أمير القصيم يشهد توقيع مذكرة تفاهم للكلية التقنية ببريدة    المملكة ترحب بالقرار الإيجابي الذي اتخذته النرويج وإسبانيا وإيرلندا باعترافها بدولة فلسطين    تعليم الشرقية يستقبل الموهوبين بعد مشاركتهم في معرض إنتل آيسف للعلوم والهندسة بأمريكا 2024    أمير المدينة يرعى تخريج الدفعة الثالثة من طلاب كليات الريان    خامنئي يؤم صلاة الجنازة على الرئيس الإيراني ومرافقيه    القيادة تهنئ رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني بمناسبة ذكرى يوم الوحدة لبلاده    آل هادي يزف ياسر وأحمد لعش الزوجية    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب «المركزي الأمريكي»    السعودية تشارك في المؤتمر الثامن للجنة المستقلة لمكافحة الفساد في هونغ كونغ    «ليوان» تطرح مفهوما جديداً في التطوير العقاري مواكباً مع نظام وافي المعزز لنشاط البيع على الخارطة    وصول الفوج الأول من حجاج دولة الهند إلى مكة المكرمة    اختتام النسخة السادسة من منتدى المشاريع المستقبلية 2024    المديرية العامة للسجون تحتفي بتخريج (700) مجند من دورة الفرد الأساسي ال (44)    أمطار رعدية على المناطق الجنوبية ومرتفعات مكة    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي لمجندات الدفعة السادسة في معهد التدريب النسوي    الصندوق الثقافي يٌشارك في مهرجان كان السينمائي الدولي    بطاقة معان لخدمة كبار السن والأشخاص ذوي الاعاقة والجنود المرابطين    75 ملياراً حصاد اليوم الثاني ل"مستقبل الطيران"    مناطيد العُلا تتزين ب"النمر العربي والحِجر وخيبر"    أدوات جديدة لتطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي    وصول البعثة الاولى الى المدينة المنورة لأداء فريضة الحج    القتل للإرهابي «آل جوهر».. هدد الأمن الوطني    «السعودية للطاقة» الأقل تكلفة لإنتاج الكهرباء من «المتجددة»    مجلس الطيران العالمي    تسعيني ينال الثانوية قبل وفاته بأيام    منى زكي تجسّد دور «أم كلثوم».. وحفيدها يعترض !    الجدعان: نبحث فرص خصخصة ب«البنية التحتية»    700 ألف صك صدرت عبر البورصة العقارية    بتوجيه خالد الفيصل.. نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    أنواع من الشاي الأشهر حول العالم    احذر.. قد يأتيك السرطان من داخل سيارتك !    تلوث الهواء يزيد خطر الإصابة بالخرف !    الأخضر تحت 17 لرفع الأثقال يشارك في بطولة العالم بالبيرو    مجلس تراحم الباحة يعقد اجتماعه الأول لعام 2024 .    سيدات الشباب يتوجن بلقب بطولة الصالات في نسختها الثانية    فرضية في طريق الهجرة استعداداً لموسم الحج    نقل مباراة الهلال والطائي من ملعب المملكة أرينا إلى ملعب نادي الشباب    الرائد .. تذاكر مباراتنا أمام الأهلي متاحة الآن    عقد ضخم ينتظر حارس ليفربول والثقافة السعودية تحفز نجم ال" ميلان" للانتقال إلى روشن    الهلال يستعيد سالم قبل النهائي المرتقب    ترجمة الهوية    أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-2    اطلاق برامج دعوية لخدمة ضيوف الرحمن    نائب أمير الرياض يرعى حفل التخرج بمدارس الملك فيصل    دبابات الاحتلال تحاصر مستشفيات شمال غزة    السعودية.. إنجازات وطموحات رائدة نحو الفضاء    الدولة واهتمامها بخدمة ضيوف الرحمن    مذكرة تفاهم لتوفير مياه زمزم لحجاج الداخل    تويتر ينتقل نهائياً إلى«إكس دوت كوم»    اطلع على برامج التدريب التقني.. أمير القصيم ينوه بدور«الشورى»    أمير المدينة يستقبل المشايخ ومديري الإدارات الحكومية المدنية والعسكرية    هديتي تفاحة    لمرضى الروماتيزم في الحج .. مختص: تناولوا الأدوية في مواعيدها    نائب أمير المنطقة الشرقية يشهد حفل تخريج طلاب كليات الأصالة    أشيعوا بهجة الأمكنة    غرور الهلاليين وتواضع الأهلاويين    نائب وزير الخارجية يقدم واجب العزاء والمواساة في وفاة رئيس إيران    نائب أمير مكة يستقبل مدير عام الجوازات والوفد المرافق له    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفط السوداني "بيت قصيد" الأزمة ... والحل ! هاجسان لنظام البشير : الضربة الأميركية وانفصال الجنوب
