تعليم عسير يُنفّذ فعالية مجتمعية للتعريف ب (نافس)    ثمان ميداليات ومركزين لتعليم عسير في مسابقة الأولمبياد الوطني للتاريخ    جدة تشهد الملتقى التدريبي لفورمولا1 للمدارس    انطلاق الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية بالبحرين    ضبط 19710 مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الهلال الأحمر بالقصيم احتفى باليوم العالمي للهلال الاحمر السعودي    أمين الشرقية يصدر قراراً باستحداث «بلدية الدمام»    فيضانات أفغانستان تودي بحياة 200 شخص    تتويجا لتوجيهات ولي العهد.. الدبلوماسية السعودية تنتصر لفلسطين    النهاري والغامدي يزفان محمد    "أمانة حائل" تطرح عددًا من الفرص الاستثمارية    خبيران اقتصاديان ل"الرياض": المناطق اللوجستية لسلاسل إمداد مواد البناء تدعم الطلب    "الصحة العالمية": استمرار محادثات اتفاق لمكافحة الأوبئة    الفياض: نستثمر في التكنولوجيا لمعالجة التحديات الصحية العالمية    عاصفة شمسية تضرب الأرض وتلون السماء    هطول أمطار مصحوبة برياح نشطة على معظم مناطق المملكة    ليندمان: رؤية 2030 حفّزت 60 بعثة أمريكية للعمل بالمملكة    حظر الأظافر والرموش الصناعية بالمطاعم ومتاجر الأغذية    وزير النقل: لا نتدخل في أسعار التذاكر الدولية    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    مايكروسوفت تطلق متجراً لألعاب الهاتف    "الصحة" توضح الوقت المسموح للجلوس أمام الشاشات    نجاح علاج رضيعة صماء بالجينات    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ عبدالله بن سلمان بن خالد آل خليفة    اليابان تستعد لاستقبال ولي العهد    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يصل إلى الولايات المتحدة للمشاركة في آيسف 2024    الهلال ينهي تحضيراته للحزم    جمعية الرواد الشبابية تنظم دورة "فن التصوير" في جازان    شرطة مكة تقبض على مصريين لنشرهما إعلانات حملات حج وهمية ومضللة    العطاوي: سنكمل نجاحات غرفة الرياض التجارية ونواكب المرحلة وتطلعات القيادة    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة معالي الشيخ عبدالله بن سلمان بن خالد آل خليفة    إنترميلان يكرر إنجاز يوفنتوس التاريخي    موعد مباراة الإتحاد القادمة بعد الخسارة أمام الاتفاق    سورية: مقتل «داعشي» حاول تفجير نفسه في السويداء    وزير الشؤون الإسلامية يدشن المنصة الدعوية الرقمية في جازان    «سلمان للإغاثة» ينتزع 719 لغماً عبر مشروع "مسام" في اليمن خلال أسبوع    رومارينهو: الخسارة بهذه النتيجة شيء ⁠محزن .. و⁠⁠سعيد بالفترة التي قضيتها في الاتحاد    إيغالو يقود الوحدة بالفوز على الخليج في دوري روشن    ترقب لعودة جيمس مدافع تشيلسي للعب بعد خمسة أشهر من الغياب    رئيس جمهورية المالديف يزور المسجد النبوي    وزير الشؤون الإسلامية يفتتح إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة فيفا    "كنوز السعودية" بوزارة الإعلام تفوز بجائزتي النخلة الذهبية في مهرجان أفلام السعودية    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    رسالة رونالدو بعد فوز النصر على الأخدود    أمطار رعدية على معظم المناطق    الشاعرة الكواري: الذات الأنثوية المتمردة تحتاج إلى دعم وأنا وريثة الصحراء    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    رَحِيلُ البَدْرِ    مفوض الإفتاء في جازان يشيد بجهود جمعية غيث الصحية    «البعوض» الفتاك    أمير منطقة جازان يلتقي عدداً من ملاك الإبل من مختلف مناطق المملكة ويطّلع على الجهود المبذولة للتعريف بالإبل    رئيس جامعة جازان المكلف ⁧يستقبل مدير عام الإفتاء بالمنطقة    أسماء القصيّر.. رحلة من التميز في العلاج النفسي    دلعيه عشان يدلعك !    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    القيادة تعزي رئيس البرازيل إثر الفيضانات وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الاقتصادية والزيادة السكانية يضغطان على مصادرها الطبيعية . خبراء مياه : السعوديون مسرفون ... والعمالة الوافدة بحاجة إلى توعية
نشر في الحياة يوم 26 - 04 - 2005

"ترتفع درجة حرارة الأرض. ويجف الماء، بسبب الاحتباس الحراري"، بحسب كل الأرصاد الجوية والفلكية. إذاً الماء في طريقه إلى أن يكون نادراً، والعطش هو فقر جديد ينتظر سكان الأرض.
