كندا تندد بإسرائيل    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    القيادة تعزي رئيس روسيا في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب    رئيس الوزراء الإسباني يرحّب بإعلان فرنسا أنها ستعترف بدولة فلسطين    وزير أمريكي: التجارة مع الصين في "وضع جيد"    32 لاعبًا يتأهلون إلى دور ال 16 في بطولة العالم للبلياردو بجدة    جمعية الإعاقة السمعية في منطقة جازان تزور مسنًا تجاوز التسعين من عمره    أكثر من 40 ميدالية في ختام بطولة المملكة البارالمبية لرفع الأثقال للرجال والسيدات    الوفد السعودي الاستثماري يختتم زيارته إلى سوريا    السعودية ترحب بإعلان الرئيس الفرنسي عزم بلاده على الاعتراف بدولة فلسطين الشقيقة    هل مديرك معجزة؟    قطار الرياض ينقل أكثر من 23.6 مليون راكب بالربع الثاني ل 2025    الأخضر الأولمبي يختتم مشاركته في دورة أوزبكستان الودية بمواجهة اليابان    «بيئة جازان» تنظم ورشة عمل عن طرق الاستفادة من الخدمات الإلكترونية الزراعية    حرس الحدود بجازان ينقذ مواطنَيْن من الغرق أثناء ممارسة السباحة    وفد ثقافي وفني يزور هيئة التراث في جازان لتعزيز التعاون في مجالات الهوية والتراث    القمامة الإعلامية وتسميم وعي الجمهور    «هُما» القصيبي من جديد..    خطبة الجمعة تحذر من إساءة استغلال الذكاء الاصطناعي    القبض على يمني و4 سودانيين في عسير لترويجهم «الإمفيتامين»    الهلال الأحمر يفعل «المسار العاجل» وينقذ حياة مواطن بجدة    وزير الرياضة "الفيصل" : لحظة تاريخية لرياضة المملكة بتخصيص ثلاثة أندية    المملكة تشارك في مؤتمر الأطراف باتفاقية الأراضي الرطبة "رامسار"    أمير جازان من الدائر: البن ثروة وطنية والدعم مستمر    إيزاك يبلغ نيوكاسل برغبته في استكشاف خيارات أخرى    6300 ساعة تختتم أعمال الموهوبين في أبحاث الأولويات الوطنية بجامعة الإمام عبد الرحمن    هيئة الأدب تستعد لإطلاق النسخة الرابعة من معرض المدينة المنورة للكتاب2025    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدائر    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي وزيري الخارجية والداخلية الأفغانيين في كابل    الشؤون الإسلامية في جازان تواصل تنفيذ الدورة العلمية الصيفية الثالثة    مستشفى المهد يعتمد تقنية تخدير الأعصاب لتقليل الألم    رسميًا.. فيرمينو ينضم إلى السد القطري    تحطم طائرة الركاب الروسية المفقودة    القادسية يختتم المرحلة الأولى من معسكره التحضيري في هولندا استعدادًا لموسم 2025/2026    الإحصاء: ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 6.0% في مايو 2025م    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    الإحسان الطبية تنفذ مشروع «الإستشاري الزائر» في مستشفى صامطة العام    السعودية تدين مطالبة الكنيست الإسرائيلي بفرض السيطرة على الضفة والأغوار المحتل    منظمة الصحة العالمية تنفي انتهاك السيادة الأمريكية    أكثر من 7 آلاف زيارة منزلية خلال 6 أشهر بمستشفى الظهران    الصنهاج والزهراني يحتفلان بزواج ريان    تعاون سعودي – سريلانكي في مجالات الإعلام    الشهري ينال الماجستير بامتياز    بالتنسيق مع 5 وزارات تمهيداً لوضع الإجراءات.. "البلديات" تشترط عدم كشف مساكن العمالة للجيران    أكدت تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.. "الموارد البشرية": تطوير برنامج الرعاية الاجتماعية المنزلية    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    واست رئيس بنغلاديش في ضحايا سقوط الطائرة.. القيادة تهنئ الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده    الوفد السعودي بدأ زيارته لدمشق.. اتفاقيات اقتصادية لدعم التنمية في سوريا    موجز    توجه رئاسي لحصر القوة بيد الدولة.. غضب على «حزب الله» في الداخل اللبناني    وسط تحذيرات دولية وركود في مفاوضات الهدنة.. غزة على شفا مجاعة جماعية    دوران يسجل في فوز فنربخشة برباعية على الاتحاد وديًا    «سلمان للإغاثة» يوزّع (840) حقيبة إيوائية في منطقتين بإقليم جامو وكشمير في باكستان    اختيار سلمان: هكذا أطلق صقره ليحلق بالوطن    «سوار الأمان».. حلول ذكية في المسجد الحرام    "الشعفي" يُرزق بمولودته الأولى "سما"    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تنشر على حلقات كتاب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اللبناني السابق . إيلي سالم يتذكر: شولتز وعد الأسد بإعادة الجولان الى سورية 16
نشر في الحياة يوم 10 - 05 - 1993

يكشف الدكتور ايلي سالم نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اللبناني السابق، في هذه الحلقة السادسة عشرة من مذكراته التي تنشرها "الوسط"، معلومات جديدة عن الوساطة الاميركية بين سورية والرئيس أمين الجميل ويتحدث عن بدء السنة الاخيرة من عهد الجميل.