نشر في الحياة يوم 24 - 12 - 2001

تبدو الصورة داخل العاصمة السودانية مفعمة بالتناقضات والغموض الشديد. ثمة مخاوف من ضربة أميركية في سياق الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على الارهاب. غير أن الخوف الحقيقي يساور المسؤولين حيال المبادرة الاميركية الخاصة بتسوية مشكلة الحرب الاهلية، خصوصاً أن الإحساس قوي هذه المرة بأن انفصال الجنوب، ومنح ثلاث مناطق استراتيجية في شمال السودان حكماً ذاتياً موسعاً، سيكون ثمناً للسلام، وبالتالي بقاء الحكومة الحالية في الخرطوم. وهو الهاجس الذي تراجعت إزاءه هواجس تحقيق الوفاق الوطني وترتيب الوضع الاقتصادي الذي لا تخطئ العين النظر الى تأثيره في كل جوانب الحياة العامة في شوارع مدن العاصمة المثلثة ودوواينها الحكومية.
المتجول في شوارع الخرطوم ليلاً ليس بحاجة الى أدلة تؤكد استمرار سيطرة حكومة "ثورة الانقاذ الوطني"، التي يتزعمها الفريق عمر البشير، على مقاليد الامور في البلاد، بإحكام تجسده نقاط التفتيش التي تستوقف سائقي السيارات الذين يطلب منهم ابراز هوياتهم وتفتيش سياراتهم أحياناً. وجدد المجلس الوطني البرلمان لتوه العمل بالاحكام العرفية المعلنة منذ تفاقم الشقاق بين البشير وحليفه السابق الدكتور حسن الترابي.
الفقر يجتاح كل جوانب الحياة العامة: تبدو الشوارع في حال بؤس لا يخفى. الخدمات العمومية متدنية للغاية. الوضع المعيشي للمواطنين أسوأ ما يكون، على رغم وعود الدولة بتحويل عائدات النفط السوداني مشاريع للتنمية والتخفيف المعيشي على السكان. الغلاء والتضخم يقضمان مداخيل المواطنين على رغم حديث السلطات عن خفض معدلات التضخم وتأكيد نمو الاقتصاد الوطني بمعدلات ترضي مسؤولي صندوق النقد الدولي.
ولا أثر في الشارع السوداني للمادة المفضلة لمؤيدي الاحزاب السياسية المحظورة: الوفاق الوطني. تلقي الحكومة التبعة على قادة الاحزاب المعارضة. ويلقي هؤلاء المسؤولية على عاتق الحكومة ويتهمونها بالتشبث بالسلطة والتسويف لضمان البقاء. ومما يتبدى من تصريحات المسؤولين السودانيين فإن مطالبة المعارضة بتفكيك نظام "ثورة الانقاذ الوطني" لتحقيق الوفاق مستحيلة تماماً من وجهة نظر الحكومة. وربما لهذا اطلق مراقبون في الخرطوم على هذا التوجه "سياسة التخليد". وهكذا فعلى رغم مبادرة الحكومة لقبول توصيات اللجان المصرية-الليبية ومشاركتها في مفاوضات السلام التي ترعاها منظمة الهيئة الحكومية للتنمية ايغاد، فإن المعارضة مقتنعة بأن الحكومة تريد وفاقاً بشروطها، ونظاماً انتقالياً لا يلغي وجودها، ولا يقلص هيمنتها على مناحي الحياة المختلفة. وربما لهذا تتعثر خطوات التفاوض في كل المنابر التي قبل الطرفان ارتيادها لحل الازمة. ومن الواضح أن ثمة عقبتين أساسيتين تتحطم عندهما كل آمال الوفاق، وهما:
- الخلاف حول الفصل بين الدين والسياسة، إذ يفضل الحزبيون أن تكون الدولة علمانية، لاستيعاب غير المسلمين وغير الاسلاميين، فيما تتمسك الحكومة بضرورة الابقاء على ما تسميه "ثوابت الإنقاذ"، وهي إشارة الى إبقاء العمل بقوانين الشريعة الاسلامية، ودور الحركة الإسلامية في حماية تلك الثوابت.
