياة    تشجيع المتضررين لرفع قضايا ضد الشركات العالمية    عبدالعزيز بن سعود يلتقي عدداً من المواطنين من أهالي عسير    عبدالعزيز بن سعود يطلع على عدد من المبادرات التنموية التي تشرف على تنفيذها إمارة عسير    أمير القصيم يكرم 7 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز    حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة تبوك    تكريم الفائزين بجائزة الباحة للإبداع والتميز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«السيدة» تصنع معركتها الوجودية مسرحياً
نشر في الحياة يوم 27 - 06 - 2012

تماماً، مثل امرأة ترتدي زيّ الدون كيشوت، فضفاضاً عليها، تحارب السيدة غادة (42 سنة) ألمها بطريقة عبثية مسرحية؛ فهل كانت تعلن حربها على ذاتها حتى الفناء أم أن المدينة (دمشق) هي التي صنعت معركتها الوجودية؟ ما يجعل هذه الشخصية المسرحية واقعية ومتوهمة بوجودها، ليس فقط السياق الاجتماعي الصرف في نص الكاتب السوري عبد الله الكفري ، بل بناءً على اختلاق الكفري مُسمّى الشخصية على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، حيث كان ينطق بلسانها بين العامين (2009– 2011)، حديثاً شفيفاً عن الرجل وعن دمشق، المدينة التي لا يفرح جميع من فيها بالمطر، كما قالت غادة مرّةً.
وبغضّ النظر عمّا كانته غادة افتراضياً، فالنصّ المسرحي «عتبة الألم لدى السيدة غادة» (صدر في طبعة خاصة، بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون) لم يكن بالضرورة مبنياً على ملامحها الأولية، بقدر ما هو نتاج تدريب الكاتب على الحديث بلسان نسويّ جماعيّ، غير مُتعصّب على نحوٍ مطلق للمرأة، ثم إعلانه انتهاء عمر غادة افتراضياً، واختلاقها من جديد مسرحياً.
يتلخّص الشرخ النفسي لدى غادة، في أن زوجها وجيه المترجم الأقرب إلى الشاعر، مات وهو يضاجع صديقتها سعاد. وتظهر سمات غادة، في هذه الحادثة، كزوجة ساذجة، غير متعمّقة في ما يجري حولها. إنها الشخصية النمطية، لموظفة حكومية، لا تستطيع الفصل بين ما يترجمه زوجها من اللغة الروسية من كلمات لشاعره المفضّل باسترناك، وبين كلامه العادي، فهي ترى أفعاله الاعتيادية أشياء تدعو إلى الشعر. هذا الشرخ المؤلم الذي لا يظهر أبداً وفق شكله الموسّع المأسوي في النص، إنما في سياق الحوار النصي الروتيني، سيجعلنا نفهم، لما تذهب غادة لاحقاً إلى عيادة الطبيب ربيع (48 سنة)، لتجري عملية تجميلية عصرية (شفط الدهون)، قد تجعلها كما كانت في صورتها قبل ست سنوات. إنها تريد العودة إلى الماضي، نفسياً وجسدياً، لبنائه من جديد، أي أنها تعلن مسؤوليتها المباشرة عن تلك الخيانة الزوجية، التي جعلتها أرملةً خاسرةً مرّتين، وفي الباطن تريد هدم مستقبلها المبني على الخيانة. لكنَّ طبيعة العلاقة بين ربيع كطبيب وغادة، فيها شائبة ما، فنوع الحديث بينهما، وتصاعده لاحقاً، يوحيان بما يتوارى بين الكلمات. سألت غادة ربيع كل الأسئلة الطبية المُلحّة، ولم تدرك أن ندوب الجرح ستجعلها لا تستطيع النظر إلى بطنها سوى في العتمة.
استدعت غادة كل إلغازها كشخصية مفترضة سابقاً على الفايسبوك، وهي في النص تتصفّح، صفحة شخص يكتب عنها باستمرار، أو لعلّه يكتب عن غادة أخرى؟ المهم أنها تتماهى مع كونها امرأةً مرغوباً فيها بشدة لدى الطرف الآخر (الرجل)، وقد تكون مخطئة أو متوهّمةً ذلك، لتصلح عدم رغبة وجيه فيها (الخيانة).
