نائب أمير مكة يتفقد العمل بصالات الحج    "قاع الحاج" بالعُلا.. استراحة الحجيج قديماً    "آبل" تخرج بعض إصلاحات "آيفون" من الضمان    "أبل" تدعم تطبيق البريد ب "الذكاء"    مقتل صاحب أول صورة ملونة لكوكب الأرض من الفضاء    بن نافل وناظر والمهيدب يقتربون    الهلال يعلن برنامج تحضيراته للموسم الجديد    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأردن    سوء التغذية يسبب اكتئاب ما بعد الولادة    الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    بيئة نجران تدشن اليوم العالمي للبيئة تحت شعار "أرضنا مستقبلنا"    تأهّل الحزم والنور والابتسام والصفا إلى نصف نهائي بطولة المملكة لكرة اليد الشاطئية للكبار    الجبير يرأس وفد المملكة المشارك في الحدث رفيع المستوى بشأن العمل من أجل المحيطات        100 ألف زائر في كرنفال القادسية الأسطوري    بعثة المنتخب السعودي تزور صالة مبادرة "طريق مكة" بباكستان    المملكة عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC) للفترة 2025-2027م    انطلاق الدورة العلمية الكبرى تحت عنوان "التوحيد في الحج"    الدفاع المدني ينفذ فرضية حريق بالعاصمة المقدسة    «هيئة النقل» تنفذ أكثر من 98 ألف عملية فحص حتى بداية شهر ذي الحجة    منصور ابو شهران في ذمة الله    ضيوف المليك: استضافتنا للحج امتداداً لأعمال المملكة الإنسانية    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    «الأرصاد» ينبه من شبورة مائية على محافظة ينيع ومركز الرايس    ضبط (3) مواطنين بالشرقية لترويجهم (5.5) كجم من مادة الحشيش المخدر    نائب رئيس جمهورية جامبيا يغادر المدينة المنورة    بتوجيه ومتابعة الأمير خالد بن سلمان.. «الدفاع» تنهي استعداداتها لدعم خطط الأجهزة الأمنية في الحج    الحكومة اليمنية تدين حملة اختطاف الحوثيين لعشرات الموظفين الأمميين    جامعة الملك خالد تتقدم 160 مركزًا في تصنيف QS العالمي للجامعات 2025م وتحقق المركز 601    بايدن يعتذر لزيلينسكي عن تعليق المساعدات الأمريكية 6 أشهر    البسامي يدشن مركز المراقبة على الطرق    «أرامكو»: 27.25 ريال سعر الطرح النهائي للأسهم للمكتتبين الأفراد    تطمينات "أوبك+" تصعد بالنفط    400 مشروع فني وتصميمي لطالبات كلية التصاميم بجامعة الإمام    «الأحوال»: منح الجنسية السعودية لشخصين.. وقرار وزاري بفقدانها لامرأة    فيصل بن مشعل يقدر لامين وأمانة القصيم جهودها في مدينة حجاج البر    «ميدل إيست آي»: مقترح «الهدنة» الإسرائيلي لا يتضمن إنهاء الحرب    حظر دخول أسطوانات الغاز للمشاعر المقدسة    المفتي: الحجّ دون تصريح "يأثم فاعله"    اليحيى يُراجع خدمات الحجاج بمطار المؤسس    زيادة مقاعد برنامج "طب الأطفال" بتجمع القصيم الصحي إلى 100 متدرب    المسحل يتحدث عن تأهل السعودية إلى المرحلة الثالثة من تصفيات كأس العالم    تقارير.. فيرمينو على أبواب الرحيل عن الأهلي    أغنيات الأسى    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    هل نجح الفراعنة في علاج سرطان المخ قبل 4 آلاف عام؟    وزير التعليم يرعى جائزة الفالح للتفوق العلمي والإبداع    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    وزير التعليم يتفقد القطاع التعليمي بمحافظة الزلفي    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعده الخبير الدولي المستقل بيرو وتلاه في جلسة مغلقة في جنيف . "الوسط" تحصل على التقرير السري لانتهاكات حقوق الانسان في السودان
نشر في الحياة يوم 08 - 03 - 1993

لا شيء أرخص من الحياة البشرية في مناطق واسعة من السودان
هكذا تجري عمليات القتل والاعدامات بالجملة ويتم التعذيب في "بيوت الاشباح"
وضع حق الحياة والحرية والامان للانسان في السودان يبعث على الذعر
