جولة أمير جازان ترسم ملامح المستقبل والتنمية في فيفاء والعيدابي    مطارات المملكة.. تنافسية في خدمات المسافرين    تطبيق «كود مشاريع البنية التحتية» بالرياض 7 أغسطس    «اللوري الأحمر».. مركبة سكنت الذاكرة الخليجية    الإسناد نموذج تشاركي يعزز جودة الخدمات    21.827 سجلا تجاريا لبيع القهوة    تداول يفقد 137 نقطة    السعودي محمد آل نصفان يحقّق إنجازاً تاريخياً في الاسكواش العالمي    العربية في الرياض: رمزية الحدث وأبعاد التحول    المَملكة ترفُض المَساس بأمن ووحدة سُورية    ميلان يتعاقد مع المدافع الإكوادوري إستوبينان    أمير الإنسانية والعطاء    السوبر بدون طعم    جمعية اللاعبين القدامى بالشرقية تكرّم المدرب الوطني حمد الخاتم    قوميز يستأنف تدريبات الفتح ويُطلق أولى ودياته المحلية لرفع الجاهزية    الأهلي يعوض غياب الهلال عن السوبر    عراقجي: لن نتخلى عن تخصيب اليورانيوم    نبض العُلا    «السينما.. فن المكان» شعار مؤتمر النقد السينمائي    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    القبض على مصري في جدة لترويجه مادة الحشيش المخدر    الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي لكسر حصار غزة    ليلة بنكهة الإحساس في موسم جدة    الاتحاد يفتح باب الترشح لرئاسة وعضوية مجلس إدارته للدورة الجديدة    أمريكا تستهدف الحوثيين بعقوبات جديدة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل رئيس ووكلاء جامعة جازان    عملية نادرة في مستشفى الملك سلمان تعيد النور لمريضة تجاوزت 111 عامًا    أمير القصيم يدشّن مشاريع بلدية بمحافظة البكيرية ب 140 مليون ريالا    فيصل بن مشعل يرعى توقيع اتفاقية دعم "أهالي البكيرية الوقفية" لبرنامج المدينة الصحية    أمير حائل يستقبل استشاري تبرع بجزء من كبده لطفلة مريضة    البيئة تعلن تمديد مهلة الحصول على رخص استخدام مياه الآبار لمدة عام    السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    أكثر من 7 آلاف طفلٍ استفادوا من مركز ضيافة الأطفال في المسجد النبوي    'الحياة الفطرية' توضح حقيقة ظهور قرود البابون في الرياض    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في اليوم العالمي للعلاقات العامة 2025 م        الجمعية للثقافة والفنون بالشمالية تنظم مسرحية 'الراعي' بعرعر يوم الأربعاء    حرارة مرتفعة في الرياض والشرقية و رياح على معظم المناطق    أمير نجران يثمّن جهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    أمانة منطقة الباحة تطلق مبادرة "التنشيط السياحي" لتعزيز الحراك السياحي والاقتصادي في صيف 2025    أمير القصيم يدشن مشروعين خيريين في البكيرية بتكلفة 10.5 ملايين ريال    تقنية تحسن عمى الألوان    الوحدة ليست وباء بل تجربة إنسانية    تحركات صينية لعقد لقاء ثلاثي.. الكرملين: لا نستبعد قمة بين بوتين وترامب في بكين    "واتساب" يدخل الإعلانات لحسابات المستخدمين    أكدت أن أمانات المناطق ترصد المخالفات.. "البلديات والإسكان": 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية ل»الاستثمار»    10 ملايين زائر للمواقع والفعاليات الثقافية في 2024    فيلم «الشاطر» يتجاوز ال 15 مليون جنيه خلال 4 أيام    بدء التقديم على مقاعد دراسة التمريض في البحرين    دعوا لوقف فوري للحرب.. 25 دولة تستنكر قتل المدنيين الفلسطينيين    المفتي يطلع على أعمال جمعية البر    أكاديمية الإعلام السعودية تقيم اللقاء الافتتاحي لمسار "قادة الإعلام"    رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    محامية تعتدي على زملائها ب" الأسنان"    مليون ريال غرامات بحق 8 صيدليات مخالفة    أكد رفع التنفس الاصطناعي خلال 4 أيام.. الربيعة: استقرار حالة التوأم "يارا ولارا" بعد عملية الفصل    «تطوير المدينة» تُنفّذ 16 مبادرة لخدمة ضيوف الرحمن    1.9 مليون مصلٍ في روضة المسجد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياسيون ورجال اعمال لم يدركوا ان الاقتصاد المتطور يحتاج الى مجتمع متقدم . سباق محموم بين الدول ... لبناء الاقتصادات المتقدمة
نشر في الحياة يوم 20 - 01 - 2011


الثروة واقتصاد المعرفة
تأليف: ألفين توفلر وَهايدي توفلر
ترجمة: الدكتور محمد زياد يحيى كبّة / أستاذ بجامعة الملك سعود
هذا الكتاب من سلسلة إصدارات"برنامج مجتمع المعرفة"
بجامعة الملك سعود 1429ه - 2008.
