6 طالبات من الأحساء ضمن منتخبنا الوطني في " آيسف 2025 "    اعتدال و تليجرام يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    تشكيل الاتحاد المتوقع اليوم أمام الفيحاء    "دوري يلو 33".. 9 مواجهات في توقيت واحد    ديوان المظالم يُسجّل قفزة نوعية في رضا المستفيدين    من أعلام جازان.. اللواء الركن أحمد محمد الفيفي    أمير الشرقية يستقبل مجلس إدارة غرفة الأحساء والرئيس التنفيذي للشركة الوطنية لإمدادات الحبوب    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة غرفة الأحساء    أمير تبوك يرعى بعد غدٍ حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشآت التدريبية بالمنطقة    بدء التصويت للانتخابات البرلمانية في ألبانيا    الانتهاء من تطوير واجهات مبنى بلدية الظهران بطراز الساحل الشرقي    مستشفى الرس ينقذ طفلا تعرض لاختناق قاتل    ‫دعم مستشفى عفيف العام بأجهزة طبية حديثة وكوادر تخصصية    الموارد البشرية: إطلاق مهلة لتصحيح أوضاع العمالة المساندة (العمالة المنزلية) المتغيبة عن العمل    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    حساب المواطن: 3 مليارات ريال لمستفيدي دفعة شهر مايو    "فرع الإفتاء بعسير"يكرم القصادي و الخرد    "التخصصي" توظيف رائد للجراحة الروبوتية تنقذ طفل مصاب بفشل كبدي ويمنحه حياة جديدة    الرئيس الموريتاني والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يفتتحان متحف السيرة النبوية في نواكشوط    أمطار غزيرة وسيول متوقعة على عسير والباحة ومكة    أمير حائل يشهد أكبر حفل تخرج في تاريخ جامعة حائل .. الثلاثاء    أرامكو تعلن نتائج الربع الأول من عام 2025    جامعة الإمام عبد الرحمن تكرم الفائزين ب"جائزة تاج" للتميز في تطوير التعليم الجامعي    "التعاون الإسلامي" يرحّب بوقف إطلاق النار بين باكستان والهند    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 2.0% خلال شهر مارس 2025    سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بسمو أمير دولة الكويت    جدول الضرب    50 % الانخفاض في وفيات الحوادث المرورية بالسعودية    ضبط 1203 حالات في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    "الداخلية": ضبط 16 ألف مخالف في أسبوع    رئيس الوزراء الفلسطيني يصف الأوضاع ب"الجريمة الإنسانية".. إسرائيل تلوح بضم مستوطنات جديدة    أكد بحثه ملفات إستراتيجية.. البيت الأبيض: ترامب يزور السعودية ويلتقي قادة الخليج بالرياض    انقسام سياسي يعمّق الأزمة.. ليبيا على حافة الانفجار.. اشتباكات دامية وغضب شعبي    4 مسارات لتعزيز برنامج الأمن السيبراني في موسم الحج    الرياض تُصدّر العمارة النجدية للعالم في بينالي البندقية 2025    عرض 3 أفلام سعودية في مهرجان "شورت شورتس"    أوامر ملكية: إعفاء أمير جازان وتعيين نائب لوزير التعليم    "الشؤون الدينية" تكلف 2000 كادر سعودي لخدمة ضيوف الرحمن.. 120 مبادرة ومسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية للحجاج    استعرضا دعم العلاقات الثنائية بمختلف المجالات.. وزير الخارجية ونظيره الإيراني يبحثان التطورات الإقليمية    السعوديون يتألقون في دوري المقاتلين.. "صيفي" إلى نصف النهائي.. و"باسهل" يخطف الأنظار    هامشية بين الريدز والجانرز بعد حسم لقب البريمرليج.. معركة دوري الأبطال تجمع نيوكاسل وتشيلسي    انقطاع النفس أثناء النوم يهدد بالزهايمر    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. إقامة نهائي كأس الملك الجمعة