عبدالعزيز بن سعود يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    سمو أمير منطقة الباحة يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    الكشافة تواصل جهودها بإرشاد الحجاج التائهين في مشعر عرفات    "كشافة الزلفي" تواصل تقديم الخدمات لحجاج بيت الله الحرام    عروض مسرحية وفلكلور شعبي في احتفالات الشرقية بعيد الأضحى    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يرفع التهنئة للقيادة الرشيدة بمناسبة عيد الأضحى    الرئيس الشيشاني يغادر جدة بعد أدائه مناسك الحج    الذكاء الاصطناعي يتحكم بالقرارات الشرائية لحوالي 80 %    القبض على بلوغر إماراتية بعد تصويرها مقطعا في مكان محظور    اكتشاف النهر المفقود في القطب الجنوبي منذ 34 مليون سنة    توصية متكررة بتحديث متصفح «غوغل»    واجهات جدة البحرية ومرافقها العامة جاهزة لعيد الأضحى المبارك    وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في قمة (السّلام في أوكرانيا) بمدينة لوتسيرن السويسرية    الأهلي وصفقات الصيف    هل يستحوذ «السيادي السعودي» على 15 % من مطار هيثرو؟    بياض الحجيج يكسو جبل الرحمة    الأجهزة اللوحية والبصمات تلاحق غير النظاميين    «الدرون» العين الثاقبة في المناطق الوعرة    الصين تنشئ صناديق مؤشرات للاستثمار في الأسهم السعودية    «الكانفاس» نجمة الموضة النسائية    الذكاء الاصطناعي يسهم في تصعيد الحجاج إلى عرفات    15 خطيباً اعتلوا منبر عرفة.. أكثرهم «آل الشيخ» وآخرهم «المعيقلي»    «الهلال الأحمر» ل «عكاظ»: إسعافات «طويق» و«طمية» تخترق الصعاب    جماعات الإسلام السياسي وحلم إفساد الحج    أبرز أمراض العيد وكيف يمكن الوقاية منها    5 مخاطر للأشعة فوق البنفسجية    ابتكار علاج جيني يؤخر الشيخوخة    في هذه الحالة.. ممنوع شرب القهوة    ضبط (12950) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    40 نيابة قضائية لمباشرة القضايا الخاصة بموسم الحج    تصعيد أكثر من 42 مليون سلعة تموينية لضيوف الرحمن في مشعري عرفة ومزدلفة    "البيئة" تفسح أكثر من (2,1) مليون رأس من الماشية منذ بداية "ذو القعدة"    إيطاليا تفوز بشق الأنفس على ألبانيا في يورو 2024    الملك وولي العهد يتلقيان تهنئة قادة الدول الإسلامية بعيد الأضحى    سعود عبدالحميد مطلوب في الدوري الإنجليزي    أمير منطقة القصيم يهنئ القيادة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    الشيخ السديس يهنئ القيادة بنجاح نفرة الحجاج من عرفات إلى مزدلفة    أمير منطقة الحدود الشمالية يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    أمير منطقة نجران يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    عبدالعزيز بن سعود يتفقد قوات الأمن الخاصة المشاركة ضمن قوات أمن الحج    المتحدث الأمني ل"الوطن": المملكة مدرسة في إدارة الحشود    الوقوف بعرفة.. يوم المباهاة    نيمار يُعلق على طموحات الهلال في كأس العالم للأندية    وزير الخارجية يستعرض العلاقات التاريخية مع رئيس المجلس الأوروبي    بدء مفاوضات انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي    العيد في غزة حزين وبلا أضاحي    رئيس مصر يزور المتحف الدولي للسيرة النبوية    «الرياض» ترصد حركة بيع الأضاحي.. والأسعار مستقرة    وزير الخارجية يترأس وفد المملكة بقمة السلام في أوكرانيا    "الصحة" تُحذر الحجاج من أخطار التعرض لأشعة الشمس    وزير الإعلام يتفقد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة    انضمام مسؤول استخباراتي سابق إلى مجلس إدارة شركة Open AI    وزير الداخلية: نتعامل مع الواقع لوأد أي عمل يعكر صفو الحجاج    السعودية تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    120 مليون نازح في العالم    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيباً على ما أورده هاني الحسن . القصة الكاملة ل "مشروع فهد للسلام"
نشر في الحياة يوم 06 - 06 - 1994

في حديثه الذي ادلى به الى مجلة "الوسط" الصادرة بتاريخ 16/5/94 يبدو ان الذاكرة قد خانت السيد هاني الحسن في معرض حديثه عن "مبادرة فهد للسلام" والاحداث التي سبقتها ورافقتها واعقبتها وخاصة دوافع المبادرة والاشخاص الذين كانوا على صلة وعلم بصياغتها وصدورها.
