المتتبع للأحداث المؤسفة في هذا الوطن الحبيب يلاحظ وبحزن قيام عدد من أفراد الفئة الضالة وأرباب الإرهاب بمحاولة النيل من الوطن والمواطن. ووقوف عدد من الجهات - وأهمها بالطبع الجهة الأمنية التي أبلت بلاء حسناً ? في وجه الإرهاب ذكرنا بالتاريخ المجيد للأمة الإسلامية، وذكرنا بالعصور الذهبية لحضارتنا، فلقد قدم لنا أسود الوطن ورجال الأمن أمثلة راقية ورائعة في حماية هذا الوطن الكريم، وهذا بالطبع ليس بمستغرب عليهم، ويجب أن يقوم بالشيء نفسه كل مواطن غيور على هذا الوطن. ومع الجهات الأمنية قامت جهات أخرى بمساندة فكرية وإعلامية وثقافية، ولكن الملاحظ - لي شخصياً على الأقل من حيث تخصصي في الإجرام ومكافحة الجريمة ومتابعتي لهذه الفئة الضالة وأفعالها الإجرامية منذ فترة ليست بالقصيرة - أن إعلامنا الموجه إلى هذه الفئة الإرهابية هو للأسف إعلام نخبوي، يخاطب المتعلم المثقف أو على الأقل نصف المثقف. الكثير من الإرهابيين قليلو التعليم، وربما في المرحلة المتوسطة أو الثانوية، ومصدر علمهم أو ثقافتهم كتب وأشرطة منتقاة بعناية من أرباب الفكر الإرهابي والتكفيري خارج الوطن، وبعيدون بعض الشيء حسياً ومعنوياً من الإعلام والساحة الإعلامية والثقافية، ومصادر ثقافة وتعليم هؤلاء الإرهابيين هدفها غسل أدمغة هؤلاء الشباب ونشر الفكر التكفيري والاقصائي، والنظرة للحياة المعاصرة نظرة يائسة متشائمة قاتمة، وهم غالباً من أسر متوسطة أو فقيرة، همها اليومي قوت يومها في كثير من الأحيان في أعمال بسيطة. المهم هنا أن هؤلاء الأفراد وهذه الأسر لا تصلها رسائلنا الإعلامية الأمنية واضحة... ولست مطلقاً أبحث عن تبرير لعمل هذه الفئة الضالة، ولكن أتمنى أن يوجد توجه فعلي لتوعية الشباب الذين لهم نفس ظروف هؤلاء الفكرية والاجتماعية والنفسية والديموغرافية، ولم ينخرطوا بعد في هذا المستنقع النتن وتوعيتهم من خطر الإرهاب والفكر الضال والتكفير، حتى لا يلتحق أناس جدد بهم، وحتى لا نخسر عدداً أكثر من أبنائنا ممن يرتمون في أحضان الفكر الضال ويذهبون فداء للشيطان. هنا لا بد من رسائل وحملة إعلامية واضحة وصريحة، تبتعد من الإعلام النخبوي كما ذكر... لقد قابلت عدداً من أفراد الفئة الضالة وعدداً من أسرهم، وحاولت اختبار مدى معرفة هؤلاء بالرسائل الإعلامية حول الإرهاب، واتضح أن عدداً منهم لا يفهم بدقة المقصود من هذه الرسائل ومعناها، وأرى أن توجد لجنة من المتخصصين في الإرهاب والجريمة المنظمة والإعلام، تعرض هذه الرسائل على أناس لهم ظروف هؤلاء نفسها للتأكد منها. مثلاً ما يمنع أن تحول الرسائل من رسائل عن الوطن مكتوبة إلى رسائل على شكل دعاية مثلما هو حصل في العراق مثلاً"كن عيناً على العراق"في شكل دعاية تلفزيونية جميلة. أيضاً أرى أن نحاول أن نبتعد من فكرة أن الإرهاب خطر على التنمية ومؤسسات المجتمع، يجب أن نحول هذه الرسالة أو الفكرة لتقول إن الإرهاب خطر عليك شخصياً أيها المواطن وعلى أسرتك بشكل مباشر، فأثر الإرهاب لا يمس الوطن فقط، ولكن المواطن المتضرر الأول