الأمّ منى (68 سنة) التي تتشبّث بقيم دينية يحكمها بها زوجها، تلعب دوراً مهماً في حالة الألم الدائم الذي تعيشه السيدة غادة. فهي أداة قمع حريتها، وعيشها مستقلة في بيت زوجها المتوفى. إنها نظرة المجتمع الصارمة التي تلاحق ابنة متمردة، ولا تبدو غادة رغم كل تلك الضغوط الاجتماعية، راغبة في تحرّر كبير، فهي تكبح حتى علاقتها بطبيب الأسنان أنس (40 سنة)، إنها غير قادرة على الصراع الإيجابي لتطوير حياتها، فقط، تتلوى من الدهون الزائدة عند بطنها، وتضطرب من رائحة أسنانها الكريهة. لقد استعان الكاتب، بطبيبين غالباً من أجل تكثيف النصّ، وبناء حوار علميّ واقعيّ، بين المريضة وطبيبي التجميل والأسنان، حوار يتداخل فيه المفهوم الطبّي مع الاجتماعي، وتصبح إبرة البنج، قبل حشو الضرس، اختباراً لعتبة الألم الجسدية لدى غادة، ومن ثمّ رمزاً لعتبة الألم النفسية المتفاقمة في استيعابها، ثم انفجارها دفعةً واحدة، مع امتلاك ثقافة متدنية، لا تُمكِّن من تعديل أذى الآخرين كي يصبح دافعاً إلى الحياة لا إلى الموت.
عزلة الذات
ما من وسيلة تعيد غادة إلى العالم الواقعي، فهي تبني يومها على معطيات فردانية، وتعزل ذاتها مرةً بعد أخرى عن الآخر، الذي هو غير مرئيّ، وثيمة نص «عتبة الألم لدى السيدة غادة» (تم إنجازه أثناء إقامة «بيت الكاتب» الأدبية/ مؤسسة المورد الثقافي)، هي أنه نصٌّ عن صراع الوهم، وهم الوجود في مساحة ضيّقة، مفروضة من المدينة الرمادية.
السيدة غادة رديفة المجتمع الدمشقي، طوّرت بناءً على نصائح تلقّاها الكفري من أصدقاء عدّة، وهي في النص تفتقد ما يكمل قصتها المبتورة، إذ تستلقي محروقة الجسد على سرير عيادة ربيع، لتكون فيزيولوجياً المسخ النفسي داخلها، وموضوع أن تكونه مسخاً حقيقةً، هو نتيجة حتمية لصراعها الدون كيشوتي مع مدينة تلفظها طوال الوقت، لذا هي غير مستقرة، لا في علاقتها بوالدها (الذكر الأول في حياتها)، إذ تزور منزل العائلة حين يكون متغيّباً لقضاء فروض الصلاة، ولا في علاقتها الجديدة بأنس الأرمل، الذي يتردّد أكثر منها في التقرب.
كُتب النصّ (قدمته نقدياً الممثلة حنان الحاج علي) بلغة فصحى سهلة، بينما تبدو المشاهد العشرين متماسكةً من حيث بنية الحدث الدراماتيكي، وفي المشهد الثالث تُخطِئ غادة بين أمرين، إذ تنقطع عن تنظيف الأرض لتجري حديثاً هاتفياً، فتعود إلى تنظيف أسنانها، كدليل على استحالة إصلاح نظرتها إلى المحيط، المتماهية مع نظرتها إلى داخلها، والمختزَلة في هذا الداخل الصدئ التالف.
الرجل (أنس أو ربيع) في هذا النص هو الطبيب المصلح للجسد، وهو مع ذكورته، يصلح عطباً ذكورياً سابقاً ألحقه الزوج، لكنّ ربيع يقف عاجزاً أمام حروق غادة، وعجزه عن دفع تكلفة مادية باهظة لعلاجها، كما يفعل أنس الطبيب القادم من دير الزور، الشيء ذاته، فغادة كما دمشق، رحلة مفروضة لا اختيارية، كما أن غادة لم تزر دير الزور في حياتها، لتبقى مرتهنةً في حلم اليقظة، في دمشق، لنتساءل أخيراً: هل غادرت الشخصيات جميعها مُدُنَها يوماً؟.
- تقام حفلة توقيع النص المسرحي «عتبة الألم لدى السيدة غادة»، في مقر الصندوق العربي للثقافة والفنون (بيروت)، في 3 تموز (يوليو) المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.