لم أشعر بحماسة كبيرة حين بات جنوب السودان في 9 تموز (يوليو) من العام الماضي دولة مستقلة ذات سيادة وأقررت حينها بعدم إمكان تفادي هذا الانفصال الذي حظي بدعم سكان جنوب السودان. ومنذ القرن الثامن الميلادي، غزت القوى العربية والقوى العربية-الإفريقية شمال السودان واحتلته فيما بقي الجنوب بمنأى عن هذه الأحداث. وفصلت الإدارات البريطانية بين الشمال والجنوب غير أنها دعمت عام 1946 فكرة قيام سودان موحّد ومستقل. ووجدت فارقاً كبيراً بين العرب والمسلمين في الشمال وبين الأفارقة والمسيحيين في الجنوب وحاولت معاملة كل فريق بطريقة مختلفة. وحين حصل جنوب السودان على استقلاله، أمل المجتمع الدولي في أن يتعلّم البلدان التعاون مع بعضهما بعضاً حول إنتاج النفط. فنسبة 80 في المئة من النفط موجودة في جنوب السودان ويجب تصديرها عبر خط أنابيب طويل إلى بور سودان في الشمال. إلا أنهما أخفقا في العمل مع بعضهما بعضاً. وطالب الشمال بتسديد رسوم كبيرة مقابل استخدام خط أنابيب النفط فيما لم يكن الجنوب مستعداً لتسديد هذه الرسوم. ومن ثمّ بادر الشمال إلى بيع نفط الجنوب وكأنه ملكه فاضطر الجنوب إلى وقف إمدادات النفط. وفي ظلّ عقود من المرارة والكره يصعب إيجاد فسحة تفاؤل. ويسعى الرئيس البشير إلى تعزيز موقعه في الخرطوم فيما تحصل إبادة في دولته. فقد فرّ حوالى 23 ألف شخص إلى الجمهورية الجديدةلجنوب السودان، علماً أنّ عدد الوافدين إليها يتراوح بين 300 و 500 شخص كلّ يوم. وصبّ الرئيس البشير الزيت على نار الأزمة، فأعلن أنّ جيشه سيسير باتجاه جوبا، عاصمة جنوب السودان. والأسوأ هو أنه استخدم إلى جانب داعميه المتشددين لغة عنصرية ضد سكان الجنوب الذين وصفهم بالحشرات. ورأى الأشخاص الذين يملكون ذاكرة جيّدة أنّ الإبادة في رواندا بدأت حين نعت الهوتو خصومهم التوتسي بالصراصير. وندّدت الأمم المتحدّة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدّة بإرسال جنوب السودان قواته إلى بلدة هجليج. ويطلق جنوب السودان على هذه المنطقة اسم بانتو، معتبراً أنها تشكّل جزءاً من اراضيه. وفي عام 2009، أصدرت محكمة التحكيم الدائمة حكماً ينص على أنّ هجليج الواقعة خارج الحدود المتنازع عليها في أبيي، تعود الى السودان. ولا يتمّ السماح للصحافيين بالدخول إلى هجليج كما لا توجد ارقام موثوقة حول عدد الضحايا الذين سقطوا. ومن الضروري ان يدرك أمين عام الأمم المتحدّة بان كي مون أنّ أداء المنظمة حيال العلاقة المتردية بين شمال السودان وجنوبه لم يكن على المستوى المطلوب. وحين حصل الجنوب على الاستقلال، حذّر المراقبون من إمكان حصول قتال بين الجانبين. وتمّ نشر قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدّة تضم آلاف الجنود. ويتساءل الديبلوماسيون في الأمم المتحدّة عماما إذا كانت الصين التي تعتمد بشكل كبير حالياً على النفط السوداني مستعدّة للقيام بمبادرة ديبلوماسية. لكن يجب أن تقنع الخرطوم اولاً بتقليص رسوم النقل مقابل استخدام خط الأنابيب. وهناك شكوك في إمكان تطبيق اقتراح آخر يقضي بوجوب إقامة خط أنابيب جديد يمرّ عبر كينيا وتموّله بكين. ويبدو ذلك جيّداً على الخريطة لكن كم من الوقت سيستغرق بناء خط أنبوب مماثل وهل تعدّ كينيا بلداً مستقراً لذلك؟ * سياسي بريطاني ونائب سابق