ارتفاع أسعار النفط إلى 83.27 دولارًا للبرميل    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    1.6 ألف ترخيص ترفيهي بالربع الأول    الطاقة النظيفة مجال جديد للتعاون مع أمريكا    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    «الأقنعة السوداء»    السعودية والأمريكية    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    احذر أن ينكسر قلبك    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    تقنية تخترق أفكار الناس وتكشفها بدقة عالية !    إلتقاء سفيرة خادم الحرمين الشريفين بطلبة المنتخب السعودي في آيسف.    حلول سعودية في قمة التحديات    فتياتنا من ذهب    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    هتان السيف.. تكتب التاريخ في الفنون القتالية    حراك شامل    الدراسة في زمن الحرب    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    فوائد صحية للفلفل الأسود    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    خطر الوجود الغربي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    أثقل الناس    تحولات التعليم.. ما الذي يتطلب الأمر فعله ؟    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    الاتحاد يتعثر من جديد بتعادل أمام الخليج    المسابقات تعدل توقيت انطلاق عدد من مباريات دوري روشن    بتوجيه ولي العهد.. مراعاة أوقات الصلوات في جدولة المباريات    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    صفُّ الواهمين    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    سقيا الحاج    السفير الإيراني يزور «الرياض»    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما تختلط الأوراق

كنت في اجتماع مع بعض الإخوة، وكان الحديث ذا شجون، فقال بعضهم: يا شيخ عبدالله كنا قبل وقت قصير ننادي بحق المرأة السعودية في عضويتها بمجلس الشورى ومجالس البلديات وغيرها من المجالس التي لها اختصاص صنع القرارات وإصدارها. وكنا نقابل من علمائنا بالرد والإنكار. واليوم يفتي علماؤنا بحق المرأة في ذلك ويستدلون على الجواز بوقائع ومسالك من صحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، إذ صدرت منهن المشورات الصائبة والفتاوى الوجيهة الصحيحة، وكان من علماء المسلمين نساء عالمات فقيهات أخذ عنهن العلم الكثير من علماء المسلمين، فما الذي غيَّر الأمر من محظور إلى مباح؟ وهل نطمع في المستقبل بمثل هذا التحوُّل في قيادة المرأة السعودية للسيارة وإباحته لها؟
فقلت لقائل هذا القول: ما أعرف أحداً من أهل العلم قال بأن المرأة لا يحق لها أن تكون عالمة، وأن تبدي رأيها ومشورتها في أي أمر من الأمور العامة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وصحابياته، ومنهم أمهات المؤمنين عائشة وحفصة وسودة وغيرهن كأسماء بنت أبي بكر وغيرها رضي الله عنهن أجمعين.
وكذلك سيرة التابعين والتابعات، قد وجد فيهم العالمات والفقيهات، والتاريخ الإسلامي يشهد بذلك ويثبته، ولكننا لا نستطيع أن نجد من أخواتنا المؤهلات للعلم والرأي والشورى في صدر الإسلام من كان يختلط بالرجال في مجالس العلم والفتوى والشورى، بل الأمر معهن في ذلك وفق أمر الله وتوجيهه: «وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب». ولا يخفى ما عليه أهل العلم من أن صوت المرأة ليس عورة. والملك - حفظه الله - حينما قرر للمرأة حق عضويتها في مجلس الشورى وفي المجالس البلدية قيَّد تنفيذ ذلك بالضوابط والقيود الشرعية. ولا شك أن من أهم الضوابط والقيود الشرعية أن تكون المرأة العضو في مجلس الشورى وغيره في حجاب عن الرجال، بمعنى أن تكون لهن قاعة مفصولة عن قاعة الرجال. وأن تكون الواحدة منهن في لباس يضمن لها الاحتشام والحجاب الشرعي في دخولها وخروجها وأن تبدي رأيها ومداخلاتها، بقول يدفع عنها الخضوع في القول، وأن يكون عمرها المخول لها العضوية في أشده، وأن تكون ذات تأهيل علمي وسلوكي، والملك - حفظه الله - حينما قرر جواز اشتراك المرأة في الشورى وفي المجالس الإدارية شرط ذلك بقيود وضوابط، ولا شك في صدور لائحة نظامية توضح هذه القيود والضوابط وفق المقتضيات الشرعية.