فقد وردت في حديث السيد الحسن النقاط الرئيسية التالية:
أولاً: ان الدوافع وراء اعلان المبادرة هي "معلومات عام 1981 عن هجوم اسرائيلي واسع على لبنان". وان المبادرة صدرت "من اجل امتصاص الحرب المقبلة في لبنان".
ثانياً: ان "مبادرة فهد للسلام" صدرت بطلب من القيادة الفلسطينية و"ذهبنا آنذاك وعرضنا الوضع على المملكة العربية السعودية وتجاوبوا وبدأ التحرك السياسي وجرى ترتيب المبادرة".
ثالثاً: ان القيادة الفلسطينية ممثلة بالأخ الشهيد أبو اياد قد ساهمت في صياغة المبادرة "وهكذا هاجم أبو اياد المبادرة على رغم انه كان واحداً ممن صاغوها".
رابعاً: ان باسل عقل واللورد كارادون ساهما في ابداء مشورة "فنية خصوصاً في البند السابع المتعلق بالتعايش".
خامساً: ان مبادرة السلام تعثرت لان "الاتحاد السوفياتي أصدر أمره بعرقلتها".
ان النقاط سالفة الذكر تفتقر الى الدقة وهي جميعها غير صحيحة. وقد آن الأوان لوضع حد للغط الذي يظهر بين الفينة والفينة حول ظروف صدور المبادرة. والهدف من هذا العرض ليس الرد على السيد الحسن ولكن انتهاز فرصة حديثه المشوش عن المبادرة لتصحيح الوقائع ووضع المبادرة في اطارها التاريخي السليم تأليفاً ودوافع ونتائج وذلك تسهيلاً دقيقاً للباحثين والدارسين وتسجيلاً اميناً للاحداث التي سيعتبرها المؤرخون مستقبلاً جزءاً لا يتجزأ من تاريخ القضية الفلسطينية. ولا يغيب عن بالنا ان مبادرة الملك فهد بن عبدالعزيز للسلام قد تحولت في قمة فاس الثانية في ايلول سبتمبر 1982 الى مشروع عربي يمثل أول خطة سلام عربية لحل الصراع العربي - الاسرائيلي. من هنا أهمية تسجيل الوقائع كما عرفناها وعشناها لا كما تراءت لنا ونقلت الينا. وان كنت ابيح لنفسي هذا الدور فلأنني شاركت منذ عام 1977 وحتى عام 1982 في جميع الاجتماعات الفلسطينية السعودية على أعلى مستوى. ولست أنسى وانا اذكر عام 1982 انني كنت اجلس بجانب الأخ أبو عمار في صالون مطار الرياض يوم 5 حزيران 1982 حين دخل أحد مرافقيه العسكريين بعد دقائق من هبوط الطائرة وقدم له ورقة تقول ان هجوماً اسرائيلياً قد بدأ على جنوب لبنان. ويومها التفت اليّ أبو عمار وقال: "هذا ليس هجوماً بل اجتياح شامل". وقابلنا خادم الحرمين الشريفين وبعد مشاورات مطولة اقترح الملك فهد على أبي عمار ان يبقى خارج لبنان حتى يحتفظ لنفسه بحرية الحركة. ولكن أبو عمار اصر على العودة ليكون مع المقاتلين وفي وسطهم كما قال. وقفل عائداً الى بيروت عبر دمشق بعد ان كلفني البقاء في الرياض للتنسيق.