هذا الكتاب
يبحث في صنع الثروة، في الاقتصاد القائم أساساً على المعرفة العلميّة والبحث العلمي، ونظراً إلى أهميّة الموضوع فإن"برنامج مجتمع المعرفة"بجامعة الملك سعود"وبالتعاون مع صحيفة"الحياة"يقوم بنشر ملخّص موجز لهذا الكتاب، تعميماً للمعرفة.
يذكر أن هذا الكتاب فاز بجائزة أفضل كتاب أجنبي في فرنسا. إذ يحفل بالأفكار الجديدة، ويقدّم للقرّاء أدواتٍ جديدة وفعالة، تساعدهم على التفكير في مستقبلهم والإعداد له.
يؤكد المؤلفان"ألفين توفلر وَ هايدي توفلر"لكتاب"الثروة واقتصاد المعرفة"ترجمه الدكتور محمد زياد يحيي كبّة أن نظام الثروة الثورية يقوم على ثلاثة أسس عميقة، الزمان، والمكان، والمعرفة. لذا فإن البلاد ذات الاقتصاديات السياسية، والمتصفة بالتقدم، هي: أميركا، واليابان، والصين، والاتحاد الأوروبي، وهي مقدمة على أزمة لا ترغب فيها، فهذه الأزمة كفيلة بأن تضع حداً للتقدم الاقتصادي في المستقبل.
وهذه الأزمة المحدقة هي نتيجة مباشرة لغياب التزامن، ليس في الأداء فحسب، بل في مقومات الاقتصاد كافة، وكل ما يتعلق به، في مختلف المجالات.
إن سائر دول العالم اليوم تكافح بسرعات مختلفة من أجل بناء اقتصاديات متقدمة، لكن ما عجز عن فهمه معظم الزعماء والقادة المدنيين والسياسيين ورجال الأعمال حقيقة بسيطة، هي أن الاقتصاد المتقدم يحتاج إلى مجتمع متقدم ، ويظهر مدى التقدم من خلال المؤسسات في المجتمع في أدائها، فإن لم يكن المجتمع متقدماً من خلال مؤسساته، فلا يتوقع التقدم في الاقتصاد، مهما توافر له من الأدوات، والوسائل.
في كل شركة أو مؤسسة يمكن أن يلغي التزامن بين الأقسام، والوظائف، والمستويات الهرمية، والدوائر الإقليمية، أما نقطة الانهيار فغالباً ما تكون الثقافة.
