"يعيش الحزب الاشتراكي اليمني بقيادة أمينه العام علي صالح عباد مقبل وضعاً لا يُحسد عليه اذ تتقاذفه التيارات السياسية باسم الثورية والوحدوية والشرعية وغيرها وقد تفرق عنه الاصدقاء ونال منه الخصوم بعد ان حمّلته قيادته السابقة مساوئ الانفصال ونتائج الحرب وخرج من السلطة ولم يستطع ان يؤكد نفسه في المعارضة، ليس فقط لأنه لم يتمكن من اعادة ترتيب اوضاعه بل ولعدم وجود المعارضة عملياً على الساحة باستثناء ثلاث صحف تمثل احزاب المعارضة امام قادة الائتلاف الثنائي وامام النيابة العامة والمحكمة الجزائية. وباختصار فإن الحزب الاشتراكي يعيش فترة لا يمكن لها ان تستمر، فإما ان ينتصر اولاً على اوضاعه الداخلية وتياراته المنشقة وإما ان يتوزع الى تنظيمات ومسميات وزعامات كما توزعت وانقسمت احزاب سبقته وإما ان يجرفه تيار الانحسار كما جرف غيره خلال السنوات الاربع الماضية وهذا آخر التوقعات واسوأها". بهذه اللهجة الخطابية رد عضو اشتراكي بارز، انسحب من حزبه اثناء الازمة السياسية على سؤال ل "الوسط" واعتذر عن الخوض في التفاصيل بحجة انه امتنع عن الحديث الى الصحافة "لأسباب لا أريد ذكرها وسأتحدث عن كل شيء في مذكراتي التي أعكف على كتابتها". سنوات الصراع وبحسب ما يراه سياسيون مستقلون فإن وضع الاشتراكي حالياً لم يكن فقط نتيجة للأزمة والحرب الاخيرة وإن مثّلت بالنسبة له "قاصمة الظهر"، بل كان بالدرجة الاولى نتيجة مجموعة الصراعات الداخلية التي واجه حصيلتها خصوصاً خلال السنوات العشر الاخيرة بدءاً بالانشقاق الذي اسفرت عنه احداث كانون الثاني يناير 1986 ثم التركيبة المتناقضة التي تشكل منها عقب الاحداث هذه. ومروراً بمرحلة "التمدد ثم الترهل ثم الانحسار" التي بدأت منذ اعلان الوحدة ايار / مايو 1990 وما شهدته منظماته القاعدية من اتساع غير منظم خاصة في المحافظات الشمالية والغربية. ولم يجد قادة الحزب في مواجهة هذا الاتساع الفرصة الكافية لاستيعابه نظراً لسرعته وكثافته من ناحية ولانشغال القادة عنه بقضايا سياسية اخرى من ناحية ثانية. يُضاف الى هذا عودة عناصر الى الاشتراكي كانت خرجت منه بعد احداث 1986. وخروج عناصر اخرى منه. وكما زادت الاولى من التناقضات في داخله عززت الاخرى من الجبهة المضادة في خارجه. وعبّر هذا الواقع عن نفسه في صور ومظاهر عدة منها ما حدث من تفاوت في مواقف قادة الحزب اثناء الازمة والحرب ثم في الانشقاق الذي حدث عند اعلان الانفصال 21 ايار / مايو الماضي وفي تشكيلة دولة الانفصال التي عمّقت الانشقاق داخل الاشتراكي وأفقدته ثقته بنفسه وبقياداته ووزعته الى تيارات وتكتلات لعل معظمها لم يُعلن عن نفسه حتى الآن. ويأتي في هذا الاطار تأجيل المؤتمر العام الرابع للاشتراكي سنة بعد اخرى دون ان ينعقد خلال السنوات العشر الماضية باستثناء ما أُطلق عليه "الكونغرس الحزبي" الذي عُقد عقب احداث 1986. وقد يبدو انعقاده اليوم اكثر صعوبة من الماضي وان اصبح خياراً لا بديل عنه ولا مجال لتأجيله لأسباب