قلّما سجل التاريخ القديم، وحتى الجديد، لملوك وسلاطين وحكام، مواقف إنسانية حقيقية أمام شعوبهم، ويزداد الأمر ندرة عندما تنهمر في المشهد دموع الملك، مثلما فعل ملك"مملكة الإنسانية"عبدالله بن عبدالعزيز، حين عطرت دموعه الأبوية ليل القصيم أول من أمس. أسس خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير سلطان،"بروتوكولات"جديدة في التعامل مع الشعب، وقبل أن يشاهد السعوديون ابتسامة ملكهم مع توليه مقاليد الحكم، عانقوا دمعته على أخيه الملك فهد رحمه الله عندما غادر المقبرة، في لقطة تاريخية قبل عشرة أشهر ونصف الشهر. دمعة الملك في ذلك اليوم انهمرت من قلب أخ بكى أخاه الذي رافقه سنوات طويلة، وشاركه الأمانة وتحمل المسؤولية، دمعة لم تحمل إلا الحزن وألم الفراق، والخوف من الله بعد تحمل المسؤولية الكبرى. شاهد السعوديون مساء أول من أمس دمعة جديدة لملكهم، وحزناً متبادلاً مع مرافقه في حمل الامانة ولي عهده، إذ لم تمنعهما كل"برتوكولات"أهل الأرض من ذرفها، بل دفعتها عين عبدالله الإنسان والأب، فمنظر 15 طفلاً يتيماً حرمهم الإرهاب الأعمى من آبائهم، كانت كفيلة باستدرار دموع الحكام. لبس أطفال الشهداء أجمل ما عندهم للقاء التاريخي مع أبي متعب وأبي خالد، وأتوا يتزينون بالفرح، معلنين وداع الحزن في حضور والدهم الكبير، لتؤكد لهم دموع الملك الإنسان، وتقول بلسان حاله:"انا والدكم وأبو كل السعوديين". لم يبك الملك عبدالله لمنظر أطفال تسأل عيونهم عن سبب قتل آبائهم، بل بكى معهم وطناً جرح على يد مجموعة من أبنائه، تحت مظلة أعظم ما يفخر به السعوديون، وهو دينهم الذي نزل في أرضهم ويحتضنون قبلته، وحملوا أمانته وأسهموا في نشره وأكرموا قاصديه. ربما لم ير السعوديون ملكهم لحظة تلقيه أنباء استشهاد أي من أبنائه على يد الإرهابيين، إلا أنهم شاهدوا رد فعل حياً، كانت دموعاً وتحية لدماء الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن دينهم ووطنهم. لم يكن منظر الملك وهو يمسح دموعه غريباً على شعبه، فهم يعرفون العمق الإنساني لديه منذ أن كانوا يسمعون قصصه مع البسطاء، وحتى منظره وهو في بيوت الفقراء، ومداعبته لهم في الأسواق، وسؤاله عن أحوالهم وقضاء حاجاتهم في مجلسه الأسبوعي. ويعرفون جيداً يد سلطان التي امتدت إلى كل شبر في البلاد، لتمسح دمعة وتخفف ألماً، عبر مراكز الاستشفاء المجانية، وكان آخر موقف عفوي طبع في ذاكرة السعوديين، حديثه مع الطفل المعوق في حائل عندما قال له:"يا سلطان انا احبك... وأبيك تأخذني بسيارتك". فكان الرد ابتسامة و"أبشر". كثيراً ما شاهد السعوديون"صقر العروبة"و"سلطان الخير"، يستقبلان القادة ويتباحثون معهم، ويعقدان القمم ويتحدثان في المحافل الدولية، ويسافران شرقاً وغرباً، يوطدان العلاقات، ويبرمان الاتفاقات، ويفتحان الآفاق، ويشددان على سياسة بلادهم، بشموخ القادة وحلم الحكماء، وابتسامة الواثقين.