ومما يوضح ذلك، إنه عندما تسلم مدير تنفيذي جديد إدارة شركة سيمنس نكسدورف Siemens Nixdorf قبل سنوات عدة، وصفته الفاينا نشال تاميز بأنه أكثر قلقا بشأن الزمن/الوقت من قلقه على الدولارات، فشركة سيمنس الألمانية ضمت إليها نكسدورف، وهي شركة حاسبات شخصية لكي تكمل أعمالها الخاصة بالحاسوب، وعرف هذا المدير التنفيذي أن جزءاً من الشركة يحتاج إلى تغيير تقني كبير كل 6 أشهر، لكن الشركة الأم سيمنس كانت أقدم، وأكثر طبقية، بل قل كانت روتينية في أدائها، بطيئة الاستجابة، فلا يتزامن أداؤها مع متطلبات العمل، وقال المدير التنفيذي في مؤتمر صحافي: إن تغيير منتج شيء ممكن، ولكن تغيير عقلية الشركة يستغرق عادة من ثلاث إلى خمس سنوات، وهذا ما لا نملكه. وبذلك يمكننا فهم أن الاقتصاد المتقدم يحتاج إلى مجتمع متقدم أي مؤهل لأن يقوم باقتصاد متقدم، الوقت فيه عنصر أساس، فهو يعتمد على السرعة في الأداء، والهدف أن يتحقق الإنجاز المطلوب في الوقت المطلوب.
إن نظام الثروة الجديد أحدث تحولات كبيرة، وبخاصة في الوقت، فنحن اليوم ننتقل من الوقت الجماعي إلى الوقت الفردي أو الشخصي، ومن أسواق المنتجات الجماعية إلى المنتجات الشخصية في وقت واحد، والمطلوب أن يتزامن الإنتاج مع الطلب.
وانعكست هذه التحولات في حياة الأسرة، فالحاجز بين وقت العمل ووقت الأسرة أخذ يذوب مع البرامج الزمنية الثابتة، ولم تعد حياة الأسرة منتظمة زمنياً، كما كان في العصر الصناعي الموجة الثانية إن نظام الثروة الجديد لا يتسارع فحسب، بل إنه يدخل قدراً أكبر من عدم التنظيم في علاقاتنا بالوقت، بسبب التغيير والتطور المستمر، وهو بهذا يحرر الفرد من جمود العصر الصناعي ورتابته، التي تشبه حياة السجون، لكنه يزيد من عدم القدرة على قراءة المستقبل، فيتطلب أساساً في طريقة تنسيق العلاقات الشخصية ووضع الثروة، وممارسة الأعمال، ففي ظل هذا النظام يعد الوقت منتظماً، فالسرعة وعدم انتظام الوقت سمة أساس لهذا النظام، تبعاً للمتطلبات المستمرة المتسارعة، بل والمتطورة في حياة الإنسان في كل المجالات، وعلى كل المستويات، فالخدمات والأعمال عامة - بالضرورة - أخذت صفة التطور المستمر من دون توقف، فليس ثمة فرصة بين الطلب والإنتاج والاستهلاك، هذا عصر السرعة، فالأوقات وإيقاعات الحياة تزداد تعقيداً وتفرقاً.
وبذلك فإن الانتقال نحو الاستمرارية واضح جداً في عالم المال خاصة، وساعد على ذلك التطور التقني الحديث، فشبكات الاتصال الإلكترونية تسمح- مثلاً- بإجراء عمليات بيع وشراء الأسهم بعد أوقات دوام الأسواق، وكذلك الأعمال التجارية الأخرى، فنظم التجارة في المستقبل لن تعرف النوم، وهنا يلاحظ انتشار فكرة ال24 ساعة في اليوم على مدار الأسبوع، بل على مدار السنة كلها، كما هو حاصل اليوم في كثير من الأعمال والمصالح، كالأسواق التجارية التي تفتح أبوابها على مدار الساعة 24-24ساعة، كأسواق ماروتسو Maretsu وأيون ماكس فاليو Aeon MaxValue في اليابان.
وفي كل ذلك يشكل التزامن في بيئة العمل والمواعيد عنصراً أساساً في نظام الثروة الجديد، بل هو أحد أسسها العميقة الثلاثة.
ومما ينبغي ملاحظته أن عدم انتظام الوقت في هذا العصر يقصد به عدم الرتابة والفصل بين أوقات العمل وميادينه التقليدية فكل ذلك صار اليوم غير ملائم، فالوقت بالنسبة للأعمال صار مفتوحاً مستمراً.