وقد شغل ايلي سالم منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية اللبناني في عهد الرئيس الجميل وكان مستشاره للشؤون السياسية والاتصالات العربية والدولية. وشارك سالم طوال عهد الجميل من ايلول - سبتمبر 1982 الى ايلول - سبتمبر 1988 في صنع القرارات السياسية التي اتخذت خلال هذه الفترة، وفي الاتصالات المختلفة اللبنانية - العربية واللبنانية - الدولية، واطلع على مجموعة كبيرة من الأسرار المتعلقة باسرائيل ومخططاتها في لبنان، وبسورية، وبالولايات المتحدة والدول الكبرى الاخرى، وبالفلسطينيين، وبالايرانيين، وبدول عربية اخرى لعبت ادواراً مختلفة في الساحة اللبنانية. من هنا اهمية مذكراته هذه التي تكشف اسراراً ومعلومات جديدة ليس فقط عن لبنان وصراعات القوى المختلفة فيه، بل ايضاً عن منطقة الشرق الاوسط. وقد حصلت "الوسط" من الدكتور ايلي سالم على حقوق نشر مذكراته هذه، على حلقات، في المجلة. وفي ما يأتي الحلقة السادسة عشرة من هذه المذكرات:
أبلغنا الملك حسين انه ينوي العمل على تأمين عقد لقاء بين الرئيس حافظ الأسد والرئيس امين الجميل على هامش انعقاد مؤتمر القمة العربي في عمان في تشرين الثاني نوفمبر 1987. لكننا علمنا، في الوقت نفسه، ان الاسد لم يكن راغباً في الاجتماع بالرئيس الجميل في عمان بل انه اقترح على سليم الحص رئيس الوزراء اللبناني ترؤس وفد لبنان الى القمة. وقال الحص للأسد: "ان الجميل ذاهب الى عمان فماذا افعل؟ اما انني سأضطر الى الجلوس في حضنه او سيفعل هو ذلك!". وانفجر الاسد ضاحكاً واتفق مع الحص على عدم الذهاب والاستعاضة عن ذلك بارسال مذكرة الى القمة توضح الموقف اللبناني. لم يستطع اي مسلم الاشتراك في الوفد الرئاسي الى عمان بسبب مقاطعة رئيس الجمهورية. ووصل الوفد الرسمي الذي ضم كلاً من رئيس الجمهورية وغسان تويني وأنا الى عمان يوم السبت في 7 تشرين الثاني نوفمبر 1987. افتتح المؤتمر عصر ذلك اليوم، وألقى الملك حسين خطاباً دعا فيه الى وحدة العرب. بدا الاسد منهمكاً بأمور اخرى. واما ياسر عرفات فكان مبتسماً على الدوام وينظر يميناً ويساراً بحثاً عن زعيم ما كي يعانقه ويقبله. وكانت الجهة في قاعة المؤتمر التي يجلس فيها ممثلو لبنان وليبيا والمغرب ومنظمة التحرير اكثر الجهات تصويراً من قبل المصورين العرب والاجانب لأننا كنا المنطقة المشتعلة في الشرق الاوسط. كنا مركز الاهتمام ليس بسبب انجازاتنا، بل بسبب فشلنا وبسبب المشاكل الضخمة المرتبطة بنا. أتينا الى عمان بعد تلقينا ضمانات بأن الملك حسين سيرتب لقاء بين الاسد والجميل. ووصل ولي العهد الأردني الأمير حسن وبصحبته رئيس وزراء الأردن زيد الرفاعي الى جناحنا يوم 8 تشرين الثاني نوفمبر بعد زيارة طويلة من عرفات لنا. وقال لنا الأمير حسن ان الاسد لن يقبل لقاء الجميل "الا اذا كانت لديه افكار جديدة". ورد الجميل بأنه سيرضى مسبقاً بأية افكار في شأن الاصلاحات يقترحها الملك حسين والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد. لكن كل المحاولات باءت بالفشل.
