جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية السابقة: طاجيكستان، أوزبكستان وتركمانستان، كادت تختفي من صدارة الاخبار منذ ان استقلت عن موسكو في 1991. مرةً كل عامين كان يُذكر اسم واحدتها. وذكر الاسم كان غالباً ما يتطلّب حدثاً نوعياً صارخاً يستحيل تجنبه. الآن، مع "الحرب على الارهاب"، اتضحت الأهمية الحاسمة لهذه الدول الثلاث. فدور طاجيكستان، مثلاً، كبير جداً لأنها، حسب محللين كثيرين، القاعدة الأمثل لانتقال القوات البرية الاميركية والحليفة الى افغانستان. الا ان الجمهورية السوفياتية السابقة رهنت موافقتها على الاستخدام الاميركي لاراضيها بموقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان بوتين قد "سمح" لجمهوريات آسيا الوسطى بأن تقدم مطاراتها للقوات الاميركية، فضلا عن التعاون في مجال المعلومات والاستخبارات. والمعروف ان موسكو لا تزال تملك قوات عسكرية كبيرة في طاجيكستان، معظمها يتولى مراقبة الحدود مع افغانستان. الا ان الطاجيك لديهم مشاكلهم الكبرى، وفي مقدمها خطر المجاعة الذي قد يطيح حكومة الرئيس رحمونوف الهشة. فإذا أضفنا أن النظام الحالي، وهو في عهدة شيوعيين وشيوعيين سابقين، خاض مواجهات مسلحة مع الاصوليين الاسلاميين بلغت ذروتها في 1996، فهمنا بعض تعقيدات الوضع هناك. والشيء نفسه يمكن قوله عن أوزبكستان: فهي دعمت "الحرب على الارهاب"، وفعلا تمركز في أراضيها الف جندي اميركي على الاقل، يفترض بهم ان يؤمّنوا الحماية لأية عملية عسكرية اميركية داخل افغانستان. لكن المعروف ان اوزبكستان تربطها بأفغانستان روابط اثنية. وفي السنوات الاخيرة تسببت سياسات رئيس الحكومة العلماني والديموقراطي إسلام كريموف بتعريض بلده الى هجمات مسلحة شنّها اصوليون اسلاميون استخدموا افغانستان قواعد انطلاق لهم. قصارى القول ان المعلومات القليلة والعَرَضية عن تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان التي تحدّ أفغانستان من الشمال، لم تعد تكفي. وقريباً قد نجد انفسنا ونحن نأتي على ذكر هذه البلدان الثلاثة مرات عدة في اليوم الواحد. هنا بطاقة تعريف عامة بها: تركمانستان منطقة مأهولة منذ اقدم العصور. غزاها اسكندر المقدوني في اواخر القرن الرابع قبل الميلاد، ثم غزتها القبائل التركية في القرن السادس الميلادي. وفي القرنين السابع والثامن اعتنقت الاسلام. حياتها الثقافية ازدهرت مع توسع شبكات الري وصعود المدن الى ان طغى المغول - التتر على آسيا الوسطى في القرن الثالث عشر، وفي القرن الرابع عشر غدت تركمانستان جزءا من امبراطورية تيمورلنك. لكن موسكو، في اواخر القرن التاسع عشر، وفي زخم الحملات التي شنتها القيصرية شرقاً عهد ذاك، ضمتها الى الامبراطورية الروسية. وفي 1922 تجدد ضمها الى الاتحاد السوفياتي الاشتراكي، وبعد ثلاث سنوات صارت إحدى جمهورياته ال15، وهو ما بقيت عليه حتى تصدعه اوائل التسعينات. وتمتد تركمانستان على طول 700 ميل من الشرق الى الغرب و350 ميلا من الشمال الى الجنوب، اما مساحتهافتبلغ 488100 كلم مربع، فيما ارتفع عدد سكانها من 6،1 مليون نسمة في 1962 الى 5،4 مليون نسمة اليوم. وتركمانستان