ولم يعد النشاط الاقتصادي حكراً على أماكن الثروة الباطنية، والأراضي الصالحة للزراعة، وطرق التجارة العالمية التقليدية، بل أصبح الاقتصاد معرفياً، يعتمد على معطيات البحث العلمي، فبدأ يتحول اليوم إلى النظام الرقمي، فمصادر الثروة في هذا العصر هي الجامعات ومراكز البحث العلمي، ومراكز نظم المعلومات، ومجالات حركتها وآليتها شبكة الثورة الرقمية، التي جعلت عالم اليوم، كما يردد الناس كثيراً قرية صغيرة.
مدى تحرك الثروة:
تتحرك الثروة - بمختلف أشكالها - على مدى قطاعات الاقتصاد المختلفة، وأخذ مداها يتسع، بحكم التطور الذي يحصل في هذا العصر، وهذا الاتساع أصبح أمراً ضرورياً، وهو ما نشهده بصورة فعلية فيما يحتاج إليه اقتصاد أي دولة من استيراد مواد أولية أو حتى تقنية مصنعة، تستوردها من دول عدة، لإنتاج مادة أو بضاعة ما، ثم يتبعها إلى دول أخرى.
مطالبة بتجاوز التفكير السابق... لفهم ل"ثروة المعرفة"
ما يحتاج إليه تحقيق ثروة المستقبل، في شكلها الثوري هو أن يتجاوز خبراء الاقتصاد اليوم منهج التفكير الاقتصادي السابق/ القديم، ليفهموا طبيعة الثروة الثورية، وأثرها التحويلي في موجتها الثالثة، فهم في مواجهة نظام ثروة جديد، لا يعتمد على الموارد التقليدية أو النادرة، ولا على الأصول المعرفية للإدارة أو النظريات الاقتصادية في العصر الصناعي، فكل ذلك صار اليوم معلومات قديمة بالية، لا تتوافق مع روح العصر، وإنما يعتمد نظام الثروة الجديد على المعرفة، فهي أحد أسسه العميقة. والمعرفة هنا لا تعني اكتساب معلومات في علم الاقتصاد وتخزينها، بل المعرفة التي يقوم عليها نظام الثروة الجديد"هي المعرفة القائمة على التجربة والملاحظة، والمقارنة بين الظواهر بأسبابها ونتائجها، انطلاقاً من أن ما نعرفه اليوم سيصبح غداً معلومات قديمة/بالية. فالمعرفة التي يقتضيها هذا العصر ويقوم عليها نظام الثروة الجديد هي التي تتسم بالتجدد المتطور، وليس المعرفة التراكمية التي تقوم على اكتساب المعلومات وتخزينها أو حفظها. ومعنى ذلك أن المعرفة المطلوبة في عصرنا هذا هي عملية بحث واكتشاف، تعتمد على العلم، بل هي تتمثل اليوم بالبحث العلمي المتطور باستمرار، في جوانب حياة المجتمع الإنساني كافة، الاجتماعية والثقافية والعلمية والسياسية والدينية، وهذه الجوانب هي مكونات نظام أكبر وأشمل، ونظام الثروة الجديد - كما سبق - هو أحد هذه المكونات، فتتفاعل مجتمعة في إطار نظامها الكلي وذلك بحكم العلاقات والروابط في ما بينها. والمسألة هنا تتركز على أثر المعرفة في فهم ذلك وما ينتج منه من متغيرات.
ولعل ذلك فما يفسر استدعاء الاقتصاديين لعلماء النفس، والأنثروبولوجيا، والاجتماع، ومن ثمّ فُتحت فروع جديدة في الاقتصاد، مثل الاقتصاد السلوكي، والاقتصاد العصبي، وغير ذلك من الاختصاصات الفرعية الأخرى.
وهذا من جهة أخرى مما يلفت إلى أن المشكلات الاقتصادية لا تعالج جزئياً، بل ينبغي أن تعالج بنظرة كلية تشمل كل أجزاء المشكلة، بما في ذلك الآثار الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تصحب الثروة الثورية.
مشكلة المعرفة:
وبناءً على ما تقدم"فأول ما يتبادر للذهن، أن تعالج المشكلات الاقتصادية على أساس من المعرفة، باعتبارها أحد الأسس العميقة للثروة الثورية.