حصلت "الوسط" على نص التقرير السري المتعلق بانتهاكات حقوق الانسان في السودان والذي قدمه واضعه الخبير الدولي المستقل الدكتور غاسبار بيرو خلال جلسة مغلقة اقتصرت على الاعضاء الاصليين في لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف يوم 24 شباط فبراير الماضي. ولم يسمح للدول التي تتمتع بوضع مراقب ولا للمنظمات غير الحكومية ولا للصحافة بحضور هذه الجلسة في مقر الامم المتحدة في جنيف. وامتنعت لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة عن توزيع هذا التقرير، الذي اصبح وثيقة رسمية من وثائقها، وشددت على "طابعه السري" في الصفحة الأولى منه. ويقع هذا التقرير في 25 صفحة وهو يتضمن معلومات دقيقة ومفصلة عن عمليات انتهاك حقوق الانسان وأعمال التعذيب والقتل والاعدامات الجماعية وكبت الحريات في السودان. وقد اعد هذا التقرير الخبير الدولي الدكتور كاسبار بيرو المجري الجنسية بطلب رسمي من لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، وبعد زيارة قام بها الى السودان ولقاءات عقدها هناك مع وزراء وشخصيات رسمية سودانية وكذلك مع شخصيات سودانية مختلفة ومواطنين سودانيين عانوا، او عانى اقاربهم، من ممارسات النظام في الخرطوم. وبعد ذلك قام الخبير الدولي بيرو بزيارة القاهرة ولندن حيث التقى شخصيات سودانية معارضة لنظام الرئيس عمر حسن البشير. "الوسط" تنشر في ما يأتي أبرز ما جاء في هذا التقرير السري الذي تحتفظ بنسخة رسمية كاملة منه تحمل شعار الامم المتحدة.
ليس هناك الآن شيء أرخص من الحياة البشرية في مناطق جغرافية واسعة من السودان. والسبب الرئيسي في ذلك هو الحرب الاهلية وما نجم عنها بالنسبة الى سكان مناطق تلك الحرب. يضاف الى ذلك القحط المتكرر وما يؤدي اليه من مجاعة وأمراض. وفوق ذلك هناك ظاهرة ربما كانت اخطر الظواهر على الاطلاق وهي تشريد الناس على نطاق هائل مما يمكن ان يؤدي في المدى البعيد الى تدمير الكيان التاريخي والاجتماعي للبلاد، وانتشار الفوضى العامة. ولهذا يجب النظر الى الادعاءات والتقارير المتصلة بالانتهاكات المركزية والاقليمية وجميع انواع التمييز التي يرد ذكرها وبحثها في هذا التقرير ضمن هذا الاطار. ففي بلاد يبلغ عدد سكانها حوالي ستة وعشرين مليون نسمة ومساحتها حوالي ثلث مساحة أوروبا، هناك الآن اكثر من مليوني نسمة اصبحوا مشردين بعيداً عن بيوتهم. وهؤلاء الناس، من رجال ونساء وأطفال، الذين يزداد عددهم يومياً يعيشون في الرمال والغبار. واذا ما استطاع بعضهم شراء بعض اقمشة الاكياس الكتانية والعصي لاقامة نوع من الكوخ فان السعادة تغمرهم. كما ان حياتهم تعتمد على وجود مساعدات الاغاثة من طعام وماء وأدوية في المكان الذي يوجدون فيه في لحظة او اخرى. فالمسألة مسألة حظ".
"القتل خارج القانون"
عن عمليات القتل في السودان "يقبل الخبير المستقل تعريف "منظمة العفو الدولية" لاصطلاح "القتل خارج اطار القانون والقضاء" الذي ينص في جوهره على ان هذا النوع من القتل غير قانوني وهو عبارة عن عمليات قتل متعمدة تقوم بها الحكومات او قوات اخرى تتصرف بموافقة الحكومات او باذعان منها. وهذا النوع من القتل الذي يمثل في الواقع عمليات منظمة للتخلص من الخصوم السياسيين الحقيقيين او المحتملين، يجب التمييز بينه وبين قتل المدنيين خلال الصراعات المسلحة، مثلاً اثناء هجوم الاطراف المتحاربة على مواقع بعضها البعض، وبين القتل العرضي او الخطأ. استمر ورود تقارير عن ممارسة القتل خارج اطار القانون في السودان بعد عام 1989 اي بعد وصول عمر حسن البشير الى السلطة في حزيران - يونيو - من ذلك العام. وفي هذا الصدد هناك تقارير عدة من مصادر موثوقة تتحدث عن الضحايا، افراداً وجماعات، نتيجة الجرائم المنظمة التي ترتكبها قوات الجيش النظامي أو الميليشيات الموالية للحكومة في السودان".