وعندما فشلنا في تأمين لقاء بين الأسد والجميل حاولنا التوصل الى بديل وهو الحصول على قرار جيد في شأن لبنان من قمة عمان. وتضمنت القرارات التي تبنتها قمة عمان بشأن لبنان الأمور الآتية:
1- دعوة جميع الفرقاء في النزاع الى استئناف الحوار المؤدي الى الاصلاحات السياسية واعادة توحيد الشعب والارض والمؤسسات.
2- دعوة الجمهورة العربية السورية الى استمرار وتكثيف جهودها مع الاطراف المعنية لتحقيق الوفاق والمصالحة الوطنية.
3- دعوة جميع الدول العربية الى مساعدة لبنان بشكل كامل في جهوده لتأمين تطبيق قرارات الأمم المتحدة في شأن الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان وبسط سلطة الحكومة اللبنانية حتى حدود لبنان المعترف بها دولياً.
4- يأخذ المؤتمر في الاعتبار قرار لبنان انشاء صندوق لدعم العملة اللبنانية بالتشاور مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانماء والاعمار، ويدعو الدول الاعضاء الى المساعدة في هذا الشأن.
كان القرار المتعلق بلبنان ضعيفاً، ولكنه كان افضل ما يمكن الحصول عليه في المؤتمر.
شعرت ورئيس الجمهورية بأن التوصل الى اتفاق يجب ان يكون مع الولايات المتحدة أولاً لأننا طرحنا حلولاً من قبل لم تنل الموافقة. واتفقنا على مسودة اقتراح حملتها الى واشنطن في اواخر تشرين الثاني نوفمبر 1987 حيث وجدت الدوائر الاميركية العليا غير مهتمة، لكن مساعد وزير الخارجية الاميركي ريتشارد مورفي وابريل غلاسبي كانا مهتمين ومتحمسين، وقدم فيليب حبيب نصائحه عن بعد. كان حبيب حزيناً لتغير مجرى الاحداث في لبنان، وقال: "ايلي، لا احد متحمس لفعل اي شيء. مسكين لبنان، ومسكين أنت. تحاول ولكن لا تصل الى اي نتيجة". وجد حبيب بعض الامل في الديبلوماسية ابريل غلاسبي التي كانت تعمل بجهد وديناميكية ومثابرة. وأكدت لنا غلاسبي ان الولايات المتحدة مهتمة جدياً بلبنان وتعي الولايات المتحدة تماماً ان سورية تتهم القوات اللبنانية بقتل رشيد كرامي وتريد من الجميل التخلص من "القوات اللبنانية"، وهذه هي العقبة الوحيدة امام استئناف المحادثات بين ايلي سالم وفاروق الشرع وزير خارجية سورية. عملنا مطولاً وبجهد للتوصل الى مسودة ورقة وجدها كل من مورفي وغلاسبي وأنا معقولة. وكانت الولايات المتحدة ستبحث هذه الورقة مع سورية بواسطة السفير الاميركي في دمشق ايغلتون.
خيار العلاقات المميزة
في تلك الفترة درست كل الخيارات المتاحة امام لبنان وهي: تحييد لبنان، تقسيمه، ضم لبنان الى سورية، اعادة احياء صيغة 1943، اجراء اصلاحات سياسية جديدة واقامة علاقات مميزة مع سورية. ورأيت ان الخيار الاخير هو الافضل من دون شك. لكن السؤال المطروح امامي كان: كيف العمل مع سورية لتحقيق هذا الخيار. ولم تكن المشكلة حتى الآن في مشاريع الحلول بل في الظروف التي تحيط بلبنان والمنطقة.
