أنهار قديمة تحت الجليد    الذكاء الاصطناعي يخترق خصوصيتك    طريقتان سريعتان لتخفيف التوتر    الثقافة العلاجية: بين التمكين والمبالغة    تأثير القهوة على نشاط الدماغ    سورية: الهدوء يعود إلى السويداء    فرنسا: الإفراج عن اللبناني جورج عبدالله بعد 40 عاماً في السجن    "اتحاد القدم" يتلقى اعتذاراً رسمياً من الهلال عن المشاركة في كأس السوبر السعودي 2025    خادم الحرمين يتلقى رسالة من ملك إسواتيني    الردّف.. عبق التاريخ وجمال التطور    وزير النقل ل«الرياض»: 77 مشروعًا نوعيًا بمطار الدمام.. ونمو الحركة الجوية 35 %    قائد يصنع المستقبل    1.98 تريليون دولار القيمة الإجمالية للمشروعات بالمملكة    فهد بن سلطان يشيد بأعمال "الأمر بالمعروف"    دراسة: الهواتف الذكية تساعد في الكشف عن الزلازل    إدانة نائبة أمريكية في قضية سرقة قطة    روسيا تعلن استعدادها لتسوية النزاع الأوكراني    الإكوادور تسلّم الولايات المتحدة زعيم أخطر عصابة لتهريب المخدرات    «سدايا» تُطلق البيئة التجريبية لتطبيق «توكلنا»    رصد 18 مكتب استقدام مخالفاً في الربع الثاني    انطلاق منافسات بطولة العالم للبلياردو 2025 في جدة    الكابتن عمر الثاقب ل«الرياض» بعد فوزه بالذهبية: تنظيم بطولات البادل بالمملكة يرفع مستوى الوعي بها ويشجع على ممارستها    المحسن: لا نشعر بالمرحلة الانتقالية في «الدانة»    في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق سبريت يتوج ببطولة"Dota 2″ ومليون دولار    ريال مدريد لا يمانع رحيل روديغر للدوري السعودي    ناشئو أخضر اليد يواصلون معسكرهم الإعدادي استعداداً لمونديال 2025    مكافحة التعصب الرياضي    محمد بن عبدالعزيز يتسلم تقرير التعليم    ضبط 21058 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    المرور: 300 ريال غرامة قيادة الدراجة الآلية بدون رخصة    "قبول" تكشف مزايا الفرص الإضافية ل"تسكين الطلاب"    8.5 ألف متدرب بمبادرة "رافد" العام الماضي    «قصبة المضمار»    نجوم الغناء العربي يشاركون في موسم جدة    أرملة محمد رحيم تتهم عمرو دياب بسرقة لحن    " الثقافة" تطلق منحة الأبحاث المرتبطة بالحرف اليدوية    «فنون المدينة» «تحكي قصصًا»    جمعية "واعي جازان " ومركز مسارات يسلطان الضوء على ظاهرة الطلاق العاطفي    تقرير "911" على طاولة نائب أمير الرياض    بعد غيبوبة طويلة مؤثرة في المشاعر.. الأمير الوليد بن خالد بن طلال إلى رحمة الله    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الوليد بن خالد    مكة والمدينة تتصدران متوسط مدة الإقامة بالفنادق    تداوليغلق على تراجع    القطاعات غير النفطية تعزز النمو الصناعي    التنظير بين التجربة الشخصية والحكم على الآخرين    أمير تبوك يواسي الدكتور عبدالله الشريف في وفاة والدته    61 ألف مستفيد من الإرشاد بالمسجد النبوي    أمير تبوك يستقبل مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس مجلس إدارة كلية "منار الجنوب" للعلوم والتقنية    أمير منطقة جازان يتسلّم التقرير الشامل لأداء "تعليم جازان" وخططه المستقبلية    الجوازات تحث المواطنين على التأكد من مدة صلاحية الجواز قبل السفر خارج السعودية    مطلقات مكة يتصدرن طلبات النفقة المستقبلية باستقطاع شهري    الإطاحة بمقيمين لترويجهما مادة الكوكايين المخدر    86 ألف مكالمة في يوم واحد إلى مركز 911    أزياء مستلهمة من ثقافة المملكة    دراسة: البيض لا يرفع مستويات الكوليسترول الضار    وفاة «مؤثر» اتبع حمية اللحوم لمدة 3 سنوات    ترسيخ الاعتدال ومحاربة التطرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر: التفكير خارج الصندوق
نشر في الحياة يوم 19 - 04 - 2012

«ربما كان من مصلحة التطور الديموقراطي المصري فوز عمر سليمان في الانتخابات الرئاسية، واذا تعذر ذلك تمكينه من خوضها علي قدم المساواة مع الآخرين».
ما تريد هذه العبارة قوله حقيقة ان الطريق بين الحرية والديموقراطية طويل ومحتشد بالعقبات. فهي بوابة للمستقبل ولكنها بالقدر نفسه بوابة شياطين الماضي المكتوم بالقمع وبحاجة الاطراف المناهضة له لإعلاء هدف التخلص من مصدره. من هنا الحاجة لتفكير خارج السائد متسلح بالشجاعة المعنوية لم يتوافر لدينا إزاء النموذج العراقي.
