السعودية تدين العدوان الإيراني على قطر    المملكة وبريطانيا توقعان اتفاقية "النقطة الأمنية الواحدة"    قطر تعلن التصدي لصواريخ إيرانية والاحتفاظ ب"حق الرد المباشر"    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير خارجية المملكة المتحدة    قنصل إيران يشيد بجهود السعودية لتسهيل مغادرة حجاج بلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأمير فيصل بن خالد    وجهات صيفية تجمع الأمان والطبيعة في آن واحد    موانئ توقع عقود تخصيص محطات البضائع متعددة الأغراض في 8 موانئ    رئيس أرامكو يدعو لترسيخ المرونة الرقمية لحماية صناعات المستقبل    الجوازات تواصل إنهاء إجراءات مغادرة الحجاج عبر كافة المنافذ    "ومن أحياها" تستقطب 294 متبرعا بالدم خلال 3 أيام    أمير الشرقية يدشّن منتدى الصناعة السعودي 2025    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    موعد والقناة الناقلة لمباراة السعودية والمكسيك في الكأس الذهبية    أمير القصيم يطلع على نتائج مبادرة " تقدر تتعلم    إنزاغي راض عن أداء الهلال أمام سالزبورغ    الأمين العام لمجلس التعاون يدين ويستنكر التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة في دمشق    الإعلام الأجنبي: سالزبورغ خطف نقطة من الهلال.. والتعادل في مصلحة ريال مدريد    الرعاية المديدة بالظهران تُطلق خدمات التأهيل الطبي للعيادات الخارجية    العين الإماراتي يودع كأس العالم للأندية بخسارته أمام مانشستر سيتي بسداسية    الأمير سعود بن نهار يُكرّم طلاب التعليم الحاصلين على جوائز دولية في معرض "ITEX" الدولي 2025    محافظ الطائف يستقبل قيادات المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر    العربي إلى المرتبة الثالثة عشر ( بلدية محايل )    جمعية الثقافة والفنون بجدة تنظّم معرض "إلهام"    جامعة أم القرى تُحرز تقدمًا عالميًا في تصنيف "التايمز" لعام 2025    "البيئة": بدء بيع المواشي الحية بالوزن الخميس المقبل    وزير الداخلية يستقبل سفير المملكة المتحدة    نائب الرئيس الأمريكي: تلقينا رسائل غير مباشرة من إيران    ضبط مقيم لنقله 13 مخالفاً لنظام أمن الحدود    "فلكية جدة": القمر يقترن ويحجب نجم الثريا    اختبارات مركزية    تحديد موقع المركبة اليابانية المتحطمة    طهران: أخلينا المنشآت النووية في ثلاث مدن رئيسية    في ثالث جولات مونديال الأندية.. الأهلي المصري يواجه بورتو.. وتعادل ميامي وبالميراس يؤهلهما معاً    علقان التراثية    المملكة تختتم مشاركتها في معرض سيئول للكتاب.. الثقافة السعودية تعزز حضورها عالمياً    هيئة التراث تسجل 5,900 موقع ومبنى جديد    إثراء" يشارك في مهرجان "كونسينتريكو" الدولي للعمارة    اتحاد القدم يخطط أم يتفاعل؟    اقبلوا على الحياة بالجد والرضى تسعدوا    حملة لإبراز المواقع التاريخية في العاصمة المقدسة    في المسجد    رفعت مستوى التهديد داخلياً.. إسرائيل تشنّ موجة غارات على غرب إيران    نصائح لتجنب سرطان الجلد    العمل ليلا يصيب النساء بالربو    فيروسات تخطف خلايا الإنسان    قوة السلام    تنظيم السكن الجماعي لرفع الجودة وإنهاء العشوائيات    أمر وحيد يفصل النصر عن تمديد عقد رونالدو    الأحساء تستعرض الحرف والفنون في فرنسا    إنقاذ حياة امرأة وجنينها بمنظار تداخلي    تباين في أداء القطاعات بسوق الأسهم السعودية    وزير الداخلية يودع السفير البريطاني    الشؤون الإسلامية توزع هدية خادم الحرمين من المصحف الشريف على الحجاج المغادرين عبر منفذ عرعر    أمراء ومسؤولون يؤدون صلاة الميت على مشعل بن عبدالله    نائب أمير الشرقية يعزي العطيشان    الجبهة الداخلية    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران شيخ شمل محافظة جزر فرسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية ورسائل غير منشورة . رينه كروفيل انشق عن السورياليين وانتحر