لم توقع عدد من الدول الكبرى على اتفاق "كيوتو" الدولي، وبذلك ربما يموت فقراء العالم عطشاً.
بدأ مجتمعنا يشعر بمشكلة المياه، بعدما تولى غازي القصيبي مسؤولية حقيبة وزارة الكهرباء والمياه. الوزارة رصدت نحو 50 مليوناً لتنفيذ حملة ترشيد المياه. القيمون على الحملة في مرحلتها الثانية والموجهة إلى المباني الحكومية والمساجد يقولون: "إنها ناجحة". لكن المشاهد اليومية في الشارع السعودي، تبدي أن الوعي لا يزال محدوداً، وإهدار المياه عادة يصدمك بها، حين يغرق الشارع، أو تدخل منزلاً، أو تتوقف عند مسجد.
"الحياة" استطلعت آراء خبراء سعوديين في شأن مشكلة المياه في السعودية، وجدوى الحملة الوطنية لترشيد المياه...
أكد عضو هيئة التدريس في قسم الجغرافيا في جامعة الملك سعود الدكتور عساف بن علي الحواس: أن معظم دول العالم تعاني من شح المياه وندرتها، بما في ذلك الدول العربية، وخصوصاً السعودية، نظراً إلى الظروف البيئية والمناخية، وتحدث عن جدوى التوعية بضرورة ترشيد استهلاك المياه قائلاً: "إنشاء وزارة المياه والكهرباء نقلة نوعية في مجال الاهتمام بالمياه، باتت تؤتي ثمارها تباعاً، في لم شتات الجهود المخلصة لإدارة مصادر هذا العنصر الحيوي الشحيح، والبالغ الأهمية، ولا شك أن أي جهد يبذل في التوعية بواقع الميزانية المائية في هذا البلد، سيثير لدى المستهلك الحس بالشح الشديد الذي نعاني منه في مصادر المياه، وبالتالي سينعكس إيجاباً على معدلات استهلاك الفرد". ويرى أن الحملة ستكون أبلغ لو اعتمدت على استثارة الوازع الديني لدى الناس في هذا الموضوع.
ويشدد الحواس على ضرورة لا يقتصر الأمر على حملة توعية فقط، بل يجب العمل بجد على وضع النظم والقوانين، التي ستساعد على مضاعفة الاستفادة من كل قطرة ماء متاحة للاستخدام، سواءاً كانت من مياه الأمطار أو السيول أو العيون، أو المياه الجوفية، أو من مياه البحر المحلاة، أو المعالجة بعد الاستخدام. ويطالب الوزارة بتركيز جهودها على المستوى الوطني والإقليمي، بالتنسيق مع نظيراتها من الدول الشقيقة المجاورة في الخليج العربي، في وضع مواصفات قياسية للقطع والمعدات المستخدمة في المياه، مثل الحنفيات والصنابير وخزانات الطرد، وتحديد حجم أقصى لكمية المياه في خزان الطرد، ومعدل إعادة تعبئته. وربما إلزام الشركات والمؤسسات والأماكن العامة بما فيها المستشفيات والمساجد باستخدام صنابير من النوع ذاتي الغلق.
