كل شيء يهيأ للجمال، السماء الممطرة، البحر الهادئ، وسمك الحريد المستكين في شباكه بانتظار الصيادين... هنا فرسان التي تعلن عن نفسها بنوارسها المحلقة فوق رؤوس الضيوف الذين جاءوها لمشاهدة مهرجان الحريد الذي كنت تكلمت عنه في الموضوع السابق في هذا الحيز، إذ كنت هناك، استعيد ذكريات الطفولة، إذ كان البسطاء من أهل الجزيرة يحتفلون به على طريقتهم الخاصة. لا شك أن أمير منطقة جازان محمد بن ناصر بن عبدالعزيز عندما جعل من مناسبة الحريد مهرجاناً، كان يدرك جيداً مدى النجاح الذي سيحققه هذا المهرجان سياحياً، وعائده المادي والمعنوي على المنطقة بأكملها. هناك في السوق الشعبية، كان التراث الفرساني حاضراً بمختلف أشكاله، فجلس بائعو اللؤلؤ الطبيعي الذي كان مصدر ثروة الجزيرة قديماً يعرضونه على الزائرين الذين يتلقفونه ويشترونه بسرعة فائقة، فلم يبق في أيدي البائعين إلا القليل للبيع... والمشترون منتشون بلؤلؤهم الذي كان أهم بضاعة بالنسبة لهم في السوق. أما أنا فقد دلفت إلى مقتنيات السعف من زنابيل ومراوح وسلات صنعت بأيدي نساء الجزيرة، وكان لها في ذاكرتي حضور، خصوصاً الزنابيل التي كنت أخبئ فيها الرطب حين كان القصامون يقومون بجني ثمر النخيل، وقطف رطبه ينثرون علينا هديتهم الصباحية. فيا للروعة التي جلبها مهرجان الحريد بجزر فرسان الذي حضر لأجله المسؤولون والإعلاميون وطلاب الجامعات، ومجموعات من الكشافة والجوالة والأجانب... وكنت على رأس وفد نسائي من الزميلات الإعلاميات، تلبية لدعوة كريمة من اللجنة الإعلامية بإمارة منطقة جازان، فرأيت الدهشة تدغدغ حواسهن، إذ انبرين بنشاط وبهجة يصورن سحر تلك المناظر الخلابة، وكنت ارقب في صمت كاميرات المصورة السعودية العالمية الأستاذة سوزان باعقيل وهي تدور بين البحر، والناس والتراث والطبيعة تلتقط الصور، وتساندها في ذلك ابنتها الصغيرة جنة بكاميرتها التي تدربت عليها جيداً، وهي تتلمس خطى والدتها، حتى أن أمير المنطقة اختصها بابتسامة عريضة، ومداعبة أبوية، وهي تزاحم المصورين في التقاط الصور لهم. لقد افتتح سموه مشروع هذه المنطقة التي كانت مهملة في يوم من الأيام، أن تبتهج بهذا الأمير الذي فتح لها آفاقاً مشرعة نحو التنمية والبناء، فنطقت أعماله في فترة وجيزة من توليه إمارة المنطقة شاهدة على جهوده فيها، وما مهرجان الحريد بفرسان، ومهرجان المانجو المقبل بجازان إلا صورتان من صور محاولاته المستمرة لتنشيط السياحة في هذه المنطقة، عطفاً على دعوته لرجال الأعمال للاستثمار فيها، وقيامه بتذليل كل العراقيل لبلوغ المنطقة الأهداف المرجوة من تنميته لها. [email protected]