تحتفي مؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري الخيرية مساء الاثنين المقبل 17 محرم 1433ه، بالأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، في منتدى الإدارة المحلية في مركز الملك فهد الثقافي، كأحد القيادات الوطنية الفذة، التي رسمت معالم الإدارة المحلية من خلال مزجه بين القيادة والإدارة، التي برع فيها كإداري وقيادي نجح في قيادة وإدارة منطقة الرياض، وجعل من عاصمة المنطقة، وعاصمة المملكة العربية السعودية، واحدة من أكثر مدن العالم نمواً وتطوراً. بالنظر إلى شخصية المحتفى به، نرى أنها تتميز بالحضور (الكاريزما) المؤثر، الذي ساعده في إدارة أكبر منطقة في المملكة العربية السعودية سكاناً، وتأثيراً، فمنذ توليه الإدارة عام 1373ه نائباً لأمير منطقة الرياض، وضع نصب عينيه تطوير العاصمة، ونقلها من مدينة متواضعة إلى إحدى أكبر المدن المتطورة في العالم، وذلك من خلال الإشراف المباشر على كل ما يتعلق بمشاريعها التنموية والحضارية، لذلك برز أسلوبه في الإدارة الذي ينطلق من الواقع ومن البيئة التي تحيط به، فلا يحتاج لنموذج إداري محدد في معالجة الكثير من القضايا، فكل قضية يحلها، بحسب المعطيات التي تتطلبها هذه القضية أو تلك، بناء على المواقف والشخصيات، لذلك يرى الكثير من الخبراء والمحللين لشخصية الأمير سلمان بن عبدالعزيز في الإدارة المحلية أنها فريدة وفاعلة جداً، إذ تمتزج الصفات الشخصية بالمهارات التي اكتسبها من خلال عمله في الدولة كأمير لمنطقة الرياض طوال تلك العقود. سأورد موقفين عن شخصية الأمير سلمان الإدارية، فقد روى لي الزميل في قسم الإعلام تركي بن سعيد باشا الكندي، أنه قبل نحو 15 عاماً تقريباً، كان عائداً في أحد الأيام ليلاً وأوقفته إشارة المرور وبالمصادفة نظر إلى السيارة التي وقفت بجانبه، فشاهد الأمير سلمان إلى جانب السائق، ويقرأ بعض المعاملات واضعاً ملاحظاته عليها، تحت نور السيارة الداخلي مستغلاً وقته من دون ملل أو كلل. أما بالنسبة للموقف الآخر فكنت أنا شاهداً عليه، وذلك عندما كنت مشرفاً على الإدارة العامة للإعلام في جامعة الملك سعود، إذ طلبت الجامعة من الأمير سلمان تدشين مكتبة الأمير سلمان بعد تطويرها وإطلاق اسمه عليها، عرفاناً بجهوده تجاه الجامعة، وطلبت الجامعة منه تحديد موعد الافتتاح، فقال «ترغبون الساعة 8 صباحاً فأنا أداوم باكراً». إن هذا هو أسلوب سلمان في الإدارة والقيادة، العمل المتواصل والدقة في المواعيد، واتخاذ القرار الفوري، والصائب، ولذلك كانت كل حفلات التخرج التي رعاها في جامعة الملك سعود لم أذكر أنه تأخر ولو دقائق عن موعدها. تميز أسلوب الأمير سلمان في الإدارة بسمات لا أحد يشاركه فيها، فسياسة الباب المفتوح، والحوار مع المراجعين في مجلس الإمارة يومياً، وكأنه يريد إشراك الحضور في هذا الحوار، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمصلحة عامة، وانتقال هذا الحوار إلى مجلسه الخاص، عند استقباله المواطنين في منزله مخصصاً يوماً من كل أسبوع، وفي حال التأجيل أو الإلغاء يعلن عنه في الصحف، ولذلك نرى أن الأمير سلمان حاضر في كل ذهنية مواطن، سواء عبر اللقاء المباشر أو من خلال ما يسمع عنه من الآخرين. كما تميز الأمير سلمان بتعدد المهمات الإدارية التي