قراءة متأنية لما تحمله الصفحة السياسية بجريدة"الحياة"، تقود القارئ المتابع والراصد لتطورات الأوضاع إلى اندفاع الإدارة الأميركية في اتجاه الخيار العسكري! ويؤكد أن العقيدة العسكرية الأميركية - الإسرائيلية تضغط لحسم الملف النووي الإيراني بالحل العسكري، ليتراجع أمامه يوماً بعد يوم الخيار الديبلوماسي، الذي ينتقد أصحابه الإدارة الأميركية ويتهمها ليس فقط بالغباء، وإنما أيضا بالغطرسة، ويرى أن ثمة بلداناً ينبغي ألا تتحدث الولاياتالمتحدة إليها، لهو ضرب من حصار ذاتي لا طائل من ورائه ؟! كما يرى أن الحرب المقبلة هي حرق لكل أطراف الصراع، ولن تحسم خلافاً بل على العكس قد تأتي نتائجها بما لا تشتهي واشنطن، مثل الحرب الأخيرة على لبنان التي زادت من شعبية"حزب الله"على امتداد العالمين العربي والإسلامي، وعمقت نفوذه في منطقة الشرق الأوسط، وكسرت الرهبة من أساطير قوة الردع الإسرائيلية وتفوقها العسكري! وقبلها الحرب على العراق التي صعدت النفوذ الإيراني الشيعي في العراق والخليج، وتحولت إيران لقوة إقليمية تمدد نفوذها في بلاد ما بين النهرين وآسيا الوسطى، وتهيمن اليوم على العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية في جنوبالعراق وغرب أفغانستان، لذا فإن اتجاه الخارجية الأميركية يرمي إلى عزل إيران وفرض العزلة والعقوبات عليها من خلال مجلس الأمن، وبتقديم تنازلات إسرائيلية بإعادة مرتفعات الجولان السورية وإغرائها وكسبها بالانسحاب إلى الحدود الدولية قبل 4 حزيران يونيو1967، ومن خلال العمل على حل القضية الفلسطينية بدعم فتح وإسقاط حكومة"حماس"سياسيا، وتقديم حوافز لأبو مازن تعزز مكانته، وذلك بالانسحاب من الضفة الغربية وتقديم تسوية شكلية على القدس، وترسيم الحدود النهائية لدولة إسرائيل؟! وعلى ما يبدو أن الجناح"المتصهين"فى الإدارة الأميركية لا يريد الحل الديبلوماسى الذى سيضطر إسرائيل لما يسميه بالأثمان الباهظة، ويحذر من تراجع الهيمنة الأميركية على المنطقة، ويدفع بكل قوة لاستخدام منطق الغطرسة والغباء! وعلى الجانب الإسرائيلي يتم الآن التجهيز للحرب وما بعدها بالتحول من النظام السياسي البرلماني - الرئاسي للنظام الرئاسي ? البرلماني، وإشراك إفيجدور ليبرمان القذر- كما يُعرف في إسرائيل- في حكومة متطرفة، يشارك فيها اليمين واليسار الصقور والحمائم لتختفي هذه الخطوط الخيالية؟! وقد هدد أولمرت إيران قائلاً:"على إيران أن تخاف من عواقب أفعالها ومن أن يحصل ما لا ترغب فيه!"، وطالب أولمرت، ماسماهم"أصحاب الضمير"في المجتمع الدولي، انطلاقاً مما سماه المسؤولية الأخلاقية! ألا يقبلوا بتهديد إيران المباشر لدولة عضو في الأممالمتحدة! وأكد أن إسرائيل لن تكرر أخطاء ال 60 عاماً الماضية؟! والحقيقة أن الحملة الدعائية الإسرائيلية - الأميركية تقود وتهييء المجتمع الدولي والرأي العام العالمي للقبول بشيء ما؟! فمثلاً إسرائيل تعترف من تلقاء نفسها أنها استخدمت القنابل الفوسفورية في ضرب مواقع لحزب الله في الحرب الأخيرة! ويتحدث دونالد رامسفيلد عن عدم جدوى السلاح التقليدي في مواجهة الرادع النووي؟! إن الخيار اليميني الصهيوني في الإدارة الأميركية يزداد قوة ولا يريد إيران وحدها، إذ يطالب بتوسعة الضربة المقبلة لتنهي ما سماه خطورة سورية، التي تعتبر ممراً للذخيرة الإيرانية لحزب الله ومعقل المقاومة الفلسطينية، وتحولت إلى مركز استخبارات إيراني سوري يهدد إسرائيل ومصالح أميركا في المنطقة؟! ويرى منظرو الحرب في أميركا أن روسيا والصين أصبحا يوظفان الورقة الإيرانية في لعبتهما الدولية مع أميركا! فموسكو تستخدمها لانتزاع امتيازات في البلقان والقوقاز وفي مفاوضاتها الاستراتيجية الدولية، والصين