بعثت برسالة الى ريتشارد مورفي أؤكد فيها استعدادنا لتجربة اي مسار جديد "لكننا نخاف التأخيرات التي يمكن ان تهدف الى تأجيل حل المشكلة اللبنانية. ان جدية الازمة تتطلب منهجاً واضحاً".
في كانون الثاني يناير 1988، وهو اول شهر في السنة الاخيرة من عهد أمين الجميل، برزت مسألتان أساسيتان هما: تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس للجمهورية. وكان الرئيس الجميل متحمساً لتغيير الحكومة التي قاطعته لأكثر من سنة ولتأليف حكومة مستعدة للتعاون معه واتخاذ قرارات معينة. وحثه مستشاراه للشؤون الداخلية جميل نعمة وسيمون قسيس على تشكيل "اي نوع من الحكومات التي سيكون اي زعيم سني مستعداً لتشكيلها". وحثثته انا على عدم تشكيل اية حكومة الا في اطار اتفاق مع سورية. كان لدى الجميل السلطة الدستورية لاقالة حكومة الحص وتشكيل اية حكومة يرغب بها. ولكن هذه الخطوة لا معنى لها اذا لم تكن مدعومة باتفاق سياسي. لم يكن الحص مستعداً لاستقالة حكومته، ولم يكن الاداريون الذي كان رئيس الجمهورية راغباً في طردهم مستعدين لمغادرة مراكزهم. لذلك حذرت رئيس الجمهورية من القيام بهذه الخطوة الا بعد التنسيق مع سورية. اذ ان قراراً غير قابل للتنفيذ أسوأ بكثير من لا قرار. ومع ان الرئيس كان يعارض عاطفياً نصيحتي هذه الا انه كان موافقاً عليها عقلانياً. واما بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية فقد تصرف جميع النواب الموارنة وكأنهم مرشحون لرئاسة الجمهورية، وتركزت لعبتهم السياسية على الانتخابات قبل ثمانية اشهر من حدوثها. وحثثت الرئيس على الاهتمام بشكل هادئ. وكنت اقول له يومياً ان كيفية تركه السلطة اهم من كيفية قدومه اليها، وانه يتوجب على رئيس الجمهورية الجديد ان يكون مستعداً للمصالحة مع سورية، ومن الضروري ان يشعر بأن من سبقه سهل عليه قدومه الى السلطة. وتداخلت مسألتا تأليف حكومة جديدة وانتخابات رئيس جديد للجمهورية ضمن مباحثاتنا مع السوريين والاميركيين.
وحمل المسؤولون والديبلوماسيون الاميركيون رسائل بين بيروت ودمشق في شأن الاصلاحات وتشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية. أراد الجميل ان يترك منصبه وقد حقق نجاحاً ما، وأمل بالتوصل الى اتفاق شامل مع الأسد. وعندما التقيت شولتز في شباط فبراير 1988 أبلغته رسالة واحدة قوية من الجميل مفادها ان الرئيس راغب في تحقيق اصلاحات قبل مغادرته منصبه، وهو يريد حكومة جديدة لتطبيق هذه الاصلاحات. وعندما أعطيت هذه الرسالة الى شولتز قال لي: "انا افهم هذا جيداً. لقد اخبرني الرئيس ريغان مراراً انه ممثل، والممثل يترك دائماً افضل ما لديه للدور الاخير الذي سيؤديه لأنه يرغب في مغادرة المسرح والتصفيق يودعه".
طلبت من شولتز ارسال مورفي الى دمشق وبيروت لتحريك الامور. أردنا التحرك بسرعة لأن غلاسبي التي كانت تلعب دوراً ديناميكياً في العملية كانت سترسل سفيرة الى بغداد. كانت غلاسبي مثابرة ودقيقة ونشيطة، وهي صفات كنا نحتاج اليها كثيراً في حال أردنا التوصل الى تقدم قبل الصيف، اذ شعرت ان الاهتمام سيتركز في هذه الفترة على انتخاب او عدم انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. والاتفاق على الاصلاحات سيمهد الطريق امام انتخابات هادئة ويمنع التقسيم، ومن هنا كانت السرعة مطلوبة. اما منظور واشنطن فكان مختلفاً عنا. كان الاتفاق بالنسبة الينا شيئاً حيوياً، واما بالنسبة الى واشنطن فكان وسيلة لفتح حوار اوسع مع سورية في شأن ايران، وحزب الله، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والضفة الغربية وقطاع غزة، وعملية السلام بشكل عام.
