يشهد العام الحالي عودة عدد كبير من نجوم السينما الى شاشة التلفزيون بعد غياب تراوح بين الخمسة اعوام والخمسة عشر عاماً، الى جانب عودة عدد من كبار كتاب ومخرجي السينما الى التلفزيون بعد ابتعاد. في الوقت الذي سعت فيه غير شركة الى التعاقد مع مخرجين سينمائيين لتولي اخراج اعمال تلفزيونية للمرة الاولى، وهو الامر الذي اثار حفيظة عدد كبير من مؤلفي ومخرجي التلفزيون بدعوى ان السينمائيين "تسببوا في تدمير السينما المصرية"، واتجاههم الى التلفزيون ما هو الا "خطوة جديدة لتدميره ايضاً"، متناسين ان المبدع من حقه ان يعمل في اي وسيط سمعي وبصري. ثم انهم ينظرون بترقب وحذر الى المؤلف والمخرج السينمائي في الوقت الذي يسعون فيه الى استقطاب الممثلين السينمائيين على رغم اجورهم المرتفعة، وحتى ولو التهمت اجورهم اكثر من ثلثي ميزانية العمل. وابرز الذين يعودون الى التلفزيون محمود عبدالعزيز ويسرا من خلال مسلسل "اوان الورد" من تأليف وحيد حامد واخراج سمير سيف. وكان حامد وسيف قدما معاً من قبل في الثمانينات مسلسل "البشاير" بطولة محمود عبدالعزيز ومديحة كامل واحمد بدير وكان آخر عمل تلفزيوني يكتبه حامد هو "العائلة" من اخراج اسماعيل عبدالحافظ في العام 1994. في حين لم يشارك محمود عبدالعزيز في اي عمل تلفزيوني منذ مشاركته في "رأفت الهجان" في العام 1993. اما يسرا فانها تعود بعد غياب ثلاثة اعوام منذ مشاركتها في مسلسل "حياة الجوهري" من تأليف محمد جلال عبد القوي واخراج وائل عبدالله. وتعود فاتن حمامة الى التلفزيون من خلال مسلسل "وجه القمر" امام احمد رمزي في اول تجربة تلفزيونية له. والمسلسل من تأليف ماجدة خير الله واخراج عادل الاعصر في تجربته التلفزيونية الاولى. وكانت اخر مشاركة تلفزيوينة لفاتن حمامة في العام 1987، من خلال مسلسل "ضمير ابله حكمت" من تأليف اسامة انور عكاشة واخراج انعام محمد علي، وشهد العام الحالي ايضاً تعاقد غير مخرج سينمائي لتولي اخراج اعمال تلفزيونية للمرة الاولى، ومنهم مجدي احمد علي الذي تعاقدت معه شركة "صوت القاهرة" لاخراج مسلسل عنوانه "البلد" من تأليف محمد الرفاعي. وهناك داود عبدالسيد الذي تعاقد لاخراج مسلسل "نهر السماء" لفتحي امبابي، وعلي عبدالخالق لاخراج مسلسل عن الجاسوسية عن رواية لابراهيم سعود. وكان محمد كامل القليوبي اخرج مسلسل "الابن الضال" واشرف فهمي أخرج "سنوات الشقاء والحب". ومع هذا يقول المخرج داود عبدالسيد ل"الوسط"""أنا لم افكر اطلاقاً في الاخراج التلفزيوني لأنه ليس لدى شيء اريد التعبير عنه عن طريق التلفزيون، ولا اتقدم بفكرة او سيناريو او قصة واذهب الى التلفزيون واقول لهم اريد تنفيذها في حلقات. وانا لم اسع الى العمل في المسلسلات التلفزيونية ولكن القائمين عليها هم الذين سعوا الى وطلبوني. وعلى التلفزيون ان يقبل بعض السينمائيين بشروطهم وليس بالشروط السائدة مثل العمل داخل ديكورات وبالرقابة المتبعة فيه وغيرها، لان هذا سيكون في صالح التلفزيون وسيعمل على تغييره الى الافضل". ويؤكد عبدالسيد: "من الممكن ان اقدم في التلفزيون ما لا يمكنني تقديمه في السينما كما انه من الممكن ان يعطيك نفس الحرية التكنيكية لو عملت بطريقة السينما ولكن ستكون هناك مشكلة كبيرة بالنسبة الى الحرية الفكرية". وعن قول عدد من التلفزيونيين ان السينمائيين اتجهوا الى التلفزيون بعد ما وقعت السينما وانهم في طريقهم الى تدمير التلفزيون يقول عبدالسيد: "هذا ليس اتجاهاً... وإذا كانت السينما