الوعي أولاً
وتشدد المحاضرة في قسم الجغرافيا في كلية الآداب في الدمام، الدكتورة حورية الدوسري، على أن وعي الأفراد مفتاح أساسي لبرامج الترشيد، وبالتالي فإن حملة الترشيد تقدم حلولاً عملية من خلال تزويد المستهلك بوسائل تقليل الاستهلاك، والكشف عن التسربات التي تسبب هدراً كبيراً للمياه، على رغم أن الإجراءات الخاصة بالترشيد مسألة اختيارية، لكن وعي شريحة كبيرة من السكان بالإرشادات الإلهية، سوف يؤدي إلى التجاوب مع هذه الحملة للتعامل مع الموارد الطبيعية بتعقل، بعيداً عن الإسراف والتبذير.
التفاعل الإيجابي
أما أستاذ موارد المياه والهيدروليكا في كلية الهندسة في جامعة الملك سعود، الدكتور عبد العزيز الحامد، فلا يختلف مع ما ذهب إليه سابقوه، حيث قال: "لا تختلف المملكة عن غيرها من الدول النامية، حيث أولت إدارة العرض للمياه اهتماماً كبيراً، من خلال توفير الكمية والنوعية اللازمة من المياه للأغراض المختلفة، سواء الزراعية، أو الصناعية، أو مياه الشرب، التي تحظى بأهمية بالغة لملامستها حياة الإنسان، وقد تنبهت الجهات ذات العلاقة بإدارة موارد المياه، إلى ما يعرف بإدارة الطلب على المياه كأداة فعالة، حيث تعتبر مسلكاً جديداً في إدارة موارد المياه. ويُعنى بإدارة الطلب على المياه تعظيم الاستفادة من الموارد وزيادة كفاءتها من خلال الاستخدام الأمثل".
ويضيف الحامد: "للإدارة آليات كثيرة ومتعددة، منها ترشيد الاستهلاك في الزراعة والصناعة ومياه الشرب، ودعوة وزارة المياه والكهرباء إلى الترشيد تتوافق مع هذا النهج، ويتوقع لها مردود ايجابي إن شاء الله في القريب العاجل، على أن يقدر المواطن هذه الدعوة ويتفاعل معها بشكل ايجابي".
التسرب كارثة
وتحدث المحاضر في قسم الجغرافيا في جامعة أم القرى، الدكتور سعيد التركي، عن أسباب ندرة المياه وقال: "تقع المملكة في نطاق حار، وأمطاره نادرة، وليس لها فصل معين، وكمية سقوطها متذبذبة من سنة إلى أخرى، وعلى رغم ندرة المياه، إلا أنها كانت كافية في السابق لقلة السكان، وتواضع التنمية المطلوبة في ذلك الوقت، ولكن الطفرة الاقتصادية التي عمت المملكة في جميع الميادين التنموية، وارتفاع عدد السكان، أثرا في ازدياد الطلب على المياه، مما أدى إلى الضغط على مصادر المياه الطبيعية، التي لم تستطع تلبية كل الاحتياجات، حيث اتجهت الدولة إلى البحر لتحليته لتغطية العجز الذي بدأ يصيب المصادر الطبيعية"، وهناك عاملان من عوامل الشح المائي كما يقول التركي: "الأول هو التسرب المائي من الشبكة الموصلة للمياه في المدن، والشبكة الموزعة للمياه داخل المباني، والثاني الإسراف في استخدام المياه دون مراعاة الترشيد، ما حدا بوزارة المياه إلى القيام بحملة وطنية للترشيد المائي، وهذه الحملة ليست إعلامية فقط، بل تجاوزتها بوضع آلية لمتابعة ما تتوصل إليه، خصوصاً في تقديم ما يساعد على عملية الترشيد من الأدوات المقدمة من الوزارة". و يتابع: "هناك توقع لانعكاس الترشيد على سلوك المستهلك، وسيكون بطيئاً، خصوصاً إذا ارتبط مع الحملة، والمتابعة المستمرة، وفرض الغرامة تجاه المستهترين في تطبيق الترشيد المائي".
