في عاصمة بلاد تنفرد منذ عقود بالمرتبة الأولى على قائمة أكبر دول العالم مساحة بأكثر من 17 مليون كيلومتر، أيمكن مقارنة العاصمة الروسية موسكو بالمساحة الجغرافية للبنان؟ والحديث ليس عن السياسة، فهذه لا مجال فيها للمقارنات، هناك تخوض البلاد مخاضاً عسيراً لولادة رئيس، وهنا يستعدون لتتويج الرئيس زعيماً للأمة حتى لو خرج من الكرملين في آذار مارس المقبل. الجواب يدل على أن مساحة عاصمة الإمبراطورية السوفياتية السابقة تساوي مساحة الجمهورية اللبنانية ب"التمام والكمال"! فيما يبلغ سكان موسكو 15 مليون نسمة، ولبنان بضعة ملايين. وبينما تزحف مساحة موسكو في جميع الاتجاهات لتتجاوز العشرة آلاف كيلومتر ولا تزال مرشحة لمزيد من التمدد في الاتجاهات، فإن لبنان بجغرافيته الشهيرة في"معلقات"الشعراء العرب وغيرهم بالتغني بجمالها لن تتجاوز، بحسب"ويكيبيديا"أكثر من 10452 كلم فقط. وفي هذا السياق، ستكسب موسكو جولة المقارنات الجغرافية مع دول عربية أخرى لا يقل عددها عن ست دول، منها من لم تتجاوز مساحتها ثلثي جغرافية لبنان أيضاً. كما ستكسبها في سياق مقارنات أخرى في قارة أوروبا وأفريقيا وآسيا وغيرها من الحدود الوطنية. أول ما يلفت أنظار زائر عاصمة الثلوج المسافات الشاسعة التي تجعل المشوار من حي إلى آخر، رحلة سفر مرهقة، خصوصاً إذا جاء ذلك في وقت الذروة، عندما تكون الاختناقات المرورية فيها على أشدها. وعلى رغم أن نظام السير الموروث من العهد السوفياتي يعد واحداً من أفضل الأنظمة في العالم كما يشهد كثيرون، لكن الاختناقات المرورية التي يضطر"المسافر"بين مناطق المدينة أن يقضي فيها ساعات أحياناً باتت جزءاً من الحياة اليومية لموسكو، والسبب بسيط، لأن عدد السيارات في ازداد في هذه المدينة أضعافاً خلال سنوات قليلة،"هجم"فيها"الروس الجدد"على شركات البيع وأصبح اقتناء سيارتين أو ثلاث في بلد خرج بالأمس من عباءة الشيوعية موضة رائجة، وزاد الطين بلة أن الانفتاح دفع المصارف إلى منح تسهيلات كبيرة لشراء سيارات، فاندفعت الطبقات الوسطى وحتى الأدنى منها بقليل للشراء بحسب مبدأ"ما حدا أحسن من حدا"ويزيد عدد السيارات في موسكو الآن على لايين سيارة، وهو رقم لا تحتمله البنى التحتية للطرق على رغم التحسينات الكبرى التي أُدخلت عليها في السنوات الماضية. أما"الروس الجدد"فهم طبقة الأثرياء الذين تراكمت ثرواتهم إلى مستويات توصف ب"الخرافية"في مرحلة الإصلاحات العشوائية، بعد انهيار الدولة السوفياتية، وهؤلاء بنى كل منهم إمبراطورية مالية ضخمة، وجمع من حوله جيشاً من الموظفين الذين يتلقون رواتب عالية. ما حوّل موسكو إلى مدينة أغنياء، وأضفى جانباً جديداً على المشهد، هو الغلاء الجنوني الذي يلاحظ في كل مناحي الحياة فيها. وهذا ينطبق على العقارات التي وصل سعر المتر الواحد فيها إلى أرقام خيالية لم تعرفها لندن ولا طوكيو، وهما المدينتان اللتان تربعتا طويلاً على عرش أغلى مدن العالم قبل أن"تظهر"موسكو فجأة لتزيحهما عنه، بحسب دراسة حديثة أعدتها مراكز غربية. ولا يقتصر الأمر على العقارات، فهو ينسحب على كل شيء آخر، والأسوأ أن ارتفاع الأسعار المتواصل يتزامن مع تراجع أسعار الدولار، وهذا أمر عالمي، لكن خصوصيته الروسية تتعلق بتحسن وضع الروبل كثيراً مع تعافي اقتصاد روسيا النسبي، ما جعل المشكلة اثنتين، لأن الموظفين الذين يتلقون رواتبهم بالدولار فقدوا خمس قيمته منذ مطلع العام الحالي، إذ بعدما كان يساوي 31 روبلاً للدولار الواحد مطلع العام، أصبح حالياً 24 روبلاً، والآتي أعظم مع وعود المصرف المركزي الروسي بزيادة قوة الروبل.