- الاتفاق على منح جنوب السودان حقه في تقرير المصير: وهو مطلب أجمعت عليه الاطراف السودانية المتخاصمة بعد مفاوضات استمرت سنوات، بما في ذلك حكومة البشير. غير أنه يبدو أن مصر التي تتطلع لحماية دائمة لمصالحها في السودان، خصوصاً مياه النيل، لا تستسيغ الفكرة، مهما كانت الضمانات الاميركية.
سألت "الوسط" زعيماً معارضاً عاد الى البلاد في الآونة الاخيرة: أين توجد المعارضة في الشارع السوداني؟ فأقر بأن الوجود المعارض بائس، وأنه غدا ينحصر في صفحات الصحف وبضع منتديات سياسية، مؤكداً أن الحكومة تضغط باتجاه مشاركة في الحكم لا تأخذ في الاعتبار شروط الاحزاب الرئيسية غير المسجلة وفقاً لأحكام قانون تسجيل الحزاب والتنظيمات السياسية قانون التوالي السياسي سابقاً.
هل ستقبل الحكومة السودانية المطلب الذي يدعوها الى تفكيك نظامها؟ لم يتلفت مستشار سياسي كبير للرئيس السوداني ليبحث عن إجابة، فقد رد في الحال: سننتقل الى الكهوف والخنادق إذا اضطررنا الى حماية النظام. غير أنه استبعد اندلاع اضطرابات بسبب تعثر ملف الوفاق، وقال إن الحكومة ليست معرضة عن التوصل الى اتفاق يضع حداً لأزمة الحكم التي تواجه البلاد منذ العام 1989، "لكن الملف الاهم بنظري في الوقت الراهن هو مبادرة دانفورث، وأي قضية أخرى تبقى مؤجلة".
ليس ثمة ما يهدد بقاء "ثورة الانقاذ الوطني" سوى ملف التسوية السياسية في جنوب السودان. وعلى رغم أن الحكومة بدت في سنواتها الأُوَل مستعدة للتفاوض على فصل الجنوب، وتنصلت عن ذلك لتقبل في نهاية المطاف الدعوة الى منح الجنوب حق تقرير المصير، أسوة بأحزاب المعارضة الشمالية التي أقرت ذلك في "مؤتمر القضايا المصيرية" الذي عقد في أسمرا العام 1995، إلا أنها اكتشفت، بعد قيام الرئيس السوداني بتدشين مشروع تصدير النفط السوداني، أن الوفاء بذلك التعهد سيعني حرمانها من النفط الذي توجد غالبية حقوله الكبيرة في الجنوب. وتصل عائدات تصدير النفط حالياً الى نحو خمسة ملايين دولار، تنفق السلطات السودانية مليونين منها على مجهودها الحربي في الجنوب والشرق والغرب، وتوظف البقية في تمويل متطلبات الدولة. ويقر كبار مسؤولي وزارة المال بأنه لولا مشروع النفط لكانت الدولة انهارت، خصوصاً في ظل انهيار أسعار المحاصيل الاساسية التي كانت تعتمد عليها الخزينة السودانية، كالقطن والسمسم والكركدي والصمغ العربي.
وهكذا، فإن الحرب المقبلة في السودان ستكون في جوهرها حرباً من أجل النفط. وتعتقد الحكومة السودانية أن مبادرة دانفورث ستحقق. في مآلاتها النهائية، مصلحة الجيش الشعبي لتحرير السودان، بزعامة العقيد جون قرنق، الذي ستتيح له وقف النار، وإن بشكل جزئي، في المناطق التي ستعتبر ممرات آمنة، تعزيز قواته في محيط حقول النفط. ولم يستبعد مسؤولون سودانيون أن تكون الضربة الاميركية للسودان، التي كثرت الإشارة اليها في سياق الحرب الاميركية المعلنة على الارهاب الدولي، في جوبا - عاصمة الجنوب السوداني - وليس الخرطوم، وذلك لتغيير ميزان القوة هناك، وإلحاق ضرر بهيمنة القوات المسلحة على الجنوب.
