كنت في زيارة صديق حميم جمعتنا مقاعد الدراسة المتوسطة، عندما ذهبت إلى منزله في ولاية كاليفورنيا بالولاياتالمتحدة الأميركية مطلع عام 1992، قصدت تلك الولاية لإنهاء بعض الأعمال الخاصة، وشاءت الظروف أن صديقي الذي يعمل طياراً لدى مؤسسة الخطوط الجوية العربية السعودية آنذاك موجوداً في تلك الولاية، ترددت بادئ الأمر في الاتصال به ولكن سرعان ما غيرت رأيي واتصلت به كي لا أتردد مرة أخرى، أجابني وعرفني، ثم حددنا موعد اللقاء، عند موعد اللقاء حضر إلى المكان المتفق عليه قرب احد المحال التجارية المعروفة، تعانقنا وتبادلنا أطراف الحديث، حينها كان احد الشباب الأميركيين، وهو صديق لصديقي الطيار هذا، يهم بعبور الشارع لشراء بعض الحاجيات، توقف الشاب الأميركي بعد أن رأى صديقه الطيار، ثم جاء للسلام عليه، بعد ذلك تعارفنا على بعض، في تلك الأثناء عبرت شاحنة طويلة تحمل على متنها خرسانة جاهزة مسبقة الصنع. سأل الشاب الأميركي صديقي الطيار قائلاً: ما هذه الخرسانة الضخمة التي على متن الشاحنة؟ أجابه الطيار قائلاً: إنها خرسانة مسبقة الصنع. سأله مرة أخرى: أعرف ذلك ولكن ماذا سيفعلون بها؟ قال الطيار: لينشئوا ملعباً لكرة القدم. سأله الشاب الأميركي مرة ثالثة: ولماذا ملعب كرة قدم، نحن كأميركيين لدينا لعبة قدم أخرى ولكن... قاطعه الطيار قائلاً: سينشئون ملعباًً لكرة القدم هنا، إذ ستقام نهائيات كأس العالم عام 1994 التي ستستضيفها الولاياتالمتحدة الأميركية. قال الأميركي بانبهار: أوه... يا إلهي... نهائيات كأس العالم عندنا، لست ادري من قبل. انتهى الحوار في تلك الولاية. قد يتساءل القارئ الكريم لماذا ذكرت الموضوع السابق؟ لكن سرعان ما سيجد الإجابة من خلال الموضوع المقبل، في كل مدينة وفي كل حي وكل شارع توجد الكثير من الحوادث يومياً مثل حوادث المرور والحرائق والغرق والانتحار والفقدان والمشاجرات الجماعية والفردية، كما توجد أجهزة للتصدي لتلك الحوادث قبل أن تتفاقم وتصبح كوارث وتفض النزاعات وتخمد الحرائق وتنقذ الغريق ومن يحاول الانتحار وغيرها من المشكلات، لكن تلك الأجهزة تعاني منذ وقت طويل من غياب التوعية والإرشاد الذاتي لدى المواطنين والمقيمين، حتى استفحل خطر هذا الغياب وظل يشكل هاجساً مخيفاً هذه الأيام جراء ما تتعرض له تلك الأجهزة من عدم الاهتمام واللامبالاة والاستهتار وعبث الطائشين، وعدم إلمام بعض المقيمين بأهمية دور تلك الأجهزة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بينما يكون الفشل حليف تلك الأجهزة في حال تعرضها للإعاقة والحيلولة دون وصولها لهدفها في الوقت المحدد. مثلاً أثناء اندلاع النيران في عمارة متعددة الأدوار، تجد أن شركة الكهرباء لها دورٌ فعال في عدم تفاقم الخطر أكثر ممَا هو عليه، وذلك بفصل التيار الكهربائي عن المبنى، خشية وقوع التماس كهربائي آخر قد يؤدي إلى كارثة، كذلك رجال الهلال الأحمر السعودي، لهم دورٌ أيضا فعال في إنقاذ وإسعاف المصابين، والدور الأهم هو دور الدفاع المدني الذي يدخل عمله في كل الحوادث، فهو يقوم بإخماد الحريق قبل انتشاره، كما يقوم بإنقاذ من هم داخل المبنى الذي وقع به الحريق، وإنقاذ الناس من السيول فهم يؤدون رسالة إنسانية بحتة. ولكن توجد - كما ذكرت سلفاً - العوائق التي تحول دون وصول الأجهزة المعنية والمختصة إلى مكان العمليات، وإتاحة الفرصة لرجالهم من العمل والإتقان فيه، إذ يتجمهر الفضوليون من جمهور الحضور لمشاهدة ما يتم على مسرح العمليات ليس على الهواء مباشرة، بل حياً أمام الأعين، إنهم يريدون مشاهدة الأحداث على طبيعتها، لكي يقوموا بسرد ما رأوه لأصدقائهم وكأنهم هم من ذادوا وتصدوا لهذا الخطر المخيف، ولا يدركون بأنهم قد يصابوا طائشة تودي بحياة احدهم جراء الفضول الأحمق الذي لا ينفع أبداً، كما أن رجال الأمن لا يألون جهداً في إبعاد وتفكيك التجمهر حول مسرح العمليات، حتى يتسنى لفرق ورجال الأمن والإطفاء مزاولة نشاطهم بيسر وسهولة. وحينما ذكرت قصة صديقي الطيار ما هي إلا استبيان حول تصرف بعض البشر في الخارج وبعض البشر لدينا، فذاك الأميركي لا يعرف بأن مونديال كأس العالم سيقام في أميركا، ويعود ذلك لعدم تدخل الناس في أمور لا تعنيهم وإنما يفكرون في الأمور التي تعنيهم فقط، ولكن يوجد لدينا شرائح كبيرة من المجتمع يبحثون وجود المشكلات كي يشاهدوا أحداثها عن كثب، ولا يعلمون أن ذلك الفضول قد يعوق الأجهزة الحكومية التي تصرف عليها الدولة الملايين من الريالات سنوياً لتقديم الخدمة للمواطن والمقيم في هذا البلد. ختاماً، لا بد من تثقيف المواطن والمقيم بأهمية تلك الأجهزة، ودور كل جهاز سواءً عن طريق المدارس أو المعاهد أو الكليات والجامعات، والمساجد، أو أي وسيلة أخرى نستطيع إيصال الرسالة من خلالها لإنسان هذا الوطن، ونجعله عوناً لأجهزة الدولة وخدماتها لا عائقاً لها بسبب الفضول الذي يدفعه، والذي لن تكون عواقبه محمودة بالتأكيد. [email protected]