اقتراح باستحداث "جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للسلامة المرورية" تعاني بلادنا الحبيبة من زلزال مروري يحصد آلاف الضحايا سنوياً، إذ بلغ آخر إحصاء رسمي في ذلك نحو 5200 قتيل، إضافة إلى أن نحو 7 في المئة من المصابين تنتهي بهم الحال إلى إعاقة دائمة. ولو طبقنا التعريف الدولي لوفيات الحوادث المرورية، لارتفعت حصيلة القتلى في السعودية إلى أكثر من ذلك، إذ يقدر بعض الخبراء أن يرتفع عدد القتلى إلى نحو 25 في المئة، أي ما يعادل تحطم 40 طائرة ركاب سنوياً، على متن الواحدة منها 162 راكباً، لم ينجُ منهم أحد! وإذا نظرنا إلى الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها السعودية، فإننا سنجد أنفسنا أمام فاتورة باهظة الثمن تصل إلى 21 بليون ريال سعودي سنوياً، أي نحو 5 في المئة من الناتج المحلي للسعودية، وأكثر مما يُصرف على قطاعي الصحة والتعليم، كما اتضح أيضاً من دراسة حديثة أن ثلث أسرّة المستشفيات في السعودية يشغلها مصابون في حوادث مرورية. وفي عالمنا العربي، نجد أن حجم الكارثة أشبه ما يكون بحرب استنزاف، وورد أخيراً في تقرير للمنظمة العربية للسلامة المرورية، أن الحوادث المرورية في العالم العربي تتسبب في قتل نحو 36 ألف شخص، وإصابة أكثر من 250 ألفاً آخرين بجروح، ينتهي بعضها بإعاقة دائمة أو جزئية، ويبلغ حجم الخسائر المادية التي تتكبدها الدول العربية جراء الحوادث المرورية نحو 65 بليون دولار كل عام. أما على مستوى العالم، فإن الزلزال المروري يحصد كل عام أكثر من 1.2 مليون قتيل، منهم نحو 300 ألف طفل. كما يُصاب أكثر من 50 مليون شخص كل عام نتيجة حوادث السير، منهم 15 مليوناً تنتهي إصابتهم بعاهات دائمة، ويكلف هذا الزلزال المروري الذي لا يبقي ولا يذر خزانة العالم هدراً يبلغ أكثر من 500 بليون دولار كل عام، وذلك بحسب ما ورد في تقرير مشترك للبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية. وبحسب قراءة منظمة الصحة العالمية للمستقبل، قُدر أنه بحلول عام 2020 سترتفع إصابات الطرق من المرتبة التاسعة إلى المرتبة الثالثة على قائمة أسباب ضياع سنوات العمر، وأن عدد القتلى والمصابين نتيجة الحوادث المرورية سيزداد بنسبة 60 في المئة، وسيكون معظم الضحايا من البلدان النامية. وكان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان صرح، في أكثر من مناسبة، بأنه على رغم أن هذه المأساة تطاول أفراد المجتمع الدولي قاطبة، إلا أنه لم يحرك أحد ساكناً لاحتوائها في الشكل الصحيح، ومن ذلك تمويل البحوث والدراسات الخاصة لمعالجة هذه المعضلة، كما انتقد غياب الإرادة السياسية الفاعلة للمجتمع الدولي للتخفيف من حجم هذه الكارثة، ما حدا بالجمعية العامة للأمم المتحدة أن تصدر قراراً يدعو إلى الإسهام في تنظيم"أسبوع الأممالمتحدة العالمي الأول للسلامة المرورية"، والمقرر عقده في مدينة جنيف في سويسرا، خلال شهر نيسان أبريل من العام المقبل. ويرى الخبراء المعنيون أن السلامة على الطرق لن تتحقق في الشكل المطلوب ما لم تتقاسم الجهات المعنية، سواء أكانت هيئات حكومية أم منظمات عامة أم إدارات صناعية، المسؤولية المشتركة لتحقيق ذلك، سواء عن طريق دعم الأبحاث والدراسات أم بوضع الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق السلامة المرورية. وللسلامة المرورية في الإسلام أهمية كبيرة وأجر عظيم، فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح أنه:"بينما رجل يمشي وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له، فغفر له"، رواه مسلم. وفي الحديث الآخر:"عرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق"، رواه مسلم. ويقول تعالى: ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، وقال أيضاً: وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. ومن منطلق هذه التوجيهات الربانية والأحاديث الشريفة وهذه الأرقام والحقائق الماثلة أمامنا، أقترح تبني مشروع"جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للسلامة المرورية"وأن تكون للجائزة ضوابط وفروع، بحيث تعمل في النهاية على تحقيق السلامة المرورية، وذلك عن طريق تشجيع المؤسسات والهيئات الدولية ومراكز الأبحاث المعنية، ومراكز البحوث التابعة لمصانع السيارات، وأهل الخبرة والاختصاص، على إجراء الدراسات والبحوث الكفيلة بتحقيق السلامة المرورية على الطريق. إن الموافقة على اعتماد فكرة هذه الجائزة تعتبر سنة حسنة سيخلدها التاريخ بمداد من ذهب، فهي ستعمل بلا شك على سلامة أرواح الكثير، خصوصاً الأطفال، وستقلل من الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها المملكة، خصوصاً الفقيرة منها، كما ستسهم هذه الجائزة المقترحة في تحقيق بيئة صالحة. ولعل المسؤولين في بلادنا الحبيبة يعملون على رفع طلب لهيئة الأممالمتحدة لاستحداث لقب"سفير السلامة المرورية"لدى هذه المنظمة الدولية، وذلك على غرار لقب"سفير النيات الحسنة"، وأن يقترحوا إنشاء صندوق عالمي يختص بتمويل الأبحاث والدراسات المرورية الكفيلة بتحقيق السلامة على الطريق، وأن تكون السعودية أولى المتبرعين فيه، والله ولي التوفيق. محمد السابر خبير في شؤون السيارات وناشط مروري [email protected]