ما هو مستقبل "أسرة الدول المستقلة" او "الكومنولث" الذي تشكل في اعقاب انهيار ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي؟ هذا السؤال طرحته "الوسط" على الدكتور مراد غالب وزير الخارجية المصري الاسبق، الذي كان ايضاً سفيراً لمصر في موسكو لسنوات عدة في حقبة الستينات، وهو يرأس حالياً منظمة تضامن الشعوب الافروآسيوية. يرى الدكتور مراد غالب انه من الضروري اولاً تحديد الجهة او الجهات المستفيدة من تفكك الاتحاد السوفياتي الى دول مستقلة، ويلاحظ ان الغرب، وعلى رأسه الولاياتالمتحدة، لم يكن يخفي بتاتاً سعيه الى تفكيك المسكر الاشتراكي الذي كان يقوده الاتحاد السوفياتي، فالرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان قال غير مرة انه يعتبر ان الاتحاد السوفياتي امبراطورية للشر ينبغي ان تتحطم. واذا لم يكن انهيار الكتلة الاشتراكية تم بفعل مخطط غربي، فاننا لا نستطيع ان نتجاهل سعادة الغرب بما حدث، ومع ذلك يبقى ان ندرك ان سعادة الغرب هذه يشوبها الحذر، فالتطورات على الرغم من سرعتها لم تحدد بعد مآل امور خطيرة عدة في مقدمتها كيفية السيطرة على الرؤوس النووية التي يتراوح عددها بين 25 و30 ألفاً، والانتشار المحتمل للسلاح الذري افقياً من خلال سيطرة كل جمهورية على ما لديها من امكانات ذرية بعد ان كانت موسكو تحتكر وحدها هذه السيطرة، وايضاً من خلال تسرب المعلومات المتعلقة بالتقدم النووي عبر انفتاح باب الهجرة امام العلماء الذريين الى مختلف دول العالم. والمشكلة هنا ان كثيراً من دول العالم الثالث ستحاول جذب هؤلاء العلماء بكل الوسائل لمساعدتها في صناعة قنابل نووية. * ولكن ماذا عن مستقبل هذا الكيان الجديد سياسياً واقتصادياً؟ - الكومنولث الجديد ضم في البداية الجمهوريات السلافية روسيا وأوكرانيا وبيلوروسيا، وهذه يجمعها انسجام معين، وعندما بدأت ملامح انهيار الاتحاد السوفياتي تلوح في الافق كان هناك خوف من ان تعلن اوكرانيا استقلالها التام اسوة بدول البلطيق الثلاث، فحيث ان دعا بوريس يلتسين رئيس جمهورية روسيا الى انشاء كومنولث من جمهوريته واوكرانياوروسيا البيضاء التي انضمت اليه بعد ذلك جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية الست: اوزبكستان وقرغيزيا واذربيجان وطاجكستان وتركمنستان وكازاخستان، وهذه الدول مقسمة عرقياً الى فرعين رئيسيين: التركمان والفرس، وتجمعها الثقافة الاسلامية، وهكذا بدأ يجتاح هذه المنطقة تيارانا اساسيان: تيار مذهبي - قومي تمثله ايران، وآخر قومي - مذهبي تمثله تركيا، والواقع ان جميع المشاريع الاقتصادية في هذه الدول نشأت من خلال تكامل جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق جميعها مع دور اكبر لجمهورية روسيا باعتبارها الاكثر غنى وتقدماً. وخلال زيارة قمت بها الشهر الماضي الى طاجكستان لمست مدى سعادة هذه الجمهوريات الاسلامية بحصولها على الاستقلال وحرية الدين والعقيدة. ولكن هذه الجمهوريات في حيرة من امرها بعد سنوات طويلة من الاعتماد على مركز كيانها السابق. الآن لا يوجد في اي من هذه الجمهوريات بنك مركزي ولذلك لا يزال الروبل هو العملة المتداولة هناك، ولا يوجد في اي منها بنك تجاري يشرف على التجارة الخارجية وعمليات التصدير، وبالتالي فهناك صعوبة تواجه كل جمهورية في تأكيد استقلالها التام. * هل يعني هذا ان هذه الجمهوريات ستستبدل على الاقل في الوقت الراهن تبعيتها لموسكو بعلاقات شبه تبعية بدول اخرى؟ - هذا وارد، ويتجلى في تحرك كل من تركياوايران السريع نحو هذه الجمهوريات الاسلامية بغرض ملء الفراغ الذي خلفه انهيار الاتحاد السوفياتي. مثلاً تركمنستان واوزبكستان ارتبطتا باتفاقات صداقة مع تركيا، واذربيجان تتطلع ايضاً الى تركيا، استناداً الى عوامل تاريخية ودينية والى سهولة الاتصال بين هذه الجمهوريات والدول التي تحيط بها جغرافياً وفي مقدمتها ايرانوتركيا وافغانستان وهذه الاخيرة تعاني منذ سنوات من اضطراب واضح في اوضاعها الداخلية، والحكومة في كابول فقدت قدراً كبيراً من تماسكها بعد ان توقفت الامدادات العسكرية والاقتصادية التي كانت تصل اليها بانتظام من موسكو. وهنا نسأل: هل ستتحول هذه المنطقة الى وحدات دينية قومية؟ عموماً هناك اتجاه بين قادة جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية لعقد مؤتمر يضمهم بهدف البحث في توجهاتهم المستقبلية، على رغم اختيارهم الانضمام الى الكومنولث الروسي. والمثير للدهشة ان هذه الدول سبق لها ان رفضت اقتراح غورباتشوف منحها الاستقلال على ان تظل موسكو بشكل او بآخر مركزاً لعلاقات هذه الدول، الخارجية والاقتصادية والعسكرية، ويبدو ان هذه الجمهوريات كانت تدرك ان الغرب ومعه الولاياتالمتحدة لن يسمح لغورباتشوف بالاحتفاظ بقوة مركزية حتى ولو كانت تضم دولاً مستقلة. * ولكن لماذا لم تعترف الولاياتالمتحدة حتى الآن باستقلال بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق؟ - ما حدث هو ان اميركا اعترفت باستقلال الجمهوريات التي تشكل قوى رئيسية ضمن الاتحاد السوفياتي السابق، وعلقت اعترافها بالجمهوريات الاخرى الاقل قوة بأن اكتفت بوضعها في الوقت الراهن تحت الاختبار. * هل يمكن ان تذكر لنا التحديات التي ترى ان من شأنها صوغ مستقبل رابطة الدول المستقلة التي تشكلت في اعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق؟ - الديانة المسيحية في القسم الاول من هذا الكومنولث انطلقت اساساً من مدينة كييف في اوكرانيا الى موسكو في روسيا. ونسأل الآن هل ستحاول اوكرانيا استعادة مركزها الديني السابق؟ والعامل الديني ليس وحده المرشح لتفجير الصراع بين اكبر جمهوريتين في هذا الكيان الجديد، هناك ايضاً الخلافات التي بدأت تبرز اخيراً على السطح حول كيفية السيطرة على الترسانة العسكرية الضخمة التي خلفها الجيش السوفياتي السابق وراءه، وعناصر الحرب الاهلية بين اطراف هذا التجمع موجودة وأخطرها الناحية الاقتصادية واحتمال حدوث مجاعة.