ولكن ثمة مشكلة تتعلق بالمعرفة ذاتها، وتتمثل هذه المشكلة بغزارة المعلومات وكثرة مصادرها وتنوع وسائلها، حتى لنجد أنفسنا أمام سيل من المعلومات والمعطيات والمعرفة، فكيف لنا أن نفرق الصواب من الخطأ إزاء أي أمر أو مسألة أو مشكلة نبحث عن حلها"بل وإزاء ما يعرض علينا - كجمهور - في شتى المجالات، بدءاً من الدعاية في عمليات الترويج والتسويق التجارية، إلى دعايات الانتخابات السياسية أو النقابية والإدارية، وبث الأفكار، والمعلومات المختلفة.
والمعلومات المختلفة، وفي جميع المجالات يملك العارضون أدوات وأساليب متطورة في فن الدعاية والإعلان، وكلهم يدللون على صدق ما يعرضون في لغة الخطاب الدعائي، عبر شبكة من معطيات التقنية المتطورة، فاليوم مع وجود شبكة الإنترنت والحواسيب ووسائل الإعلام الضخمة والمؤثرات الخاصة والأدوات الأخرى"أصبحت عمليات الاحتيال والتزييف أسهل، مع أن كماً هائلاً من المعرفة البريئة يتزايد في شبكة الإنترنت، ولكن بعضها غير صحيح عن غير قصد، وبعضها الآخر صحيح لكنه يحتاج إلى توثيق. أضف إلى ذلك المعلومات القديمة/ البالية، وما يُتخذ بناءً عليها من قرارات، قد ينتج منها مضار ومخاطر كبيرة في حياة أي عمل أو شخص، لكونها مضللة، أو غير دقيقة، وقد تكون كاذبة أساساً.
على هذه ا لصورة تتلخص مشكلة المعرفة اليوم، في الوقت الذي بلغت فيه مرحلة ثورتها الرقمية، فتكرست في مأزق نحتاج فيه إلى التمييز بين الصدق والكذب.
وقد حدد المؤلفان أهم ستة معايير لاختبارات الصدق: الاجتماع، والثبات على الموقف، والسلطة، والإلهام، والعلم.
وبعد عرض هذه المعايير لم يثبت أي منها معياراً للصدق إلا العلم، فلا يرى المؤلفان معياراً واحداً من بين هذه المعايير ترك أثراً في الثروة أكبر من العلم في القرون الأخيرة، بلا لا شيء أكثر من العلم أسهم في تحسين حياة البشر.
اقتصاد المعرفة:
اقتصاد المعرفة"هو القائم أساساً على المعرفة العلمية ومن ثم فإنه يقوم على فكرة تحويل المخزون المعرفي في مراكز الأبحاث والمؤسسات الأكاديمية إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية مضافة، ثم هو يعتمد على مبدأ عائد ضخم في مقابل كلفة أقل.
وبذلك فإن اقتصاد المعرفة يختلف عن الاقتصاد الصناعي التقليدي، بل يلغيه بكل نظمه ومفاهيمه وأساليبه القديمة، بالاعتماد على المعرفة العلمية، أساساً للتغيير، بل على تغيرات المعرفة ذاتها، وكما تقدم، فهي في حقيقتها بحث واكتشاف، باستمرار، أي ليس لها حدود، وتغيّرها هو العامل الأساس في تغيرات الأساسين العميقين الآخرين للثروة الزمان والمكان، إذ وسعت المعرفة مدى الثروة في الزمان والمكان، بواسطة معطيات التقنية الحديثة، حتى أصبح هذا المدى يشمل العالم كله، بل جاوزه إلى الفضاء، بفضل اختراع تقنيات خاصة بغزو انقضاء، من المركبات، والصواريخ، والأقمار الاصطناعية، وبلغت التقنيات الفضائية مبلغاً مذهلاً في التطور.