اهمها ارتباط المؤتمر الرابع بشرعية الحزب الاشتراكي واستمراره ارتباطاً مباشراً. تدهور الى حد الأزمة وبالعودة الى الاحتمالات الثلاثة التي توقعها المصدر الاشتراكي السابق للحزب الاشتراكي فارق الاحتمال الاول باستمرار الحزب يظل من وجهة نظر المراقبين هو الاقوى حتى الآن ويعلل بعضهم هذا الرأي بأن الحزب لا يزال يمتلك مقومات كافية لاستمراره وربما لانتصاره على التيارات المنشقة عنه ومنها ان المنظمات القاعدية في معظمها لا تزال مرتبطة به بصرف النظر عما انعكس عليها من انحسار، وان اغلبية اللجنة المركزية لا تزال ممثلة فيه وكذلك كتلته البرلمانية. كما انه ممثلاً في قيادته الجديدة لا يزال يحظى باعتراف قيادة الائتلاف الثنائي المؤتمر والاصلاح في الدولة به. على الرغم من ان علاقته بالائتلاف تدهورت كثيراً في الفترة الاخيرة الى الحد الذي عرّضه للنقد والتحذير العلني من قبل الفريق علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، الذي قال في حديثه الى شخصيات ابناء محافظة لحج اثناء التقائه بهم في عدن في 26 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي: "ان العناصر الانتهازية من الحزب الاشتراكي تدير الصراع وراء الصراع باسم الشعارات الجوفاء". وحذّر الرئيس اليمني من تكرار الممارسات السابقة اثناء الفترة الانتقالية ايار / مايو 90 - نيسان / ابريل 1993 "وان سعي الحزب الاشتراكي وراء الاثارة والتخريب والتضليل سواء في الوسائل الاعلامية او غيرها سيعرض للاجراءات الدستورية...". ويظهر من هذا الانتقاد الشديد الذي وجهه الرئيس صالح الى الحزب الاشتراكي لأول مرة منذ انتخاب الحزب قيادته الجديدة 7 ايلول / سبتمبر الماضي ان علاقته الاشتراكي مع الائتلاف تدهورت وبدأت تتأزم. وان الانتقاد لم يكن بدافع آني بل نتيجة تراكمات لعل معظمها يتمثل في ما ظل يردده الحزب مؤخراً في صحيفته الاسبوعية "الثوري" وفي تصريحات بعض قياداته بأن قيادة الائتلاف صادرت مقراته ومنشآته ومطابعه وأخرجته من السلطة ودعمت التيارات المضادة له"... وألغت وثيقة الائتلاف الثلاثي والتنسيق البرلماني من طرف واحد وأُبعدنا عن الحقائب الوزارية المعطاة للحزب في الحكومة السابقة ووصل الأمر الى انتزاع الوظيفة العامة لمجرد ان الانسان ينتمي الى الحزب الاشتراكي..." كما جاء في تصريح مقبل الأمين العام للاشتراكي ل "الوسط". ورددت قيادة الاشتراكي اخيراً ان حكومة الائتلاف انتزعت منه في عدن مبنى "معهد باذيب" للتأهيل الحزبي واعطته لجامعة عدن وأعطت مقر اللجنة المركزية في عدن للتيار المضاد للحزب. وأوضحت مصادر في الحكومة ان موافقة الحزب على تسليم مبنى المعهد للجامعة في عدن كانت سابقة للأزمة اكد أمين عام الاشتراكي ل "الوسط" ذلك"... على اساس ان الاتفاق تم بين الحزب والجامعة ليسلمها المبنى بالايجار لكن الصيغة الآن صيغة حكومية لا صيغة اتفاق بين طرفين ونرى انها صيغة غير قانونية". اضافة الى ما رددته قيادة الاشتراكي عن وجود معتقلين