وانا في هذا العرض سأسمح لنفسي بكشف بعض ما سمعت وعايشت تكريساً للحقيقة واحتراماً لها وذلك من أجل القاء الضوء على مبادرة السلام السعودية والظروف التي احاطت بها.
باديء ذي بدء أود ان اقرر انه ليس للفلسطينيين بعكس ما قيل وتردد اية علاقة مباشرة أو غير مباشرة بصدور "مشروع فهد للسلام". فالمشروع وضعه الرجل الذي يحمل المشروع اسمه. والقيادة الفلسطينية لم تطلب من المملكة السعودية اعلان المشروع ولم تستشر قبل صدوره وان احداً من المسؤولين الفلسطينيين لم يساهم في صياغته. وانا اعلم علم اليقين ان الاخ الشهيد أبو اياد لم يساهم في صياغة المشروع ولم يعلم بصدوره الا من وكالات الانباء مثله مثل غيره. كما ان كاتب هذه السطور لم يستشر بشأن البند السابع من المبادرة أو اي بند آخر. اما اللورد كارادون فان كاتب هذه السطور لم يقابله في حياته وبالتالي لم يشترك معه في ابداء رأي فني أو غير فني. فمشروع السلام عمل سعودي صرف أملته اهتمامات دولة عربية كالسعودية بالقضية الفلسطينية. والبحث في المبادرة السعودية بين الطرفين الفلسطيني والسعودي بدأ فقط بعد صدورها ولم يجر اي حديث بشأنها قبل ذلك. وقد توسع البحث في المبادرة بين الطرفين قبل انعقاد قمة فاس الاولى في تشرين الثاني نوفمبر 1981. والقيادة الفلسطينية لم تؤيد المبادرة لاعتبارات تحالفية عربية في ذلك الوقت. بل ان القيادة الفلسطينية عارضت المبادرة في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عقد في فاس قبل القمة. اما بالنسبة للدوافع الكامنة وراء صدور المبادرة فان الهجوم الاسرائيلي المحتمل على لبنان كان اعتباراً حاضراً دوماً في جميع الحسابات السياسية ولكنه لم يكن الاعتبار الوحيد. وحتى نعرف دوافع المشروع لا بد أولاً من القاء نظرة على الموقف السعودي من اتفاقيتي كامب ديفيد ما عبر عنه الملك فهد في حديث صحافي في منتصف شهر ايار مايو 1979. ففي معرض رفضه للاتفاق اورد الملك فهد الاسباب التالية:
أولاً: يسقط حق الشعب الفلسطيني في العودة والاستقلال.
ثانياً: يهمل مدينة القدس وما تمثله من قيمة دينية وتاريخية ومعنوية.
ثالثاً: يتجاهل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
رابعاً: يكرس الوجود الاسرائيلي العسكري في الضفة والقطاع وهضبة الجولان.
خامساً: يبقي على المستعمرات الحالية ويشجع اسرائيل على بناء المزيد منها.
سادساً: يعطي اسرائيل حقاً قانونياً في استمرار السيطرة على المياه والأرض في الضفة والقطاع.
سابعاً: يتنكر لاكثر من نصف الشعب الفلسطيني الذي يعيش في المنفى وعلى الرغم من مرور حوالى خمسة عشر عاماً على هذا الحديث الصحافي الا ان معظم النقاط الواردة في الحديث مازالت معلقة تنتظر الحل الذي استعصى عليها كالقدس والعودة والاستقلال والمستوطنات والمياه. وهذه القضايا هي التي شكلت فيما بعد صلب "مشروع فهد للسلام" الذي مازال حتى اليوم يمثل القضايا الاساسية التي سيتم بحثها بعد عامين وهي الاستقلال والقدس والمستوطنات وحق العودة.