غفلة المستهلك
كما يرى خبير المياه المحاضر في قسم الجغرافيا في جامعة الملك سعود، الدكتور خالد المديهيم، أن أسباب ارتفاع متوسط استهلاك الفرد من المياه، واستنزاف الموارد المائية في المملكة، يعود إلى عدم إدراك المستهلك ندرة المياه وأهمية المحافظة عليها، ويقول: "نتمنى أن تكون هناك حملات وطنية للترشيد، والتوعية بطرق الاستخدام الأمثل للمياه، والمحافظة على هذه الثروة الثمينة، لفترة طويلة، لتنبيه المستهلك بأن ما يمارسه من استخدام خاطئ في كثير من الأحيان يعد أمراً خطيراً، لأن هذه الممارسات الخاطئة وعدم التنبيه لها، جعلت المستهلك يظن أن الماء متوفر، وأن ممارسته سليمة، وبالتالي أصبح الاستنزاف غير المبرر هو السمة الغالبة عند شريحة كبيرة من المستهلكين"، ويضيف: "أتوقع أن يكون للحملة مردود إيجابي يؤدي إلى انخفاض متوسط استهلاك الفرد من المياه، دون التأثير على رفاهيته".
الفلاح متهم
وبعد الانتهاء من مناقشة آراء الضيوف في حملة ترشيد المياه، وانعكاساتها على سلوكيات المستهلك، طرحنا المحور الثاني الخاص باتهام الزراعة من قبل البعض"أنها استنزفت مقدرات البلاد في مجال المياه، وسؤالنا هل هذا الاتهام دقيق؟ وما الحل؟
في البداية أجاب الدكتور عساف: "المشكلة في الأفراد الذين ترسخت لديهم فكرة أن زيادة مياه الري تزيد المحصول، وتحسن نوعيته في كل الأحوال، وهؤلاء بحاجة إلى الاطلاع على ما يستجد من تقنيات في مجال الري، وإقناعهم بتبني أكثرها كفاءة، ومناسبة لنوعية المياه المستخدمة والتربة والمحصول، هذا الجانب يجب أن يكون جزءاً من أي حملة وطنية لترشيد استهلاك المياه والحفاظ على مصادرها". ويشرح الجانب الآخر ويقول: "إنه مرتبط بحقيقة أن الزراعة في المملكة، باستثناء المرتفعات الجنوبية الغربية، تقوم على المياه الجوفية، وقد قطعت وزارة الزراعة في حينها شوطاً كبيراً في مجال التعرف على التكوينات والطبقات الحاملة للمياه، ولا يزال هناك خلل كبير في تنظيم الاستفادة منها، وضبط مخرجاتها وحمايتها من التداخل والتلوث، وأحسب أن الوزارة في حاجة إلى الكثير من العمل الميداني لرصد الحقائق، ووضع نظم صارمة، وملزمة لشركات الحفر، والشركات والمؤسسات المستفيدة، والمزارعين". ويضيف: "لا توجد بيانات مؤكدة حول كميات المياه المستهلكة في الإنتاج الزراعي، لكن التقديرات تشير إلى قرابة 60 في المئة من إجمالي الاستهلاك السنوي".
الزراعة تستنزف موارد المياه
وتشير الدكتورة حورية إلى أن القطاع الزراعي يعد أكبر مستهلك للمياه، خصوصاً في البلاد التي تفتقد المصادر الوفيرة، وفي الزراعة استنزاف لمواردها المائية، والسعودية تبنت سياسات ترمي إلى تنويع القاعدة الاقتصادية، وبما أن الزراعة مورد مهم لتحقيق الأمن الغذائي، فقد نالت نصيبها من الاهتمام، وحسب ما أشارت إليه خطة التنمية السابعة 1420-1425ه ارتفعت قيمة الإنتاج الزراعي من 4.4 بليون ريال عام 1390-1391ه إلى 35.8 بليون ريال في عام 1419-1420ه، وازداد الإنتاج الزراعي خلال الفترة من 1404-1405ه إلى 1418-1419ه بنحو ثلاثة أضعاف، مع التوجه نحو منتجات ذات قيمة عالية تتميز بها المملكة، ولا شك في أن ذلك التطور والتغير الهيكلي الذي طرأ على قطاع الزراعة خلال تلك السنوات، يعطي مؤشراً على أن هناك استهلاكاً أكبر للمياه، وحسب تقديرات ميزان المياه الوطني لعام 1425ه، فإن نصيب الزراعة من إجمالي