بعد الانجاز التاريخي الخارق الذي حققه البريطاني جوناثان ادواردز في مستهل بطولة العالم الخامسة لألعاب القوى في غوتبورغ، توالت الانجازات ففرض الاوكراني سيرغي بوبكا نفسه سيد القفز بالزانة بلا منازع بعد احرازه بطولة العالم للمرة الخامسة، وحقق مايكل جونسون ثنائية فريدة اذ حصد ذهبيتي ال 400 متر وال 200 متر في سابقة هي الاولى في تاريخ بطولة العالم وفي الألعاب الأولمبية، وتنزه الجزائري نور الدين مرسلي في سباق ال 1500 متر مضيفاً الى لقبيه العالميين لقباً جديداً، وجاءت غلة العرب من الميداليات وفيرة وسقط رقمان نسائيان الأول في القفزة الثلاثية والثاني في سباق ال 400 متر حواجز، وحرمت العداءة الأميركية غوني نورينس من ذهبية ال 200 متر بعد شطب نتيجتها لأنه ركضت خطوات خارج الممر المحدد لها، ونجح الحرس القديم في استعادة بعض المواقع التي خسرها، وهكذا اثبتت ألعاب القوى التي يطلق عليها "أم الألعاب الاولمبية" ان صدرها يتسع لجميع ابنائها شباباً وشيوخاً على حد سواء. بوبكا الاسطورة بعد سقوط سوتومابور في القفز العالي وجاكي جونير كيرسي وهايكه دريشلر في القفز الطويل ولينفورد كريستي في ال 100 متر، وتخلف كارل لويس عن المشاركة في بطولة العالم على اعتبار ان سقوطه سيكون حتمياً، صار يخشى ان تنتقل عدوى السقوط الى سيرغي بوبكا أسطورة القفز بالزانة. لكن الأوكراني الذي يضم سجله 35 رقماً عالمياً موزعة بين الهواء الطلق وداخل القاعة، عرف كيف يدافع عن لقبه للمرة الخامسة بكل جدارة مسجلاً 92.5 أمتار، كما عرف كيف ينتزع اعجاب 45 ألف مشاهد احتشدوا فوق مدرجات الملعب في غوتبورغ وهتفوا له ووقفوا لتحيته رغم اخفاقه في تخطي العارضة على ارتفاع 15.6 أمتار في محاولة لتحطيم رقمه القياسي، ولئن كان من حق كارل لويس ان يزهو لأنه يحمل ثماني ميداليات في بطولات العالم لألعاب القوى فمن حق سيرغي بوبكا ان يزهو بذهبياته الخمس وبكونه احتكر اللقب العالمي في القفز بالزانة منذ قيام البطولة في العام 1983 وهذا انجاز لم يسبقه اليه أحد ولا يشاركه فيه أحد. وقد عبر بوبكا عن سعادته واعتزازه قائلاً: "انها لحظة تاريخية خارقة. وأنا سعيد جداً وفخور للغاية". تجسيد الحلم أما العداء الأميركي مايكل جونسون فقد حقق الأمنية التي طالما راودته وأصبح أول رياضي في التاريخ يحرز بطولتي ال 400 متر وال و200 متر في بطولة واحدة. وهو العداء الوحيد الذي عاد من بطولة العالم في غوتبورغ بثلاث ذهبيات بعد فوزه بسباق ال 4 x 400 تتابع رافعاً رصيده في بطولات العالم الى ست ميداليات، ما يجعله في المرتبة الثانية بعد كارل لويس 8 ميداليات علماً انه ما زال في السابعة والعشرين من عمره وأمامه متسع من الوقت للحاق برقم كارل لويس وتجاوزه. وكان بوسع جونسون ان يضيف الى الثنائية النادرة التي حققها ثنائية اخرى فقد لامس الرقم العالمي في سباق ال 400 متر وهو لمواطنه هاري بونش رينولدز مسجلاً 39.43 ثانية بفارق عشرة اجزاء في المئة من الثانية كما لامس الرقم العالمي لسباق ال 200 متر للايطالي بيترو مينيا وهو رقم صامد منذ سنة 1979 ومقداره 72.19 ثانية مسجلاً 79.19 ثانية ولئن عانده الرقمان العالميان فلا يعني ذلك انهما عصيّان فالمسألة مسألة وقت وقد يسقط أحد الرقمين خلال لقاء زوريخ والمجلة تحت الطبع. ثلاثية مرسلي وغلة العرب وحده نورالدين مرسلي بين الأبطال المكرسين عالمياً كان الاكثر اطمئناناً الى قدرته على الدفاع عن لقبه العالمي للمرة الثالثة اذ كان في ذروة لياقته البدنية والفنية ومهد لبطولة العالم بتسجيله رقمين عالميين في سباق ال 2000 متر وفي سباق ال 1500 متر، الى كونه فاز بجميع السباقات التي خاضها. وكان من المتوقع ان يلقى منافسة شديدة من البوروندي فينوستو نيانفابو، لكن وقائع السباق اثبتت ان الامر كان بمثابة نزهة لنورالدين مرسلي الذي يملك طاقات خارقة تجعله مميزاً عن سائر منافسيه وقادراً على تحقيق انجازات مذهلة. وقد ضرب لنا موعداً في زوريخ لتحطيم رقم الميل الذي يحمله. أما منافسه نيانفابو فقد حل في المركز الثالث وراء المغربي هشام القروج الذي رفعت فضيته غلة العرب الى ثماني ميداليات منها ثلاث ذهبيات للجزائرية حسيبة بولمرقة والجزائري نورالدين مرسلي والسورية غادة شعاع التي كانت مفاجأة هذه البطولة، فهي أول عربية من المشرق تحرز ذهبية في بطولة العالم اذ كان