وتقوم على التقنية الفضائية شركات مختلفة، من شركات صانعة، وشركات إطلاق، وتشغيل وتنسيق، وخدمات، وتوزيع الأقمار الاصطناعية، وتوريد المعدات الأرضية، وغير ذلك. ومن الناحية الاقتصادية"فإن هذه الشركات الفضائية تنفق مبالغ مالية ضخمة وفي تكاليف التقنيات الفضائية، فمثلاً"في فترة إعداد هذا الكتاب بلغت قيمة الأقمار الاصطناعية المنتشرة حول العالم 100. بليون دولار، ويسهم في هذه الشركات مستثمرون وشركات فضائية تجارية أخرى، وواجهت الشركات الفضائية متاعب كبيرة كادت تقضي عليها، ولكنها بالنتيجة حققت نمواً في عائداتها بمعدل 15 في المئة في منتصف التسعينات، وترى المزيد من الشركات التجارية والبلدان تتسابق للانضمام إلى نادي الفضاء، ومنذ مطلع عام 2005 بدأت شركات الأسهم تشتري أسهماً في شركات تشغيل الأقمار الاصطناعية، نظراً إلى ما تجنيه من عوائد كبيرة.
وهكذا فإن الاقتصاد المعرفي ألغى حواجز العصر الصناعي التقليدية، بين أماكن الثروة، وأوقات العمل وقطاعاته، بتوسيع مدى المكان والزمان، فمعطيات المعرفة، والتقنية في ثورتها الرقمية تعمل دائبة في حركة متزامنة في ما بينها، ومتزامنة مع الزمن ذاته، وتجسد طبيعة المعرفة في حقيقتها، بأن لا حدود لها، وليس لها موطن محدد، ولا تخصّ أمة من دون أمة، فهي وليدة العقل البشري، في مغامرته الجديدة.
"مدى الثروة"بمنأى عن الخصومات السياسة ... وحراكها يملأ الأفق
مدى الثروة في هذه الحال يتجاوز حدوداً كثيرة على الخريطة السياسية للعالم، وتأخذ الثروة على مدى تحركها أشكالاً متعددة، بتعدد المواد والأشياء العينية، إضافة إلى العملة فهي تظل العنصر أو الشكل الأساسي الذي يقوم عليه الاقتصاد، طالما أنها تمثل القيمة التي تقوم بها المواد والأشياء العينية، والأعمال، والوقت.
والثروة بصورتها المالية العملة/ النقد أصبحت في هذا العصر أوسع مدى في حركتها، فالعملة إضافة إلى كونها تمثل قيمة مقومات الاقتصاد، فإنه أصبح لها أسواق، أو بالمعنى المطلق، سوق خاصة بها، سوق التجارة الدولية بالعملة، أو سوق تداول العملات، بما إن لكل دولة عملة خاصة بها.
فكما يقول المؤلفان: إن المال خرج عن نطاقه المكاني السابق، ومن هنا تغيرت علاقات الإنسان بالمكان، وهو أحد الأسس العميقة للثروة. وذلك مما يبين أن الارتقاء بالاقتصاد يقتضي أن تكون حركة المال/ الثروة عالمية، أي مما يدعو إلى العولمة الاقتصادية.
العولمة الاقتصادية:
في بداية القرن العشرين تنبأ خبراء اقتصاديون بعولمة الاقتصاد، ولكن بعد 14 عاماً نشأت أحداث نسفت بوادر العولمة الاقتصادية، الحرب العالمية الأولى والثانية وأحداث أخرى. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة الأميركية تتقدم دول العالم بالتطور التقني، وهو ما مكنها من إنتاج بضائع رخيصة لاقت إقبالاً متزايداً في الأسواق العالمية، ورأى النخبة من الرأسماليين الأميركيين أن الاندماج الاقتصادي في العالم يحقق مصالحهم، كما يساعد على النمو الاقتصادي العالمي في آن واحد، ومن ثم أخذوا يوجهون نشاطهم الاقتصادي إلى مناطق من العالم، وفيما بعد راودتهم فكرة العولمة الاقتصادية.