يحدها غربا بحر قزوين، ومن الشمال الغربي كازخستان، ومن الشمال والشرق أوزبكستان، بينما تحدها أفغانستان وإيران جنوباً. عاصمة تركمانستان مدينة عشق أباد، والتركمان مسلمون سنّة من ذوي اللسان التركي، الا أنهم لا يتجاوزون 60 في المئة من عدد سكانها، اذ تعيش في تركمانستان أقليات كبرى من الروس والاوزبكيين والكازاخيين والتتر والاوكرانيين والارمن. ويتشكّل الجزء الأكبر من هذه الجمهورية ثلاثة أرباع المساحة من أراض منخفضة تغطيها صحراء كارا كوم الرملية المحاطة جنوباً وغرباً بتلال وهضاب مرتفعة. لهذا فمعظم التجمعات السكانية الكبرى يقيم في الواحات المنتشرة عند أقدام الجبال الجنوبية، لا سيما في وديان أترِك وتدجهن ومورغَب. اما باقي التمركز السكاني ففي الشمال الشرقي حيث تقع مدينة كراسنوفودسك: أهم الموانىء البحرية على الساحل الشرقي لبحر قزوين. أوزبكستان في البداية وصلت القبائل التركية الى اوزبكستان من الشرق في حدود العام 500 ، وبعد قرن ونيف وصل العرب المسلمون فبدأت عملية اعتناق الدين الجديد. واستمر الاسلام في اوزبكستان على رغم ان الحكم العربي انحسر عنها بعد ثلاثة قرون. في 1220 وقعت البلاد في قبضة المغول - التتر في ظل جنكيز خان. وبعد قرن صارت اوزبكستان، لا سيما مدينة سمرقند، المركز الأهم في امبراطورية تيمورلنك الشاسعة. وفي وقت لاحق ظهرت المدن - الدول الاقطاعية في خيفا وبخارى وكوكاند. اما القرنان السادس عشر والسابع عشر فشهدا نمو التجارة الأوزبكية مع الواحات المدينية المبعثرة في آسيا الوسطى. لكن الغزو العسكري الروسي الذي راحت موجاته تتتالى منذ 1860، غيّر تاريخ البلد وتطوره. مع ذلك لم يُستكمل دمج اوزبكستان في الجسم الروسي الا بعد قيام الثورة البلشفية في 1917. ففي 1924-1925 أُسست جمهورية اوزبكستان السوفياتية التي استمرت هكذا الى ان انحل الاتحاد السوفياتي نفسه. وقد تضاعف عدد سكان اوزبكستان من 12 مليوناً في 1970 الى 25 مليوناً اليوم. اما المساحة فتبلغ 447400 كلم مربع. وتُعدّ العاصمة طشقند أكبر مدن آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً. لكن الاوزبكيين، وهم من ذوي الاصول التركية، يشكلون ثلاثة ارباع سكان البلاد، فيما يضم الربع الرابع اقلية كبرى نسبيا من الروس، يليها الكازاخيون، ومن بعدهم الطاجيك. وتتمتع جمهورية اوزبكستان بالكثير من الموارد الطبيعية التي شجّعت وتشجّع على التصنيع، بما فيها الغاز الطبيعي والنفط والفحم والاملاح. وتُعتبر منطقتها الاكثر تقدماً منطقة الشمال الشرقي، وفيها طشقند العاصمة، حيث تنتشر صناعات النسيج والمعامل الصغرى والمتوسطة. كذلك يُصنّع القصدير في بيغوفات، والمواد الكيماوية في شيرشيك، والحرير في مارغيلان. ونسبة الامطار ضئيلة في اوزبكستان، كما ان فصل الشتاء قصير بحيث ان الايام الصالحة للزراعة تمتد من 190 الى 220 يوما في السنة. ويبقى القطن الموسم التقليدي الاساسي في البلاد، تليه الحبوب والبطيخ الاصفر وانواع عدة من الخضار. كذلك لا تزال الماشية على انواعها تدرّ على الأوزبكيين دخلا كبيرا نسبياً. طاجيكستان مع ان دماء تركية وتترية تداخلت في تشكيلهم، فالطاجيك