في ال3 من ذي الحجة    باكستان تؤكد «استمرار التزامها» بوقف إطلاق النار    تعزيز الأمن الدوائي    وصول أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من الصومال لأداء فريضة حج هذا العام    "باعشن".. يشارك في اجتماع تنفيذي اللجان الأولمبية الخليجية    تدريبات النصر من دون رونالدو    المملكة وضيوف الرحمن    «تعليم الرياض» يفتقد «بادي المطيري».. مدير ثانوية الأمير سلطان بن عبدالعزيز    وساطة تنهي أخطر مواجهة منذ عقود بين الهند وباكستان    وزير «الشؤون الإسلامية» يلتقي برؤساء وأعضاء المجالس العلمية لجهة مراكش    علاج جديد لالتهابات الأذن    20 ألف غرامة لكل من يدخل مكة من حاملي تأشيرات الزيارة        الفرق بين «ولد» و«ابن» في الشريعة    الهلال الاحمر بمنطقة نجران ينظم فعالية اليوم العالمي للهلال الاحمر    بعد تعيينها نائبًا لوزير التعليم بالمرتبة الممتازة .. من هي "إيناس بنت سليمان العيسى"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يسار ضعيف ويمين منقسم بين شيراك وبالادور - فرنسا : "خناجر" سياسية على طريق الاليزيه
نشر في الحياة يوم 30 - 01 - 1995

قبل أقل من ثلاثة أشهر من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية تبدو خريطة المرشحين غامضة. فحتى الآن لم يتقدم مرشحون جدّيون لهذه الانتخابات إلا في التيار الديغولي حيث يتنافس مرشحان اثنان هما جاك شيراك رئيس بلدية باريس وإدوار بلادور رئيس الحكومة، وكلاهما صديقان حميمان منذ 30 سنة لكنهما يخوضان الآن حرباً بلا شفقة ضد بعضهما البعض لكن وراء الستار.
ويراهن كثيرون يميناً ويساراً، على اتساع "الحرب" بين الطرفين لانهاكهما في السباق الى الأليزيه الذي لم يكن منذ ربع قرن أقرب منالاً الى مرشح ديغولي مثلما هو الآن. فهل يفوت الديغوليون فرصة استعادة الأليزيه أم يتغلبون على مصاعبهم؟
للرد على هذا السؤال لا بد من العودة قليلاً الى الوراء لأن التنافس بين مرشحي اليمين في الجمهورية الخامسة تميز على الدوام بالتنكر لعهود سابقة ولاتفاقات شفوية وبمحاولات منهجية لتدمير الخصوم وبنزعات ثأرية لا حدود لها.
يحلو للرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان ان يعلق في جلساته الخاصة على الاخلاص في العمل السياسي برواية جانب من تجربته الشخصية فيقول: "عينت رئيسين للوزراء خلال عهدي 1974 - 1981 فطعنني الأول من الخلف ومشى الثاني على جثتي"، وهو يعني بذلك جاك شيراك وريمون بار.
مناسبة هذا القول تعود الى الانتخابات الرئاسية عام 1981. يومها تنافس ديستان وشيراك على مقعد المرشح اليميني الأفضل لمواجهة فرنسوا ميتران الاشتراكي. وفاز ديستان بالقدر الأكبر من الأصوات اليمينية وكان على شيراك ان يُعلن التزامه دعم مرشح اليمين في الدورة الثانية من الانتخابات حسب "القاعدة الجمهورية" التي تقضي بتجيير أصوات المرشح السيء الحظ للمرشح الأكثر حظاً بالفوز. ولكن شيراك أعلن التزامه دعم جيسكار ديستان "من طرف شفتيه" وبصورة "شخصية"، فكان ان فاز ميتران في تلك الانتخابات، ولكن بفارق 500 ألف صوت. يومها نسبت الهزيمة لشيراك، وقال جيسكار ان رئيس وزرائه تسبب بها أي "طعنني من الخلف".
ولو أراد جيسكار ديستان ان يتحدث أكثر عن "اخلاص" شيراك السياسي لكان عليه ان يرجع الى انتخابات العام 1974. فيومها تحالف شيراك مع جيسكار ديستان لقهر المرشح الديغولي الأوفر حظاً جاك شابان دلماس، وانتخب جيسكار الليبرالي بفضل شيراك "الديغولي". أي بفضل "طعنة" مماثلة لشابان ديلماس أحد أبرز الوجوه التاريخية في الحركة الديغولية.