ويتضمن التقرير، بشكل مفصّل، اسماء وعدد المواطنين السودانيين الذين قتلوا على ايدي قوات نظامية سودانية او ميليشيات تابعة للحكومة السودانية، وذلك منذ تموز يوليو 1989.
اعدامات بالجملة
يتوقف التقرير السري عند قضية "الاعدامات الجماعية" في السودان ويقول في هذا الصدد: "ربما كانت اكثر حالة معروفة من الاعدامات بالجملة في السودان هي اعدام 28 من كبار ضباط الجيش في نيسان ابريل 1990 بعد اتهامهم بمحاولة تنظيم انقلاب. اذ ان جميع المصادر المستقلة التي اتصل بها الخبير المستقل تذكر الشيء نفسه: "استغرقت المحاكمة اقل من ساعتين ولم يسمح لأحد بالاستئناف، وتم تنفيذ الاحكام على الفور، وقد قتلوا جميعاً بدورة واحدة من نيران مدفع رشاش في المكان الذي دفنوا فيه جميعاً، والذي حفرته جرافة ثم طمرت التراب فوقهم. اما بالنسبة الى القبر الجماعي نفسه، اي مكان الاعدام، فهناك معلومات دقيقة بشكل عام، فهو يقع بين ام درمان وجبال سواكب باتجاه شرق - غرب على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات من السجن العسكري الواقع في شارع قراعي. وتؤكد جميع المصادر ان 96 جندياً اعدموا ايضاً في تلك المناسبة نفسها، ولكن اسماءهم غير معروفة" وقد حصل الخبير المستقل على معظم هذه المعلومات من اقارب الضباط واخواتهم وأراملهم حين اجتمع اليهم في الخرطوم في بهو فندق هيلتون بناء على طلبهم. وحتى لو لم تكن هذه المعلومات صحيحة، او لم تكن متطابقة تماماً مع الواقع فان هناك عدداً من الاسئلة لا يزال قائماً: لماذا لم يسمح للاقارب بدفن الجثث بعد الاعدام؟ اذا كانت السلطات هي التي دفنت الضباط ومنعت حضور الجمهور لأسباب امنية، فلماذا لم تبلغ الاقارب والعائلات بمكان القبر فيما بعد؟ لماذا لا تزال هذه القضية تثير حتى الآن اضطراباً سياسياً خطيراً، ثم لماذا لا تسمح السلطات حتى الآن للعائلات باحياء ذكرى اولئك الازواج والاخوة وما الى ذلك، حتى في بيوتها؟ اذ ان النساء اللواتي اجتمعن الى الخبير المستقل ابلغنه ان السلطات منعت العائلات عام 1992 حتى من التحضير لاحياء ذكرى القتلى. ولهذا فعندما قامت تظاهرة سلمية امام قصر الرئاسة في الخرطوم اعتقلت السلطات الكثير من النساء واحتجزتهن من دون محاكمة في سجن ام درمان للنساء، وكان بينهن امرأة مرضعة منعت من ارضاع طفلها، كذلك كان بين المعتقلات طفلة في الثامنة من عمرها.
وقد اثار الخبير المستقل هذه القضية اثناء اجتماعه مع اعضاء الجمعية الوطنية البرلمان الانتقالية الذين وعدوا بحل المسألة بطريقة انسانية وبالكف عن مضايقة العائلات".