هرولنا نحو المسؤولية الاميركية - الايرانية وراء فشل التجربة الديموقراطية غافلين كلية عن مسؤولية استبداد ما قبل 2003 المديد في تأهيل العراقيين للفشل بدفع عراقيتهم نحو مكوناتها الاولية الطائفية والقومية الخام. والربيع العربي - المصري مرشح لانقطاع أنفاسه نحو شيخوخة إرتدادية إذا تهيبنا استكشاف كل الغام الطريق خشية انفجار الاتهامات إياها في وجوهنا.
لقد ثبت الآن، واستقالة عمر حمزاوي من البرلمان شاهد قاطع علي ذلك، ان الديموقراطيين (الليبراليين) يفتقرون الى الوزن الشعبي، ومن ثم الانتخابي اللازم لقطع الطريق في وجه عرقلة قد تصل الى حد المقاومة من قبل شركائهم في إنجاز الحرية. الديموقراطيون (الدينيون) لعبوا دوراً رئيسياً في تحقيق هذا الانجاز ولكن التكوين الفكري لقسم مهم منهم متناقض مع الديموقراطية كونها تعني في ما تعني إستدامة الحرية واتساعها لحق الجميع في الاستمتاع بها، وفق ضوابط قانونية منسجمة مع طبيعتها، بينما ينزع هؤلاء للتمسك بمعايير دينية واجتماعية تتناقض مع هذه القاعدة كون مصدر اشتقاقها مقدساً لديهم.
وبينما المقصود مباشرة هنا هو القوى السلفية فإن في الانزياح الملموس للتوازن داخل حركة الأخوان المسلمين لمصلحة جناحها التقليدي ما يشير الى أنها ليست بعيدة من هذا المدار. المؤشرات بهذا الخصوص أضحت جلية: اختيارهم التحالف مع السلفيين في تكوين لجنة الدستور، ثم عودتهم عن قرار عدم الترشح لرئاسة الجمهورية مترافقاً مع المغزى ضد - الاصلاحي في تأكيد الفيتو على ترشيح الدكتور ابو الفتوح ممثل هذا التوجه في الحركة قبل فصله. ومن المتصور ان هذا الجنوح التقليدي سيتعزز مع استلامهم زمام السلطة التنفيذية بما قد يفضي الى ما هو أخطر من التقليدية، إذ سيعتمدون اضطراراً على بيروقراطية مصرية متحجرة وثقيلة الوزن، واختياراً على أغلبية برلمانية كاسحة لن تشكل رقابة كابحة فعالة عليهم. ومهما كانت سلامة خطط الاصلاح الاقتصادي التي ستتبعها السلطة التنفيذية الجديدة إلا أن القصور عن التلبية الناجزة لمطالب الفئات الشعبية وشبه الوسطى المشروعة وتلك المنتفخة بثورة التوقعات، أمر حتمي. عندها ستتصاعد الضغوط الشارعية فيضيق بها صدر سلطة ضيق ايديولوجيا أصلاً، لا سيما أن الاحتجاجات لن تتقيد بالمعقولية نتيجة افتقار بيئة النشاط العام في بلداننا لتقاليد ومؤسسات المعارضة غير البرلمانية والمنضبطة، مع ذلك، ديموقراطياً.
وبينما لا يتوقع أن ينفجر الصدر الحاكم إنقلابياً بالنظر لموقف الجيش فإن ما يقرّب الوضع المصري من نموذج الفوضي الباكستانية حيث المنبع مدني - عسكري وبعضه من داخل أحزاب الحكم نفسها، يظل وارداً. فليس مستبعداً أن يتخذ الانفجار شكل اضطرابات تقودها البؤر المتطرفة من كوادر منتمية للطرف السلفي في الحكم مع اخرى أكثر تطرفاً خارجة من عباءة السلفيين، وبمساعدة خفية من بؤر عسكرية وأمنية فلولية وغير فلولية تتقاسم معها، خدمة لاجندتها الخاصة، فكرة المستبد «العادل» التي يهفو اليها مجتمع لا تزال التصورات الخلاصية تزحم ذاكرته الجماعية.
في طيات هذا المأزق المصري العام، للديموقراطيين الليبراليين مأزقهم الخاص. سلطة المصفوفة الاسلامية الحاكمة القادمة بتحالف مباشر أو غير مباشر بين الاخوان والسلفيين ستستنسخ سياسة التنمية الرأسمالية المباركية ذاتها ولكن في سياق يفتقر الى بعض شروطها ومكملاتها. فبينما ستقل نسبة هدر المال العام العائد للفساد وتزداد نسبة التوظيف المنتج والعادل اجتماعياً، إلا أن انتاج الثروة القومية نفسها سيواجه بعقبة تضعضع الثقة مع المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية والاقليمية وفي مجال العلاقات الثنائية المؤثرة عليها مع الدول الغربية والخليجية. وإذا اندرجنا ضمن الاجماع القائل بعلاقة ضرورية بين نمو الطبقة الوسطى ونمو الديموقراطية كثقافة متجذرة مجتمعياً، فإن مكملات هذه الاطروحة في الانفتاح النسبي للتعليم والاعلام والحياة الادبية والفنية والعلمية ستتقلص أيضاً نتيجة النفوذ المتصاعد للاسلام التقليدي.
هذه المقارنة بين العهدين الماضي والقادم لا يمكن تجنبها من قبل أي محاولة للتفكير خارج الصندوق في الوضع المصري، فارضة نفسها خياراً صعباً على الليبراليين، وهي سر اختيارعنوان المقال وجملته الافتتاحية. وكما يقال، إفرنجياً أيضاً، حسن عرض المشكلة نصف الحل.
* كاتب سوداني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.