ولعل شيراك الصاعد بسرعة الى الصف السياسي الأول كان يدرك منذ وفاة الرئيس جورج بومبيدو 1974 ان التحالفات السياسية في الصف اليميني تولد وفق مقتضيات راهنة وتموت ميتة غير طبيعية وغالباً بالطعن من الخلف.
في العام 1988 كان على رئيس بلدية باريس المرشح للانتخابات الرئاسية ان يوجّه "آخر طعنة" لحليف سياسي. يومها كان منافسه في التيار اليميني ريمون بار رئيس الوزراء والأكثر حظاً بمواجهة فرنسوا ميتران، في حين كانت كل المؤشرات تنذر بهزيمة شيراك أمام المرشح الاشتراكي. بل أكثر من ذلك، كانت كل التوقعات تشير الى ان بار قد يتقدم على شيراك في الدورة الأولى للانتخابات بفارق ضئيل من الأصوات. وتحركت الماكينة الانتخابية الديغولية بأقصى طاقتها. فتعرض أنصار بار "للضرب" في بعض المناطق ومنعوا من العمل بهدوء وبفعالية لمصلحة مرشحهم في مناطق أخرى. فخسر بار الدورة الأولى وخسر شيراك الدورة الثانية وفاز ميتران للمرة الثانية برئاسة الجمهورية، ولكن بفارق 10 في المئة من الأصوات الأمر الذي يعتبر قياسياً في الجمهورية الفرنسية الخامسة. ولم يكن بار بحاجة لرد "الطعنة" الشيراكية بمثلها لأنه كان يعرف، وهو الخبير بالشؤون الانتخابية الفرنسية، أن رئيس بلدية باريس سيصاب بهزيمة ساحقة، فأبقى خنجره في غمده.
اعتزال شيراك
يروي المقربون من شيراك انه فكّر باعتزال العمل السياسي والاستقالة من رئاسة "التجمع من أجل الجمهورية"، حزب الديغوليين في فرنسا، وأنه شعر حينذاك باحباط شديد، لكن هيئة أركانه، لا سيما آلان جوبيه وزير الخارجية الحالي وشارل باسكوا وزير الداخلية وفيليب سيغان رئيس الجمعية الوطنية، حضّوه على الصمود أي على التمسك بأحد أهم عناصر قوته الشخصية في العمل السياسي، فصمد شيراك بانتظار المعركة الانتخابية المقبلة.
في العام 1993 وتحديداً في شهر نيسان ابريل كانت سلطة الاشتراكيين في فرنسا وصلت الى أدنى درجات الهبوط. هزيمة ساحقة في الانتخابات النيابية سبقتها هزيمة كاسحة في الانتخابات البلدية، وتوجت الهزيمتان بهزيمتين في الانتخابات الاقليمية والأوروبية 1994، وباختصار لم يعد لدى الحزب الاشتراكي أي أمل بالفوز برئاسة الجمهورية، التي حسمت معركتها في المناسبات الانتخابية الأربع المذكورة. وشعر شيراك ان دخوله الى قصر الاليزيه صار مسألة تفصيلية. سنتان فقط وينتهي الأمر فيتوّج رئيس بلدية باريس عمله السياسي باحتلال المقعد الأول في هرم السلطة ويكون بذلك أول ديغولي يعود الى الحكم بعد ربع قرن.
عندما كان مساعدو شيراك في ذلك الحين يباركون له الرئاسة قبل الاوان، كان نفر منهم، وهو الأكثر خبرة، يحذره من رفع شارة النصر، وينصحه بالامتناع عن "بيع جلد الدب قبل صيده" وبعدم ارتكاب أخطاء أساسية في الفترة الفاصلة. لذا نصحه باسكوا بتسلم رئاسة الحكومة قائلاً: "لا يجوز أن يعطيك الفرنسيون ثقة كبيرة في الانتخابات النيابية ويطلبون منك بوصفك زعيم الغالبية البرلمانية الساحقة، أن تحكم، في حين تمتنع أنت عن الحكم وتسلم رئاسة الحكومة لغيرك. يجب أن تحكم لتبرهن للفرنسيين انك تمثل سياسة قادرة على انقاذ فرنسا من مشاكلها المتراكمة خلال 14 سنة من الحكم الاشتراكي".