ان مشروع فهد للسلام املته مجموعة من الاعتبارات والتطورات في المنطقة تشمل مصر وسورية ولبنان والعراق واسرائيل وفي مقدمتها زيارة الرئيس السادات لاسرائيل واتفاقيتا كامب ديفيد اللتان اعقبتا الزيارة. فقد انسلخت مصر اقوى البلاد العربية عن الجسم العربي السياسي وتمزقت الأمة من هول الصدمة واشتد التحدي العربي والفلسطيني لاسرائيل التي ازدادت غطرسة وبطشاً في ظل قيادة مناحيم بيغن وسيطرت على العالم العربي موجة من الضياع الفكري والسياسي واصبح السؤال: اذا كنت ترفضون كامب ديفيد فما هو البديل لديكم؟
في ظل هذه الاجواء وبينما كان الرئيس السادات في زيارة لواشنطن لتنشيط العمل باتفاقيتي كامب ديفيد اعلنت "مبادرة فهد للسلام" يوم 7/8/81. وقد لخص الملك فهد الدوافع وراء مشروعه في حديث الى وكالة الانباء السعودية بتاريخ 3/11/81 على النحو التالي:
أولاً: راعينا صدور اعلان المبادئ خلال وجود الرئيس السادات في واشنطن ليعمل على احياء اتفاقيتي كامب ديفيد. وكان هذا عاملاً اساسياً في توقيت صدور الاعلان وللرد على محاولة الاحياء وللتدليل على ان لدى العرب بديلاً ايجابياً ومعقولاً.
ثانياً: التهديد الاسرائيلي المستمر لسورية والذي بلغ ذروته خلال أزمة الصواريخ مما هدد الموقف برمته في المنطقة.
ثالثاً: ضرب المفاعل النووي العراقي وما سببه ذلك من زيادة التوتر والغليان.
رابعاً: التصعيد العسكري الاسرائيلي الوحشي في لبنان وضرورة احتوائه والرد عليه.
خامساً: اعادة انتخاب مناحيم بيغن رئيساً للائتلاف الاسرائيلي الحاكم بأغلبية صوت واحد وما تعنيه تلك الاغلبية الهزيلة من ضرورة اعتماد ذلك الصهيوني المتعصب على الاعمال العسكرية المسرحية للمحافظة على مركزه.
سادساً: تسلم شارون حقيبة الدفاع في الحكومة الاسرائيلية وما يعنيه ذلك التعيين بالنسبة لعسكري مغامر قرر تكريس وقته وجهده لاقامة المستعمرات الجديدة في الاراضي العربية المحتلة وزرع المستوطنين فيها.
سابعاً: استباق المرحلة الجديدة من التنسيق الاميركي - الاسرائيلي والتي بدأت بعد الانتخابات الاسرائيلية. وقد ظهرت الآن ملامح تلك المرحلة من خلال الحديث عن تعاون استراتيجي بين البلدين لم تظهر تفاصيله بعد.
ولابد من الاشارة في هذا المجال الى ان الملك فهد قال عندما اعلن مشروعه انه "يتضمن مجموعة من المبادئ التي يمكن الاسترشاد بها وهي مبادئ سبق للأمم المتحدة ان اقرتها واعادت تأكيدها مراراً". كما ان الملك فهد اضاف يوم صدور مشروعه ان "تنفيذ مثل هذه التسوية يتوقف على ثلاثة شروط واقعية ومعقولة ولابد من تحقيقها وهي:
أولاً: وقف الدعم الاميركي اللامحدود لاسرائيل.
ثانياً: وضع حد للغطرسة الاسرائيلية التي يمثل مناحيم بيغن أبشع صورها.
ثالثاً: التسليم بأن الرقم الفلسطيني هو الرقم الاساسي في المعادلة الشرق اوسطية.
