لم تتوقع الدعوات الفقهية المتفرقة التي بدأت في السنوات الأخيرة متناولة قضية "التيسير في الحج" أن تستيقظ على كارثة وفاة 364 حاجاً وإصابة 288 آخرين، في أعلى رقم لحوادث الجمرات، إذا تم استبعاد الحوادث الجنائية كحادثة نفق المعيصم وإشعال الحرائق في خيام منى. إذ كانت هذه الدعوات تركز على مسائل ينظر إليها كمفاصل للحج، وهي وقت رمي الجمرات أيام التشريق، وتأخير الرمي، والدفع من عرفة قبل الغروب، والمبيت في منى وما ورد من الرخصة فيه، والزحام وما ورد من النهي عنه، من منطلق أن المصلحة في الحالة الراهنة يترجح معها القول الذي يتضمن اليسر والسهولة مع انتفاء الإثم، اعتماداًَ على قوله تعالى: "فإن مع العسر يسراً". واتسمت هذه الآراء الفقهية بانعدام المظلة المؤسسية التي تحتويها، إذ كانت في الغالب تتم بشكل فردي، يخالف الفتوى الرسمية التي تقول مثلاً بأن الرمي لا يصح قبل الزوال، بينما العلماء الذين يتوخون مقصد التيسير يفتون بجواز الرمي قبل الزوال، كما يفتون بسقوط المبيت في منى ليالي التشريق لمن لم يجد مكاناً لائقاً له، وله أن يبيت في أي مكان ولا شيء عليه، اذ لا تعتبر الطرقات والأرصفة مكاناً صالحاً لمبيت الآدميين، وهكذا في سلسلة من المسائل المتعلقة بالتيسير على الحاج ضمن ضوابط الشريعة ومقاصدها. وتزامناً مع هذه الآراء وعلى خلفية حادثة جسر الجمرات الأخيرة دعا وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا الأمير نايف بن عبدالعزيز، علماء السعودية والأمة الإسلامية إلى استنباط أحكام تسهل على حجاج بيت الله الحرام شعيرة رمي الجمرات، معتبراً ذلك أمراً مهماً ومن واجباتهم إيجاد الحلول الشرعية للمحافظة على أرواح المسلمين. كما أشار خطيب المسجد الحرام في الجمعة التالية لحادثة الجسر الشيخ سعود الشريم، إلى أهمية مراعاة جوانب التيسير ورفع الحرج مع التفريق بين ما هو واجب وما ليس بواجب، مؤكداً في الوقت نفسه أهمية اجتماع النواحي الشرعية والتنظيمية والهندسية. وفي السياق ذاته، أكد وزير العدل الموريتاني السابق الشيخ عبدالله بن بيّة، في مقدمة دراسة شرعية تتناول مسائل في الحج بعنوان "السكينة أيها الناس"، على عدد من الأسباب الباعثة على التيسير في المناسك، يأتي في مقدمتها أن فريضة الحج ما ذكرت في الغالب إلا ومعها قيد الاستطاعة، معتبراً أن في هذا القيد تنبيهاً للحاج على رفع الحرج. كما أن عبادة الحج بشكل خاص تميزت برفع الحرج وبنصوص مؤكدة من خلال الأحاديث النبوية، اذ لم يسأل النبي عليه السلام عن شيء قُدم أو أُخر يوم النحر إلا قال افعل ولا حرج، وتابع بن بيّة مضيفاً "في مواسم الحج الحالية توجد أعداد لم يسبق أن اجتمعت على مر التاريخ، ولهذا فإن أوضاع الحج في هذا العصر أوضاع ضرورة وترخص، والتعامل مع كل أقوال العلماء الموثقة أمر ملائم لمقاصد الشريعة، تيسيراً ودفعاً للضرر المحقق".