كان قلبي يخفق بين ضلوعي ويداي ترتجفان خوفاً، لكن المكان يبدو شبه خال. نظرت إلى الأمام ثم أدرت رأسي ونظرت إلى الخلف. تأكدت أن كائناً من كان لم يلاحظني، وأنني لو باشرت مهمتي الآن فلن يلقى القبض عليّ متلبسة بجريمة حب، فكل الكتب التي رصت على رف المكتبة كانت تتحدث عنه. كانت عناوينها كالتالي:"كيف تجعلينه يقع في حبك"وما"يقومش"؟"كيف تحتفظين به إلى الأبد"وتطبقين على أنفاسه؟"كيف تجدين زوج العمر"وتصطادينه؟"جدد حياتك الزوجية"أو حتى استبدل بها أخرى؟"كيف تقنعها بالزواج من أخرى"وإن لم ينفع فبالإرهاب؟ كتب وكتب، ولمعلوماتك تلاقي هذه الكتب إقبالاً ما بعده إقبال، لأنها تجيب عن أسئلة الحب. إنه الحب يا عزيزي محرك الدنيا. إنها تلك العاطفة التي تلهب المشاعر وتجيش الحواس وتشغل العقل والفؤاد والوجدان. إنه الدافع للحياة، للبقاء، وللبحث عن السعادة. لكنني ومع خوفي وقفت حائرة، هل أصدقها، أم أكذبها؟ ولو صدقتها وحفظت عن ظهر قلب كلماتها، فهل سيخرج لي من بين صفحاتها مارد يبشر:"شبيك لبيك حبيبك بين إيديك". وقبل أن أتورط في شرائها، وأمتثل بين يدي"الكاشير"ويلتهمني بنظراته لئلا أكون"مغرمة"قلت في نفسي"يا بنت تصفحيها". باستحياء شديد مني التقطت بسرعة أحدها، فقرأت أول ما قرأت"إن الحب معركة". لا، لم أطق أن يكون الحب هو الآخر معركة، فليست فيّ أي رغبة للقتال، كفاني اقتتالاً فأنا أقاتل على كل الجبهات: عائلياً، اجتماعياً، اقتصادياً، وأكافح الإرهاب والمخدرات والبطالة و"التشفيط"و"التقنيص"، وأخيراً فتحت لي وعلى شرفي معارك عربية سياسية وانتخابية أيضاً، وحشروني فيها حشراً. شكراً أني أرفض أن يكون الحب معركة، فأعدت الكتاب مثلما أخذته خلسة، ودفعني فضولي لأن آخذ التالي الذي وصف الحب على أنه لعبة. الحق بها تهرب منك، اهرب منها تلحق بك، قل لها انك ستكلمها ولا تكلمها. لم يعجبني فأنا لا أرى الحب على أنه لعبة لعلمي المسبق أن للعبة الحب قواعدها تحنو على غالب وتذل من غلب. ولأني أعرف نفسي مسبقاً"مغلوبة مغلوبة"، ومثل أي محب في مجمل الجولات مهزومة، أعدت الكتاب وفي اقتناع أقوى أن قاعدة الحب تقوم على مبدأ: لا غالب ولا مغلوب، فالمحب عليه أن يكون عادلاً، وعلى فكرة الرجل العادل مباح له كل شيء، تماماً كل شيء. أعدت الكتاب وتفحصت المكان، كان ما يزال شبه خال. وبسرعة ابتدأت اسحب كتاباً وأرد آخر، ذاك يصف الحب على أنه"كيمياء"، لماذا لا يكون فيزياء، أو علوم أحياء، أو علوم ذكريات وآمال؟ وآخر يصفه على أنه خيال وتصور وفيه تشبيه واستعارات، وبحاجة إلى رموزه أيضاً، استلطفت هذه الفكرة لأنها تترك في نفس حبيبك انطباعاً بأن تكون رمزاً للشيء. كتب وكتب، لكن لا، لم تجبني تلك الكتب بعد عن سؤال الحب، وكان مر وقت طويل، وكان لابد أن يلحظني أحدهم. وقبل أن يفتضح أمري أخفيت عيوني التي تفضحني دوماً، لا تفرح فعيونك فضحتك أيضاً، العيون هي الصورة الواضحة، أو"إكس راي"الروح تماماً، واتجهت إلى قسم الاقتصاد والتسويق لأموه الأنظار عني، وأخدعها بأنني مهتمة بأمور أخرى في هذه الحياة، لكن كان عقلي يرفض الاستسلام لدكتاتورية القلب المطلقة، ويفكر بالحب، لكن بالمنطق، وأقولها انني بت واثقة أكثر من أي وقت مضى أن لكل إنسان انطباعه ونظرته الخاصة عن الحب، فإذا ما جاءت الصدفة وفي الوقت المناسب لشخصين لديهما الانطباعات نفسها عن الحب ولد بينهما الحب بكل يسر وسهولة، ومن دون تدخل جراح، أو بنج، أو إبرة ظهر. إنه لا يدق الباب إنه يدخل من دون استئذان، وإن شاء استوطن، بل امتلك امتلاك طاغية لا يرحم، فمهما حاولت أن تقترب من قلب أحدهم ودققت الباب، فانك لن تسمع الجواب فيا قلبي لا تتعب قلبك، لأن الحب ذاكرة شاعرية تسجل ما خلبنا، ما كان قد أثر فينا، ما يكسب حياتنا بهاءها، ويبدأ الحب في اللحظة التي نسجل كلمة في تلك الذاكرة، فإذا كنت ضمن هذه الذاكرة الشاعرية، فإن الحب لك من دون تعب، التعب للظروف التي إما أن تكون لمصلحتك فتزفك إليه، أو تعاكس وتبعدك عنه، أنت وحظك إما أن يكون اسمك متطابقاً مع الذاكرة الشاعرية فيسجل، أو"مش مكتوب"المحبة من نفسها، لا إبرة، ولا ورثة. ارتحت كثيراً لتوصلي إلى هذه الفلسفة، وقررت مغادرة المكتبة التي بدت لي وكأنها قاعة محاكمة كبرى من دون قاض عادل، ومع هذا أثبت براءتي، وقبل مغادرتي مررت من أمام"الكاشير"، الذي من دون أن أدري كان يراقبني، فخلعت نظراتي عن عيوني ورمقته بكل كبرياء، لكنني قلت بقلبي"يضرب الحب شو بيذل". خلف الزاوية أطير كأنك ريش جناح، وأصعد... سحر مزاجك سلم. أحبك لا أستطيع فراقاً، وهذا الغرام علي محتم. [email protected]