إذا تحدثنا على الصعيدين الأخلاقي والفلسفي، فإن الاهتمام بحماية حقوق الإنسان وكرامته وعدم تعرضه للامتهان، هو تقليد قديم، فعلى رغم كون المجتمعات الأوّلية قد أقرت نظام الرق، إلّا أن الحضارات العريقة «شرقاً وغرباً» أقرّت أيضاً بقدسية الإنسان على حد تعبير الفيلسوف الروماني سينيكا، الواجب الآدمي الذي كرّسته قيم الأديان السماوية الثلاثة، ومبادئ المعتقدات المختلفة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، هذا التكريس الديني والأخلاقي والفلسفي لحقوق الإنسان انتقل تدريجياً إلى دائرة القانون، فتطبّع بصفة الإلزام القانوني الدولي المعاصر، يعني المسألة محسومة، ومع هذا فإن المضمون الفعلي لحقوق الإنسان ليس محل اتفاق عام بين الدول لاختلاف نوعية المجتمعات البشرية وأنظمتها السياسية، فالمضمون التطبيقي لحقوق الإنسان يتكيّف ببيئته، فإما يتفاعل مع استقرار الجماعة، أو يتدهور بزعزعة الأوضاع. وبصراحة أكثر نعتقد أن حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي ينبغي أن يتمتع بها البشر بلا تمييز بين جنس أو دين أو لغة، وبلا تفريق بين الرجال والنساء، فتكون حقوقاً أساسية لصيقة بالمرء لا يجوز حرمانه منها وفي مقدمتها حقه في الحياة، هذه الحقوق تأتي عند المنطقة العربية وتشعر أنها لا تكتسي أهميتها كما في الدول المتقدمة، فيموت الإنسان نتيجة خطأ طبي ولا عقاب يعادل الجرم، يموت أفراد العائلة في حادثة سير بسبب حفرة نسي العامل أن يغطيها في الشارع، ولا يطال الشركة المسؤولة شيء يذكر، يعنّف الأطفال والنساء في مؤسسة الزواج ونفرح إن سمعنا بملاحقة قانونية طالت مجرد واحدة من حالات لا تُحصى، وهكذا يرتفع عدد ضحايانا وقتلانا وتتضاعف حكايات الإهمال والاعتداء والتسيّب، فنتعود على تكرارها اليومي ولا تعود تثيرنا. سمِّ لي بلداً عربياً يمكن لمواطنه أن يقاضي موظفاً في محل للقهوة غفل أن يقدم إليه كوب القهوة الساخن مع حامله الورقي، فينزلق الكوب ويحترق الزبون ببعض شراب القهوة المسكوب، فإذا قرر المواطن المتضرِّر أن يقاضي الموظف أو المؤسسة ككل، تفهّم القاضي موقفه الإنساني، فجاء الحكم بتعويضَيه المادي والأدبي في مصلحة المدّعي، أعطني بلداً عربياً شهد هذه الواقعة، لنشعر أن الإنسان العربي مكرّم في وطنه وله قيمته التي لا يسمح بتجاوزها ولو ببضع قطرات من قهوة سُكبت خطأ، وبالمناسبة قصة القهوة والقضية كانت لسيدة أميركية مع فرع من سلسلة فروع محال القهوة المشهورة بشعارها، وأعتقد أن التعويض المادي الذي حصلت عليه السيدة سينال بخيره حتى أحفادها، وإن كان الأهم من التعويض المادي الاعتذار الأدبي والرسالة التي تضمّنها الحكم في وجوب احترام آدمية الإنسان في كل الأحوال. جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 متضمناً القيم المشتركة بين مختلف الجماعات البشرية، وداعياً إلى احترام تلك القيم بلا استثناء، إلّا أن أهم اتفاقين عالميين وشاملين تم التوقيع عليهما في عام 1966 هما: اتفاق الحقوق السياسية والمدنية، واتفاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وإن دخل الاتفاق الدولي للحقوق السياسية والمدنية مرحلة النفاذ في عام 1976 بعد تصديق العدد اللازم من الدول عليه، فكيف وحماية حقوق الإنسان ألصقت منذ البداية بحفظ السلم والأمن على الصعيدين الوطني والدولي، كيف وهذه الحال يقتل الشعب السوري ويذبح بالسكين على مرأى من المجتمع الدولي؟ لأن قيمة المواطن السوري في بلده من الأصل مهدورة، فلِمَ يقوم الغريب بما فرّطت فيه إلّا حفظاً لصدقيته لا صدقيتك!! وللأسف هذا ما نعوّل عليه! [email protected]