من كوادره "ولكن بتصرفات فردية لا بصفة رسمية". بين المماحكة والمحاكمة من جهة اخرى يرى سياسيون في صنعاء ان الجزء الاخير من انتقاد الرئيس صالح للاشتراكي وقوله بأنه سيعرض نفسه "للاجراءات الدستورية" يتضمن تلميحاً الى ما سبق ان طالبت به أطراف وشخصيات سياسية داخل حزبي الائتلاف الحالي وخارجها بعد انتهاء الحرب مباشرة، وهو "حل الحزب الاشتراكي عن طريق تقديمه الى المحاكمة بتهمة الانفصال وتفجير الحرب". ولكن مصدراً قانونياً قيادياً في المؤتمر الشعبي العام استبعد هذا التفسير وقال "انه يُحمّل كلام الرئيس فوق ما يحتمل". وأضاف مشيراً الى ان الرئيس "دعم الحزب الاشتراكي في الداخل عقب الحرب ليعيد الحزب تشكيل هيئاته بل وطالبه علناً اكثر من مرة بسرعة ترتيب اوضاعه ليتمكن من الإسهام في الحياة السياسية...". وعلل المصدر رأيه من وجهة النظر القانونية بمبررات ثلاثة: "أولاً: الحزب الاشتراكي الذي تتوجه اليه هذه التهمة قد اصبح بصفة تلقائياً محلولاً منحلاً بحكم ما اقدم عليه من اعلان الانفصال. وثانياً: فهذا الحزب الاشتراكي الحالي تشكل من جديد في الاطار العام لشرعية التعددية الحزبية بصرف النظر عن مدى شرعيته التنظيمية من داخله، وثالثاً: فإن قانون الاحزاب الذي ترتكز عليه محاكمة او محاسبة اي حزب لم يتم تطبيقه حتى الآن على اي حزب من الاحزاب القائمة". وهنا تبرز قضية في غاية الاهمية بالنسبة للحزب الاشتراكي وهي قضية الشرعية"... التي تمثل 90 في المئة من مشكلته الحالية" كما قال نائب اشتراكي سابق و "لأن الفراغ الذي تركته في الحزب هو الذي اتاح للمنافسين والمعارضين ان يظهروا". وفي تصريح ل "الوسط" قال قيادي بارز في الاشتراكي كان وزيراً في أولى حكومات الوحدة بأن "قادة الحزب في الداخل استعجلوا اجتماع اللجنة المركزية في 7 ايلول / سبتمبر الماضي وخرجوا على النظام الداخلي للحزب الذي يحتم وجود ثلثي الاعضاء على الاقل". وأضاف: "وأنا اعتقد ان القرارات الصادرة عن هذا الاجتماع تفتقر الى الشرعية ومنها القرارات بتصعيد اعضاء الى اللجنة المركزية والمكتب السياسي وحتى اقالة المكتب السياسي السابق". وطرح المصدر نقطة وصفها بأنها في غاية الاهمية"... وهي ان الحزب الاشتراكي لا يزال حتى الآن دون برنامج عمل سياسي ما عدا البرنامج السابق الذي لم يعد صالحاً ولا شرعياً بعد الوحدة، لأنه مفصل على اساس شطري". وكشف المصدر ان "اللجنة المركزية كانت اتخذت قراراً قبل الوحدة مباشرة بعقد المؤتمر العام الرابع للحزب وتقديم مشروع برنامج جديد اليه لاقراره، لأن البرنامج لا يقره الا المؤتمر العام، وأية قرارات او خطوات تتخذها قيادة الحزب الحالية وحتى محاسبة القيادة السابقة لا بد ان تكون من خلال البرنامج الذي يشترطه قانون الاحزاب". ولفت المصدر الاشتراكي، الى ان الخلاصة تتركز في ان "لا قيادة جديدة الا ببرنامج جديد كما انه لا برنامج الا بمؤتمر عام..." والمؤتمر العام يتطلب موافقة ثلثي اعضائه من لجان الاشتراكي في المحافظات فما مدى قدرة القيادة الجديدة على عقد المؤتمر العام؟ يرى المصدر نفسه انه في المدى المنظور لا يزال من الصعب انعقاده"... وأنا سمعت ان لجان الحزب في المحافظات لم تتجاوب مع القيادة الجديدة بالقدر المطلوب ولا بد من عقد المؤتمر فهو اصبح الخيار الوحيد للخروج من المأزق وتحقيق الشرعية والغاء التيارات المناوئة". ولكن ما هي هذه التيارات المناوئة وما هو خطرها على الحزب الاشتراكي مستقبلاً؟ انها تنحصر بحسب ما هو معلن حتى الآن في تيارين اثنين. هما: ما يسمى ب "تيار فتاح الوحدوي" وما يطلق على نفسه "اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الرابع للحزب الاشتراكي اليمني". وبحسب مصادر سياسية اشتراكية ومستقلة، فان "كلا التيارين يعيش وضعاً موقتاً لا يملك المقومات القادرة على ضمان استمراره". فالأول يمثل افكاراً ليست او لم تعد مقبولة لدى الاطراف السياسية بصفة شبه عامة، ليست فقط خارج الاطار الاشتراكي بل وداخله. والثاني يؤكد من مجمل ما يطرحه انه تجمع لا ينازع الحزب الاشتراكي افكاره وتوجهاته المبدئية كما هو مفترض بقدر ما هو متناقض مع الاشتراكي وناقم عليه. وتؤكد المصادر هذه ان لا خطر على الحزب الاشتراكي من هذا التيار "لأن اعضاءه قلة قد لا يتجاوز عددهم عشرين عنصراً يتزعمهم شخص هو يحيى حزام الصباحي من ابناء المناطق الوسطى التابعة لمحافظة إب كان في منظمة "المقاومين" ثم انضم وأعضاء تياره وأعضاء بقية المنظمات التي كانت قائمة، الى الحزب الاشتراكي عند تأسيسه في 13 تشرين الأول / اكتوبر 1978 في عدن". كما ان هذا التيار ولجنته التحضيرية "لا يستطيع الدعوة الى المؤتمر العام ولا عقده اذ ليست له قاعدة في منظمات الحزب" كون اعضائه بحسب هذه المصادر "آتون من منظمات ثانوية لا تملك اي صفة قيادية ولأن من يحق لهم الدعوة الى المؤتمر العام هم اعضاء اللجان الحزبية في المحافظات بأغلبية الثلثين بحسب النظام الداخلي للحزب". تفاؤل حذر وأخيراً تجدر الاشارة الى ان قادة الحزب الاشتراكي بقيادة مقبل سبق ان اكدوا شرعية الدورة الاستثنائية للجنة المركزية وقراراتها واعتمدوا العدد الكلي لأعضائها وهو 127 وبعد استبعاد 33 منهم لوفاة بعضهم وانتساب البعض الآخر الى شريحتي القضاة والعسكريين اللتين يحرم القانون انتماء اعضائهما الى العمل الحزبي، ظل عدد اعضاء اللجنة المركزية 94. المطلوب منهم لتحقيق الاغلبية 48 بينما زاد عدد الحاضرين في الدورة عن 50 عضواً. وفي تصريحه ل "الوسط" اكد السيد علي صالح عباد مقبل "ان قرارات اللجنة المركزية في دورتها الاستثنائية ملزمة لكل الهيئات القيادية في الحزب وقد أقرّت ان ينعقد المؤتمر العام الرابع خلال ستة اشهر الى سنة". واشار الى ان عملية التحضير جارية ونرجح ان تستغرق الحد الاقصى من الفترة المحددة. ونفى وجود اية عوائق تحول دون انعقاد المؤتمر خارج عملية التحضير طبقاً لقرارات اللجنة المركزية "ونحن في المكتب السياسي نأمل ان ينعقد المؤتمر العام في موعده".