الطلب على المياه يصل إلى نحو 88 في المئة، وهي بلا شك نسبة مرتفعة". وتضيف: "بحكم ظروف الموقع الجغرافي للمملكة، ومع ما بذلته من جهد لتطوير مواردها المائية، التي تتعرض للشح نتيجة زيادة معدلات الاستهلاك، وحتى لا تقف المياه عاملاً محدداً لمسار التنمية الزراعية، لا بد من حلول وتدابير ترشيدية ناجحة، للتحكم في استخدامات المياه في القطاع الزراعي، مثل: توعية المزارعين التي تتجاوز نسبة الوافدين منهم 60 في المئة من جملتهم، مما يعني اختلاف البيئات الجغرافية التي قدموا منها، الأمر الذي ينعكس على طريقة تعاملهم مع المياه، ومن الإجراءات الأخرى المتبعة، استخدام طرق الري الحديثة، ووضع قيود على توزيع المياه، واتباع سياسة اقتصادية، لتغيير أنواع النباتات المزروعة، ونحو ذلك من الإجراءات التي أثبتت نجاحها في بعض الدول، ويمكن الاستفادة من تجاربها حتى تتحقق إدارة المياه ضمن إطار شامل، آخذين في الاعتبار حاجة جميع القطاعات المستهلكة للمياه، والموازنة بين الاستخدامات الزراعية والصناعية والاجتماعية، في ظل النمو السكاني المستقبلي، والتنمية المتواصلة".
تأثر المخزون الاستراتيجي
ويعود الدكتور الحامد ليؤكد أن الزراعة هي المستهلك الأكبر للمياه في المملكة، ويقول: "يصل ما يستخدم في الزراعة من المياه إلى 90 في المئة من الميزان المائي السنوي، وإن تناقص قليلاً في السنوات الأخيرة، نتيجة لاستخدام بعض آليات إدارة الطلب على المياه. وبشكل عام، فالزراعة هي أكبر مستهلك للمياه على مستوى العالم، يليها الصناعة، ثم الاستخدامات البلدية، ومنها مياه الشرب المنزلية، حيث يصل استهلاك المياه المنزلي في المملكة إلى 6 في المئة من الميزان المائي السنوي، وهي نسبة معقولة وإن بدت صغيرة، ولا شك أن الطفرة الزراعية التي شهدتها المملكة في الثلاثة عقود الماضية، كان لها أثر في استنزاف قدر كبير من المياه الجوفية، أو ما يعرف بالمخزون الاستراتيجي من المياه غير المتجددة، وقد تنبهت الجهات ذات العلاقة بالزراعة والمياه إلى هذا الأمر، وعملت بعض الخطوات التصحيحية، خلال خطط التنمية السادسة والسابعة، حيث أكدت هذه الخطط على استبدال زراعة المحاصيل ذات المردود الاقتصادي العالمي، والاستهلاك المائي المنخفض بالقمح والأعلاف، إضافة إلى استخدام الطرق الحديثة في الري، مثل الري بالرشاشات والتنقيط، والري تحت السطحي، وغيرها من التقنيات الحديثة في هذا المجال".
هيكلة قطاع الزراعة
ويطرح الدكتور خضر الزهراني رؤيته: "لم يكن هناك قناعة لدى كثير من الباحثين، على ضرورة زراعة القمح والشعير والأعلاف في شكل موسع، وذي طابع استثماري، ويمكن تحقيق تنمية زراعية حقيقية، ومستدامة، ومتوازنة من طريق إعادة هيكلة قطاع الزراعة، ومن خلال الاهتمام وتنمية كل منطقة من مناطق المملكة زراعياً، وبما يتناسب مع ظروفها البيئية والمناخية".
أما الدكتور سعيد التركي فيعترض على خطط الزراعة التي لم تراع الأمن المائي، ويقول: "خططت الوزارة لتحقيق الأمن الغذائي، مما ساعد على الإسراف المائي، واستخدام طرق عشوائية، من دون النظر إلى وضعية السعودية بالنسبة لقلة المياه فيها، وهذا عائد إلى عدم ربط الأمن الغذائي والمائي، بحيث لا يغلب أحدهما على الآخر، وتوجيه المشروعات الزراعية، وإقامتها في غير أماكنها التي يفترض أن تكون فيها، ولهذا فإن الزراعة كانت من الأسباب في هذا الإسراف".
