لما كانت طرق الرواية القديمة تتمثل في المشافهة والتحرير، فإن تقنية التواصل قد أضافت بعداً معاصراً جديداً يتمثل بتقنية التواصل برسائل sms، وهي اختصار لshort message service، إذ لم يكن المبدع سارداً أو شاعراً بمنأى عن معطيات هذه التقنية. وعلى رغم روعتها وتماسها بشفافية مع الأحداث، فإن عمرها قصير قد يحذف من الجهاز بعد أيام معدودات. لكل هذا الإبداع عزمت على القيام بتجربة جمع المادة تمهيداً لدرسها. وبمراجعة ما وصلني منها خلال عام وجدتني أمام نصوص أدبية ذات سمات مشتركة، صهرتها روح التقنية، ووجدت لزاماً علي أن تكون لي معها وقفة نقدية. وأنبه هاهنا إلى أن هذه الدراسة جديدة بكل ما تعنيه الجدة، وقد فكرت جاهداً وبحثت عن أعمال مشابهة، علها تفتح لي آفاقاً للدراسة... فتعسر علي ذلك، وكان من أحدث الكتب التي التقطتها كتاب الدكتور سعيد يقطين"من النص إلى النص المترابط"، فوجدته ينحو بالدراسة إلى النص الحاسوبي، كما وجدت كتباً تجمع نصوص sms لأهداف تجارية لا علمية، فاستعنت بالله وأسست للدراسة البحثية ولتوثيق هذه النصوص، ولم أجد بداً من توثيق النصوص عن طريق ما يُعرف في تقنية رسائل sms ب"تفاصيل الرسالة"، وهو توثيق أحسبه صائباً، ذلك أن تفاصيل الرسالة تكشف لك ما يهم من معلومات، بدءاً من القائل، وموضوع الرسالة، وصولاً إلى تاريخها، وزمنها، ونوع الرسالة، وهذه الرسائل مسجلة عبر شركة الاتصالات لمن أراد التحقق من صحتها. تتشكل رسائلSMS الأدبية وفق أنماط تكوينية تتصل بالتقنية والمستخدم لها، ونعني بالأنماط التكوينية البنية النصية المتشابكة، وآليات الأداء التي تشكلت من خلالها رسائل sms، ويمكن التمييز بين أنماط من هذه الرسائل: النمط الأول: النص التجريبي الخاص: نوع من الأنماط التكوينية لرسائل sms، التي يمارس فيها الأديب فعل التجريب الذاتي للكتابة النصوصية على أجهزه الجوال أولاً، قبل أن يعيد كتابتها على جهاز الكومبيوتر أو يقوم بنشرها، وفي هذه المرحلة من عمر النص قد يتواصل بها المبدع مع الآخر، أو يحتفظ بها في جهازه، ويأخذ النص في هذه المرحلة سمات النص التقني وخصائصه. ومن أمثلته نص محمد الثبيتي الذي يقول فيه متحدثاً عن القصيدة، وقد تواصل به عبر تقنية sms مع الباحث قبل أن ينشره صحافياً، يقول:"القصيدة/ القصيدة إما قبضت على جمرها/ وأذبت الجوارح في خمرها/ فهي شهد على حد موس/ فحتام أنت خلال الليالي تجوس/ وعلام تذود الكرى/ وتقيم الطقوس/ وألف من الفاتنات الأنيقات يفرحن/ وما بينهن عروس... كيف تأتي القصيدة ما بين ليل كئيب ويوم عبوس/ وماذا تقول القصيدة بعد غروب". ومنها نص للشاعر محمد زايد يقول فيه:"متلبس وجه الصلاح وبي/ جيش من الفساق والخونة/ فعجزت أن آتي بمعصية/ وعجزت أن أغدو من الكهنة". النمط الثاني: النص المتفرع شكل تقريبي. نقصد به تلك الرسالة الأدبية الواحدة التي تُرسل وتتفرع اتصالياً لأدباء كثر، وتتوالى