نشر في الحياة يوم 16 - 12 - 2013

"الرجاء حرق جثتي. قرف". إنها الجملة الأخيرة التي خطّها الكاتب الفرنسي رينه كروفيل 1900 - 1935 في شقته الباريسية قبل أن يُقدم على الانتحار. ولا شك في أن فشله في مصالحة رفاقه السورّياليين والشيوعيين، خلال اللقاء الذي نظّمه معهم لهذه الغاية عشية انتحاره، لعب دوراً في ضعه حداً لحياته. لكن فكرة الانتحار لم تراوده فجأة بل تآلف معها منذ فترة طويلة، على أثر فقدانه والده وأخته بهذه الطريقة باكراً، وأيضاً بسبب معاناته الطويلة من مرض السلّ. فكرةٌ تعبر كخيطٍ أسوَد كل كتبه ولا توفّر روايته المجهولة"شجرة التأمّل"التي صدرت حديثاً عن دار Seuil الباريسية مرفقةً بعدد كبير من الرسائل غير المنشورة التي كتبها كروفيل لعدد من أصدقائه وتمنحنا فكرة دقيقة عن وضعه النفسي الصعب خلال العقد الأخير من حياته.
ومنذ روايته الأولى"التفافات"1924، نظر كروفيل إلى الانتحار"كمسألة نصيب. يفلت بعض منه، ويفشل بعض آخر". ومن عائلته الصغيرة لم يسلم من هذا الفعل الرهيب سوى أمّه البورجوازية المتزمّة التي فشلت في تعليم ابنها مبادئ الكياسة وفي تحويله إلى"إنسان مرتّب مثل ثلاجة"لسبب بسيط: عدم عطفها عليه وكرهها المعلَن لمباهج الحياة. وهذا بالتأكيد ما يفسّر تمرّد كروفيل لاحقاً ونقده العنيف للقيَم البورجوازية وللتقاليد الاجتماعية وسعيه فور دخوله جامعة السوربون إلى تبديد عزلته وتشكيل عائلة جديدة له عبر إحاطة نفسه برفاق كثر أقرّوا بقدرته الكبيرة على الصداقة وبتشكيله رفيقاً مثالياً للمرح والسهر والمغامرة.
لكن يجب انتظار لقائه بأندريه بروتون وفيليب سوبو وتريستان تزارا في العام 1921 كي يعثر الكاتب على أخوته في الروح ويتبنى الذهنية الدادائية التي كتب حولها:"إنها ليست في الكتب كبوذا في قلب مدفأة. إنها في صميم الحياة وتتطلب إيماناً جديداً ومراجعة القيَم وتدمير الأصنام". ومن منطلق قراءته رامبو وجاري ولوتريامون، نشط مع رفاقه في عملية تدمير الأصنام رابطاً الكتابة بتجارب الحياة وداعياً إلى وضع الإبداع تحت شعار العمل الجماعي. لكن بعد نشره روايات عديدة وأبحاثاً حول بعض رفاقه الفنانين، تخلى تدريجياً عن النشاط الأدبي لمصلحة النشاط السياسي الذي قاده في نهاية العشرينات إلى السفر مراراً إلى برلين لمقابلة مفكرين وكتّاب ألمان مناهضين للنازية، على رأسهم كلاوس مان، ابن توماس مان.
ويرى بعض النقّاد في تفضيل كروفيل العمل السياسي على الكتابة سعياً لنقل قلقه الشخصي نحو مثال جماعي، علماً أن قلة من أصدقائه تفهمت سلوكه وحاجته القصوى"لعائلة"سياسية تمنحه الدفء الذي لم يحصل عليه داخل عائلته وتلطّف العزلة التي وضعه فيها مرضه المتنامي. ولأن كروفيل كتب إلى هؤلاء الأصدقاء مئات الرسائل معرّياً نفسه وأفكاره كلياً فيها، قررت دار"سوي"تقديم رسائله المكتشَفة حديثاً على شكل دفتر يوميات يُظهر كيف حاول الكاتب البقاء على اتصال مع العالم من داخل غُرَف المستشفيات التي أمضى فيها المرحلة الأخيرة من حياته. وبطريقة ترتيبها على هذا النحو، ترسم هذه الرسائل بورتريه دقيقاً له وتسهّل في الوقت ذاته ولوجنا روايته المجهولة التي تشكّل صرخة تمرّد ولكن خصوصاً تحليلاً بلا كياسة لمعيشه.
