يحتضن الإنترنت كميات ضخمة من المعلومات. ولكن ذاكرته ضعيفة، وقدرته على التخزين"الأرشيفي"واهنة. والتنقيب عن"آثار"مرحلة الإنترنت الأولى يتولاه اليوم علماء يسعون إلى الحفاظ على ماضي الشبكة من الاندثار. ويدور البحث على النسخة الأولى من أول موقع إلكتروني على الشبكة. وهي مسجلة على قرص صلب من طراز طواه الزمن، وفقد أثره."ربما أحدهم يستخدمه القرص هذا كمسند أوراق... وبلغني انه أُرسل في 1990 إلى مؤتمر في سانتا كلارا. ومذذاك فقد أثره"، يقول دان نويس، مسؤول الشبكة الإلكترونية في مجموعة الاتصالات في المنظمة الأوروبية للبحث الذري CERN. ونويس هو عضو في فريق يسعى إلى"بعث"موقع iti.ms/10ZgLiE الذي افتتح بواسطته تيم بيرنرز - لي ثورة الشبكة الإلكترونية. ونشر الموقع هذا يعود إلى 1991. ويحتفى هذا الأسبوع بالذكرى العشرين على رفع مركز CERN القيود عن تكنولوجيا الإنترنت وتشريع أبوابها أمام عموم الناس. وتوسل نويس وزملاؤه بكومبيوتر كان مستخدماً قبل عشرين عاماً لمحاكاة نسخة عن الموقع الضائع إثر تعذر بعثه على القرص الصلب الذائع الصيت والمتحدر من زمن إلكتروني سحيق. والموقع الأول هذا كان وثيق الصلة بمشروع الإنترنت نفسه. فهو رمى إلى تشجيع المطورين على إنشاء مواقع خاصة بهم. وكان مرجع نفسه من غير نموذج يحتذي به. وصوغ تاريخ الشبكة معقد وغير يسير على ما يحسب كثر. ولا يخفى أن الشبكة العالمية الإلكترونية هي مستودع أكبر كمية من المعلومات عن تاريخ المعمورة، ولكن الخرف يشوبها حين يتناول البحث تاريخ تطورها ومراحله. وكأن الشبكة تعيش في الحاضر وترتدي آخر صيحات المصممين وتنسى ماضيها. فالشيخوخة لا تليق بسكان الإنترنت، أي المواقع. ولا يعتد بنصيب صفحات موقع"جيوسيتيس"وأول ملفات صور"جيف"، من الإشارات التي تحيل إليها قياساً على تلك التي تشير إلى آثار الحضارات القديمة والكتب والمحفوظات الجلدية القديمة. ويبدو أن الاهتمام بماضي العالم الرقمي يتعاظم. ولم يعد حكراً على مواقع الأبحاث المتخصصة. وبرزت مواقع ترفيهية تتناول الماضي هذا ومنها موقع internetarchaeology.org آثار الإنترنت. وهو يعرض أشكال ثقافة الإنترنت"القديمة"، وصفحات الويب الآفلة، والرسوم التي كانت تملأ شاشات الكومبيوترات المكتبية في التسعينات. والمجموعة هذه تستقطب هواة الخيال العلمي، ومواقع مختصة بشؤون الغزو الفضائي وغيرهم من الرواد. ولا شك في أن الصدفة هي وراء نجاة عناصر الويب من الاندثار. ويصف عدد من فلاسفة الويب هشاشة المحتوى الرقمي ب"عصر الظلمات الإلكتروني". والمتشائمون منهم يخشون وقوع حوادث كارثية تطيح المعارف الرقمية بضربة واحدة. ولا ينكر المتفائلون أن شطراً من المعلومات الإلكترونية يتبدد مع"إغلاق"موقع من المواقع. فتختفي بين ليلة وضحاها مجموعات أرشيفية كاملة. وعلى سبيل المثل، لم يمض وقت طويل على إغلاق موقع"سانداي تريبيون"، قبل ذواء أرشيف مقالاته وتبددها. ويسعى بروستر كال، الاختصاصي بشؤون العلوم المعلوماتية والمكتبات الرقمية، إلى تذليل المشكلة هذه. لذا أنشأ منظمة"أرشيف الإنترنت"archive.org. وتتعاون المنظمة هذه مع مكتبة الكونغرس ومعهد سميثسونين، على حفظ الثقافة الرقمية، وترمي إلى الحؤول دون انمحاء اثر الإنترنت وغيرها من وسائط حفظ المعلومات الرقمية. وموقع"ويباك ماشين"wayback machine، هو الجسر إلى أرشيف مواقع لم تعد على قيد الحياة."نلتقط كل شهرين نسخاً من المواقع، ونحفظها. واليوم في جعبة موقعنا 300 بليون صفحة. وحسبنا في وقت أول أن الموقع سيتحول مكتبة أبحاث فحسب. ولكن اليوم يقبل 600 ألف شخص يومياً على خدمات موقعنا"، يقول بروستر كال. ومتوسط حياة الصفحة الإلكترونية هو مئة يوم قبل حذفها أو تعديلها. و"زبدة"الأعمال المنشورة على الإنترنت"تذوب"من غير أثر. ويجوز القول"أفضل مواد الإنترنت لم تعد منشورة على شبكته". ولا يستخف بهذه الظاهرة. فالإنترنت هو دائرة الحياة المدنية، وهو مرآة المؤسسات وهوية الأفراد والمجتمعات. ويمضي الناس وقتاً كبيراً أمام الشاشات ويودعونها أسرارهم وشطراً متعاظماً من ذواتهم. ولكن هذه المعلومات تحتضنها شركات فانية ومشاريعها قصيرة الأمد. وكلفة تخزين الأفراد والشركات"موجوداتهم"القديمة المنشورة على مواقع الإنترنت باهظة الثمن. والمسألة هذه لا تشغل المؤسسات العامة. والسبيل الوحيد إلى حفظ المرء معلوماته الرقمية هو طباعتها ورقياً. * صحافي، عن"ذي آيريش تايمز"الإرلندية، 17/5/2013، إعداد م.ن.