عقود ب3.5 مليار لتأهيل وتشغيل محطات معالجة بالشرقية    أكثر من 50 شركة تقدم طلباً للطرح والإدراج في "تداول"    جمعية البر بالشرقية توقع اتفاقية لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر    بدء تصحيح أوضاع مقدّري أضرار المركبات    رالي تبوك للسيارات والدراجات النارية ينطلق البوم بجولة إستعراضية    الزلفي تحتفي بعام الإبل بفعاليات منوعة وورش عمل وعروض ضوئية    أمير الحدود الشمالية يتسلّم تقريرًا عن الصناديق العائلية والوقفية بالمنطقة    فيصل بن خالد بن سلطان يطلع على مشروع ربط حي المساعدية بحي الناصرية بمدينة عرعر    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    حساب المواطن يودع 3.4 مليار ريال مخصص دعم مايو    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية القرغيزية بذكرى يوم النصر لبلاده    القيادة تهنئ رئيس جمهورية طاجيكستان بذكرى يوم النصر لبلاده    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من باكستان    وزير النقل يستقبل أولى قوافل الحجاج بمطار المدينة    توقع بهطول أمطار رعدية    إطلاق مبادرة SPT الاستثنائية لتكريم رواد صناعة الأفلام تحت خط الإنتاج    "واتساب" يجرب ميزة جديدة للتحكم بالصور والفيديو    إخلاء مبنى في مطار ميونخ بألمانيا بسبب حادث أمني    طرح تذاكر مباراة النصر والهلال في "الديريي"    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ويتأهل إلى نهائي "الأبطال"    هبوط المخزونات الأمريكية يصعد بالنفط    زيت الزيتون يقي أمراض الشيخوخة    الديوان الملكي: وفاة والدة الأمير سلطان بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود    محادثات "روسية-أرميني" عقب توتر العلاقات بينهما    بايدن يهدد بوقف بعض شحنات الأسلحة إلى إسرائيل إذا اجتاحت رفح    أشباح الروح    بحّارٌ مستكشف    دجاجة مدللة تعيش في منزل فخم وتملك حساباً في «فيسبوك» !    السعودية تحقق أعلى مستوى تقييم في قوانين المنافسة لعام 2023    الاتحاد يتحدى الهلال في نهائي كأس النخبة لكرة الطائرة    سعود بن مشعل يزف 21 ألف خريجٍ من جامعة أمِّ القرى إلى الميدان    منها الطبيب والإعلامي والمعلم .. وظائف تحميك من الخرف !    النوم.. علاج مناسب للاضطراب العاطفي    احذر.. الغضب يضيق الأوعية ويدمر القلب    القيادة تعزي رئيس البرازيل    المملكة ونمذجة العدل    نائب أمير منطقة مكة يكرم الفائزين في مبادرة " منافس    يسرق من حساب خطيبته لشراء خاتم الزفاف    روح المدينة    إتفاقية لتعزيز المسح والتنقيب الأثري    ختام منافسة فورمولا وان بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي    كشافة شباب مكة يطمئنون على المهندس أبا    أسرة آل طالع تحتفل بزواج أنس    الوعي وتقدير الجار كفيلان بتجنب المشاكل.. مواقف السيارات.. أزمات متجددة داخل الأحياء    " الحمض" يكشف جريمة قتل بعد 6 عقود    نائب أمير الشرقية يلتقي أهالي الأحساء ويؤكد اهتمام القيادة بتطور الإنسان السعودي    سعود بن جلوي يرعى حفل تخريج 470 من طلبة البكالوريوس والماجستير من كلية جدة العالمية الأهلية    فهيم يحتفل بزواج عبدالله    لقاح لفيروسات" كورونا" غير المكتشفة    حماس.. إلا الحماقة أعيت من يداويها    أعطيك السي في ؟!    الاتصال بالوزير أسهل من المدير !    سمير عثمان لا عليك منهم    مسؤول مصري ل«عكاظ»: مفاوضات القاهرة مستمرة رغم التصعيد الإسرائيلي في رفح    "الداخلية" تنفذ مبادرة طريق مكة ب 7 دول    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس مجلس إدارة شركة العثيم    أمير تبوك يشيد بالخدمات الصحية والمستشفيات العسكرية    الأمير خالد بن سلمان يرعى تخريج الدفعة «21 دفاع جوي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التلفاز والجوال واللاب توب في نسيج البناء السردي