وفي 4 شباط فبراير 1988، قلت لغلاسبي: "ان لبنان كان طوال اكثر من عقد من الزمن قلب مشاكل الشرق الاوسط، واسرائيل تبعد الى لبنان اليوم الفلسطينيين الذين يسببون لها المشاكل. ومن السهل الوقوع في فخ الاغراء الذي يعتبر لبنان "مصطلحاً جغرافياً" فقط. نحن نريد الغاء هذه الصورة والتخلص من الاسباب التي أوجدتها، ولذلك نحن مصرون على التوصل الى اتفاق شامل يشمل الاصلاحات السياسية للنظام اللبناني وانهاء حال الحرب، اضافة الى خطوات تضمن اعادة سياسة لبنان واستقلاله". وتباحثت مع غلاسبي مراراً وبالتفصيل في شأن كل النقاط المتعلقة بالاصلاحات كي اضمن بأن بيروت وواشنطن متفقتان قبل طرح هذه النقاط على المعارضة بواسطة دمشق. وقالت غلاسبي عن موضوع الطائفية انه يصعب على نظام بعثي ان يتقبل هذه المسألة. وأجبتها بأنني يصعب عليّ ايضاً قبول مبدأ الطائفية التي تحرمني وتحرم اولادي من تبوؤ مراكز عدة في الدولة. وأضفت: "لكن لبنان ليس سورية، واذا كان قدرنا ان نكون طائفيين ولو لفترة قليلة فهذا عبئنا الذي يتوجب علينا تحمله. وستُلغى الطائفية عندما نصل الى ثقافة سياسية عالية تجعل الفكر الطائفي عقيماً وتافهاً".
وأما بالنسبة الى عدد النواب في المجلس، فحثثت على اعتماد اقل عدد يمكن من خلاله التوصل الى مساواة بين عدد النواب المسلمين والمسيحيين وهو 108 نواب. فضلنا الحد الادنى لأننا سنضع عبئاً اقل على ديموقراطيتنا اذا عيّنا عدداً قليلاً لملء المقاعد الشاغرة والمضافة. شرحت موقفنا حيال كل نقطة لاعطاء مورفي وغلاسبي خلفية لتفكيرنا عند بحث الاتفاق في دمشق. كان الشرع مطلعاً بشكل كامل، بينما كنا نبحث بالتفصيل جميع النقاط المتعلقة بمبادئ الاصلاح الاساسية. وكانت واشنطن راغبة في معرفة موقفنا تجاه الطائفة الشيعية. كنا مرنين للغاية حيال هذه النطقة كما كنا في محادثات دمشق. واقترحت بحث صيغة طرحها عليّ المفكر البارز منح الصلح، احد اصدقائي القدامى، اذ اقترح منح الصلح تقوية وتفعيل دور رئيس مجلس النواب الشيعي، وان يصبح لنيابة رئيس الحكومة مركزان يشغل احدهما شخص شيعي والآخر شخص عن الارثوذكس. ويقوم هذان النائبان بالتوقيع على جميع المراسيم مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ويعمل نائب رئيس الوزراء الشيعي رئيساً للوزاء بالوكالة في غياب رئيس الحكومة، وفي غياب رئيس الجمهورية، يقوم رئيس الحكومة ونائباه بمهام الرئاسة. وتضع الحكومة المصغرة التي تضم رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ونائبيه جدول اعمال مجلس الوزراء وتصوغ الاقتراحات التي ستطرح خلالها.
وعن عدد افراد الجيش اللبناني، اردنا جيشاً صغيراً فاعلاً يستطيع حماية الحدود ومنع نشوء الميليشيات. وقدرنا عدد افراد الجيش المطلوب بنحو 30 ألف جندي لأن جيشنا اكبر من ذلك سيتطلب موارد من الأفضل استعمالها لخدمة حاجات الشعب بشكل مباشر.
