رئيس البرلمان العربي يوجّه رسائل عاجلة لإنقاذ أطفال غزة من المجاعة    ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس الجمهورية العربية السورية    نيوكاسل يونايتد يتغلب على تشلسي ضمن الجولة 36 من الدوري الإنجليزي الممتاز    جوازات مطار المدينة تستقبل أولى رحلات الحجاج القادمين من نيجيريا    الهيئة العامة لمجلس الشورى تعقد الاجتماع التاسع من أعمال السنة الأولى للدورة التاسعة    6 طالبات من الأحساء ضمن منتخبنا الوطني في " آيسف 2025 "    سعود بن نهار يطلع على الخدمات المقدمة للحجاج في مطار الطائف    اعتدال و تليجرام يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    تشكيل الاتحاد المتوقع اليوم أمام الفيحاء    من أعلام جازان.. اللواء الركن أحمد محمد الفيفي    أمير تبوك يرعى بعد غدٍ حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشآت التدريبية بالمنطقة    أمير الشرقية يستقبل مجلس إدارة غرفة الأحساء والرئيس التنفيذي للشركة الوطنية لإمدادات الحبوب    الانتهاء من تطوير واجهات مبنى بلدية الظهران بطراز الساحل الشرقي    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة غرفة الأحساء    مستشفى الرس ينقذ طفلا تعرض لاختناق قاتل    ‫دعم مستشفى عفيف العام بأجهزة طبية حديثة وكوادر تخصصية    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    الموارد البشرية: إطلاق مهلة لتصحيح أوضاع العمالة المساندة (العمالة المنزلية) المتغيبة عن العمل    حساب المواطن: 3 مليارات ريال لمستفيدي دفعة شهر مايو    "فرع الإفتاء بعسير"يكرم القصادي و الخرد    "التخصصي" توظيف رائد للجراحة الروبوتية تنقذ طفل مصاب بفشل كبدي ويمنحه حياة جديدة    الرئيس الموريتاني والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يفتتحان متحف السيرة النبوية في نواكشوط    أمير حائل يشهد أكبر حفل تخرج في تاريخ جامعة حائل .. الثلاثاء    أمطار غزيرة وسيول متوقعة على عسير والباحة ومكة    جامعة الإمام عبد الرحمن تكرم الفائزين ب"جائزة تاج" للتميز في تطوير التعليم الجامعي    "التعاون الإسلامي" يرحّب بوقف إطلاق النار بين باكستان والهند    أرامكو تعلن نتائج الربع الأول من عام 2025    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 2.0% خلال شهر مارس 2025    50 % الانخفاض في وفيات الحوادث المرورية بالسعودية    ضبط 1203 حالات في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    "الداخلية": ضبط 16 ألف مخالف في أسبوع    وسط تنديد روسي.. قادة أوروبا يؤيدون مقترح الهدنة في أوكرانيا    4 مسارات لتعزيز برنامج الأمن السيبراني في موسم الحج    أوامر ملكية: إعفاء أمير جازان وتعيين نائب لوزير التعليم    سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بسمو أمير دولة الكويت    الرياض تُصدّر العمارة النجدية للعالم في بينالي البندقية 2025    عرض 3 أفلام سعودية في مهرجان "شورت شورتس"    السعوديون يتألقون في دوري المقاتلين.. "صيفي" إلى نصف النهائي.. و"باسهل" يخطف الأنظار    هامشية بين الريدز والجانرز بعد حسم لقب البريمرليج.. معركة دوري الأبطال تجمع نيوكاسل وتشيلسي    "الشؤون الدينية" تكلف 2000 كادر سعودي لخدمة ضيوف الرحمن.. 