يتولاها، سواء في قطاع الحكومة أو القطاع الإنساني، فهو رئيس لعدد من الجمعيات الخيرية، كجمعية الأمير فهد بن سلمان لرعاية مرضى الفشل الكلوي، وجمعية إنسان، وجمعية البر في الرياض وعدد كبير من الجمعيات الأخرى في الرياض. كما أن لمراكز العلم في الرياض، كالجامعات (الملك سعود والإمام محمد بن سعود الإسلامية)، وكذلك دارة الملك عبدالعزيز لحفظ التاريخ وتوثيقه، ومكتبة الملك فهد الوطنية التي يرأس مجلس إدارتها وغيرها من المؤسسات والهيئات الحكومية والإغاثية، إضافة إلى حصوله على العشرات من الأوسمة، منها وسام نجمة القدس من فلسطين، ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب. وعندما نتحدث عن علاقته مع الإعلام، فإننا نرى المتابعة المباشرة والاهتمام البالغ بكل ما يُنشر، فالجميع يشهد بأنه متابع، ومشهود له بالاتصال بالكتاب والصحافيين، مبيناً لهم وجهة نظره، سواء عن طريق النشر على صفحات الصحف، أو التحدث والتحاور مع الكتاب أو الصحافيين. وبالعودة إلى المحتفي، «مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية»، فهي منذ إنشائها في منطقة الجوف عام 1403ه بأمر ملكي، وهي تقوم بتأسيس قاعدة للعمل الخيري المرتكز على التعليم والثقافة، ولذلك سبق تأسيسها إنشاء مكتبة الثقافة العامة بالجوف بمجهود خاص من الأمير عبدالرحمن السديري في مدينة سكاكا عام 1383ه، لتبرز رؤية وبُعد نظر شخصية مؤسسها في الإدارة والقيادة في منطقة الجوف، ولفكره التنموي الفذ الذي يرى أن أساس التنمية المستدامة هو تنمية الإنسان، ليكون متعلماً متحضراً متنوراً، وهو السلاح الأمضى في تنمية الفرد ليكون نواة الوطن في التنمية المستدامة، لذلك أطلق على المكتبة في ما بعد «مكتبة دار الجوف للعلوم»، لتكون شمعة علم منيرة في الجوف، وبرصيد من الكتب تجاوز ال«180» ألف كتاب، وهي أحد الإنجازات العلمية لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية في منطقة الجوف، إضافة إلى مدارس الرحمانية بمراحلها كافة، وفندق النزل، وبرنامج الابتعاث الخارجي للمتفوقين في الثانوية العامة من أبناء المنطقة، وجامع الرحمانية. لم ينسَ الأمير عبدالرحمن السديري مسقط رأسه، فقد أقام مركز الرحمانية الثقافي في الغاط، كأحد المشاريع التي ترعاها مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية، ويضم مكتبة الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للرجال، ومكتبة منيرة بنت محمد الملحم للنساء، كما يتضمن المركز قاعة الأمير سلطان للمحاضرات، ليؤكد مدى حرصه على الثقافة والعلم وبُعد نظره في تنمية الإنسان. ثقة قائد البلاد في الأمير سلمان لم تأتِ من فراغ، لذلك أصدر أمره لتوليه وزارة الدفاع التي هي سياج لهذا الوطن، ليستكمل المشوار خلفاً لأخيه الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمه الله، ما أراح المواطنين، لمعرفتهم وثقتهم بكفاءته الإدارية والقيادية لتولي حقيبة الدفاع في بلد الأمن والسلام والرخاء، والجميع يعرف مدى أهمية هذا المرفق من مرافق الدولة، وفي هذا الوقت بالذات، الذي يشهد تطورات إقليمية ودولية متسارعة، تسعى فيها المملكة من خلال أدوارها الفاعلة والنشطة من أجل الاستقرار والسلم على المستويين الإقليمي والدولي. * أكاديمي سعودي. [email protected]