لعل في النقاط سالفة الذكر ما يكفي لشرح الاسباب والدوافع وراء مشروع فهد للسلام. ولعلي اضيف مما عرفت ان المشروع جاء ليحقق هدفين:
أولهما: ملء الفراغ السياسي الذي احدثته اتفاقيتا كامب ديفيد من حيث طرح بديل معقول يستقطب اجماعاً عربياً على تسوية للصراع.
ثانياً: تجسيد اهتمامات المملكة السعودية بالقضية الفلسطينية ورغبتها في لعب دور مميز يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة. والرئيس جيمي كارتر أبلغ كاتب هذه السطور "ان السعوديين مهتمون بالقضية الفلسطينية اكثر من اي قضية اخرى وانهم يقبلون تعديلات طفيفة في حدود 1967 مع اسرائيل ولكنهم متصلبون من حيث التزامهم بضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة وانهم الحكام العرب الوحيدون الذين قابلتهم وكانوا متمسكين بقوة بضرورة قيام دولة فلسطينية حتى في الجلسات الخاصة. وقد سجل كارتر رأيه هذا حرفياً في مذكراته في الصفحتين 287 و302.
وتجدر الاشارة هنا الى ان "مشروع فهد للسلام" الذي صدر قبل حوالي 15 عاما قد تميز بالتالي.
أولاً: لم يستند المشروع الى قرار مجلس الأمن 242 وبالتالي فإنه أشار فقط الى فكرة التعايش بين دول المنطقة دون فكرة الاعتراف ضمن حدود آمنة.
ثانياً: تنبه المشروع منذ ذلك الوقت الى خطورة المستوطنات ونص على إزالتها.
ثالثاً: طرح المشروع فكرة الفترة الانتقالية ولكن لبضعة اشهر وليس لمدة خمس سنوات.
رابعاً: نص المشروع على ان القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية.
خامساً: اشرك المشروع الامم المتحدة في عملية السلام واعطاها مسؤولية ضمان تنفيذ المبادئ التي نص عليها.
أما بالنسبة للقول بأن الاتحاد السوفياتي هو الذي عرقل المبادرة فان في ذلك تبسيطاً للامور من حيث تجاهل الدور الاميركي النشط في التصدي للمبادرة لافشالها. فكلنا يعلم ان المبادرة صدرت في ظل الحرب الباردة وفي عالم تتنازعه القوتان الاعظم. وكان من الطبيعي ان يقف الاتحاد السوفياتي ضد مشروع السلام وذلك بحكم تكوينه الايديولوجي وموقعه المعادي للامبريالية وتحالفاته العالمية وتحديداً مع الدول العربية الرافضة آنذاك لفكرة التسوية السلمية. ومع ذلك فان موقف السوفيات بالنسبة للشأن الاسرائيلي والقبول بدولة اسرائيل كان لفظياً اكثر منه واقعياً. وليس أدل على ذلك من الرواية التالية التي قالها لكاتب هذه السطور الاخ ابو عمار. ففي مطلع الثمانينات اتيح للاخ ابو عمار ان يقابل بريجنيف للمرة الاولى في موسكو بعد ان كانت زياراته السابقة للعاصمة السوفياتية تقتصر على اللقاء مع من هم ادنى من بريجنيف رتبة. ويقول ابو عمار انه ما ان صافح بريجنيف واستقر الاثنان في لقاء ثنائي خلف طاولة المفاوضات حتى بادره بريجنيف بالسؤال التالي مفتتحاً المفاوضات: متى ستعترفون باسرائيل؟ وذهل أبو عمار ازاء السؤال ومن صاحب السؤال الذي كان يفترض ان يكون رمز الرفض لكل مظاهر الامبريالية الغربية في المنطقة العربية وفي ارجاء المعمورة. ولا ننسى ان السوفيات ادخلوا تعديلات جذرية على سياستهم فاصبحوا اقرب الى الموقف الاميركي وخاصة بعد البيان السوفياتي - الاميركي لعام 1977 ومبادرة بريجينيف.