بيوت الاشباح
يخصص الخبير الدولي المستقل حيزاً كبيراً من تقريره للاعتقالات التعسفية وعمليات تعذيب المعتقلين في السودان، كما يتحدث عن "بيوت الاشباح". وقد جاء في تقرير الخبير الدولي في هذا الشأن: "يمكن ان يكون موضوع الاعتقال التعسفي ومعاملة الاشخاص المعتقلين موضوع دراسة منفصلة، مثلما يمكن ان يكون موضوع الاجرام بشكل عام في السودان وتصنيف المعتقلين، وأثر الشائعات التي تدور في البلاد عن ممارسات التعذيب على الناس عموماً من الناحيتين النفسية والاجتماعية. ولهذا فانه ليس من امكانات هذا التقرير ان يشير بالتفصيل الى هذه المشكلات. كذلك ليس من اختصاص هذا التقرير ان يدرج كل حالة يرد ذكرها في هذا الاطار. الا انه يجب الاشارة، منذ البداية، الى ان جميع المسؤولين، والعاملين في مجال حقوق الانسان، او حتى المواطنين العاديين، الذين اجتمع اليهم الخبير المستقل في السودان، اضافة الى جميع الاشخاص الذين يعيشون في المنفى الذين يمثلون منظمات تعارض او تنافس النظام الحاكم في الخرطوم، او تحدثوا الى الخبير المستقل بصفتهم الشخصية، اكدوا ان القصص التي تتردد عن ممارسات التعذيب الرهيبة التي تمارس في ما يعرف باسم "بيوت الاشباح"، هي امر غريب على روح الشعب السوداني وتشكل تطوراً جديداً في حياة البلاد. وهذه القصص، سواء اكانت صحيحة أو غير صحيحة، تتردد في البلاد وتخلق جواً خاصاً من الخوف والرعب في اوساط المجتمع. وبالطبع فان التفسيرات تختلف تبعاً للطرف الذي يتحدث. فمصادر الحكومة السودانية تنفي نفياً قاطعاً تلك الاتهامات وتؤكد ان هذه القصص والروايات هي ببساطة كذب من تلفيق المنفيين السياسيين ووسائل الاعلام الغربية بهدف التشهير بالحكومة السودانية.
سيحاول الخبير المستقل، ان يعطي تصنيفاً مبدئياً للاشخاص المعتقلين استناداً الى المعلومات المباشرة لديه، وسيعتمد على افادتين زوده بهما اشخاص يقولون انهم تعرضوا للتعذيب في "بيوت الاشباح" خلال عام 1992. والحالتان تشتملات على جميع عناصر هذا الجزء من التقرير.
الفئة الاولى من المعتقلين تتألف من اناس جانحين ارتكبوا جرائم عامة مما يعني انها جرائم لا تتصل بأية امور سياسية او امنية او دينية او امور اخرى يمكن اعتبارها ذات اتصال بالضمير. وقد وجد الخبير المستقل بعد زيارة سجن كوبر في الخرطوم وسجن المدينة في جوبا ان عدد المعتقلين الذين يندرجون تحت هذه الفئة في السودان صغير جداً بالمقارنة مع الدول الاخرى، ولا بد من التأكيد ان هذا مجرد تقييم، لانه على رغم طلب الخبير المستقل احصاءات عن عدد السجناء والجرائم في السودان فإنه لم يتلق اية معلومات من هذا القبيل.
الفئة الثانية من المعتقلين هي السجناء السياسيون الذين يحتجزون في اماكن الاعتقال الرسمية والاماكن الاخرى المعروفة لدى الناس مثل تلك التي تديرها قوات الامن والسجون العسكرية المختلفة في الخرطوم. اما في جوبا فقد اكدت السلطات انه ليس هناك سجناء سياسيون وقالت ان المعتقلين ينقلون الى الخرطوم بعد اعتقالهم.
عمليات التعذيب
الفئة الثالثة من المعتقلين هم الذين يحتجزون في ما يعرف باسم "بيوت الاشباح"، وهي في الواقع مراكز اعتقال غير مشروعة، لانه لا يرد ذكر لها في اية تعليمات قانونية، وهذا امر مفهوم، لان الحكومة السودانية تستمر في نفي وجودها بقوة. وقد بدأت عادة احتجاز الناس في "بيوت الاشباح" في عام 1989. الا ان اعداد المحتجزين فيها اخذ يزداد منذ عام 1992. وقد ابلغت مصادر موثوقة في الخرطوم الخبير المستقل انه تم احتجاز 480 شخصاً بصفة غير قانونية في حوالي 42 بيتاً من "بيوت الاشباح" في مختلف انحاء العاصمة قبل وصوله اليها بيومين. وذكرت المصادر نفسها ان هناك اعتقاداً بأن ثلاثة من اولئك المعتقلين قتلوا، وان احدهم هو اللواء كاميلو اودونغو.
