يلقب الشاب جواد علي الحماد في قريته الحليلة إحدى قرى محافظة الأحساء باسم"جواد مندي"، حتى ان كثيراً من أهالي قريته نسوا اسمه الأصلي. ويعود السبب في ذلك إلى شهرته الواسعة في إعداد وجبة"المندي الأحسائية"التي باتت"ماركة مسجلة"يتمتع بكافة حقوقها ويتم تداولها باسمه، لاسيما انها تحولت الى مهنته ومصدر دخله الرئيس. ويتحدث"مندي"عن تجربته"كنا مجموعة من الشبان، يجمعنا هذا الطبق التقليدي كل يوم جمعة من كل أسبوع، ولا نخرج في رحلة من دونها، بعد ان نحدد من يحضر منا مستلزمات الطبخ، حيث يتكفل واحد منا كل أسبوع بكل شيء إلا الطبخ الذي أتولاه أنا بمفردي". وتداهم رائحة"مندي الأحساء"أنف المار قرب أي بستان من بساتين النخيل في واحة الأحساء خلال أيام عيد الأضحى، فكل واحد من هذه البساتين فيه تنور مخصص لإعداد هذه الوجبة الشعبية، التي يتجاوز عمرها 200 سنة، كما ذكر ذلك سالم عبدالرحمن، أحد كبار السن، الذي يؤكد"إدمانه"على هذه الوجبة، بقوله"لا يمر أسبوع من دون ان أتناوله على الأقل مرتين". وتتمتع وجبة المندي بشعبية عارمة بين أهالي الأحساء، ويعتبرها بعضهم"الوجبة الأفضل لدى مجتمع الأحساء، والتي لم تتأثر شعبيتها على رغم مرور السنين". ويعد المندي بالطريقة التقليدية، التي تضفي عليه نكهة خاصة، تجمع بين الأصالة وجودة الطبخ. وعلى رغم تشابه الطريقة الأحسائية مع طريقة إعداد وجبة المندي العادية، إلا أنها تختلف عنها في بعض التفاصيل. ويستعرض"جواد مندي"طريقة التحضير بقوله:"يبدأ تحضيره بجمع قطع جذوع النخيل"الصلاخ"، الذي يعد الأساس في الرائحة المميزة للمندي، ثم نضعه في التنور، وننتظر حتى يصبح النار جمراً، يسبق ذلك غسل الرز الأبيض جيداً، ثم نضيف إليه المقياس المناسب من الماء، ثم نضع قطعاً قليلة من الزبدة ثم الطماطم، كما نضيف قليلاً من حبات الهيل الزكية، مع عود الدارسين، وبعدها نزن كميات الملح، ثم ننظف الدجاج أو اللحم، ونضع عليهما الملح والبهارات، ثم ننزلهما في التنور". ويتم تغطية التنور بغطاء محكم ثم ينشر فوقه قماش"الخيش"، بعد نقعه في الماء، لتحتفظ بالبخار داخل التنور، ثم يخرج بعد ساعة، إذا كانت وجبة المندي دجاج، وتزيد ربع ساعة إن كان المندي لحم. كما أصبحت هذه الوجبة من الوجبات الأساسية في المناسبات المختلفة، سواء المفرح منها أو المحزن، مثل الولادة أو الرجوع من السفر أو الولائم والحفلات، وحتى الوفيات، ولا يقام زواج إلا ويكون المندي هو سيد المائدة. ومنذ أول زواج جماعي تقيمه الأحساء قبل 15 سنة لم تغب هذه الوجبة عن موائد الحفلات، بل أصبحت من أهم المميزات التي تميزه عن غيره، فتفوق الحفل اصبح مرهوناً بوجبة الضيافة، التي ستكون من دون شك"صحن مندي". ويرى جواد أن ما يميز هذه الوجبة أنها مازالت تحتفظ بأصالتها، ولم تدخل في إعدادها الآلات الحديثة. ويذكر هنا ان المندي الأحسائي فتح مجالاً رحباً للاستثمار، فانتشرت المطابخ المتخصصة في هذا المجال، إذ يقدر عدد المطابخ بما يزيد على 70 مطبخاً، فيما يفضل كثير من محبي هذه الوجبة أن يكون محل إعدادها المزارع والنخيل، في مقابل المطاعم والمطابخ، التي تستعين بأيد أجنبية، قد لا تتقن أسرار هذه المهنة. كما ان النخيل يعتبر مهد ميلاد المندي، كما يقول جواد. في المقابل يحذر كثير من الأطباء من كثرة تناول هذه الوجبة، لأنها تحتوي على نسبة كبيرة من الدهون، ما يعرض متناوليها إلى تصلب في الشرايين، وزيادة نسبة الكوليسترول والسمنة أيضاً. فيما يذهب أطباء آخرون إلى أن المندي يعتمد في طبخه على البخار المشبع، الذي يفتك في صحة المفرط في تناوله.