اما الحكومة الاميركية الممثلة بادارة ريغان فقد وقفت موقفاً معادياً من مشروع السلام قولاً وفعلاً، قولاً لان الادارة الاميركية كانت تعتبر ان اطار السلام الوحيد كان اطار كامب ديفيد الذي سعت الى توسيعه ليشمل الفلسطينيين وبقية العرب. وبالتالي فان اية صيغة سلام اخرى تعتبر مناقضة للسياسة الاميركية. ولم تكتفِ الحكومة الاميركية بهذا الموقف بل سعت عملياً الى افشال المشروع عن طريق اعتماد خطة باشرت فوراً بتنفيذها لحمل الاطراف العربية على التصدي للمشروع وافشاله. ولعل المجال والظرف الآني لا يسمحان بالدخول في تفاصيل التحرك الاميركي ضد مشروع السلام الذي نص على انسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وازالة المستوطنات واقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتعويض من لا يرغب في العودة. ونكتفي في هذا المجال بذكر اسم جون مروز الذي اوفده الكسندر هيغ وزير الخارجية الاميركي الى المنطقة العربية اكثر من مرة بهدف افشال مشروع السلام.
ولعل الموقف الاميركي الذي قاده هيغ يفسّر العداء الذي استحكم بين السعودية ووزير الخارجية الاميركي لدرجة ان استقالة هيغ في 25/6/82 فُسرت على انها نتيجة ضغوط سعودية. فقد نشرت صحيفة "صنداي تايمز" بتاريخ 27/6/82 وعلى عرض صفحتها الأولى معلومات تحليلية تقول ان الملك فهد الذي كان يسعى لاحتواء الاجتياح الاسرائيلي للبنان ووقف اطلاق النار أدرك ان هيغ كان يعرقل مساعيه حتى يمكّن اسرائيل من احكام سيطرتها على بيروت. وقالت الصحيفة ان هيغ استقال بعد تهديد من الملك فهد باعادة النظر في وجود الارصدة السعودية في البنوك الاميركية وحظر بيع النفط الى الولايات المتحدة واقامة علاقات ديبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي.
ولا بد من التأكيد هنا ان بعض الاطراف العربية عارضت مشروع السلام ليس بتأثير اميركي ولكن لحسابات اقليمية ومحلية ولأن آثار زيارة الرئيس السادات للقدس لم تكن قد استوعبت بالكامل فكان المناخ النفسي والسياسي غير مهيأ لمبادرة جديدة. من أجل ذلك انهارت قمة فاس الأولى في تشرين الثاني نوفمبر 1981 حين لم يتمكن العرب من الاجماع على مشروع فهد للسلام.
وقد وصل الأمر ببعض العرب الى حد القول في قمة فاس الأولى لماذا نتقدم نحن بمشروع سلام ولماذا لا تفعل اسرائيل ذلك. ناسين او متناسين من المهزوم ومن المنتصر ومن القوي المسيطر عسكرياً ومن الضعيف العاجز عن تحقيق الحد الأدنى من التضامن العربي. ومن يتمحص اليوم مشروع السلام وبنوده بنداً بنداً لا بد ان يترحم ويقول: "أين كنا وكيف اصبحنا".
وبعد أقل من عام اجتمعت قمة فاس الثانية في أيلول سبتمبر 1982 وتبنت مشروع فهد للسلام بعد ادخال تعديلات طفيفة عليه وتحول المشروع الى خطة سلام عربية باجماع عربي بعد ان سقطت كل الانتقادات والاعتراضات. فماذا حدث بين فاس الأولى وفاس الثانية وكيف قبلت فاس الثانية ما رفضته فاس الأولى. ان ما حدث بين القمتين يمكن انجازه على النحو التالي:
أولا: قامت اسرائيل بضم الجولان مستفيدة من جو الفرقة والتناحر الذي خلفه فشل قمة فاس الأولى ومستكملة بذلك كما ادعت نظامها الدفاعي المستند الى اقامة مستوطنات في الخطوط الامامية.