وقد التقى الخبير المستقل شخصياً في القاهرة ولندن مع اثني عشر سجيناً كانوا اعتقلوا في "بيوت الاشباح" بعد عام 1989. وكان اثنان من هؤلاء، وهما زين العابدين الطيب عثمان طالب في الثانية والعشرين من العمر، ومحمد ابو القاسم موظف مكتبي في التاسعة والعشرين من عمره بين الذين اعتقلوا خلال عام 1992. و"بيوت الاشباح" موجودة في الاقاليم اضافة الى الخرطوم. اذ ان زين العابدين الطيب عثمان ظل محتجزاً لمدة 12 يوماً اعتباراً من 2 كانون الثاني يناير 1992 في مدينة صنّار. كذلك شاهد الخبير المستقل على اجسام الذين تحدث اليهم آثاراً لجروح نجمت على الارجح من احراق اعقاب السجائر او عن قضبان حديدية.
وقابل الخبير المستقل في لندن عبدالباقي عبدالحفيظ الراية، وهو محام في السابعة والثلاثين من عمره، تشير اليه سجلات الحكومة السودانية بما يلي: "حقيقة هذه القضية هي ان الشخص المذكور اعلاه كان يعاني من مرض السرطان، كما ان رجله بترت في عملية جراحية جرت في انجلترا. وقد اعترف في ما بعد بأن المعارضة اجبرته على الكذب". وفي 30 تشرين الثاني نوفمبر 1992 التقى الخبير المستقل بعبدالباقي الراية، الذي قدم شهادات طبية من مستشفى في بريطانيا تشير الى ان قطع رجله اليسرى من الركبة كان نتيجة مشكلات في الانسجة. واخبر الراية الخبير المستقل انه اجبر خلال فترة اعتقاله في بيت الاشباح للمرة الثانية، اعتباراً من الثامن من كانون الاول ديسمبر 1989، على البقاء لمدة حوالي ثلاث ساعات يومياً ولمدة ثلاثة ايام في برميل من الثلج. وبعد اطلاق سراحه ادخل المستشفى في الخرطوم اولاً ثم في القاهرة واخيراً في بريطانيا حيث قطعت رجله.
واكد الضحايا الاثنا عشر الذين التقوا مع الخبير المستقل، الممارسات نفسها واساليب التعذيب النفسي والجسدي نفسها، والمعاملة المهينة غير الانسانية التي عانوا منها في "بيوت الاشباح"، وهي ممارسات ترد جميعها بصورة عامة في تقارير المنظمات الدولية غير الحكومية. وفي الافادة التالية ما يشير الى جميع العناصر التي تتميز بها تلك الممارسات.
وهناك بعض الجوانب المشتركة التي يجب التركيز عليها في هذا الشأن: كانت الممارسة العامة منذ عام 1989 اي منذ وصول البشير الى الحكم هي احتجاز الاشخاص الذين يعتبرون عنصر تهديد للنظام، في البداية في "بيوت الاشباح" او معتقل تحت رعاية قوات الامن. وبعد فترة قد تقصر او تطول ينقلون الى سجن مدني لقضاء مدة حكم معينة لا يعرفون طولها احياناً. وهناك نموذجان على ذلك وهما قضية الدكتور عمر نورالدايم الامين العام لحزب الامة، الذي قابله الخبير المستقل في لندن، واحمد عثمان سراج، وهو طبيب وسياسي ونقابي معروف التقاه الخبير المستقل في الخرطوم. اذ اعتقل الدكتور نورالدايم للمرة الثانية بين 10 تشرين الثاني نوفمبر 1990 والاول من ايار مايو 1991. ولم يكن هناك اية مذكرة باعتقاله، كما انه لم تجرِ له اية محاكمة ولم يصدر بحقه اي حكم. وكما قال: "لم يسألوني حتى عن اسمي". اما بالنسبة الى الدكتور سراج فقد حكم عليه بعد اعتقاله للمرة الثانية في ايلول سبتمبر 1990 بالسجن لمدة 15 عاماً. وبعدئذ خفض الحكم الى عشر سنوات ثم اطلق سراحه في نهاية الامر في عام 1992. وقد تم ابلاغه بالحكم في كانون الاول ديسمبر 1991. ولكنه بقي رهن الاعتقال تحت رعاية قوات الامن وفي سجون مدنية مختلفة. اما الدكتور الدايم فقد اعتقل في سجون مدنية وفي "بيوت الاشباح" ايضاً.