ماذا جرى بين الأسد ومورفي؟
اظهرنا مرونة في شأن جميع النقاط لاعطاء مورفي مجالاً للحركة في دمشق، وشعر مورفي بالثقة بأن حرية الحركة المتوافرة لديه ستعطيه نتائج ايجابية. وغادر الى سورية، بينما ذهبت الى لندن وباريس. وفي باريس تلقيت مكالمة من مورفي الذي كان انتهى للتو من لقاءاته في دمشق وأراد الاجتماع بي. التقينا يوم 11 شباط فبراير 1988 في منزل السفير الاميركي في باريس واطلعني بالتفصيل على ما دار في لقاءاته في دمشق حيث اجتمع مع نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام ومع وزير الخارجية فاروق الشرع ثم مع الرئيس الاسد يومي 6 و7 شباط فبراير. وكان السوريون، حسب قول مورفي، مهتمين بالدور الايراني. وركز مورفي في حديثه مع الاسد على خطر تفتت لبنان وعلى الاصولية الايرانية والتهديد الذي تتعرض له الانتخابات الرئاسية، وقال ان على الرئيس اللبناني الجديد تسلم منصبه على اساس اصلاحات جديدة. وسأل مورفي الرئيس الاسد اذا كان مصراً على عدم التوصل الى اتفاق مع الجميل، فقال الاسد انه يشك في ما اذا كان الجميل نفسه يريد اتفاقاً. وأضاف الاسد ان سورية تريد تأكيد بعض المبادئ، وهي ان لبنان يجب ان يحكم على اساس نصف مسيحي - نصف مسلم، وان رئاسة الجمهورية يجب ان تبقى للموارنة ولكن مع صلاحيات وسلطات اقل من السابق، وان تكون السلطة التنفيذية في ايدي مجلس الوزراء. وأراد الاسد "جواباً واضحاً" من الجميل في شأن هذه المبادئ وحيال مسألة الغاء الطائفية. وتدخل خدام كي يقول انه يريد ورقة من الجميل. لكن الاسد قال: "لا نريد اوراقاً بعد الآن فلدينا ما فيه الكفاية، ولقد سئمت من تعداد الاوراق التي بحوزتنا". عندما سمعت ذلك سررت لأنني كنت قررت ان لا اكتب ورقة اضافية عن الاصلاح بعدما كتبت العشرات منها.
وأكد الاسد لمورفي ان حركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي سيحلان الميليشيات التابعة لهما، ولكن ينبغي على الدولة اللبنانية نزع سلاح الميليشيات الاخرى بالقوة، وستساعدها سورية في حال طلب منها ذلك. وأصر الرئيس السوري على الغاء الطائفية خلال فترة زمنية قصيرة، ولكنه ترك باب الحوار مفتوحاً في شأن جدول زمني يحقق ذلك، وأشار الى انه في حال كان ردنا ايجابياً على مسألة الغاء الطائفية وتقاسم السلطة، فستنقل سورية موقفنا الى المعارضة وتحصل على دعمها لنا. وعندها يستطيع ممثلو الجميل والمعارض ةالاجتماع سوياً للتوصل الى اتفاق جديد.
وخلال حوار مورفي مع الاسد، ظل خدام يذكر مسألة اغتيال الرئيس كرامي، ولكنه اصر على انه لا يربط بينها وبين محادثات دمشق.
شعر مورفي بأنه احرز تقدماً، وقلت له انه اصبح يؤدي دور ساعي البريد الذي ينقل رسائل ذهاباً واياباً. فاذا كانت الولايات المتحدة مقتنعة بموقف ما فيجب عليها العمل على ترويجه. اما اذا لم تكن مقتنعة فيجب ان لا تتحرك. لذلك يجب على مورفي وكيلي التكلم معنا ومع باقي الاطراف اللبنانية للتوصل الى اتفاق مناسب ثم العمل على ترويجه في بيروت ودمشق. وقلت لمورفي انه لا يمكن ان يزور بيروت ودمشق مرة في السنة ويتوقع التوصل الى نتائج، ويجب ان يتوقع البقاء هنا لفترة اطول، والا فلن يحقق اي شيء. ووافق مورفي على كلامي، وقلت له: "حسناً، اخبر كيلي ان قواعد اللعبة تغيرت ولنعمل على هذا الاساس".