هذه المخاوف وتلك السيناريوهات لا وجود لها على صفحات الصحف المحلية وتصريحات المسؤولين، وذلك تفادياً لأي سوء فهم جديد في العلاقات مع واشنطن. ويقول النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه إن بلاده تعتبر نفسها في مرحلة توكيد النيات الحسنة، سعياً الى مد جسور الثقة. وعلى عكس التكهنات بضربة أميركية للسودان، وتطبيق سريع لسيناريو الانفصال، بدا المسؤول السوداني الذي يجمع المراقبون على أنه الاقوى نفوذاً في البلاد، أشد حذراً وتحفظاً، إذ وصف مقترحات السناتور السابق دانفورث بأنها "بادرة وليست مبادرة". وخلص الى أن المسألة تتطلب وقتاً، لكن السياسة الاميركية تمثل انتهاجاً لسياسة الخطوة-خطوة. واعتبر النائب الاول للرئيس السوداني، في لقاء ضم الصحافيين والمراسلين، أن الحديث عن تهديدات أميركية بضرب البلاد لا يعدو أن يكون مجرد ابتزاز، مؤكداً أن السودان يراقب الوضع ويتابع تطوراته.
غير أن المتتبع لتصريحات كبار المسؤولين يكتشف سريعاً أن الصورة تبدو غامضة بالنسبة الى الخرطوم. ويخشى المسؤولون أن تسفر "بادرة دانفورث" - على حد تعبير النائب الأول للبشير - عن تطبيق مقترحات سابقة لتقسيم السودان الى ثلاثة كيانات، على النحوالآتي:
- دولة عربية مسلمة في شمال السودان.
- دولة جنوبية مسيحية علمانية.
- كانتونات تمتع باستقلال ذاتي فضفاض في جبال النوبة غرب السودان، وأب ياي جنوب غرب، وجبال الأنقسنا جنوب شرق.
ولتطمين مصر والدول الافريقية التي تخشى أن يفتح انفصال الجنوب السوداني جحيماً مماثلاً في تلك الدول أو في جوارها، يسود اعتقاد بأن الكيانات الثلاثة المشار إليها ستأتي في إطار دولة سودانية موحدة بشكل اسمي عملة موحدة، علم واحد، سلام وطني واحد. ويقر ديبلوماسيون أفارقة بأن القاهرة لا تهمها التفاصيل بقدر ما يهمها الإطار العام لوحدة السودان.
الخوف من أميركا
أكد وزير خارجية السودان مصطفى عثمان اسماعيل أن ملف الارهاب في السودان قد تم إغلاقه في أعقاب التحقيقات المكثفة التي أجراها عملاء أجهزة الاستخبارات ومكتب التحقيقات الفيديرالي الاميركي في السودان قبل 11 أيلول سبتمبر وبعده. ولا يبدو أن ثمة ما يبرر التكهنات في شأن ضربة تأديبية أميركية للسودان بعد الفراغ من الحرب في أفغانستان.
قال مسؤول أمني كبير في الخرطوم ل "الوسط" إن "الأفغان العرب" غادروا السودان إثر تسليم الارهابي الفنزويلي كارلوس إلى فرنسا، وبعد إبعاد زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن في 1996. ولم يبق في البلاد سوى قلة من "الأفغان العرب"،وغالبيتهم سوريون، قرروا امتهان التجارة، وفتحوا مطاعم ومحلات تجارية حققت نجاحاً. وأشار الى أن هؤلاء تم استدعاؤهم للمثول أمام المحققين الاميركيين لتقديم أي إفادات قد تعين الولايات المتحدة على إقتفاء أثر أموال "القاعدة" وقدراته العسكرية. وذكر أن ملف محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا، قد تم إغلاقه بعدما طالبت مصر واثيوبيا برفع العقوبات المفروضة على السودان، واستأنفتا تطبيع علاقاتهما الديبلوماسية معه.