ولم يكن شيراك متحمساً للحكم لأسباب عدة من بينها تجربته السيئة في حكومة التعايش الأولى مع الرئيس ميتران 1986 - 1988 وهي تجربة يعتبرها كثيرون سبباً في هزيمته في الانتخابات الرئاسية 1988 ثم ان الوضع الداخلي يعتمل بالأزمات التي تشكل محرقة حقيقية لرئيس الوزراء المقبل، إذن لا يجوز أن يحرق شيراك المرشح الرئاسي الأكثر حظاً بالفوز، أوراقه في رئاسة الحكومة. فليأتِ برئيس وزراء من جماعته فإذا نجح في الحكم يمكن وضع نجاحه في رصيد شيراك، وإذا فشل يخرج شيراك سليماً من هذا الفشل. تلك هي الفرضية التي انتصرت في هيئة الأركان الشيراكية، وبالاستناد اليها بدأ البحث عن الشخص المناسب لتولي رئاسة حكومة التعايش الثانية، أو للدخول الى "المحرقة".
كانت شروط هذه الفرضية تنطبق على شخص واحد فقط. ويعتقد كثيرون بأن هذا الشخص هو الذي صاغها بطريقة منطقية انطلاقاً من معرفته الوثيقة بشيراك.
انه ادوار بلادور رئيس الحكومة الحالي والمرشح الأوفر حظاً للفوز برئاسة الجمهورية. فلماذا بلادور وليس غيره؟
على رغم اعتراض عدد كبير من الديغوليين التاريخيين على اختيار بلادور لرئاسة الحكومة أصرّ شيراك على هذا الاختيار للأسباب الآتية:
أولاً: عمل مع بلادور خلال 10 سنوات 1964 - 1974 في مكتب جورج بومبيدو ولم تنقطع صلاتهما السياسية منذ ذلك الحين.
ثانياً: كان بلادور يتمتع بحساسية خاصة تجاه الليبراليين وخصوصاً جيسكار ديستان الذي يسند اليه اي منصب في عهده 1974 - 1981 اذ لا خوف من تحالفه مع جيسكار.
ثالثا: يدين بالادور لشيراك بأول منصب وزاري له. فقد عينه وزيراً للاقتصاد في حكومة التعايش الأولى 1986 - 1988 ووفر له الفرصة ليطل على المسرح السياسي اطلالة كبيرة. وكان بالادور واحداً من أقرب مستشاري شيراك ومن اركان حملته الانتخابية في العام 1988.
رابعاً: على رغم انتمائه الى التيار الديغولي رفض بالادور باستمرار الانتساب الى "التجمع من اجل الجمهورية". اذن لا خوف من استمالته الى التنظيم الديغولي وهو ليس عضواً فيه.
خامساً: لم يكن بالادور وجهاً سياسياً احرقته تجارب حكومية من قبل بل كان وزيراً يتمتع باحترام الرأى العام.
سادساً: كان الشخص الاكثر اهلية للتعايش بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بشكل لا يسيء الى سمعة التيار اليمني كما حصل في المرة السابقة. وكان ميتران نفسه يسرب رسائل مفادها انه يفضل بالادور على شيراك في رئاسة الحكومة.
سابعاً: كان بالادور هو صاحب الفرضية القائلة بامتناع شيراك عن تولي الحكم للابقاء على فرصة كاملة في خوض الانتخابات الرئاسية. اذن لم يكن هناك ما يدعو الى القلق والخوف من احتمال انقلابه على شيراك، ثم كيف يمكن الشك بصديق دامت صداقته 30 سنة وكان يواصل قراءة المقابلات والخطب التي يلقيها شيراك قبل نشرها وحتى لحظة تعيينه رئيساً للوزراء؟
في كتاب يتحدث عن العلاقة بين شيراك وبالادور ويحمل عنوان "الوصي والوريث" تنقل الصحافية الفرنسية كاترين ناي وقائع القطيعة بين الرجلين منذ تسلم بالادور رئاسة الحكومة، وهي تؤكد ان اخر اتصال حميم بينهما جرى في عيد الميلاد عام 1993 حيث تروي ان شيراك اتصل بصديقه الحميم الذي كان يقضي عطلة الميلاد في منزله الريفي في جبال الألب لكي يهنئه بالعام الجديد. كانت زوجة بالادور على الطرف الآخر من الهاتف فقالت لشيراك ان زوجها خارج المنزل وانه سيتصل به فور عودته. لكن بالادور لم يتصل ابداً، ومنذ ذلك الحين وقعت القطيعة بين الرجلين.