تستخدمها لترجح كفة خلافاتها التجارية مع أميركا، وهذا هو السبب وراء ما تسميه واشنطن تلكؤ مجلس الأمن في اتخاذ قرار بفرض عقوبات على إيران، لذلك يسعى الخيار العسكري اليوم لتحييد"حماس"، التي سبق وأعلن خالد مشعل أنها لن تقف على الحياد إذا ما ضربت إيران، وذلك بتقوية"فتح"وإسقاط"حماس"عسكرياً، وتأتى صفقة الأسلحة المتطورة التي تسلمتها الرئاسة الفلسطينية من إسرائيل ضمن هذا المخطط!! وأما"حزب الله"في لبنان فتتكفل به قوات"اليونيفيل"بعد تطويع آلية القرار 1701 الأممي وتوسيع صلاحيات القوات الدولية بتغيير قواعد الاشتباك بحجة خرق الطيران الإسرائيلي للأجواء اللبنانية! ولقد بدأ ت أولى فصول الخيار العسكري بالحرب الإسرائيلية على لبنان، والتي هبطت بسقف التوقعات بعد فشلها وهزيمتها، ما اضطر الولاياتالمتحدة لتكوين حلف المعتدلين البنائين واسع تشارك فيه دول إقليمية، وحرصت واشنطن ألا يظهر بصورة رسمية ومهمته توثيق التعاون الاستراتيجي في حال توجيه ضربة لإيران! وعلى ما يبدو أن الدول العربية حتى الآن لم تعط الضوء الأخضر لأميركا، على رغم موافقتها على المشاركة في ما تسميه"محور المعتدلين"، وترى أن الوقت لا يزال يسمح بالعمل الديبلوماسي وترفض استخدام أراضيها لأي عمل مسلح ضد إيران؟! لكن هل تستمع الإدارة الأميركية لصوت العقل أم ستدير ظهرها لتوصيات لجنة بيكر - هاملتون التي شكلها الكونغرس، وتطالب باتصالات مباشرة مع طهران وسورية؟ هل اللوبي الإسرائيلي اليوم في الكونجرس من القوة التي تمكنه من الضغط على الإدارة لتكرر خطأ العراق؟! وما موقف إيران العلني مما يجري؟ إيران تعلن عن تنامي قوتها يوماً بعد يوم، وعن استعدادها في حال شن حرب نووية عليها، أن قوتها النووية تمثل عشرة أضعاف ما كانت عليه العام الماضي، وحذر أحمدي نجاد، مما سماه الدول الكبرى الداعمة لإسرائيل، من أن مرحلة سيادتها انتهت!، وأضاف: قريباً ستحتفل الشعوب بسقوطها، ولسنا مسرورين بذلك ولا نقبل به ؟! لذلك ننصحهم بالتخلي عن هذه التصرفات ؟! وتطورات الموقف الخطرة تجعلنا نتساءل: هل أميركا ستعيد الكرة مرة أخرى بعد ستة عقود على استخدامها للسلاح النووي؟! هل يعملها بوش قبل مغادرته البيت الأبيض؟! مجلس الحرب الأخير، الذي اجتمع به بوش يوم الأحد 22 تشرين الأول أكتوبر 2006 لا يقتنع عاقل أنه كان لرسم معالم الطريق للحكومة العراقية، خصوصاً إذا علمنا أن شخصيات المشاركين فى الاجتماع، الذي استمر ساعة ونصف الساعة مع الجنرال كاسي قائد القوة المتعددة الجنسيات في العراق عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة والجنرال جون أبي زيد قائد القوات الأميركية في المنطقة، وبيتر بايس رئيس أركان الجيوش الأميركية، ووزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، ونائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، والسفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاد، ومستشار الأمن القومي ستيفان هادلي، ونائبه الثاني جاك كروش، هل يعقل أن مجلس الحرب هذا اجتمع لوضع خطة أمن بغداد؟! ويبقى القول أن الخطأ الأكبر الذي ستقع فيه إيران، أنها حتى الآن لم تسع لبناء جدار الثقة مع العالم العربي وتدفع لانتشار مذهبها الشيعي في البلدان العربية، وهذا لن يخدمها في صراعها المقدم، وعليها أن تبرهن على حسن نواياها، خصوصاً في العراق وتوقف المليشيات التابعة لها وتتبرأ من جرائمها، وتعطي الضمانات التي تريدها الدول العربية بأنها لن تصبح أخطر على الدول العربية من إسرائيل، كما تروج لذلك الدعاية"الصهيو أميركية"، ولا تعوزها الأدلة التي تساعدها كي تبرهن على الخطر الشيعي المتصاعد!! هيثم صوا- ن مكةالمكرمة [email protected]