120 مبادرة ومسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية للحجاج    جدول الضرب    أكد بحثه ملفات إستراتيجية.. البيت الأبيض: ترامب يزور السعودية ويلتقي قادة الخليج بالرياض    انقسام سياسي يعمّق الأزمة.. ليبيا على حافة الانفجار.. اشتباكات دامية وغضب شعبي    انقطاع النفس أثناء النوم يهدد بالزهايمر    تعزيز الأمن الدوائي    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. إقامة نهائي كأس الملك الجمعة في ال3 من ذي الحجة    باكستان تؤكد «استمرار التزامها» بوقف إطلاق النار    "باعشن".. يشارك في اجتماع تنفيذي اللجان الأولمبية الخليجية    «تعليم الرياض» يفتقد «بادي المطيري».. مدير ثانوية الأمير سلطان بن عبدالعزيز    المملكة وضيوف الرحمن    تدريبات النصر من دون رونالدو    وساطة تنهي أخطر مواجهة منذ عقود بين الهند وباكستان    علاج جديد لالتهابات الأذن    20 ألف غرامة لكل من يدخل مكة من حاملي تأشيرات الزيارة        الفرق بين «ولد» و«ابن» في الشريعة    الهلال الاحمر بمنطقة نجران ينظم فعالية اليوم العالمي للهلال الاحمر    بعد تعيينها نائبًا لوزير التعليم بالمرتبة الممتازة .. من هي "إيناس بنت سليمان العيسى"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أعلنوا فوق الجبل مولده» لجيمس بولدوين ... الشمال والجنوب
نشر في الحياة يوم 28 - 02 - 2012

حين وُصف جيمس بولدوين بأنه المتحدث الرسمي باسم الزنوج في الولايات المتحدة الأميركية رفض ذلك قائلاً: «لست متحدثاً... بل شاهد على المكان الذي جئت منه»، وهو ما يتبدى في مجمل أعماله المسرحية والشعرية والروائية، بخاصة روايته الأولى «أعلنوا فوق الجبل مولده» الصادرة أخيراً في ترجمة عربية عن دار «رؤية» للنشر بتوقيع هاني حلمي، تلك الرواية التي قدم فيها معاناة الزنوج الأميركيين ليس من عنصرية البيض تجاههم فحسب، ولكن من رغبتهم في أن يبدوا قديسين على رغم أنهم ليسوا كذلك.
في هذه الرواية المستقاة بدرجة ما من الطفولة التي عاشها مؤلفها في عاصمة الزنوج في النصف الأول من القرن العشرين، نجد أنفسنا أمام عمل تراجيدي إلى حد التعقيد، فلا يمكننا أن ندين شخصاً على خطئه، ولا أن نبرئه من جريمة صلبه لنفسه بحثاً عن تطهير روحه من الدنس والإثم الذي ارتكبه، وكأننا أمام إدانة كاملة لمجتمع من الخاطئين الذين لا سبيل أمامهم غير أن يحملوا صلبانهم ويبكوا على خطيئتهم ما بقي لهم من حياة، فجميعهم شاركوا في قتل أنفسهم من أجل دخول فردوس الشمال، على رغم أن ذلك لم يمنحهم رضا أهل الشمال، بقدر ما حرمهم من أفضل ما لديهم، وهو ما حدث مع الشخصية الرئيسة جبريل الذي تخلى عن حبيبته استير، مما جعلها تهجره وتذهب إلى الشمال بحثاً عن حياة لا تواجه فيها عار إنجاب طفل غير شرعي، لكنها تموت تاركة طفلها ليعود به أهلها إلى الجنوب، وليظل جبريل محروماً منه وغير قادر على الاعتراف به حتى يموت على يد بعض البيض في الشمال، وهو تكرر في شكل مختلف مع فلورنس شقيقة جبريل التي هجرت أسرتها بحثاً عن الحرية في الشمال، لكنها تتزوج زواجاً تعساً لا يرضيها بقدر ما ينزل بها لعنة أمها الغاضبة من فعلها، ولا يختلف ذلك عما حدث مع ديبورا التي هاجم البيض بيتها ليغتصبوها ممزقين أحشاءها، ومن ثم حين يتزوجها جبريل تقيم معه عشرين عاماً غير قادرة على أن تنجب له طفلاً شرعياً في موازاة طفله من استير، وتتكرر المأساة مع اليزابيث التي فرت مع شاب من جنسها إلى الشمال، وفي الوقت الذي كادت أن تخبره فيه أنها حامل ولا بد من زواجهما وجدته قتيلاً على يد بعض البيض، ما كسر كبرياءها وجعلها ترضى بالزواج من جبريل الذي لم ينس أن ابنها الأول هو من أب مجهول.
في الرواية الكثير من المصائر المتقاطعة، والاختيارات الخاطئة، فإستير المرحة لا تختار من بين أبناء هارلم غير جبريل المتزمت، وفي الوقت الذي يتخلى فيه عنها لأنه يجب ألا يكون للواعظ ابن غير شرعي.
