أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    أمير القصيم يدشّن مبادرة "إسناد ونمو" لجمعية الزاد للخدمات الانسانية ببريدة    سوق الأسهم السعودية تغلق على ارتفاع    وزير الدفاع الأميركي يؤكد نجاح الضربات على مواقع نووية إيران    روسيا وأوكرانيا تتبادلان مجموعة أخرى من الأسرى    «لنصنع التاريخ معاً»... أول تعليق من رونالدو بعد تجديد عقده مع النصر    اللواء الودعاني: حرس الحدود يواصل أداء واجباته في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود    ورش عمل نوعية تُعزز جهود مكافحة الإدمان ضمن المؤتمر العلمي الثاني "مستجدات الوقاية والعلاج من إدمان المخدرات" بجازان    أمير الشرقية يُكرِّم "مجموعة مستشفيات المانع" لرعايتها الطبية منتدى الصناعة السعودي 2025    ليفربول يواصل تعاقداته الصيفية بضم لاعب جديد    أمين الشرقية يفتتح ندوة "سلامة الغذاء" بمشاركة خبراء ومختصين    باحثان سعوديان يقدمان مشروع وطني للاستجابة على الطائرات بواسطة الذكاء الاصطناعي    موعد الظهور الأول لكيليان مبابي في مونديال الأندية    شبكة القطيف الصحية تطلق مبادرة "توازن وعطاء" لتعزيز الصحة النفسية في بيئة العمل    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    وزارة الرياضة تعلن توقيع عقود تنفيذ فندقين في مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة    البرلمان العربي: وفد رفيع المستوى يتوجه في زيارة لمعبر رفح غدا    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    القيادة تهنئ رئيس جمهورية مدغشقر بذكرى استقلال بلاده    القبض على 3 مخالفين لنظام أمن الحدود ظهروا بمحتوى مرئي في صبيا    النفط يرتفع مع انخفاض مخزونات الخام الأمريكية، وتعزيزات قوة الطلب    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    الخط العربي بأسلوب الثلث يزدان على كسوة الكعبة المشرفة    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    مونتيري المكسيكي يفوز على أوراوا الياباني برباعية ويصعد لدور ال16 بكأس العالم للأندية    مجلس الشورى" يطالب "السعودية" بخفض تذاكر كبار السن والجنود المرابطين    وزراء العدل العرب يبحثون التعاون لمكافحة الإرهاب    "التجارة" تشهر بمنشأة نظمت مسابقة غير مرخصة    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    بحضور مسؤولين وقناصل.. آل عيد وآل الشاعر يحتفلون بعقد قران سلمان    طقس حار و غبار على معظم مناطق المملكة    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرّج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    "الغذاء " تعلق تعيين جهة تقويم مطابقة لعدم التزامها بالأنظمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    في ربع نهائي الكأس الذهبية.. الأخضر يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره المكسيكي    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    الإبداع السعودي يتجلى في «سيلفريدجز» بلندن    «الظبي الجفول».. رمز الصحراء وملهم الشعراء    صيف المملكة 2025.. نهضة ثقافية في كل زاوية    رخصة القيادة وأهميتها    صوت الحكمة    مرور العام    جبر الخواطر.. عطاءٌ خفيّ وأثرٌ لا يُنسى    دورتموند يكسب أولسان ويتصدر مجموعته بمونديال الأندية    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة اعتذار من القاضي أنطونيو كاسيزي
نشر في الحياة يوم 28 - 10 - 2011

إثر صدور قرار الاتهام ومذكرات التوقيف بشأن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الأبرار، كتب القاضي أنطونيو كاسيزي في The New York Times ليقول إن هذا الوقت مصيري بالنسبة إلى الشعب اللبناني ودولته وبالنسبة للعدالة الدولية، وتابع قائلاً: وهو كذلك وقت مصيري بالنسبة إلى المنطقة، فالأحداث الأخيرة في البلاد العربية، ويقصد بذلك أحداث الربيع العربي، تُظهر أنّ الرغبة بالعدالة وإعلاء شأن الكرامة الإنسانية هي مطلبٌ عالمي.
وفي مقالته ذاتها، وبتواضع العلماء الذي يتميّز به، اعتذر القاضي كاسيزي، من الشعب اللبناني، لا سيما من أهالي الضحايا، لطول الإجراءات وتأخرها أحياناً، وشكرهم على صبرهم. وقال إن العدالة بطيئة، لكن الجرائم المرتكبة معقّدة وخطيرة، وتستلزم إجراءات تحقيق دقيقة من جهة وعادلة وغير منحازة من جهة أخرى.