نشر في المدينة يوم 21 - 04 - 2010


أشرنا في الحلقة السابقة إلى توظيف تقنية الإيميل في نسيج البناء الروائي، ونتابع في هذه الحلقة الحديث عن الجوانب التقنية في نماذج أخرى من تجربة السرد الأنثوي في طرف السرد القصي (ق ق ج) وسنكتفي بالحديث عن أنموذج واحد أيضا، وهو تجربة القاصة شيمة الشمري، حيث نرى في مجموعتها (ربما غدا) توظيفا لافتا للتقنية في بنائها السردي. وأود أن أؤكد هنا أنني أتناول تأثير التقنية في نسيج العمل وفي بنائه، إذ لم تعد التقنية في هذه الشواهد التي أعرضها عرضية بل جوهرية يبنى عليها العمل؛ ففي نص (خداع) وظفت القاصة (شاشة التلفاز) كمعطى تكويني للعمل، فالتلفاز يعد هو المستفز الأول لإنتاج النص، كما أن التعاطي في هذا النص يقوم على ذات التقنية: أعجبهم جمالها على (الشاشة) عندما قابلوها مباشرة تعجبوا.. ! قرروا مراجعة طبيب العيون.. (1) هذا النص كغيره من نصوص (ق ق ج ) يعتمد على الاختزال في البناء اللغوي، وهو يتجه إلى المتلقي لمتابعة تفتيق البنى الدالة في النص، فيكتفي بفتح أفق الدلالة الذي يبدأ من العنوان الذي يعتبر المفتاح الأهم في النصوص الحديثة عموما، وهو يشكل هنا اختزالا لكلية النص، والقاصة تريد أن تثبت في النص أن المشاهد الملونة، تخفي زيف الحقائق. وفي الجانب الفني، يعتمد النص على ثنائة المقابلة التي بنى عليها هذا النص. وفي نص آخر لذات الكاتبة نرى معالجة لقضية أخرى، معتمدة على مكون بنائي تقني آخر وهو في هذه المرة (جهاز الجوال أو المحمول كما تسميه)؛ النص يتناول الازدواجية التي يعيشها المثقف، وقد جعلت عنوان نصها (مرض) يقول النص: ظل يتحدث طوال السهرة عن النظرة القاصرة للمرأة، وحقوقها المسلوبة.. (يرن) هاتفه المحمول وعلى الشاشة يتراقص الرقم و(العلة تتصل بك)! (2) النص هنا برغم اختزاله إلا أنه يعبر عن حالة النفاق الفكري الذي يعيشها كثير من المثقفين، حيث تلوك ألسنتهم بما يخالف واقعهم تماما، بما تراه الكاتبة مرضا، وإن كنت أرى أن هذا العنوان (مرض) قد لا يعبر عن هذه الحالة، فمرض عنوان يتشظى إلى اتجاهات تبعد عن هدف الكاتبة، ولو أسمته (ازدواج أو خداع) لكان أكثر دلالة؛ فالعناوين المعاصرة عموما بينها وبين النصوص علاقة تكاملية كما يقول خليل الموسى. (3) القصة القصيرة جدا تعتمد على التكثيف اللغوي الذي يظهر بصورة واضحة في هذا العمل، فالنص يتكون من ألفاظ لغوية محدودة موجهة باتجاه بعد دلالي مؤطر، تلعب فيه أدوات التقنية دورا كبيرا في بناء لغة النص: (يرن، المحمول، الشاشة، الرقم، يتصل بك). والنص عموما يعيش بين ثنائيتين في الدلالة وفي البناء الفني؛ فعلى مستوى الدلالة نرى شخصية العمل المحورية تتزيا طوال حديث المساء بنصرة المرأة والبحث عن حقوقها المسلوبة ونظرة المجتمع القاصرة لها، وفي الجانب الآخر تبرز الحقيقة حين يرى القارئ أن ذلك الحقوقي لا يطبق أبسط حقوق امرأته على جهاز جواله. وعلى مستوى البناء الفني، نجد النص بين ذات الثنائيتين؛ فالصورة الأولى لشخصية العمل تشكل نصف النص تقريبا (ظل يتحدث طوال السهرة عن النظرة القاصرة للمرأة وحقوقها المسلوبة..) بما يشكل رسما ظاهرا للصورة التي يفاخر بها المثقف، لتأتي الصورة الأخرى الكاشفة للحقيقة والمتممة لكلية النص. وفي توظيف آخر لتقنية الهاتف