لحظات قاسية مرت على الوطن، ولعل أكثر من عانى منها هو خادم الحرمين الشريفين، الذي كانت عيناه إحداهما تراقب وفد الرحمن لتتأكد من وصولهم إلى المشاعر لتأدية فريضة ربهم"الحج"، وأخرى تتابع حدود الوطن، إنه الرجل الذي يحمل هَمّ الوطن والأمة، وقد فجعه الحدث الكبير وهو يرى ويسمع صرخات الثكالى وأنات الأيتام من قلب جدةالمدينة التي سابقت المدن السعودية في التعرض لنفحات موازنات الرخاء والنماء وحصلت على ما أرادت، جدة التي بنت صورتها الجميلة في أذهان عشاقها وألهمت الشعراء قوافيهم، بدت اليوم جثة هامدة، مزقتها سنوات من عمليات ومساحيق التجميل الرخيصة، ذهلت كثيراً من الأرقام الفلكية التي ضُخت إلى البُنى التحتية لمدينة جدة، كما ذهل غيري خلال عقود من الزمن، ثم وبكل بساطة تحدث هذه الفاجعة المؤلمة بكل المعايير والمقاييس. لو حدث مثل هذا قبل 50 عاماً لكان أمراً مقبولاً، ولكن أن يحدث في زمن الشهادات العلمية والأقمار الاصطناعية والإحصاءات العالمية، فهذا أمر لا يمكن تبريره، يستطيع أي رجل بسيط من رعاة الإبل أو الغنم في الصحراء أن يحدد المكان الأكثر أماناً لخيمته وإبله من دون الاستعانة بمجالس الخبرة العالمية ولا بالأقمار الاصطناعية. تابعت قرار خادم الحرمين الشريفين بتشكيل لجنة للتحقيق في هذه الأحداث وأحسست بمرارة الحدث في اللغة التي صدر بها القرار فقلت"لك الحق أن تغضب"بعد أن تفانيت في العطاء للبناء والرخاء"، كم تألمت كما تألم غيري وأنا أرى المشاهد المعروضة على"الانترنت"لهذه الفاجعة فقلت مَنْ المسؤول؟ لماذا تحولت النعمة إلى نقمة، ولماذا تتحول مظاهر الرحمة إلى عذاب؟! إن هذه اللجنة، التي كان في تشكيلها العزاء الكبير للجميع، هي الآن محط أنظار قلوب الشعب السعودي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، لأنها تشكل الاستراتيجية البعيدة المدى لمستقبل الوطن وأبنائه، إن القضية الآن يجب أن تكون أكبر وأبعد من جدة حتى لا ننتظر فاجعة أخرى في مكان أو زمان آخر، وكما ورد في الأثر ليس هناك شر محض، ففي كل محنة هناك منح عدة، وكما قال الله تعالى:"فإن مع العسر يسرا"، فلننظر إلى الأمام ولنستفد من الفرص الموجودة التي في ثنايا هذه الأحداث. سعيد أحمد العويس كلية العمارة والتخطيط - جامعة الدمام [email protected]