ينتمون تاريخياً الى الايرانيين، على عكس جيرانهم الاوزبكيين والتركمانيين من ذوي الاصول التركية. وهناك بقايا اركيولوجية أثرية تقول ان الطاجيك، الذين كانوا سادة آسيا الوسطى الغربية ذات مرة، عرفوا المجتمعات المستقرة في زمن سحيق يرقى الى 3000 ق. م. اما الممالك المحلية التي اقاموها في باكتريا وسوجديانا فأصبحت من المعالم التاريخية للامبراطورية الفارسية. في القرن الثالث ق. م. جعل اسكندر المقدوني وخلفاؤه ذاك الاقليم صلة وصل مهمة بين الشرق والغرب. لكن من القرن الثاني ق. م. الى السابع م. تعرضت المنطقة لغزوات متلاحقة من الأقوام الايرانية والتركية المجاورة. وفي القرن السابع كانت وفادة العرب واعتناق الاسلام. وبالفعل حلت درجة بعيدة من السلام والازدهار في ما بات يُعرف اليوم بطاجيكستان وجوارها، كما انتعشت الحياة الثقافية في تلك الرقعة. على أن العام 1221 حمل لهم بداية الغزوات المغولية، وفي القرن الخامس عشر تعرضت طاجيكستان لغزو القبائل البدوية الاوزبكية، الا ان الافغان ما لبثوا في القرن الثامن عشر ان حلوا محل الاوزبكيين وشرعوا يتوسعون من الجنوب. وتكفلت روسيا القيصرية بالباقي بدءاً من العام 1868 فكاد الصراع بين موسكو ولندن على النفوذ هناك ان يتسبب في حرب كبرى. ولم يتم تذليل الإشكال الكبير حتى 1895، حين توصل الطرفان الى معاهدة رسمت الحدود الافغانية على نهر بياندج، وفصلت الامبراطورية الروسية عن الهند بممر افغاني ضيق. وفي 1924، وبعد سبع سنوات على ثورة أكتوبر الشيوعية، اعتُبرت طاجيكستان جزءا من جمهورية اوزبكستان السوفياتية، وبعد خمس سنوات صارت هي نفسها جمهورية داخل الاتحاد. وقد ارتفع عدد الطاجيك من قرابة مليون نسمة في 1970 الى 5،6 مليون نسمة اليوم، تحدهم افغانستان والصين من الجنوب والشرق، واوزبكستان وقيرغيزيا من الغرب والشمال. لكن الطاجيك لا يشكلون في الواقع اكثر من 55 في المئة من سكان طاجيكستان، علماً بوجود اقليات طاجيكية في اوزبكستان وافغانستان. فالاوزبكيون المقيمون في طاجيكستان هم ربع السكان، وهناك اقلية روسية كبيرة 11 في المئة، فضلاً عن وجود تتر واوكرانيين وقيرغيزيين. ومعظم الطاجيك مسلمون سنة، مع ان كثيرين منهم يخلطون الاسلام بطقوس وثنية قديمة وغريبة. وفي الحالات كافة تعرضت الممارسة الدينية للكثير من القمع والتضييق في العهد السوفياتي المديد لتعود الى الواجهة بعد الاستقلال. وتمتد طاجيكستان على مساحة تبلغ 143100 كلم مربع، فيما اغلب التجمعات السكانية، ومعظمها زراعي، يقيم في وادي فيرغانا في الشمال وفي واديي غيسّار وفاكخش في الجنوب. اما ما تبقى من البلاد فهضاب وجبال. ومما اشتهرت به طاجيكستان مناخها الفصلي البالغ الحدة: حرارة في الصيف وبرد شديد في الشتاء. اما المزارع التي كانت في العهد السوفياتي جماعية أو مملوكة من الدولة فتحتل 80 في المئة من الاراضي الصالحة للزراعة، فيما تكاد البلاد تخلو من الغابات. وقد تغير اسم العاصمة، في أواخر الخمسينات مع هجوم خروتشوف على الميراث الستاليني، من "مدينة ستالين" ستالين آباد الى دوشنبه التي هي اكبر مدن طاجيكستان ويعيش فيها قرابة نصف السكان