نجد عند الساردة قصة بعنوان (مهاتفات )،تقول: مهاتفة أولى :بهرت بثقافته ورقيه. مهاتفة ثانية :أبدى إعجابه بها ليس لجمالها فقط، مؤكدا أنها استثناء في حياته.. مهاتفة خامسة: حوار منوع استدرجها من خلاله للسؤال عن تفاصيل (فلانة) الدقيقة....؟! مهاتفة أخيرة :....... (إن القلب الذي جرحته معطوب حاليا)! (4) تتكئ القاصة هنا على تقنية التواصل المعاصرة عن طريق الهاتف. وبرغم عدم تحديد نوع الهاتف، لكن بناءها اللغوي في السطر الأخير يكشف عن أنها تتواصل بالهاتف المحمول من خلال تلك الرسالة التي جعلتها بين قوسين (إن القلب الذي جرحته معطوب حاليا) !، وهي تتساوق مع العبارة التقنية التي تستخدم في حالة عدم الرد في الجوال: (إن الهاتف المطلوب لا يمكن الاتصال به الآن). التقنية هنا ليست هامشية على العمل، بل تعد أساسية في بنائه، فالقاصة تعالج قضيتين اجتماعيتين أولاهما: بناء التقدير بين الذكر والأنثى على أسس الشكل بعيدا عن العوامل الثقافية حتى بين المثقفين أنفسهم، والثانية: إلماح إلى الصورة السلبية للتواصل التقني. ولعل من اللافت في العمل تلك الأربطة اللامرئية، واستخدام القاصة لعلامات الترقيم، كالنقط والتعجب، والاستفهام، وهو استخدام إيجابي في ظل تلك الاختزالية التي تقوم عليها القصة القصيرة جدا، كما أنها تبعث في المتلقي حوافز مواصلة وعي النص وتفتيق بنياته. وتحاول القاصة في شاهد أخير أن تتابع معالجاتها الاجتماعية لقضايا ظهرت مع التقنية؛ فالتقنية كغيرها، لها جوانب إيجابية، لكنها قد تودي بالعلاقات العاطفية في ظل انهماك لافت بين تلك الأدوات على حساب حميمية الأسرة التي بدأت تبهت، تقول في نص (غفلة) : يغلق جهازه المحمول (اللاب توب) بعد قضاء ساعات أمامه.. يستلقي بجانبها.. تنظر إليه متأملة ملامحه الشاردة.. يعبث بهاتفه النقال..يرسل ويستقبل عشرات الرسائل..يزداد صيفها..تقترب منه.. يدير ظهره مستكملا حياة افتراضية !! (5) تلمح الكاتبة إلى تلك الفضاءات التي أصبحت تدفع بالمشاعر الإنسانية والحميمية بعيدا، فمفردة (المحمول) تصاحب عادة تقنية الجوال، لكن القاصة هنا وظفتها مع جهاز الحاسوب الذي أصبح هو الآخر كالمحمول. وبين المحمول الحاسب، والمحمول الجوال تضيع المشاعر حتى في اللحظات التي يجب أن تتوهج. وبعد؛ فتكشف النماذج السابقة أن التقنية لم تعد ترفا في العمل أو توظيفا سطحيا له، بل أصبحت جزءا من جسد البناء السردي عند المبدع المعاصر. وهو أمر يدفعنا إلى ضرورة تواصل النقاد مع تلك المظاهر التي أحسب أنها فتحت للعمل السردي آفاقا دلالية جديدة. فالتجارب التي ظهرت مع التقنية المعاصرة تجارب ذات أبعاد متجددة تضيف بعدا مهما إلى التجربة العربية. وفي ظني أن المبدع المعاصر قد تجاوز ملامح الدهشة التي صاحبت ظهور التقنية إلى اقتراب واع من توظيف أمثل لخصائص التقني، ومقاربتها من قضاياه الاجتماعية، وصولا إلى نص أدبي يشبه عصره تماما، ويحمل كل ملامحه الفنية والتقنية. ----------- هوامش: (1) ربما غدًا، مجموعة قصصية، الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع. مطبوعات نادي المنطقة الشرقية الأدبي، ط1، 1430-2-2009 م. ص 48 (2) الجزيرة / المجلة الثقافية / الخميس 25 من جمادى الآخرة 1430ه/ العدد 288)، وانظر، مجموعة ربما غدًا ص 50 (3) قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر، (دمشق :منشورات اتحاد الكتاب، 2000م، ص 73. (4) شيمة الشمري، ربما غدا، 51. (5) ربما غدا ص 8 (*) جامعة الملك خالد. عضو مجلس إدارة أدبي أبها

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.