الردود من واقع هذه الرسالة المثير. تقنية العنوان في رسائلsms يؤكد النقاد قيمية العنوان من حيث هو علامة أساسية من علامات التجربة الشعرية الحديثة، وبالنظر إلى العناوين في رسائل sms نجد أننا أمام مجموعة من العناوين يمكن تقسيمها على نحو مما يأتي: العنوان الإلكتروني الموضوع نشير هنا إلى ما يُعرف في تفاصيل رسالة sms بالموضوع، إذ نجد الكلمة الأولى في الرسالة تُنتقى آلياً لتشكل عنواناً يسمى بالموضوع، وهو في واقع الأمر عنوان الرسالة، ويتكون من ثلاثة عشر حرفاً تقريباً، وقد اعتمدت في توثيق الرسائل في الهامش على هذا النوع من العناوين الذي يصاحب الرسائل في صندوق الوارد، ويعرف بتفاصيل الرسالة، وهو أقرب إلى العناوين التقليدية التي عُرفت في تاريخنا النصوصي، حيث يشار إلى القصيدة بأول كلمة في النص. وهي عناوين لا شك أنها مهمة في ذاتها، إذا علمنا أن الكلمة الأولى الافتتاحية في أي نص تشكل بانسحاباتها مؤشراً دلالياً مهماً على معطيات النص واتجاهاته، وتعد أهم ما في النص، كما يرى النقد الحديث، ولأن العملية في كتابة العناوين آلية، فإنها تتشكل على انحناء مختلف، كما يظهر مما يأتي: عناوين موضوع تامة التشكل لغوياً، ذات دلالة مستقلة، مثل العناوين الآتية:"أنا لا أعلم ما سيحدث"،"شكراً أيها الصوت". وهي عناوين تفهم في سياق العنوان منفردة، لكنها مع قراءة الرسالة قد تشكل انحرافاً دالاً يحرف وعي المتلقي. عناوين ناقصة الدلالة مقدمة الفراغ الدال للمتلقي، مثل العناوين الآتية:"حين أقرر أن أكتب..."، ومثل:"أسوأ أخطاء يمكن...". عناوين مجزوءة لغوياً، وهذا النوع يوقع في إشكالية الوعي، لكن كما قدمت فإنها عمل آلي لا يمكن مساءلته، ونجد نماذج لذلك في مثل العناوين التالية : هكذا نحن دوماً سي... أي سيدي. العنوان الإرادي وبجانب العناوين الإلكترونية نجد عناوين يضعها المبدعون مع النصوص، يختارونها بإرادتهم لتشكل عنواناً للنص. وبالنظر إلى هذه العناوين في النصوص الأدبية لرسائلsms ، نجد أن عناوين إرادية يضعها أصحابها في رسائلهم الأدبية مثل"خمرة الخريف"،"أم العبيد!"،"فقاعة"،"مستمع"،"الدخينة"،"بورتريه"،"ضريح من سنابل". والملاحظ أن هذه العناوين تمثل عالماً بذاتها، إذ نرى فيها تشظياً دلالياً وأبعاداً عميقة، وهي أقرب ما تكون إلى اختزال لكلية النص. ومما يعرف عن هذه النصوص أنها تسري وتتحرك سريعاً، ويتناولها الناس، فسيرورتها تتجاوز ما كان يقوله الشاعر الأول عن القصيدة: "ترد المياه فلا تزال غريبة ... في الناس بين تمثّل وسماع". فحال نصوص sms أنها تظل قلقة لا تستقر، تتشظى إبداعياً حين ترحل. وتتعدد هذه العناوين بحسب المناسبات العامة، التي يتواصل فيها الأدباء عبر هذه التقنية. وهذا يتصل بروح التقنية التي تتكئ على الإيجاز، الذي سنتحدث عنه في مباحث قادمة، كسمة من سمات نص التقنية الجديد. * أكاديمي وعضو مجلس إدارة "أدبي أبها"