خلال الفترة الواقعة بين نيسان ابريل وكانون الاول ديسمبر 1993 انقلبت العلاقة بين شيراك وبالادور رأساً على عقب. فالأول كان يرغب في التعامل مع الثاني بوصفه رئيساً لحكومته هو ليس حكومة ميتران، لذا عمد - حسب كاترين ناي الى تركيب خطوط هاتفية مباشرة بين مقره في بلدية باريس ومختلف الوزارات في الحكومة، وكان يتصل بصورة دورية بالوزراء لتوجيههم، الأمر الذي دفع بالادور - ودائماً حسب كاترين ناي - من شيراك ان يدين تصريحات سيغان. فرفض وما كان من بالادور الا ان تذرع بهذا الرفض وقال ان الاتفاق بينه وبين شيراك انتهى وان كلاً منهما اصبح حراً في خياراته، الى ان وقعت القطيعة في نهاية العام نفسه. فكانت شهور الحكم التسعة كافية لاطاحة صداقة عمرها 30 عاماً.
15 نقطة لمصلحة بالادور
في خريف العام الماضي اعلن شيراك ترشيحه لانتخابات رئاسة الجمهورية مستبقاً الموعد الذي حدده بالادور كمدخل للترشيح، وهو شهر كانون الثاني يناير 1994. وكان شيراك يعرف وهو الخبير بالتخلص من خصومه، ان "صديقه" بالادور يغنيه عن كل الاعداء المفترضين، لذا اعلن المواجهة في الوقت الذي يناسبه. من جهته تقدم رئيس الحكومة بترشيح نفسه في الموعد الذي حدده قبل عامين، وعليه صار للديغوليين مرشحان احدهما يسيطر على غالبية اعضاء وناخبي حزب "التجمع من اجل الجمهورية" والثاني يحظى بتأييد فريق ضئيل من الديغوليين ومعظم ممثلي تيارات الوسط والليبراليين والاهم من ذلك كله ان استطلاعات الرأي ما زالت تعطي بالادور الأفضلية على غيره من المرشحين منذ اكثر من 18 شهراً، في حين لا يزال الفارق بين شيراك وصديقه اللدود حوالي 15 نقطة لمصلحة بالادور في عندما اعلن بالادور ترشيحه انتظر الجميع رد فعل شيراك الذي اكتفى بالاشارة الى انه يستنتج ان رئيس الحكومة لم يلتزم الاتفاق - غير الموقع - بين الطرفين حول "استراتيجية الحكم". وهو يمتنع عن العودة الى هذا الموضوع مباشرة في حملته الانتخابية، ولعله على يقين بأن احداً لن يذرف دمعة واحدة جراء "خيانة بالادور" المفترضة لاتفاق شفوي بين الطرفين: "لك الحكومة ولي الرئاسة". والراجح ان تاريخ العلاقات بين القيادات السياسية الطامحة لتولي مناصب رفيعة في الدولة هو تاريخ تتعاقب فيه حالات الطعن من الخلف، والتنكر لعهود ومواثيق.