منع زراعة الحبوب
ويرى الدكتور خالد المديهيم أن: "الزراعة تسجّل أعلى معدلات استهلاك المياه بين القطاعات كافة في بلدان العالم جميعها، وربما أن بعض بلدان العالم النهرية ليست لديها مشكلة في ذلك، نظراً إلى توافر المياه الطبيعية فيها، والسعودية تعاني من نقص الموارد المائية الطبيعية، وبالتالي فإن التوسع في القطاع الزراعي سوف يؤثر بشكل بالغ على ما يوجد من مياه جوفية في البلاد". ويضيف: "نحن لا ندعو إلى التوقف عن الإنتاج الزراعي، ولكن يجب أن نعرف ما يناسب البلاد في ضوء المعطيات الطبيعية، فمحاصيل الحبوب التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، يجب تجنبها حفاظاً على ما هو متوافر من مياه جوفية طبيعية، والاعتماد على المحاصيل التي يمكن أن تستهلك كميات قليلة من المياه، مثل الخضروات والفواكه التي يتم ريها بالتنقيط، لتقليص استهلاك المياه بشكل كبير".
لا لرفع التعرفة
وعن السبيل لتقليص كمية استهلاك الفرد من المياه التي يقدر متوسطها ب286 لتراً يومياً، واقتراح رفع التعرفة الجمركية كحل مناسب لترشيد المياه، قال الدكتور عساف الحواس: "المتوسط اليومي لاستهلاك الفرد لا يمكن أن يعمم على السعودية بادية وحاضرة، لوجود تفاوت في معدلات استهلاك الأفراد للمياه في هذه القطاعات. وقد تحسن معدل الاستهلاك اليومي للفرد من المياه في مدينة الرياض كثيراً، فبعد أن كانت التقديرات سنة 1408ه تشير إلى 549 لتراً في اليوم، انخفض عام 1417ه ليصل إلى 348 لتراً. وانخفض مرة أخرى إلى 286 لتراً عام 1420ه، واستمر في الانخفاض ليبلغ عام 1424ه 258 لتراً. مما يدل على أن الجهود المبذولة في مجال المحافظة على المياه تؤتي ثمارها، سواء في توعية المستهلك، أو تحسين ظروف الشبكة, أو تدعيم فرق الطوارئ وتحسين زمن استجابتها للحالات الطارئة. أما بالنسبة للتعرفة فيقول: "يبدو أن رفع التعرفة هو الحل الأنسب لمشكلة المياه، وإجبار الأفراد على تقليل استهلاك المياه، لكني لا أرى مناسبة التفكير في ذلك حالياً، وإن كان لا بد فليقتصر على الشرائح العليا فقط، أو أن يفرق في التعرفة بين الاستخدام المنزلي وغيره، بحيث نضمن للأرملة والفقير حقه من المياه النقية الصالحة للشرب، من أجل الحفاظ على صحة المجتمع ككل".
الحل الأخير
الدكتور عبد العزيز الحامد يشير إلى أن استهلاك الفرد من مياه الشرب مرتفع بشكل عام ، وقد يزيد عن حاجة المستهلك بشكل كبير, وفي السعودية هنالك تفاوت كبير في كمية استهلاك الفرد، حيث وصل في مدينة الجبيل إلى أكثر من 700 لتر في اليوم، والإنسان العادي يحتاج في اليوم إلى أقل من 100 لتر في المجتمعات المتحضرة، وإلى كمية أقل من ذلك في المجتمعات القروية.
وبالنسبة إلى التعرفة، فهي إحدى آليات إدارة الطلب على المياه، وفي السعودية تعتبر تعرفة مياه الشرب قليلة جداً، ولا تعكس ما ينفق على هذا القطاع لتوفير مياه شرب عالية الجودة, وإعادة النظر في التعرفة الحالية قد يكون له مردود إيجابي في تقليل استهلاك المياه، لكن لابد من مراعاة نقاط عدة قبل التطبيق، منها ضمان حصول كل مواطن على القدر المعقول من المياه، حيث يلاحظ أن بعض المستهلكين لا تصله مياه الشبكة إلا نادراً، ويجب التفريق بين استهلاك المياه للضرورة والاستهلاك للرفاهية، من خلال المسابح والنوافير والزراعة المنزلية، والتفريق بين الاستهلاك المنزلي والصناعي، إعادة النظر في تعرفة المياه المستخدمة في الصناعة، وخصوصاً صناعة الألبان والعصائر والمياه المعبأة، فعملية التعرفة معقدة وتحتاج إلى دراسات اجتماعية واقتصادية مفصلة، لكن مردودها على كمية استهلاك المياه سوف يكون إيجابياً، وهو الحل الأخير.
