لدينا"فوبيا"من الاعلام سواء في ما ينشر او في ما يتعلق بالحوارات او المواضيع الصحافية، او حتى في ما يتعلق بالاستثمارات الاعلامية، ولهذا قبل ان يصدر ترخيص لصحيفة او مجلة جديدة، يقطع المشروع وقتاً من الزمن ما بين جهات عدة، بل انه حتى اختيار رئيس التحرير في الصحف المحلية، التي هي اصلاً مؤسسات اعلامية حرة، تستشير وزارة الثقافة والاعلام في اختيار الشخصية المرشحة لمنصب الرئيس، انا لا اتحدث عن السياسة الاعلامية، بل عن السياسة الاستثمارية في الاعلام، ومن الواضح انهما وجهان لعملة واحدة. من غير المعقول انه لم يتقدم احد من المستثمرين لإنشاء صحف او مجلات او حتى مشاريع اعلامية منذ اكثر من 75 عاماً هو عمر الدولة، والدليل على هذا انه توجد لدينا تسع صحف محلية، واربع قنوات فضائية حكومية، وثلاث اذاعات، وعدد قليل من المجلات، اما البقية فهى مطبوعات لديها ترخيص دخول او تتبع صحفاً مقرها خارج البلاد، وهل يمكن ان نقول ان بيئة الاستثمار في المجال الاعلامي في السعودية خصبة وسهلة ومشجعة ومغرية؟ اذا كان هذا الكلام صحيحاً، لماذا اتجهت رؤوس الاموال السعودية الى الخارج للاستثمار في مجال الاعلام، ان كانت صحافة او مجلات او قنوات فضائية، رؤوس الاموال السعودية مثلما هاجرت من اجل العقار والسياحة والبناء والمصانع والمشاريع الاخرى، فإن الاعلام ايضاً مجال استثماري هرب خارج البلاد نتيجة البيروقراطية في السياسة الاعلامية، والنظرة المشؤومة تجاهها بأنها قطاع غير فعال في المجتمع! مع ان السعوديين اليوم يملكون 80 في المئة من القنوات الفضائية التي تبث، وتملك السعودية حصة كبيرة في المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية"عربسات"التي من خلالها تبث القنوات الفضائية، لا اظن ان السعوديين لا يحبذون الاستثمار في الاعلام، وإلا لما ضخوا 15 بليون دولار في القنوات الفضائية التي تبث من المدينة الاعلامية في دبي او مدينة الانتاج الاعلامي في مصر او الاردن. بالتاكيد هناك صعوبات ومعوقات تواجه الاستثمار المحلي في الاعلام، ووزارة الثقافة والاعلام لها سياسة تقوم على موانع، ولا ندري هل الموانع دينية او اجتماعية او انها موانع سياسية؟ ومع كل هذا الانفتاح العالمي هل لا زلنا نقبع ونعيش تحت سيطرة"فوبيا"الاعلام، سواء ما ينشر او يعرض؟ بينما في مدينة دبي للاعلام هناك ما يقارب 130مؤسسة اعلامية يملكها سعوديون، وهذه المؤسسات استقطبت مجموعة كبيرة من العناصر السعودية والخليجية، واكتسبت خبرات ومهارات فنية اسهمت بشكل كبير في انجاح هذه المؤسسات الاعلامية. ولكن دعونا نسأل ما الذي دفع هذه المؤسسات الاعلامية تذهب الى الخارج؟ في الحقيقة الشيء المؤسف هو ان المؤسسات السعودية هي التي تذهب الى الخارج، فأنا لم أرَ قنوات اردنية خاصة او سورية او حتى مصرية تبث من دبي الا تلك القنوات ذات الصبغة العالمية مثل cnbc العربية، او تلك التي لديها سياسة تتوجه لمشاهديها في الخليج، فلماذا إذاً هذا التعامل من وزارة الثقافة والاعلام بشأن الاستثمارات الاعلامية؟ في الكويت تأسست اكثر من قناة وجميعها تبث من الكويت، والحال كذلك في الاردن واليمن، فلماذا بالتحديد تبقى الامور هنا مقيدة بالنسبة للاستثمار في الاعلام؟ هناك تجارب جيدة في الدول المجاورة، فلم يتوقف الامر على تشجيع الاستثمارات، بل تعدى ليصل الى استقطاب الاستثمارات او الحصول على امتيازات، فظهرت"فورب العربية"في دبي، و"نيوزويك"العربية في الكويت، وهناك مشاريع وتجارب اخرى ناجحة، فما الذي يمنع لو اتيحت لإعلامنا مثل هذه الفرصة؟ لاستقطبت شباباً وخبرات اعلامية مختلفة، ولحركت قطاعات عدة كالاعلان، والتسويق، التحرير، الدعاية، العلاقات العامة، قراء ومشاهدين ومنتجات اعلامية متعددة، وربما اخرجت لنا مشاريع مكملة لصناعة اعادة تدوير الورق، ولخرجت لنا ايضا مراكز للتدريب الاعلامي مثلما هو موجود الآن في الرياض"معهد الامير الراحل احمد بن سلمان بن عبدالعزيز للتطبيق الاعلامي". هل يعقل انه ليس لدينا سوى تسع صحف محلية، ما يجعلنا نتساءل: عدد الصحافيين الذين تخرجوا فيها؟ وماذا اضافت؟ وما فرص المنافسة بينها؟ فنحن لا زلنا نرى رؤساء تحرير يقبعون على مقاعدهم منذ سنين لا يتغيرون، واذاعات رسمية اكل عليها الدهر وشرب من الاسلوب الذي تتبعه في تقديم البرامج، والحال كذلك للقنوات التلفزيونية، فتشعر ان المذيع قد التصق بالمناسبة ولا يمكن ان تمر من دون ان يطل علينا ويطلعنا على الخبر، او ان يكون مرافقاً في كل الجولات والزيارات، نحن نبحث عن اعلام متطور راقٍ، يتعامل مع المتغيرات بعقلانية، ولا يمكن ان نترك هذه المشاريع وهي تهيم على وجهها في الخارج فتتحول الى قنوات همها فقط استنزاف الجيوب وليس مخاطبة العقول... كنت اتوقع ان تبادر وزارة الثقافة والاعلام لكونها رائدة الاعلام الحر والرزين والبناء لخدمة المجتمع، ومعالجة قضاياه، خصوصاً أنها في موقع اعلامي مميز، إذ ترأس مجلس وزراء الاعلام في الوطن العربي والاسلامي. المطلوب ان نشرع ابوابنا امام الاستثمارات الاعلامية ونفك القيود عنها، ونخرج من"هم الفوبيا"لدينا من المحاولات التي تحتاج الى تشجيع ودعم مثل قناة الوطنية، الاقتصادية، قناة الغالية، وهناك محاولات اخرى بالتأكيد ستثري الساحة، وتخلق منافسة وايضاً تتيح فرصة عمل لكوادر مهنية، وفي الاخير تخلق فرصة حوار فكري ناضج... الاسبوع الماضي طيرت الينا وكالات الانباء ان حكومة ابوظبي تنوي استثمار مبلغ بليون دولار في إنتاج الأفلام في هوليود وبوليود وغيرهما، وستتمكن الحكومة من تمويل ثمانية أفلام سنوياً على مدى خمس سنوات، بحسب إدوارد بورغردنغ، الرئيس التنفيذي ل"شركة أبوظبي للإعلام". في رأيكم كم نحتاج من وقت ليكون لدينا إتجاه اعلامي بهذه الطريقة؟ * إعلامي وكاتب اقتصادي [email protected]