تقع جزيرة ايبيزا التي اطلق عليها العرب اسم "اليابسة" في المنطقة الغربية من البحر الابيض المتوسط، وهي ثالثة جزر ارخبيل الباليار الاربع من حيث مساحتها التي تبلغ 572 كيلومتراً مربعاً. سكانها الاصليون نحو 80 الف نسمة، لكنها تستقبل اكثر من مليوني سائح سنوياً. وهي معروفة منذ نحو العام 1600 ق.م. وسيطر عليها اليونانيون سنة 700 ق.م. واحتلها تالياً الفينيقيون والقرطاجيون والرومان والبربر والبيزنطيون والقوط قبل ان يصلها العرب سنة 902م. وقد ترك كل من تلك الاقوام بعضاً من تراثه هناك ولهذا تتعدد ثقافاتها. وعلى رغم سيطرة القشتاليين الاسبان على ايبيزا سنة 1714 الا انها استعادت اخيراً هويتها وثقافتها الكاتالانية التي زرعها هؤلاء عندما دخلوها لدى خروج العرب منها. تسميتها باللغة الكاتالانية EIVISSA تعني "ارض الشمس والحدود والثقافات المتكاملة". بفضل مرور كل هذه الحضارات عليها تنوعت ثقافاتها واغتنت فخلقت مجتمعاً منفتحاً جمع بين الاسلام والمسيحية، وبين الحداثة والقدم، وبين الحضارة والبربرية والمادة والاخلاق. وبفضل كنوزها الثقافية اعتبرتها منظمة الاممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو مدينة "من مدن تراث الانسانية". كانت ايبيزا في الماضي الغابر حلقة وصل استراتيجية للملاحة البحرية بين الشرق والغرب فهي اقرب الى الجزائر منها الى مدريد على سبيل المثال، واكثرية سكانها من الاجانب، وقد امر الاسكندر المقدوني سنة 711ق.م. بالمحافظة على جزيرة ايبيزا ووضعها تحت سلطة كنيسة جيرونا الكاتالانية. اما اول اتصال موثق للجزيرة مع العالم الاسلامي فيعود الى اوائل القرن الثامن. كانت تتعرض آنذاك لمناوشات ومعارك مع القراصنة لكن العرب لم يتمكنوا حتى اوائل القرن التاسع من ضمها الى خلافة قرطبة تحت اسم "جزر الاندلس الشرقية". ولا يزال الطابع العربي والاسلامي بارزاً وملحوظاً في مجتمع ايبيزا وبغض النظر عن الآثار التي ما زالت حكومات جزر الباليار تحافظ عليها، فإن العرب تركوا في اللغة الايبيزية المشتقة من اللغة الكاتالانية تعابير كثيرة واسماء قرى واحياء جمة، نذكر منها على سبيل المثال اسماء ثلاثة احياء من اصل خمسة تشكل وسط المدينة هي: الغرب Algharb وبني زميد Benizamib والهواة Alhauteh. وهناك القصر Alcazr وهو قلعة مربعة الزوايا فوق كل زاوية برج عربي يتوج سور المدينة التي ما زالت تسميته باللغتين الاسبانية والايبيزية مُدَيْنة Almudayna. والاهم من ذلك ان الامويين نفذوا في مرفأ ايبيزا الحالي اسلوب "ساس فايكسس" Ses Feixes المعقد لجمع مياه الجبال وتنظيفها وتصريفها الى المستنقعات لتطهير مياهها من الجراثيم وهو ما لم يتمكن علماء اليوم من تقليده. اما القطع الاثرية الاسلامية التي عثر عليها في هذه الجزيرة فهي كثيرة، بينها قوارير صغيرة للعطور من القرنين التاسع والحادي عشر استوردت على ما يبدو من ايران ومصر وسورية والعراق، اضافة الى مزهريات من السيراميك الاسلامي المزين برسوم خضراء فوق لونه الابيض، وقنديل يعتبره خبراء الآثار من القطع النادرة. تقدم الجزيرة للسائح الذي يحب كثرة الحركة والتجمعات والمرح الكثير من الاشياء التي يكتشفها شيئاً فشيئاً من دون ان يبحث عنها، فما عليه الا ان يسلم نفسه لطبيعة خلابة تسيطر على مناظرها غابات الصنوبر المحيطة بالبيوت والمباني التي تكحلت بتاريخ قديم وان يستسلم لرأي من سبقه في العثور على جنته الخاصة فيتمتع بمناخ متوسطي لا ينخفض معدل درجة حرارته السنوية عن 18.5 درجة مئوية. اما عن الحياة الليلية في هذه الجزيرة الصغيرة فحدث ولا حرج ربما بإمكاننا القول ان اهم واكبر علب الليل في اسبانيا بل وفي أوروبا موجودة في ايبيزا وليس في جزيرة ماربيا الجنوبية. واذا قمنا بمقارنة عدد المتجولين ليلاً حتى الفجر في شوارع المدينة فربما زاد عددهم على المارة من سياح ومقيمين خلال النهار الى حد انك قد تتساءل من اين جاء كل هؤلاء؟ وهل مدينة ايبيزا لا تنام ام ان غالبية زوارها ينامون النهار ليخرجوا ليلاً؟ اثناء اقامتك هناك تجد نفسك محاطاً بمجتمع متعدد الجنسيات والاعمار والعادات والاطباع. بينهم من يتجول شبه عار وبينهم من يلبس الثياب التي من الصعب ان تتصور انها موجودة في احد اسواق العالم. انه مجتمع خاص يطلق الحرية على عنانها. وعلى رغم شواطئها الممتدة مئات الكيلومترات ومراكز الترفيه الموجودة لا يمكننا ان نصف ايبيزا بانها المكان المثالي للسائح الذي يسعى وراء الهدوء والسكون والراحة والاستجمام لان اهم خصائص مجمعاتها السياحية كثرة الحركة والازدحام والمرح الدائمين والسعي وراء المتعة. انها تقدم حياة خاصة وفرصة نادرة للزائر الخاص، على رغم وجود بعض القرى والاحياء الصغيرة التي تستقبل العائلات وسط اجواء هادئة مثل مسابح كالا جوندال وكالا دي هورت وغيرها اضافة الى ان الجزيرة مأهولة على مدار السنة. وهي تخضع صيفاً لغزو الشباب الالمان والاسكندينافيين والبريطانيين بشكل خاص. وبامكان زائرها ان يعثر على ممثلين لعشرين جنسية اخرى. اما الشباب القادمون من الدول العربية فيتوجه بعضهم الى هذه الجزيرة في الوقت الذي تصطاف فيه مجموعات كبيرة من عائلاتهم في جزيرة بالما دي مايوركا المجاورة حيث تستضيف العائلة المالكة الاسبانية ضيوفها من العائلات المالكة الاوروبية والعربية في الصيف، وفي جزيرة مايوركا حيث سيصطاف هذه السنة رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا اثنار وعائلته. اهم بلداتها السياحية العاصمة ايفيسا وايبيزا التي تعتبر مدينة اسطورية حيث توجد كنيسة سا بورتيلا العربية الاصل والمتحف الاثري وكاسا دل راي مورو اي "بيت الملك العربي" وغيرها من المعالم الاثرية والسياحية الكثيرة. وكذلك سان جوان الذي تتزين طبيعته بجبال يرتفع اثنان منها اكثر من 400 متر، الى جانب بالافيا الاثرية، حيث البيوت القروية والابراج العربية التي تعلو فوق المدينة لتذكرنا بعدم الاستقرار الذي كان يسودها في القرن العاشر. لا يمكننا الحديث عن سان جوان من دون الاشارة الى شواطئها التي تصل الخضرة فيها الى مياه البحر في بعض الاحيان، في الوقت نفسه الذي يتأمل فيه السائح المرتفعات التي تحيط برمال البحر واعشابه. وهناك بلدات اخرى مثل سانت جوسيب ساتالايا وسان انطونيو التي كانت تعتبر عاصمة سياحية للجزيرة وسانتا اولاريا ودالت فيلا التي ما زالت تتسم بالطابعين العربي والفينيقي، وغيرها من القرى والاحياء التي تقدم للسائح تنوعات اثرية وثقافية ممزوجة بالترفيه والمرح والعلاقات الانسانية والاجتماعية ولا تزال تتسم بطابعها القديم على رغم تحديث منشآتها. ويصل ارتفاع اعلى منطقة في جزيرة ايبيزا الى 474 متراً عن سطح البحر وبالتالي فانها تقدم للزائرين خلال فصل الشتاء بسبب خصوصية حرارتها برامج سياحية شتوية. خلال السنوات العشرين الماضية ولتزايد عدد السياح الزائرين لايبيزا بسبب الخصوصيات التي تميزها عن بقية الجزر والمناطق الاسبانية، والمودة التي يتمتع بها ابنها آبيل ماتوتيس صاحب فكرة تشجيع السياحة فيها الذي اصبح لاحقاً مفوضاً اوروبياً وأحد اهم وزراء خارجية اسبانيا المؤيدين للقضايا العربية، اجرت السلطات المحلية بدعم من الحكومة المركزية الاسبانية تحسينات مهمة في القطاع السياحي لتتمكن هذه اللجنة السياحية من تقديم كل انواع الخدمات والراحة والرفاهية. فنادق الدرجة الاولى فيها اربع نجوم ممتازة علما ان الفنادق الادنى درجة نظيفة ومريحة واسعارها معقولة. وبإمكان الزائر ان يتمتع بقضاء عطلة شيقة في ايبيزا حتى لو كان لا يملك الكثير من المال