ثانياً: قامت اسرائيل باجتياح الأراضي اللبنانية حتى وصلت الى العاصمة بيروت. وأدى ذلك الى تدمير البنية التحتية للوجود الفلسطيني في لبنان وخروج المقاتلين الفلسطينيين ومنظمة التحرير منه. وقد رافق ذلك قصف وحشي للمخيمات الفلسطينية والمدن اللبنانية بما فيها العاصمة بيروت. واثبت الاجتياح الاسرائيلي ان الارادة العربية غائبة وعاجزة. وباستثناء سورية التي دخلت المعركة نداً قوياً لاسرائيل رغم خسائرها في المعدات فقد وقف العرب يتفرجون على اسرائيل وهي تحتل لأول مرة عاصمة عربية وتقتل الشعبين اللبناني والفلسطيني بلا هوادة وتطارد المقاتلين الفلسطينيين أمل القضية الفلسطينية وذراعها الضارب في وجه اسرائيل الى ان أبعدتهم ومعهم منظمة التحرير مئات الأميال بعيداً عن وطنهم المحتل الى تونس والعراق واليمن والسودان الخ.
ثالثاً: اثبتت اسرائيل عملياً مرة اخرى انها تستطيع ان تعربد في الأراضي العربية بلا رادع وأنها القوة العسكرية التي لا تضاهى في المنطقة العربية.
رابعاً: ثبت ان جبهة الصمود والتصدي عبارة عن لافتة وأنها لا تقوى على الصمود أو التصدي.
خامساً: أدركت القيادة الفلسطينية بعد حصار دام ثمانين يوماً ان تضامن العرب معها في وجه اسرائيل مجرد أحلام وأوهام. واختارت الابحار من بيروت الى الأراضي الهيلينية وأرست سفنها في أثينا بعيداً عن الشواطئ العربية.
وذهب العرب الى قمة فاس الثانية فتواضعوا وتخلوا عن غرورهم وسقطت الاقنعة العنترية والنزعات النابليونية وقبلوا بمشروع السلام. وماذا يضير حكومة الولايات المتحدة هذه المرة ان يُجمع الحكام العرب، وهم على تلك الحالة من الهوان والتفكك، على مشروع سلام يطمح الى اعادة الاسرائيليين الى حدود 1967 واقامة دولة فلسطينية وقد اصبحوا لا يقوون على الدفاع عن عاصمة عربية هي بيروت احتلتها جيوش اسرائيل واقامت فيها.
وهكذا العقل العربي. تقع كارثة اجتياح لبنان عام 1982 فنقبل في فاس الثانية "مشروع فهد للسلام" الذي قتلناه في فاس الأولى عام 1981. وتقع كارثة احتلال الكويت وحرب الخليج عام 1990 فنقبل عام 1991 بمؤتمر مدريد وبالمفاوضات الثنائية المباشرة وكل المحرمات الوطنية التي رفضناها على مدى سنين. ان الخط البياني لتعاطي العقل العربي مع تطورات الصراع العربي - الاسرائيلي يستحق جردة ضميرية من كل منا تشمل مراجعة جذرية وصادقة لذاتنا ونمط تفكيرنا ومستوى ثقافتنا وثبات أخلاقنا ونوعية قيمنا ومسلك حكامنا ومدى حريتنا في التعبير والتفكير والفعل. ان هذا الخط البياني يتطلب وقفة تأمل من جانب مراكز الأبحاث والدراسات والمثقفين والمفكرين من أبناء هذه الأمة. فتاريخنا عبارة عن موقف متشدد ثم كارثة ثم موقف بلا تشدد ثم تراجع عن الموقف الى قبول بأقل من الموقف ثم بكاء على الاطلال.
وما أنا الا من غزية ان غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد.
* عضو المجلس الوطني الفلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.