ان ما جرى في لبنان على مدى سنوات ما بعد الحرب وصولاً الى انتخابات الاتحاد العمالي الاخيرة - قد يساعدنا حين نفهمه جيداً - على تلمس الطرق المتاحة لنا ليس فقط لأننا لبنانيين نعيش على ارض لبنان ولا بحكم اننا نعيش في المغتربات بعيداً عن أرض الوطن، وانما بحكم الاستفادة من تجارب الماضي وهي حرب الآخرين على أرضنا، خصوصاً اننا الآن مسيحيين ومسلمين معاً صوتاً وصورة او قلباً وقالباً نأكل كما كنا من صحن لبنان الواحد الموحد. ولعل أهم هذه الدروس هو ان الحرب لا تفيد مهما كان الرابح فيها رابحاً، لأن الرابح في الحروب خاسر دائماً ولأن الحرب لا تترك وراءها الا الدمار والخراب والفقر والمرض وتكون اوضاع الوطن ومؤسساته قد اهترأت ويعم الفساد والمفسدين والفضائح والمفضوحين. ثم يعاني الناس من الفقر. فإما تكون الدولة عادلة ومتطورة سلمياً وديموقراطياً وإما تقع الواقعة وتكثر المشاكل الدموية والقاتلة للوطن والمواطنين. اننا كشعب لبناني عشنا وعايشنا الحرية والديموقراطية وادركنا بالتجربة ان ثمة قاسماً مشتركاً يربط بين الديموقراطية والحرية وبين "القضاء". فليس هناك قضاء نزيه من دون ديموقراطية وحرية، ولا وطن عادل من دون قضاء. والقضاء هو - بعرف الدول الراقية - "قداسة". هذا هو السبب الذي جعل من راية قضائنا "العدل اساس الملك". اما اليوم، وإذا جاز لنا ان نقول، فان حربنا الطويلة قد اورثت قضاءنا بعض القصور والتقصير، وهذا طبيعي لأن القضاء في نهاية الامر احد مؤسسات الدولة وقد شاخ مثلما شاخت المؤسسات كلها. فكما ان هناك اشياء جميلة في القوانين القضائية، مثل القانون الذي يحاكم القاضي إن اخطأ في امر ما مثل اي مواطن عادي على الرغم من انه يتمتع ببعض الحصانة. التي لا تهدف الى وضع القاضي في مستوى يعلو عن سائر الناس. هذا قانون يعجبني جداً، والذي لا يعجبني بعض اوضاع المحاكم المنفردة في بعض المناطق، خذ مثلاً محكمة ...، القاضي فيها هو إبن المنطقة، وطبيعي في هذه الحالة ان يكون عنده اصدقاء مثلما عنده اعداء. هنا أسأل السلطة القضائية الموقرة هل هذا الوضع طبيعي وقانوني وعادل. انني هنا اسمح لنفسي وأنا الذي احترمت وما زلت اعمل من اجل دعم القضاء بأن اطلب من السلطة القضائية ان تأمر بتشكيلات قضائية فرعية، على الأقل حفاظاً على سمعة قضائنا من القال والقيل. مفيد غزال اوتاوا - كندا