ما زالت «منارة السعديات» في أبوظبي تستقطب زوار جزيرة السعديات الظبيانية، بل بدأ المكان يغلي بالحركة أخيراً مع استضافة المكان شخصيات وأحداثاً ثقافية منوعة، بعضها عالمي، ومنها أمسية «آرت سكيب» التي تلونت معها القاعات بجموع من مختلف الجنسيات، أفراداً وعائلات ونسبة كبيرة من الأطفال. وكانت «آرت سكيب» جزءاً من معرض تنظمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تحت شعار «كنوز ثقافات العالم»، انطلق في نيسان (أبريل) الماضي ويستمر حتى 17 تموز (يوليو) المقبل، ويتضمن أحداثاً نجحت خلال الشهر الأول في استقطاب 13 ألف زائر تقريباً. وفي «آرت سكيب»، أقيمت عروض موسيقية حيّة ورقص وشِعر، إلى جانب ورش العمل للصغار والكبار. واستوحت الأمسية مواضيع غنية من المعرض الذي يضم أكثر من 250 قطعة تروي قصصاً عمرها آلاف السنين للاحتفال بالإنجاز الإنساني والتعبير الثقافي حول العالم. وبالتعاون مع المعهد الفرنسي والرابطة الثقافية الفرنسية، كان الجمهور على موعد مع الفنانين مو لودي وإتيان ترون اللذين عرضا براعتهما في تنسيق الموسيقى، فمزجا الإيقاعات الأفريقية والآسيوية والأوقيانيوسية وأخيراً الأميركية في توليفة مستمدة من أرشيف متحف «كاي برانلي». وانخرط الزوار من كل الأعمار في صنع الأواني باستخدام تقنيات قديمة، مع هوما فارلي، وهي مصممة أوان خزفية حاصلة على جوائز ومعلمة صناعة الفخاريات في استوديو «أبوظبي بوتري». وبدا أن الأطفال جمهورها الأكبر، إذ لفتت انتباههم العجلة المستلهمة من قطع «كنوز ثقافات العالم»، وعنهم تقول فارلي: «إقبال الأطفال ساعدني في مزج المتعة لديهم، مع تشرّبهم للمعلومات التاريخية». أما أكثر النشاطات جاذبية فكان «الغذاء البطيء مع باسكال سفارا»، الطاهي الإيطالي الشهير الذي تحلّق الناس حول مطبخه المكشوف، وهو انهمك في الكلام للأطفال وذويهم عن أهمية «الطعام البطيء»، في مواجهة «الوجبات السريعة»، وبعضهم صنع أطباقاً خاصة به. وقال سفارا ل «الحياة»: «أحاول تعليم الناس التذوق، وأن يأكلوا في شكل أفضل ليشعروا أنهم أفضل من الداخل». وخلال عرضه، حاول حض جمهوره على الانتظار وقتاً كافياً للحصول على المذاق والقيمة الغذائية. وأضاف أن «المطبخ العربي يشبه الإيطالي من ناحية المجهود المبذول فيه، وكذلك الفرنسي، هي المطابخ الأفضل حول العالم. وكلما طال وقت تحضير الطعام يكون ألذ، تماماً كما الحب!». بالانتقال إلى أجواء الحركة والأساطير، تبدت الهند القديمة مع راقصات قدمن لوناً تقليدياً من رقصة «باراثاناتيام» الجنوبية، و»كاثاك» و»أوديسي» من شرق الهند، وهي ليست من الرقصات الهندية الشائعة عالمياً، وذلك للتعريف بجوانب مخفية من تلك الحضارة الغنية. واستوحيت اللوحات الراقصة من قطع أثرية قديمة موجودة في المعرض وتعود إلى مناطق «تاميل نادو»، «راجستان»، «كوجارت» و»أوريسا». وترتبط مواضيع عروض أوديسي وباراثاناتيام، وهي أحد أقدم الألوان الفنية الهندية، إلى نصوص «ناتياشاسترا» التي صاغها الحكيم «بهارتا»، بحركات رشيقة وحسية كمنحوتة فنية تعزل حركة الرأس، فيما تركز بقية الحركات على الأقدام، ممثلة احتفالية بالحب والحياة. وقدمت سفارة جمهورية أندونيسيا فقرة موسيقى «الجاميلان»، باستخدام آلات خاصة، منها «الماتالوفونز» و»الإكسيلفون» المصنوعة يدوياً، والتي يضم المعرض أدوات مشابهة لها. ويشرح سلمان الفارسي، السفير الإندونيسي لدى الإمارات، أن «الجاميلان» من أشكال الموسيقى الإندونيسية القديمة، خصوصاً في جزيرتي بالي وجاوة. وبالتعاون مع «معهد غوته»، قدّم الفنان الألماني يوهانس هافنر، عرضاً للطباعة الفنية، معرّفاً بتاريخ ألمانيا الطويل في هذا المجال منذ ألبريخت دورير وحتى اليوم، إضافة إلى ورشة عمل بعنوان «إصنع كنزك» المستوحاة فكرتها من اللوحات والقطع الأثرية في المعرض. كما شاهد الحضور البرنامج الأساسي للأعمال المرشحة لجوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام القصيرة «بافتا 2012»، الذي ضم أفلاماً ورسوماً متحركة تعكس ثقافات العالم، من إخراج صنّاع أفلام عالميين، بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني. وأخيراً، دُعي الزوار والمقيمون إلى المشاركة في مشروع «رسم خريطة أبوظبي»، التابع لمؤسسة الشارقة للفنون بتكليف من أليكسيس باغات وليز موغل، وتقوم الفكرة على إنتاج خريطة مبتكرة تفاعلية تسلّط الضوء على أهم المواقع في أبوظبي في حياة السكّان.