وأنا أحد طلبة العلم في بلادنا لي بحث بعنوان: «المرأة، ما لها وما عليها» نشر هذا البحث قبل عشر سنوات، ذكرت فيه أن للمرأة الحق أن تكون عضوة في الإفتاء وفي الشورى، وأن تكون عميدة لأي كلية من الكليات النسوية، وأن تكون عضوة في مجالس الكليات وأقسامها، بشرط منع اختلاطها بالرجال. وما صدر به أمر مليكنا المفدى ليس مجانباً مقتضى شرعياً وليس رجوعاً عن منكر كان. وإنما هو تأكيد من الدولة بحقها في إبداء الرأي في الأمور العامة، والذي هو محل نظر هو أن تسند إليها أمور ولائية عامة، كوزارة أو رئاسة وزارة أو رئاسة دولة، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله «لن يفلح قوم ولَّوْا أمرهم امرأة». فلم يثبت في تاريخ الإسلامي في عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى عصور قريبة أن أسندت الولاية العامة إلى امرأة، سواء أكانت ولاية إدارية أم كانت ولاية قضائية. ولعل الحكمة في ذلك أن عاطفة المرأة أقوى من عقلها. وأما ما يتعلق بقيادة المرأة فليس المنع من ذلك أنها ليست أهلاً لها، فقد تكون في أخواتنا من هي أقدر على القيادة من بعض الرجال، ولكن المحذور من جواز قيادتها انفلاتها من أسرتها، لاسيما المراهقات من فتياتنا، فهن لم يَسلمنَ من مرضى القلوب من شبابنا وهي في الأسواق أو في الطرق إلى أعمالهن أو مدارسهن.
وقد يقول من يرد على هذا القول بأن الشباب المراهقين نخشى عليهم ما يُخشى على المراهقات، وهذا صحيح، إلا أن المجتمع يتساهل مع تجاوز المراهق الذكر وينسى ما يكون منه من تجاوزات، إذا تاب وأناب، بينما الفتاة إذا كان منها تجاوز لا يُنسى وتبقى سمعتها السيئة سيئة مهما تابت واستقامت. هذا من الناحية السلوكية والأخلاقية. أما من الجوانب المرورية والاقتصادية وتكليف الأسر بما يرهقها فهذا يعرفه أهل العلم في ذلك.
وأذكر أنني كنت مشاركاً في الدورة الثانية أو الثالثة في الحوار الوطني المنعقد في المدينة المنورة قبل بضع سنوات، وكان موضوع الحوار شؤون المرأة، وقد حضرته من الأخوات مجموعة من ذوات الثقافة والفكر ورجاحة العقل، وقدمن بحوثاً قيِّمة، وتقدمن بمداخلات وملاحظات وتعقيبات، ووجهت إحداهن سؤالاً إليّ بالذات عن قيادة المرأة السيارة ما هو المحذور في ذلك؟ فذكرت أن هناك مجموعة محاذير أهمها: أن لدى شبابنا وشاباتنا المراهقين والمراهقات اندفاعاً إلى التجاوز الأخلاقي تغذيه مجموعة عوامل، ويؤكد ذلك ما تتلقاه الفتيات في الأسواق وأماكن الاختلاط العام من الشباب من صنوف الأذية والاستفزاز، وما قد يكون من فتياتنا المراهقات من قبول لهذه الاستفزازات، فكيف إذا أعطيت إحداهن سيارة تقودها حيث تشاء؟ وختمت قولي للأخت في جلسة الحوار بأن: مثلكن أيتها الأخوات الكريمات لو اقتصرت قيادة السيارة عليكن وأمثالكن ممن بلغن أشدهن عقلاً وبصيرة وسلوكاً وثقافة لما كان التردد في منح الواحدة منكن رخصة القيادة. ولكن الذريعة الغالب على الظن توصيلها إلى المحذور يجب سدها.
وخلاصة قولي التوجُّه إلى إخواني بتقوى الله تعالى وإحسان الظن بإخوانهم علماء بلادهم، فهم شاطئ أمان أمنهم واستقرارهم ودليل مسيرتهم، وحكامنا سدد الله خطاهم يرجعون إليهم في كل صغيرة وكبيرة، ويعتمدون في قراراتهم على ما يصدر من علمائهم من توصية وتوضيح وقرارات وفتاوى، وإذا وجدت فتاوى تتزامن مع العصر مع مراعاتها تحقق المقاصد الشرعية وانتفاء تعارضها مع نصوص الكتاب والسنة والإجماع فهذا سر الاعتقاد بأن ديننا صالح لكل زمان ومكان. وقد اتفق المحققون من أهل العلم على أن الفتوى تتغير بتغيُّر الأحوال والظروف والزمان، إلا أن التغيُّر يجب أن يكون في إطار المقاصد الشرعية والنصوص الشرعية، وأن يكون يسيره التيسير بشرط انتفاء الإثم.
* عضو هيئة كبار العلماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.