الذهب حكراً على المغاربيين. وقد تألقت غادة شعاع في المسابقة السباعية مسجلة 6651 نقطة متخطية منافستها الروسية سفيتلانا موسكاليتس التي ظلت متصدرة طوال اليوم الأول وانهت المسابقة في اليوم التالي ثانية 6575 نقطة ويأتي هذا الانجاز العظيم مكافأة للتدريب الشاق والارادة الفولاذية وتتويجاً لمسيرة رياضية مميزة. ولم تقتصر المفاجأة على البطلة السورية وحدها بل فجر العداء السعودي سعد شداد الأسمري مفاجأة صاعقة في سباق ال 3 آلاف متر موانع عندما اخترق جبهة الكينيين وانتزع الميدالية البرونزية. وهو أول خليجي يعتلي منصة التتويج في بطولة العالم. كما ان العداء المغربي خالد بولامي فاجأ الكينيين ايضاً وأحرز فضية ال 5 آلاف متر وحذت حذوه مواطنته زهرة أوعزيز فانتزعت برونزية السباق ذاته في فئة السيدات وكان العداء المغربي خالد سكاح افتتح مهرجان الميداليات العربية فأحرز فضية ال 10 آلاف متر راجع العدد السابق. سقوط رقمين واضافة الى الرقم العالمي الذي سجله جوناثان ادوارز في القفزة الثلاثية، حققت الاوكرانية اينيسا كرانتس رقماً عالمياً في القفزة الثلاثية مسجلة 50.15 متراً بفارق 49 سنتيمتراً عن الرقم السابق المسجل باسم الروسية أنان بيريوكونا كما حققت العداءة الاميركية كيم باتن رقماً في سباق ال 400 متر حواجز مسجلة 5261 ثانية بفارق 13 جزءاً في المئة من الثانية عن رقم البريطانية سالي غانيل التي لم تشارك في هذه البطولة. ولم تخل بطولة العالم الخامسة من مفاجآت أليمة، فقد حلت العداءة الاميركية غوين تورينس في المرتبة الاولى في سباق ال 200 متر أمام الجامايكية مرلين أوني والروسية ايرينابر يفالوفا، لكن فرحتها بالنصر لم تدم طويلاً اذ شطبت اللجنة المنظمة نتيجتها لأنها خرجت من الممر المرسوم لها كما اظهر شريط الفيديو. ولم يقف الأمر عند هذا الحد لأن أوتي اتهمتها بالغش والخداع ما أثار معركة كلامية حامية الوطيس حسمتها تورينس ميدانياً لمصلحتها عندما هزم الفريق الاميركي بقيادتها في سباق ال 4 x 100 تتابع، الفريق الكندي بقيادة أوتي وهكذا عادت تورينس من غوتبورغ بذهبيتين ولو لم تشطب نتيجتها لعادلت غلتها من الذهب غلة مواطنها مايكل جونسون. عودة الحرس القديم ولا بد من الاشارة الى ان الحرس القديم استعاد بعض المواقع التي خسرها فالعداءة الكوبية انافيداليا كيرو التي تعرضت لحريق في العام 1993 أودى بحياة الطفل الذي تحمله في احشائها وكاد يودي بحياتها، قاومت الموت بضراوة وعادت من الجحيم الى منصة التتويج بعد احرازها ذهبية ال 800 متر والبطلة البلغارية ستيفكا كوستادينوفا حاملة الرقم العالمي في القفز العالمي 09.6 أمتار وضعت طفلاً منذ حوالى سبعة أشهر، وأصرت على المشاركة في بطولة العالم مع انها لم تستعد الاستعداد الكافي وقد عادت من غوتبورغ بهدية ذهبية لطفلها ستبقى موضع فخره واعتزازه مدى الحياة. أما العداء الكيني موزيس كيبتانوي فقد حافظ على لقبه في سباق ال 3 آلاف متر موانع على خطى الألماني لارس ريدل في رمي القرص والأميركي دان اوبريان في المسابقة العشارية. واللافت في هذه البطولة ان قائمة الدول التي احرزت ميدالية او اكثر قد ارتفعتت من 36 دولة في البطولة السابقة الى 43 دولة ومرد ذلك الى انهيار "الترويكا" التي كانت ممثلة بالولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي وألمانيا والتي كانت تستأثر بحصة الأسد من الميداليات. وقد حافظت الولاياتالمتحدة رغم غيابها عن منصة التتويج في سباق المئة متر وفي سباق ال 4 x 100 تتابع، الى حد بعيد على رصيدها من الميداليات أما روسيا وألمانيا الموحدة فقد كانت حصة كل منهما هزيلة... وفي المقابل افتتحت دول الكاريبي كوبا - جامايكا - الباهاماس - ترينيداد نادي "الكبار" وسجلت اختراقات لا يستهان بها ولا يمكن تجاهلها. أما افريقيا فقد بقيت مسيطرة على المسافات الطويلة وتقاسمت كينيا واثيوبيا والجزائر والمغرب معظم الميداليات. والغريب ان العداءات الصينيات اللواتي كان لهن حضور مميز في البطولة السابقة كان غيابهن هذا العام مميزاً ايضاً وكان أقرب ما يكون الى الغيبوبة... اذ رفع العرب رصيدهم من ميداليتين في البطولة السابقة الى ثماني ميداليات في البطولة الحالية. أما السويد وهي الدولة المنظمة فقد خرجت خالية الوفاض من البطولة التي بلغ عدد الدول المشاركة فيها رقماً قياسياً ...