هذا القاضي النزيه الذي اعتذر منا نحن اللبنانيين، لا بدّ لنا نحن بدورنا أن نعتذر منه، وذلك بالنيابة عن كل من أساؤوا إليه بانتقاداتهم وتجنياتهم وإمعانهم في توجيه الاتهامات له، لا سيما الأخيرة منها، بينما وفي المقابل ظلّ هو صامتاً يصارع المرض العُضال، شاعراً بدنو الأجل. وبالتأكيد، كم هو جدير بنا أن نطلب منه أن يسامحهم ليس لأنهم «لا يعرفون ماذا يفعلون»، بل لأنهم يعرفون ماذا يفعلون، حيث لم يكلفوا أنفسهم عناء التعرف إلى من يكون هذا القاضي النزيه والمتجرد أنطونيو كاسيزي.
أنطونيو كاسيزي، ذلك الإنسان العالم، الذي نذر نفسه ليلبس الرداء الذي أصبح له كفناً يقابل فيه وجه ربٍّ كريم. لأنه كان يؤمن أن المهابة التي تتلبَّسُ الماثلين أمامه باعتباره قاضياً لا تعادل شيئاً من المهابة التي ستتلبَّسهُ لحظة مثوله في حضرة الحق.
أهم صفاته هي ما أضفاه هو على عمله من علم وحكمة وعمق وعزم ووقار، وأعظم تلك الصفات أيضاً تواضعه وسخاؤه في عدم انحيازه إلاّ للحق، وكأنه النهر الذي ينشر الربيع على ضفافه من غير أن يسأل الضفتين ماذا قدم لهما.
لقد تعرّض القاضي كاسيزي للكثير الكثير من الاتهامات والتجريح ومحاولات النيل منه. إلاّ أنّ مَن أراد تشويه صورته والقول عن غير وجه حق إنه إسرائيلي الهوى فات عن باله أن كاسيزي كان حريصاً على أن ينحاز فقط إلى صفة القاضي النزيه الذي يبحث عن العدل. فهو في هذه المسألة بالتحديد كان يكرر دائماً وجهة نظره القائلة إن احتلال إسرائيل للقدس، لا يمنح إسرائيل سنداً قانونياً لتملّك هذه الأراضي، استناداً إلى القانون الدولي الذي يمنع بشكل عام الاستحصال على مكاسب سياسية أو سيادية من خلال احتلال عسكري.
ويعتبر في ذات الوقت أن مجرّد السكوت لا يمكن أن يعتبر موافقة من الأمم المتحدة على سيادة إسرائيل لمجرد سيطرتها الواقعية على القدس.
لقد تمتع القاضي كاسيزي بثقافة علمية قانونية دولية وكان له الكثير من المؤلفات والمقالات عن القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي. فهو الذي كتب كتاب «القانون الدولي والقانون الجنائي الدولي» المنشور مع جامعة أكسفورد، وهو الذي شارك في تأسيس ونشر «المجلة الأوروبية للقانون الدولي» (European Journal of International Law). وأسس ونشر مجلة القانون الجنائي الدولي (Journal of International Criminal Justice).
واعترافاً بدوره وعطاءاته منح في عام 2002، جائزة «المساهمة المميّزة في حماية حقوق الإنسان في أوروبا والعالم» وذلك من Académie Universelle des Cultures, التي يرأسها Nobel Peace Laureate Elie Wiesel. كذلك منح في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، جائزة Erasmus لخدماته في مجال القانون الدولي.
لقد كان القاضي كاسيزي أول رئيس للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة. وهو الذي قرر في حكم أصدرته محكمة استئناف يوغوسلافيا السابقة التي كان يرأسها أنه يعود للمحكمة اختصاص النظر باختصاصها للنظر في ما إذا كان مجلس الأمن مختصاً وله صلاحية إنشاء المحاكم الجنائية الخاصة.
واعتبرت المحكمة التي يرأسها كاسيزي في اجتهاد عُرِف باسم «اجتهاد كاسيزي»، أن مجلس الأمن يملك صلاحية إنشاء هذه المحاكم الجنائية الدولية الخاصة وفقاً للمادة 41 من الباب السابع، واعتبرت المحكمة التي يرأسها كاسيزي في حكمها أن هذه المادة تُعدِّد التدابير (العقوبات التي لا تتطلب استخدام القوة) وهي الواردة في المادة 41، وذلك على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.