من الإرهاب. كذلك أتمنى استخدام الدراما التلفزيونية والإذاعية لتصوير مشاهد تحاكي الإرهاب بأسلوب درامي سلس بسيط يخاطب العقلية البسيطة وغير المتعلمة. والفكرة أن تنْفذ بقوة وفاعلية إلى عقول هؤلاء الشباب، لتحذيرهم من الإرهاب، وأيضاً لحصار من لديهم فكر إرهابي وإغلاق الطرق الفكرية التي قد تقود للإرهاب. وهناك مؤسسة قائمة لها أكبر الأثر في الحرب على الإرهاب ولم تستغل بعد بطريقة سليمة ألا وهي المسجد، الذي يجب أن يكون له دور أكبر في حربنا على الإرهاب، بواسطة أن تختار وزارة الشؤون الإسلامية كتاباً بسيطاً وسهلاً عن الوطن وخطر الإرهاب وحقوق ولاة الأمر وحرمة دماء المسلمين والمعاهدين ويقرأ هذا الكتاب بواسطة الإمام على المصلين مرات عدة أسبوعياً، كذلك خطب الجمعة التي يحضرها الجميع يجب أن يستفاد منها في الحرب على الإرهاب بواسطة دعاء الإمام لهذا الوطن ولولاة الأمر ولرجال الأمن والدعاء على الفئة الضالة وبيان خطرهم وشرح عقائد الخوارج والتكفيريين وشرهم وفسادهم وحقدهم على الأمة والوطن. كذلك من الأهمية بمكان إلقاء العديد من المحاضرات والندوات والكلمات في مجامع الناس، وفي المدارس خصوصاً الثانوية والمعاهد والكليات الصناعية والمهنية. ويجب التركيز على الفكر المضاد للإرهاب، فللأسف يُحارب الإرهاب فكرياً بحياء وبجهود فردية مشتتة، وكما ان المجهودات الأمنية متفاعلة ومتجانسة ومتكاملة، يجب أن يكون هناك مجهود فكري يضاهي أو يزيد على الحرب الأمنية على الإرهاب. في هذه المحاضرات والندوات والكلمات يجب كما ذكر في البداية البعد من النخبوية، سواء في الموضوع أو في الكلام أو في الحضور. يجب أن ننزل لمستوى الشاب الذي قد يلتقط من أرباب الفكر الضال، لنوصّل له الرسالة واضحة صريحة. للأسف كثير من محاضراتنا نخبوية، يحضرها المتعلمون والمعلمون وأساتذة الجامعات، وهؤلاء ليسو الهدف الأساس للمحاضرة وليس الفئة المستهدفة. وكما رأينا المقاطعة الشعبية للمنتخبات الدنماركية وكيف تفاعل معها الصغير والكبير والجاهل والمتعلم والفقير والغني، واستعملت فيها المساجد ورسائل الجوال وصفحات الصحف وأبواب المتاجر وزجاج السيارات، وأقيمت لها المحاضرات والندوات والقصائد وهذا هو المتوقع والمأمول في من هاجم وتنقص من سيد البشرية وشفيعنا"صلى الله عليه وسلم"... أتمنى أن نرى شيئاً مثل هذا في حربنا على الإرهاب، بحيث نحول مسار الحرب على الإرهاب من ثقافة وفكر نخبوي لثقافة وفكر شعبي. بحيث يكون هم المواطن الأول هو حرب الإرهاب، لتحويل حرب الإرهاب إلى هم وطني، يهم كل مواطن ويجعل كل مواطن يسهم بحسب قدراته واستطاعته في هذه الحرب الفاضلة، وهذا المأمول وهو المتوقع من ابن هذا الوطن الكريم. نسال الله أن يحفظ هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين وقبلة المسلمين بحفظه ويحميها من كل ذي شر وفساد. * أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة المشارك ووكيل كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية في جامعة القصيم.