وفي التسعينات من القرن العشرين ومع تفكك الاتحاد السوفياتي بدأ التوجه إلى سياسة الاقتصاد المفتوح، في العديد من الدول، وذلك من خلال عمل الشركات متعددة الجنسية، في صور من الاستثمار، والتجارة وإقامة المشاريع الصناعية، وبدأ المشهد الاقتصادي يأخذ شكل العولمة، ففي بداية التسعينات كان ما بين 35 إلى 40 ألف شركة متعددة الجنسية تعمل من خلال تشغيل 200.000 شركة فرعية في العالم، وبينما كان احتياط العملات الأحنبية في العالم بليون دولار عام ، نجده قد ارتفع إلى 1.5 تريليون دولار في نهاية القرن العشرين، وبلغت الاستثمارات الأجنبية في العالم 1.3 تريليون دولار، والديون بين الدول وصلت إلى 1.7 تريليون دولار عام 2001، وقيمة التجارة العالمية6.3 تريليون دولار.
وهذه الأرقام مما يشير إلى إيجابيات العولمة، ويبعث لدى مؤيديها التفاؤل باستمرارها، وهم يرون أن العولمة سوف ترفع مستوى الحياة، وأن ثمة مشكلات وقضايا في العالم لا تحل من دون العولمة وفي مقدمها الفقر والعدالة والديموقراطية. كما أن مناهضة العولمة، اقترنت بالعداء للولايات المتحدة / مركز العولمة، وذلك بسبب سياسية الهيمنة والسيطرة التي تنتهجها إزاء كثير من الدول والشعوب.
وفي هذا السياق فإن بعض مناهضي العولمة يتطلعون إلى أن يسود العالم نظام تتحقق فيه العدالة، فتراهم يؤيدون هيئة الأمم المتحدة والمنظمات والقوانين الدولية، وبعضهم يريد كبح جماح الشركات العالمية في هيمنتها على الاقتصاد العالمي، فهي سبب رئيسي لما سبق ذكره من مساوي العولمة.
وهذا إلى حد ما قريب من رؤية المؤلفين، في أن الاندماج الاقتصادي في العالم يحتاج إلى احتياطات أمنية مصممة بانتظام، بل إلى نظام حماية شامل قبل التسرع في عملية الدمج، أي أن عدم الأخذ بهذا النظام يجعل عملية الدمج الاقتصادي عرضة للفشل، بل قد يترتب عليها مخاطر كبيرة في العالم.
ومما تقدم فإن المدى المكاني للثروة المال قد تغير في هذا العصر كثيراً وقد رأينا في ما سبق أن المال قد خرج عن نظامه المكاني.فأصبح مداه العالم كله، والعالم الأساسي في ذلك تطور المعرفة، وهي أحد الأسس العميقة للثروة الثورية، بل هي حجر الزاوية لهذه الأسس، فلم تعد الثروة ثورية وحسية فحسب، بل هي تزداد في ثورتها، فالمسألة ليست مسألة تطور تقني فحسب، وإنما هي ثورة العقل البشري في مغامرته الجديدة
ثالثاً المعرفة:"
المعرفة هي الأساس العميق الثالث لنظام الثروة الجديد، وتُعرّف بداية"بأنها ما يكتسبه الفرد من معلوماته ومعطيات. إلا أن المؤلفيْنِ قصدا إلى تعريف عملي للمعرفة، فاتبعا منهجاً يفرق بين المعرفة من جهة، والمعلومات والمعطيات من جهة أخرى. وذلك أن المعطيات توصف عادة بأنها عناصر منفصلة، وحين توضع في سياق معين تصبح معلومات. ولا يُتوصل إلى ما يمكن تسميته ب المعرفة إلا إذا وُضعت المعلومات في أنماط عريضة عالية المستوى، وربطت بأنماط أخرى.
وهدف المؤلفين من هذا التعريف"أن يساعد في الكشف عن طريقة تغيّر المعرفة، وكيف تؤثر بتغيّرها اليوم في ثروة المستقبل؟ وتغيّر المعرفة إنما يحصل حينما نستخدمها فتأخذ شكل خبرة، من حيث تقوم على التجربة الفعلية/ العملية، ويكمن وراء ذلك تغير منهجي في التفكير، يؤثر في معرفتنا، وفي الأدوات التي نستخدمها في اكتساب المعرفة، وأهم ما فيه المقارنة فمن خلالها نتعرف على أوجه الشبه بين ظاهرتين أو أكثر، ثم نستخلص النتائج من إحداها لنطبقها على الأخرى، وفي ذلك توليد للمعرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.