عند عودتي الى بيروت، اطلعت السفير كيلي على نتائج لقائي مع مورفي وكان كيلي تلقى لتوه تقريراً منه في شأن ذلك اللقاء، قال انه لم يوجد اي اختلاف بين ما قلته له انا وبين ما قرأه في تقرير مورفي عن اجتماعنا في باريس، غير ان دايفيد وين الذي شارك في لقاء باريس وسجل الوقائع، اضاف في التقرير الذي ارسله مورفي الى كيلي ان: "سالم كان يمشي في الغرفة جيئة وذهاباً ويداه في جيوبه، وكان يحاضر بانفعال عن كيفية مواصلة المرحلة التالية من المحادثات". واذا كنت فعلاً حاضرت فربما لأن مورفي كان سابقاً احد طلابي في كلية الدراسات الدولية العليا في جامعة جون هوبكنز. وبعد هذا اللقاء مع كيلي، التقى هو مع الحص والحسيني لصوغ موقف موحد.
عندما زرت وغسان تويني السفارة الاميركية لاحقاً، كان كيلي في حال يرثى لها. اذ عاد لتوه من بيروت الغربية ومسدسه جاهز في يده، وكان عصبياً للغاية. قال ان الكولونيل الاميركي هيغنز اختطف وانه نجا بنفسه بصعوبة. كان يعرف ان استلام منصب سفير في بيروت فيه الكثير من التحدي ولكنه لم يتوقع ان يكون "التحدي الى هذه الدرجة". قال كيلي ان افكار سليم الحص حيال المشاركة في السلطة لم تختلف عن افكارنا وان الحص يريد عملية ديناميكية لالغاء الطائفية من دون وضع مهلة زمنية. ولذلك لاحظ كيلي انه لا يوجد اختلاف كبير بين موقف الحص وموقفنا، واقترح علينا تحضير ورقة عن تقاسم السلطة والطائفية وارسالها الى مورفي.
وغضب الجميل من غلاسبي
شعر الجميل بالغضب الشديد، وقال: "لا استطيع الاستمرار على هذا النحو في ارسال وتلقي الرسائل من دون جدوى، بينما الوقت يمر وتنتهي فترة ولايتي في ايلول سبتمبر. يجب ان تكون هناك مهلة زمنية لانهاء محادثات دمشق، ويجب ان تنتهي هذه المحادثات في نيسان ابريل. انا لست مستعداً للتوقيع على اصلاحات واعطائها مباشرة لرئيس جمهورية جديد كي يقوم بتنفيذها. اريد شهرين او ثلاثة اشهر على الاقل كي اطبقها بنفسي. لماذا الانتظار؟". كان كيلي متفهماً لكلام رئيس الجمهورية واقترح ان يكون شهر حزيران يونيو المهلة الزمنية للتوصل الى اتفاق، وعرض ان ينقل استعجال رئيس الجمهورية التوصل الى نتائج الى شولتز الذي سيلتقيه خلال الايام القليلة المقبلة. وافقنا على اعطاء كيلي مذكرة في شأن تقاسم السلطة والغاء الطائفية لتأكيد المواقف التي اتخذتها في دمشق سابقاً. وهذه المواقف هي: السلطة التنفيذية بيد مجلس الوزراء، يتم عقد مجلس الوزراء في مكان مستقل على ان يرأس الاجتماع رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة في حال غيابه، تشكل الحكومة بالتعاون بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، تكون قيادة الجيش تحت امرة مجلس الوزراء، ويتم الغاء الطائفية تدريجياً.
اعددنا مذكرة في شأن هاتين المسألتين لارسالها الى شولتز كي يسلمها شخصياً الى الاسد. زار شولتز الشرق الاوسط بين 24 شباط فبراير و4 آذار مارس 1988 من اجل التمهيد لعملية سلام على اساس قراري مجلس الامن الرقم 242 و338. والتقى شولتز خلال هذه الزيارة مسؤولين سوريين ومصريين واردنيين واسرائيليين.