في الانتخابات الرئاسية الفرنسية ديغوليان اذن لمقعد واحد فهل يفوز احدهما وتعود الديغولية الى الحكم بعد انقطاع دام ربع قرن؟ ام يخوض المرشحان معركة كسر عظم وحرب استنزاف تودي بهما وتمهد طريق الاليزيه امام مرشح يميني او يساري آخر؟
مرشح ثالث
"هل تمزحين"؟ بهذه العبارة رد شيراك على صحفية فرنسية سألته عما اذا كان سيسحب ترشيحه في اللحظة الاخيرة لأن المعركة محسومة سلفاً لمصلحة بالادور. ليس شيراك من النوع الذي يستسلم قبل خوض المعركة، كما يؤكد تاريخه السياسي وكما يؤكد خصومه وانصاره على السواء. وفي المقابل لا يراهن احد على انسحاب بالادور الذي بات على قاب قوسين او ادنى من قصر الاليزيه الامر الذي يعني ان التنافس الحاد بين الطرفين يمكن ان يفتح الطريق امام احتمالات اخرى وفرضيات جديدة قد لا تصبح معها كرسي الرئاسة مضمونة لورثة الجنرال ديغول، ومن بين الفرضيات:
1 - اشتداد النزاع بين شيراك وبالادور وهبوط اسهمهما معاً في استطلاعات الرأي. وفي هذه الحالة يتقدم الصفوف مرشح يميني ثالث لانقاذ الاليزيه من ايدي اليسار. فيرشح ريمون بار نفسه تحت شعار رفض الفئوية والتعبير عن الطموحات اليمينية الليبيرالية عموماً، ويلتف حوله دعاة وحدة التيارات اليمينية ويجتاز عتبة الدور الأول متقدماً على شيراك وبالادور ويواجه في الدور الثاني مرشحاً اشتراكياً ضعيفاً، ويسيطر اليمين على السلطة.
2 - ينخرط شيراك وبالادور في جدل علني يؤدي الى انحسار اسهمهما لدى الرأي العام، ويتكاثر مرشحو "الوحدة" اليمنية، فيتقدم بار بترشيحه، ويلوح فاليري جيسكار ديستان بترشيح نفسه، ويعلن رينيه مونوري رئيس مجلس الشيوخ ترشيحه ويرفع الجميع "خناجرهم" ضد بعضهم البعض فترتفع اسهم اليمين المتطرف ممثلاً بجان ماري لوبين وجناحه الديني - الاخلاقي - المحافظ ممثلاً بفيليب دوفيلييه. وتتفتت اصوات اليمين ويخرج الى الدور الثاني مرشح ضعيف ومن حوله "الجثث" المنتشرة في كل مكان، فيفشل في انتزاع ثقة الرأي العام ويفوز مرشح يساري.
3 - تحدث "معجزة في صفوف الحزب الاشتراكي الذي يوحد تياراته ويتفق على مرشح ذي صدقية لدى الرأي العام تلتف حوله قوى يسارية منظمة "الحزب الراديكاليش و"حركات الخضر" و"يسار الوسط". يجتاز الدور الاول للانتخابات بقوة. وتحدث صدمة في صفوف اليمين ويصب الجميع اصواتهم لمصلحة المرشح الباقي في الدور الثانية، ليفوز يمين برئاسة الجمهورية.
هذه الفرضيات تبدو في ضوء المعطيات الراهنة اقرب الى الخيار منها الى الواقع وذلك بسبب عدم اكتمال لوائح المرشحين يساراً ويميناً ما يعني انه لا بد من انتظار شهر شباط فبراير المقبل حيث تنتهي فترة الترشيح وتتضح معالم الخريطة الانتخابية.
هذه الفرضيات تبدو في ضوء المعطيات الراهنة اقرب الى الخيال منها الى الواقع وذلك بسبب عدم اكتمال لوائح المرشحين يساراً ويميناً ما يعني انه لا بد من انتظار شهر شباط فبراير المقبل حيث تنتهي فترة الترشيح وتتضح معالم الخريطة الانتخابية.
هذه الفرضيات تدو في ضوء المعطيات الراهنة اقرب الى الخيال منها الى الواقع وذلك بسبب عدم اكتمال لوائح المرشحين يساراً ويميناً ما يعني انه لا بد من انتظار شهر شباط فبراير المقبل حيث تنتهي فترة الترشيح وتتضح معالم الخريطة الانتخابية.
وبالانتظار يبدو ان الموسم الانتخابي الفرنسي يعاني من النزاع الديغولي - الديغولي اي من الطرف الأكثر حظاً في الفوز بكرسي الأليزيه والراجح ان الجميع يراهن على اندلاع الحرب بين شيراك وبالادور، باعتبار ان اندلاعها يقلب معطيات المعركة الانتخابية رأساً على عقب ويفتح فرصاً جديدة لأطراف يسارية ويمينية ما زالت كامنة حتى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.