يتزوج إليزابيث التي أنجبت بطريقة غير شرعية بحثاً عما ارتكبه من خسة تجاه استير وطفلها، وفي الوقت الذي كانت تتطلع فيه ديبورا للهروب إلى الشمال، والاستمتاع بالحياة على حريتها، نجدها تفقد عذريتها اغتصاباً على يد بعض البيض، وتضطر للزواج من الواعظ المنغلق القاسي العنيف، هذا الذي يضطر للزواج في ما بعد من امرأة لديها طفل غير شرعي، منجباً منها طفلاً شرعياً ينعته بأنه ابن زنا. وهو ما يتماثل بدرجة كبيرة وطفولة بولدوين المولود في الثاني من آب (أغسطس) عام 1924 في حي هارلم لأب مجهول النسب، وأم تزوجت مع بلوغه العام الثالث من واعظ شديد التزمت والعنف يدعى دافيد بولدوين، ومن ثم فليس مدهشاً أن يكون جون ابن الرابعة عشرة هو الشخصية الأساس، وأن يكون النص كتب رؤيته للعالم، ما يجعل جيمس/ جون يقدم نفسه على أنه المخلص في حين أن الابن الشرعي لجبريل ينعت والده بأنه ابن زنا.
كان في إمكان بولدوين أن يضع مسمى «ليلة خلاص جون» بدلاً من «أعلنوا مولده فوق الجبل» كعنوان للرواية، إذ إن تلك الليلة، التي تنتهي بإغماءة جون أمام مذبح الكنيسة على نحو يجعله المخلص، كانت المسرح الزمني لأحداث تمتد لأكثر من نصف قرن، وهي ليلة الاعتراف ومواجهة النفس لدى كل الشخوص التي حضرت ذلك التجلي الروحاني، لكن طقس الاعتراف فيها لا يكون للكاهن أو الواعظ بل للقارئ ذاته، لنجد أنفسنا أمام مجموعة الشخوص المصلوبة على عار تاريخها الشخصي وتاريخها العام، فجميعهم حملوا خطايا أجسادهم معهم طيلة الحياة، وجميعهم دنّسهم البيض في شكل أو في آخر، وأغلبهم رأوا أن حياة الشمال بمثابة الفردوس الذي يمنحهم حرية الجسد والهوى، ويخلصهم من جحيم الفقر والخوف وضيق الأفق، لكنه كان بمثابة التجربة للجميع، تلك التجربة التي خسروا فيها نقاءهم، وعلى رغم تفرقهم في سبل الحياة لكن القدر جمعهم بلا ترتيب مسبق في هذه الليلة ليعترفوا وليشهدوا بأنفسهم ميلاد مخلصهم الجديد.
تعد هذه الرواية من الكتابات المهمة التي أرخت للزنوج ومعاناتهم من عنصرية البيض، وتجيء في إطار رغبتهم في التحرر كما أعمال مهمة ك «الجذور»، لكنها تمتاز ببعد ديني جعلها ضمن إطار الأعمال المنتمية إلى الفلسفة الوجودية، وبحثها في الهوية البشرية ومأزقها في الوجود على الأرض، وسؤالها الدائم عن المصير وقدرة الإنسان على تغييره، وعلى رغم اعتمادها على الثقافة الكنسية، إلا أنها تسعى إلى هدم ذلك العالم المنغلق، ومؤلفها لا يمجد الزنوج بل يدينهم، مفتضحاً رغبتهم في التواطؤ على أخطائهم وخطاياهم، من أجل أن يبقوا في نظر الآخرين كما لو أنهم قديسون. وهي في شكل أو في آخر تسعى إلى التحريض على البيض، من دون أن تكرس لحضورهم في حياة الزنوج، كما لو أنهم ليسوا سوى الشيطان القادر على الإغواء، الراغب في هدم الجماعة وإفسادها، فكل ما يأتي منه مفسد، ومن يذهب إليه هالك، ولا سبيل أمام السود غير الاعتراف بخطاياهم بحثاً عن الخلاص والمخلص الذي يمكنه أن يغفر لهم ويوحدهم في مواجهة الشيطان الأبيض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.