وما يبرر هذا الترتيب طبيعة روايات كروفيل بالذات التي لا يسرد فيها سوى نفسه وحياته، وبالتالي كونه روائي"الأنا"بامتياز،"أنا"ذات قوة استحضارية كبيرة تجعل من صاحبها أحد الكتّاب الفرنسيين الأكثر أهمية في بداية القرن الماضي لفتحه بواسطتها درباً أدبية جديدة سلكها كثيرون بعده، ونقصد الاستنباط كخيطٍ موجّه للكتابة. لكن من الخطأ الاعتقاد أن كروفيل سعى في رواياته إلى تحليل نفسه بالمعنى الفردي والكريه للكلمة. فأناه لا تظهر كمجرّد عبء لذاتية يصعب تحمّلها بل نجدها تتقدّم لملاقاة ذاتيات متعددة ولقطع أي مونولوج. وفي هذا السياق، نقرأ المرحلة الأخيرة من حياته كمحاولة لفك عزلته والعثور مع الآخرين على مثالٍ مشترك. وهذا بالتأكيد ما أخاف معاصريه وما دفعهم إلى سجنه داخل انتحاره، علماً أن أناه المتيّمة بالحرية الفكرية والسياسية والأدبية والعاطفية تبلغ بعنفها وفرادتها شمولية نادرة.
ومقارنةً بالرسائل التي كتبها كروفيل لأصدقائه وتطلّب نشرها مجلدات ضخمة عدة، تكمن قيمة رسائله الصادرة حديثاً في كونها موجّهة لأقرب الناس إلى قلبه. فتلك التي وجّهها لمشجّعة الفن الأرجنتينية توتا كويفاس، التي عاش معها آخر وأطول مغامرة عاطفية، تسمح بإنارة ظروف وطبيعة هذه العلاقة التي كانت لا تزال غامضة في الكثير من جوانبها. والرسائل التي وجّهها لتريستان تزارا وكلاوس مان وماري لورانسان وأدريان مونيي وجورج هونيي ومرسيل سوفاجو تكشف جانباً حسّاساً ومؤثّراً من شخصيته.
أما رواية"شجرة التأمّل"التي كتبها كروفيل بين عامَي 1930 و1931 فتُقرأ كمركز لثوراته ولتوقّعات أو خيبات الشبّان الأوروبيين بين الحربين العالميتين. ولفترة طويلة ظن النقّاد خطأ أن هذا النص هو النسخة الأولى لرواية"Les pieds dans le plat"، علماً أنه أحد أعنف نصوص الحقبة المذكورة ليس فقط لتحليله المناخ السياسي المسموم لحقبته ودعوته إلى التمرد بل لكشف كروفيل نفسه فيه بلا مواربة أو تجميل متوقّفاً عند مسلسل الإذلال الذي تعرّض له في طفولته وعند كرهه الشديد لأمّه.
وأكثر من مجرّد تصفية حسابات مع أشباح الماضي والحاضر،"شجرة التأمّل"التي بدأها كروفيل في دافوس، داخل مصحّ كانت تتراكم فيه الأخبار السيئة حول صحته، هي أيضاً دفتر يوميات لجسدٍ ينهار ولمرضٍ لا يرحم، تختلط فيه خيبة الحميم مع اليأس الناتج من وضع العالم، وتتوالى فصوله على شكل حكاية لا رأس لها ولا عقب تنشط داخلها شخصيات ذات شحنة رمزية عالية. فالمرأة المجرمة كْرِيم ترمز إلى العنف الكامن في المرأة، وحصان البحر يرمز إلى المرض الذي كان ينهش جسد الشاعر، والرجل السياسي المغفّل إلى طبيعة رجال السياسة عموماً، و"شجرة التأمّل"المجرّدة من الأوراق إلى كروفيل نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.