تقسيم المستهلك إلى شرائح
يطرح الدكتور سعيد التركي رأيه حول سبل تقليص الكمية المخصصة للفرد من المياه، وموضوع رفع التعرفة ويقول: "متوسط استهلاك الفرد من المياه يصل إلى أكثر من 286 ليتراً يومياً، وهذا يعتبر من معدلات الاستهلاك العالي، مقارنة باستهلاك الفرد في الدولة المتقدمة التي يتوافر لديها مصادر مياه وفيرة. ولأن الدولة تتحمل العبء الأكبر في تغطية التكلفة، فإن المستهلك لا يشعر بالفرق الحاصل من القيمة الحقيقية للمياه، والقيمة التي تصرف عليها، مما أدى إلى الإسراف، وعدم تحمل المسؤولية تجاه هذه الثروة المهدرة. ولابد من أن تتضافر الجهود من الجميع، لتوضيح أهمية الترشيد عن طريق حملات ترشيد المياه، مع المتابعة المستمرة على مدار الساعة، وفرض عقوبات على الذين لا يهتمون بترشيد المياه، وتدريب طلاب المدارس عملياً على كيفية الترشيد المائي، وحثهم على التزام طريقة المحافظة على المياه، وتكثيف الإعلان عن طريق الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة".
الاستخدام الأمثل
نبه مدير مركز بحوث كلية علوم الأغذية والزراعة، الأستاذ الدكتور خضران الزهراني، إلى أن تدشين ولي العهد الأمير عبد الله حملة ترشيد المياه، له مدلول وأهمية كبيرة، يعطي أعلى لكل مستهلك للمياه في المملكة، لإدراك أهمية ومحدودية هذا المورد، حيث إن المملكة تعتبر من البلاد التي لديها ندرة في المياه، وذلك لظروفها البيئية والمناخية، كما أن الزيادة في عدد السكان، وعدم الاستخدام الأمثل، جعل نصيب الفرد في نقصان مستمر، على رغم الجهود التي تبذلها الدولة لتوفير المياه. وقد ساهمت تلك العوامل في انخفاض نصيب الفرد من 689 متراً مكعباً في عام 1950، إلى 148 متراً مكعباً عام 1990، ويتوقع أن يصل إلى 54 متراً مكعباً في 2025.
وفي مقابل هذا التناقص في نصيب الفرد، هناك زيادة في الاستهلاك بمقدار 7.5 ضعف من عام 1400ه حتى عام 1420ه، نتيجة للزيادة في السكان، والنمط غير المرشد لاستخدام المياه. وإذا أريد للحملة أن تحقق أهدافها، فلا بد من المعرفة العلمية الدقيقة بفئات المستهلكين، وخصائصهم الشخصية، فالمجتمع المستهلك ليس متجانساً يسهل الوصول إليه وإقناعه بسهولة، حيث إن هناك مستويات مختلفة من التعليم، ومتباينة في الدخل، فإلى من توجه الرسائل الإرشادية؟ وما الفئات الأكثر استنزافاً للمياه؟ وهل هناك دراسات سابقة حول هذا الموضوع؟.
ويضيف الزهراني: "تسرب المياه من المنازل إلى الشوارع، يعطي مؤشراً بأن هناك إسرافاً خفياً داخل المنازل، خصوصاً أن العمالة المنزلية تعتبر الإسراف جزءاً من عملها اليومي، عن طريق غسيل السيارات والأفنية والعناية بالحدائق والمسابح، والمهم في الحملة أن تنفذ بطريقة علمية صحيحة وتقاس نتائجها، و إلا فستصبح تحصيل حاصل كسابقتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.