وكملاحظة اخيرة عامة بالنسبة الى "بيوت الاشباح" يستطيع الخبير المستقل ان يؤكد انها تمثل احدى الحالات التي وصفها بأنها "ميؤوس منها". وبينما تنفي الحكومة السودانية وجود هذه "البيوت" فإن التقارير التي تتحدث عن وجودها وممارساتها لم تتوقف منذ حزيران يونيو 1989، كما ان عددها في ازدياد مضطرد. وحتى في اطار التشريعات الخاصة التي يسري مفعولها الآن في البلاد تعتبر "بيوت الاشباح" خارجة كلياً على القانون الجنائي لعام 1991. ولذا فإن من واجب الحكومة السودانية ان تدين علانية هذه الممارسات وان تتنصل منها وان تحدد المسؤولين عنها".
طرد 731 صحافياً
ويتطرق تقرير الخبير المستقل الى قضية كبت حرية الرأي في السودان، فينقل عن مصادر سودانية معارضة في القاهرة قولها انه منذ وصول عمر حسن البشير الى الحكم في حزيران يونيو 1989، تم طرد 731 صحافياً من وظائفهم في مختلف وسائل الاعلام وذلك "لاسباب سياسية". وبين هؤلاء 130 يعملون في التلفزيون. ويؤكد الخبير المستقل ان جميع وسائل الاعلام خاضعة لاشراف السلطات السودانية ورقابتها المشددة، ويقول انه سمع عن وجود خمس نشرات سرية في السودان لكنه لم يطلعپعلى اي منها.
الوضع يبعث على الذعر
يلخص الخبير الدولي المستقل في نهاية تقريره هذا انطباعاته وملاحظاته عن الوضع في السودان في النقاط الآتية:
يرى الخبير المستقل ان الوضع بالنسبة الى حق الحياة والحرية والامان للانسان في السودان، يبعث على الذعر. وهناك مجال كبير للاصلاح والتحسين ايضاً في عدد من المجالات.
يشعر الخبير المستقل ان كبار المسؤولين السودانيين الذين اجتمع بهم في السودان قلقون من سجل بلادهم في مجال حقوق الانسان. الا ان هناك فجوة هائلة بين الاهداف والمواقف والمشاعر وبين الواقع. ولذا يجب سد هذه الفجوة بأسرع ما يمكن. وفي وسع الحكومة السودانية ان تثبت، جدية اهتمامها باتخاذ اجراءات عاجلة، لا سيما في المجالات الآتية: التحقيق بصورة شاملة في الاتهامات المتعلقة بالقتل خارج اطار القضاء والقانون، والاعدامات بالجملة ومن دون محاكمة، والاعتقالات التعسفية، والمعاملة الوحشية غير الانسانية التي يتعرض لها المعتقلون. كما يجب على الحكومة السودانية ان تثبت بصورة مقنعة انه لا علاقة لها اطلاقاً بالاعتقالات العشوائية والتعسفية واحتجازهم المعتقلين في اماكن سرية غير مشروعة، واخضاعهم للتعذيب. لهذا ينبغي على الحكومة السودانية ان تجري تحقيقاً شاملاً للتعرف على المسؤولين وتقديمهم الى المحاكمة وضمان عدم تكرار هذه الممارسات في المستقبل. كذلك يجب اتخاذ اجراءات عاجلة في ما يتعلق بإعادة توطين سكان جبال النوبة، ويجب عليها ايضاً اتخاذ الخطوات اللازمة لمساعدة العائلات المشردة على جمع شملها.
يجب على الامم المتحدة ان تكون مستعدة لتقديم المساعدات الفنية اللازمة عند طلبها في حالات عدة، مثل: صياغة قوانين حقوق الانسان وتطبيقها، او مراقبة حالات معينة، مثل حالات في منطقة النوبة.
واخيراً يرى الخبير المحايد ان من المستحسن ان تواصل لجنة حقوق الانسان مراقبة وضع حقوق الانسان في السودان من خلال وسائل ناجعة وفي جو من الثقة المتبادلة والاحترام المتبادل، وان تطلب تعاون الحكومة السودانية معها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.