ولقد كرّس اجتهاد كاسيزي بذلك شرعية قرارات مجلس الأمن في إنشاء المحاكم الجنائية الدولية الخاصة في حكم يوغوسلافيا وهذا الاجتهاد أصبح قدوة تحتذى. فالدفع بعدم الاختصاص وعدم صلاحية واختصاص مجلس الأمن عاد ليطرح مرة ثانية في محكمة رواندا. الآن، محكمة رواندا تبنت اجتهاد كاسيزي واعتبرت أن مجلس الأمن يملك هذا الاختصاص وفقاً للمادة 41 من الباب السابع. وحيث أنه تألفت محاكم عدة عقب ذلك فقد بقي اجتهاد كاسيزي هو السائد ولم تطرح هذه المسألة في المحاكمات بعد ذلك.
لقد وُجهت إلى القاضي كاسيزي اتهامات بأنه قاض مسيس، فيما دلّت النتائج التي تمخّضت عنها مواقفه في أكثر من قضية ومناسبة أنه لم يعمل إلاّ وفقاً لمنطق من يتوخى العدالة. لذا فقد ظلّ رافضاً الخضوع لمنطق التسييس، والدليل على ذلك موقفه ذو الدلالة في قضية دارفور، حيث في عام 2004، عيّنه الأمين العام للأمم المتحدة حينها Kofi Annan، رئيساً للجنة التحقيق الدولية لدارفور (عيّنه بعدها أيضاً خبيراً مستقلاً للنظر في الكفاءة القضائية للمحكمة الخاصة بسيراليون)، وكان على لجنة التحقيق الدولية لدارفور أن تقرر ما إذا كانت قد ارتكبت حينها جرائم إبادة جماعية، وبالتالي أن تحقق في الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان في دارفور.
وفي 25 كانون الثاني (يناير) 2005 قدّمت هذه اللجنة التي يرأسها القاضي كاسيزي تقريرها مؤكدة حصول جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إنما لم تحصل إبادة جماعية على يد حكومة السودان. هذه النتيجة التي توصلت إليها اللجنة برئاسة كاسيزي تتعارض مع المواقف التي اتخذتها الولايات المتحدة حينها والتي اعتبرت أن أعمال حكومة السودان في دارفور هي أعمال إبادة جماعية. وهذا برهان ساطع آخر على حيادية القاضي كاسيزي وعدم تأثره بأي ضغوط من هنا أو هناك.
وأخيراً، مَن منّا لم تأخذه تلك السلاسة والصرامة المدهشة في شباط (فبراير) الماضي عندما قام القاضي كاسيزي بتعريف الإرهاب، ليرتفع به إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتهريب المخدرات وتبييض الأموال. وكذلك عندما بلور قاعدةً قانونيةً متطورةً مفادُها أنّ اللجوء إلى الإرهاب من قبل أي كان لفرض إرادته على الآخر يخوّل أي دولة أو أي شخص دولي حق ملاحقة المخلّ، فكأنه كان بذلك يبنى أواني مستطرقة (متصلة) للإنسانية جمعاء لكي تتواصل وتتكاتف في وجه من يمكن أن يستسهل لتحقيق أهدافه الأعمال الإرهابية.
هذا غيض من فيض لرجل جعل العلم والحقيقة ضالته ومارس التزامه الصارم بمعايير النزاهة والشفافية حتى الثمالة، وحرص على أن تكون القواعد الأخلاقية بمعناها الشامل الحدود التي حرص على التقيد بها. لقد تعرّض القاضي أنطونيو كاسيزي للافتراء وجرى إلحاق الأذى والظلم به من قبل البعض الذين يدركون ماذا يفعلون. لكن، وعلى رغم ذلك، فإنّ هذا الظلم لم ينل من علمه ولا من موضوعيته ولا من نزاهته وتجرده وإنسانيته.
وعلى ذلك فإنني ومعي كذلك الكثيرون من الحريصين على الالتزام بمبدأ العدالة وأهمية الاستمرار في العمل على بلوغها، أسألك يا سيدي القاضي أن تسمح لي بأن أكرر باسم كل أولئك الذين ينحنون أمام نزاهتك وعلمك الغزير، التعبير عن التقدير والعرفان للإنجاز الأخير الذي حقَّقتَهُ في حياتك الحافلة بالإنجازات: لقد ساعدْتَنا نحن اللبنانيين على الانتصاف من أنفُسنا وأهوائنا، وأيقظتَ فينا الآمالَ بأن يعودَ لبنان كما كان آمِناً مطمئناً وحراً وسيّداً، تسوده العدالة، وسلطة الدولة الواحدة، وتنتصر فيه قيم الكرامة والحرية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وهي القيم يؤمل لها أن تزدهر اليومَ في كل مكانٍ في آفاق الربيع العربي.
سيدي القاضي، بناء على ذلك، أسألك أن تتقبل منا عذرنا وأن تقبل اعتذارنا.
* رئيس الوزراء اللبناني السابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.