وبات واضحاً لغالبية الاطراف المعنية بالازمة السودانية أن نظام "ثورة الانقاذ الوطني"، على رغم التعقيدات التي تثيرها تركيبته ونزوعه للإستئثار بالحكم، لا يتبع ل "التنظيم الدولي للاخوان المسلمين" الذي يعتبر الأب الشرعي لتيارات التطرف والتشدد الديني التي أدت الى هيمنة الفكر الأصولي على قطاعات الحركة الاسلامية في الدول العربية والاسلامية، بما في ذلك تنظيم "القاعدة" وحركتا "الجهاد" و"الجماعة الاسلامية". واكتملت القطيعة تماماً بين الحركة الاسلامية الدولية والنظام السوداني بعد رفض الخرطوم مقترحات لجنة الوساطة الاسلامية لتسوية النزاع بين الدكتور الترابي وخصومه في حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم. وربما لهذا كان مفهوماً حرص الحركة الاسلامية الدولية على مقاطعة الدعوات التي وجهتها اليها السلطات السودانية لحضور المؤتمر العام للحزب الحاكم الذي عقد أخيراً في العاصمة السودانية.
وماذا سيكون مصير الترابي نفسه؟ زوجته السيدة وصال الصديق المهدي أبلغت "الوسط" بأنه يرفض الإجابة عن أي أسئلة صحافية، بدعوى أن لا رأي لأسير. وأكدت استمرار المساعي الرامية لإطلاقه من الحجز المنزلي الذي يخضع له منذ اعتقاله في شباط فبراير الماضي، عقب توقيع حزب "المؤتمر الشعبي" الذي يتزعمه "مذكرة تفاهم" مع الجيش الشعبي لتحرير السودان.
غير أن المسؤولين السودانيين يقولون إن الترابي سيبقى في المعتقل "الى ما شاء الله". ويرون أنه لا يملك سنداً شعبياً كافياً لتأجيج اضطرابات في البلاد، "لكنه يملك قدرة فريدة على إثارة المشاكل، وهو مدبر جيد للفتن حتى في صفوف القوات المسلحة. كما أنه يملك قدرة على تدبير الاموال ومخاطبة أجهزة الإعلام، تتيح له العمل على قلب النظام ما دام من شأن ذلك أن يضمن له الفوز بالسلطة التي تم تجريدها منه" على حد تعبير قيادي سوداني يعتبر من أبرز تلاميذ الترابي حتى بعد الانقلاب الذي قضى على نفوذه الحكومي.
هل سيبقى النظام السوداني بشكله الراهن حتى لو نجا من الضربة الاميركية المحتملة؟
الاجابة التي لا يريدها المعارضون: نعم. فقد تبددت المخاوف من أن طموحات النائب الاول للفريق البشير، بعدما غدا واضحاً أن المعادلة الحالية للتحالف بين العسكريين والاسلاميين مريحة جداً بالنسبة اليه. فهو على اقتناع بأن من الضروري بقاء العسكريين في الواجهة، لأن أحداث التاريخ السياسي المعاصر تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن السياسيين المدنيين فشلوا في إدارة البلاد، على رغم أنهم يأتون الى السلطة بتفويض انتخابي حر. ويقول مقربون الى النائب الاول إنه يدرك تماماً السقف الذي بلغه نفوذه، وأنه لن يتخطاه ما دام يمسك بكل الخيوط، في تفاهم تام مع البشير وقادة القوات المسلحة.
والواقع أن النائب الاول علي عثمان يعتبر حالياً أهم صناع القرار في الخرطوم، وذلك من خلال أذرعه التنفيذية والأمنية. ويقول أعوانه إنه لا يملك "الكاريزما" المطلوب توافرها في الطامحين الى تولي الرئاسة، "لكنه أيضاً ليس مكروهاً. وتبين لكل السودانيين أن عقليته هي عقلية الأفندية المعتادة في مناطق وسط السودان". ويشيرون الى أنه مهما كثرت الانتقادات التي تستهدف النائب الاول، "فهي خالية تماماً من شبهات الفساد"، الامر الذي يتيح له فرصة طيبة لادارة مفاوضات ناجحة مع أحزاب المعارضة في شأن شروط الوفاق المشكوك في أمره.
غير أن هذه الصورة الخالية من المهددات لبقاء نظام "الانقاذ" ليست راسخة بقدر يكفي لأن ينام قادة الحكومة ملء جفونهم. "المفاجآت محتملة...والزلازل ممكنة. وطالما بقي الملف السوداني بيد السناتور دانفورث، لا يمكن القول إن الصورة واضحة تماماً. كما أن أميركا نفسها لم تعد تعرف بعد أحداث 11 أيلول ماذا تريد من سياستها الخارجية وعلاقاتها مع الدول الاخرى. لذلك يبقى الغموض، وهو يأتي بالخوف من المجهول" على حد تعبير مسؤول سوداني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.