اطلعني دان سمبسون في 29 شباط فبراير على نتائج لقاء شولتز مع الاسد الذي تم قبل ذلك بيومين. قال ان شولتز قدم مذكرتنا الى الاسد على اساس ان الولايات المتحدة تبنتها كلياً، ورحب الاسد بالجهد الاميركي ووعد ببحث محتوى المذكرة التي ارسلناها مع مورفي. ووعد شولتز الاسد بأنه سيعمل من اجل اعادة مرتفعات الجولان الى سورية. ولم يتم اثناء اللقاء بحث مسألة اغتيال الرئيس كرامي.
وبينما كان شولتز يجول في المنطقة لدفع عملية السلام قدماً، كان السوريون يتشاورون مع المعارضة ويحضّرون رداً. وفي 6 آذار مارس 1988، أحضرت غلاسبي الرد وقالت: "هذه ورقة من المعارضة اللبنانية، ولكن وجهات النظر السورية موجودة ضمنها". اراد السوريون معرفة معنى الجزء المتعلق برئاسة رئيس الحكومة لمجلس الوزراء في حال غياب رئيس الجمهورية. وسألوا: هل هذا يعني انه يحتاج الى اذن من رئيس الجمهورية للقيام بذلك؟ وأجبنا بالنفي. وأراد السوريون التأكيد ان رئيس الجمهورية يرأس مجلس الوزراء ولكن لا يصوت اثناء الجلسات. وقلنا اننا موافقون على ذلك. كذلك طلبوا بأن يتم تطبيق القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء فوراً وأن لا تهمل وتقبع في ادراج مكاتب رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء. وقلنا ان ذلك شيء بديهي بالنسبة الينا. وأراد الحسيني ان يتشاور رئيس مجلس النواب واعضاء مكتبه مع باقي النواب في شأن تعيين رئيس للحكومة. لكننا قلنا اننا غير موافقين على ذلك. وقالت غلاسبي ان المعارضة متفقة معنا بأنه يجب انشاء هيئة لالغاء الطائفية من دون جدول زمني. وأضافت: "قلنا للسوريين اننا غيّرنا دورنا الآن، واننا معنيون بهذه العملية ووضعنا ثقلنا خلف هذه الورقة. كذلك يقول السوريون ان افكارهم ايضاً موجودة في الورقة المقدمة من قبل المعارضة، وهم يريدون التحرك بسرعة، ويريدون مني العودة الى دمشق بعد لقائي معكم".
اكدت موقفنا بأن قبولنا اية مبادئ متعلقة بمسألتي المشاركة في السلطة والغاء الطائفية سيكون فقط من خلال اتفاق شامل. واذا لم يتم اتفاق من هذا النوع فسنتخلى عن كل المواقف التي اتخذناها حيال اي مسألة. بدأ اللقاء بشكل سيئ بين الجميل وغلاسبي. كانت متأخرة وتعبة وعصبية، وكان الرئيس الجميل كذلك. وشعر بالضيق لأنها حضرت متأخرة وتوقع منها اعتذاراً. لكنها كانت في عجلة من امرها وبدأت الكلام مباشرة عن ورقة المعارضة والموقف السوري. ولصدمتي ودهشتي، انتزع الرئيس الورقة من يدها ووقع عليها بغضب شديد وقال: "ها هي الورقة، انا موافق على كل شيء. لكن السؤال المطروح الآن هو هل سيوقف ذلك الحرب؟". وعضت غلاسبي شفتيها، وشحب وجهها، ثم اخذت نفساً عميقاً وواصلت الكلام ببطء وحدة عن الورقة. حاولت ترطيب الاجواء كي يدور النقاش بشكل طبيعي. وقلت لرئيس الجمهورية بعد ذلك: "لم تتصرف جيداً، وفقدت السيطرة على اعصابك، وكدت تهدد العملية الوحيدة الجارية الآن". ووافق على كلامي، لكنه شعر بأنه عوض عن ذلك عندما امطر غلاسبي بالثناء لاحقاً. لكنه كان مخطئاً. وقال لي كيلي لاحقاً ان غلاسبي كانت مرهقة، خصوصاً انها امضت الايام الستة الماضية في التنقل بين بيروت ودمشق. وكان كيلي طلب مواكبة عسكرية سورية له ولغلاسبي الى بيروت الغربية. وكان المرافقون السوريون حريصيون على ارضائه، فقاموا باطلاق النار في الهواء ازعج غلاسبي وأرهق اعصابها بدلاً من ان يطمئنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.