وقعت فإن التلفزيون واقع ووضعه اسوأ من وضع السينما، والدليل اعماله غير الجيدة، ولا ارى ان العملية "اكل عيش". وأنا انطلق من انها عملية تعبير سواء في المسرح او السينما او التلفزيون وهذا التعبير من حقي وحق اي احد. ولو اخذها البعض على انها اكل عيش ومناطق نفوذ فهذا حقهم والدليل ان السينمائيين لا يرفضون قيام التلفزيونيين بالاخراج السينمائي". اما المخرج محمد كامل القليوبي فيقول :"من حق اي مخرج في اي مكان في العالم العمل في جميع الوسائط السمعية والبصرية سواء في التلفزيون او السينما او المسرح، ولو فعل لا تحدث في اية دولة ضجة مثلما يحدث لدينا. وانا ضد التصنيف الذي يحدث لدينا حتى على مستوى الكتاب لان فكرة التخصص لدينا ضيقة ومقفولة وتتعلق بكراهيتنا للمنافسة. كما انه ليس اتهاماً ان يتولى مخرج سينمائي اخراج عمل تلفزيوني لانه من حقه ان يعمل سواء في ظل وجود ازمة او انفراجها. ثم دعني أسأل: لماذا لا يقال نفس الكلام عن الممثلين الذين يعملون في السينما والتلفزيون والمسرح والاذاعة والاعلانات؟". ويقول المخرج مجدي احمد علي: "لم اكن ابداً ضد التلفزيون. كل ما في الامر انه كان مغلقاً، الى ان تحمس بعض المنتجين الى دخول مخرجين جدد إليه. والسينمائيون من وجهة نظري نوعان الاول التجربة بالنسبة اليه خاصة وذاتية والثاني يضع في اعتباره التواصل مع الجمهور والوصول الى اكبر قطاع منه، وأنا اعتبر نفسي واحداً من النوع الثاني.. والحقيقة انه عُرضت عليّ اعمال كثيرة لأتولى اخراجها تلفزيونياً، ولكنني كنت ارجئ الفكرة حتى وجدت موضوعاً صالحاً وقريباً من تصوري ويمكنني تقديم شئ مختلف وجديد من خلاله". ويضيف مجدي أحمد علي: "من المفترض ان ينقل مخرج السينما عندما يتولى اخراج مسلسل، روحه وتكنيكه الى التلفزيون رغم انه وسيلة مختلفة عن السينما. ولا بد من الاستفادة من الميديا حيث تكون القاعة مظلمة في السينما ونسبة تركيز المشاهد تكون عالية ولو فاتته جملة تصبح مشكلة، وهذا الفارق الذي يثير اشكالات لا بد ان يُحل في التلفزيون في شكل ألطف حيث يتم فرد المشهد زمنياً لتأخذ الدراما ايقاعاً ابطأ وهذا من مستلزمات الميديا". ويؤكد، على "ازمة السينما هي احد اسباب اتجاه السينمائيين الى التلفزيون ولكنها ليست السبب الوحيد، والمفروض ان يقدم السينمائي فيلماً كل عام على الاقل وأغلبنا لم يعمل منذ اربعة اعوام. ومع ذلك فاننا نقاوم والدليل ان بعضنا لم يذهب الى التلفزيون مثل خيري بشارة ومحمد خان". أما المؤلف محمود ابو زيد الذي قدم للسينما افلاماً عدة ابرزها "العار" و"الكيف" و"جري الوحوش"، فانه يعكف للمرة الاولى على كتابة عمل تلفزيوني عنوانه "شقي العمر" ويقول: "عندما نظرت حولي وجدت ان السينما ماتت كفكر ومن قبلها المسرح وأدركت ان الوسيط الوحيد الذي يمكن ان تخاطب به الناس الآن هو التلفزيون لانه لا يخضع الى المقاييس التجارية الشديدة، كما انه يمكّنك من توظيف شباب جدد يقول كلمة، وعلى رغم الازمة فانه يمكنني العمل في السينما كل لحظة ولكنني اربأ عن نفسي العمل في هذه السينما، لان الفيلم عمره اطول من عمر صانعيه". ويضيف ابو زيد: "كان املي في السينما كبيراً ولم اكن اعرف انها ستخونني وهي تقتل حالياً قتلاً مستمراً وعن نفسي لا يمكنني الانتاج حالياً مثلما فعلت قبلاً لان المادية اصبحت تطغى على الجدية في السينما، والتلفزيون اصبح السبيل الوحيد الذي يمكنني من خلاله مخاطبة الناس بجدية وان انقل اليهم رسائل جادة وممتعة في آن واحد".