القبض على مصري في الباحة لترويجه الحشيش    نجاح عملية فصل التوأم الطفيلي المصري "محمد جمعة"    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من رئيس كوت ديفوار    المملكة ترحب ببيان عمان بشأن وقف إطلاق النار في اليمن    الذهب يتراجع مع تخفيف التوترات التجارية "الأميركية الصينية"    جراحة معقدة في "مستشفيات المانع" بالخُبر تُنقذ يد طفل من عجز دائم    اكتمال عملية فصل التوأم الطفيلي المصري بوقت قياسي    جامعة الملك سعود تُنظّم المؤتمر السعودي الدولي للأبحاث الصيدلانية والابتكار "مسير"    "بر الشرقية" تُنفّذ برامج نوعية لتأهيل الأبناء تقنيًا وتحفيز مهاراتهم الرقمية    جمعية تحفيظ القرآن الكريم بطريب تعقد جمعيتها العمومية العادية    جسور ثقافية تربط الرياض ببكين في ندوة مشتركة بجامعة الأميرة نورة    أمير الجوف يواصل زياراته لمراكز محافظة صوير ويزور مركزي طلعة عمار وزلوم ويلتقي الأهالي    أمير الحدود الشمالية يدفع أكثر من 4000 خريج من جامعة الحدود الشمالية لسوق العمل    رؤية السعوية 2030.. من الطموح الى التحقق    عمادة شؤون الطلبة بجامعة الإمام عبد الرحمن تقيم حفل ختام الأنشطة الطلابية    استشهاد 15 فلسطينيًا في غارتين للاحتلال الإسرائيلي على مدرسة تؤوي نازحين شرق مدينة غزة    تحويل الدراسة الحضورية إلى منصة البلاك بورد بجامعة الطائف    رياح نشطة وأمطار رعدية على عدة مناطق في المملكة اليوم    وزير الشؤون الإسلامية يصل المغرب ومندوب الشؤون الإسلامية المغربي في استقباله    68.41% من الموظفات الجامعيات حصلن على تدريب عملي    عمدة كييف: مقتل شخصين على الأقل إثر سقوط حطام طائرات مسيرة في المدينة    رفع الوعي المجتمعي حول الصدفية والتهاب الجلد التأتبي    الخريف زار "إيرباص هيليكوبترز" بفرنسا.. السعودية تعزز توطين صناعة الطيران    دشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام.. أمير تبوك: القيادة الرشيدة حريصة على تعزيز جودة الحياة واحتياجات المجتمع    مسيرات "الدعم السريع" تصل بورتسودان وكسلا.. حرب السودان.. تطورات متلاحقة وتصعيد مقلق    ولي العهد موجهًا "الجهات المعنية" خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء: العمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    التعليم عن بعد في متناول الجميع    تسري أحكام اللائحة على جميع الموظفين والعاملين.. إجازة "فحص المخدرات" بما يتناسب مع طبيعة العمل    أمانة جدة تضبط 9.6 أطنان من الغذاء الفاسد    ميليشيا الحوثي تدفع البلاد نحو مزيد من التصعيد .. ضربات إسرائيلية متتالية تعطّل مطار صنعاء    قصف عنيف بين الهند وباكستان عند خط المواجهة في كشمير    خالد بن سلمان يبحث مع بن بريك مستجدات الأوضاع في اليمن    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    اغتيال المعلّم بدم بارد    8.4 مليار تمويل سكني    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    «طريق مكة» تجمع رفيقي الدرب بمطار «شاه» الدولي    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. النجمة للاقتراب من روشن.. والحزم يطارده    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. سان جيرمان يأمل بضم آرسنال لضحاياه الإنجليز    كبير آسيا    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    إصابات الظهر والرقبة تتزايد.. والتحذير من الجلوس الطويل    «أخضر الصالات» يعسكر في الدمام    القادسية بطل المملكة للمصارعة الرومانية    ..و مشاركتها في معرض تونس للكتاب    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    أمير الرياض يستقبل سفير إسبانيا    «فيفا» يصدر الحزمة الأولى من باقات المونديال    اتفاقيات بالعلا لتدعيم السياحة    القيادة.. رمانة الميزان لكلِّ خلل    بيت المال في العهد النبوي والخلافة الإسلامية    ولي العهد.. عطاء يسابق المجد    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن "الرعاع" في "جامعة بشير"
نشر في الحياة يوم 30 - 11 - 2013

أن يعتلي قائد حزبي منبراً ويصف مناصري خصومه السياسيين بالرعاع و"الزعران"مطالباً أجهزة الدولة بضبطهم و"إعادتهم إلى مناطقهم"، يتخطى الخلافات السياسية والأيديولوجية ولغتها إلى ما هو أعمق وأخطر. ذاك أن وصف قائد القوات اللبنانية سمير جعجع مناصري حزب الله الذين طوقوا الجامعة اليسوعية أخيراً بتلك الأوصاف، مضافاً إليه ما قاله النائب سامي الجميل عن أن الجامعة العريقة التي يعود تاريخ تأسيسها إلى 1875 هي"جامعة بشير"الجميل، يكشف حقيقة ما يشعر به المسيحي العادي في لبنان حيال غيره من أبناء الطوائف الأخرى، ومعايير تقويمه الضمني لهم. وإذ يجمل هذا المسيحي فوقيته حيناً، ويكتمها حيناً آخر، إلا أن لحظة غضب من ذلك النوع الذي أشعلته حادثة الجامعة كفيلة بتظهيرها عارية، فجة، كما هي: إنهم رعاع ويجب أن يعودوا إلى مناطقهم!
والحال أن الوعي المسيحي المتوسط متيقن في عمقه من أنه متقدم على غيره ومتفوق عليه، لا لشيء سوى لكونه مسيحياً. واذ يمكن تفسير ذلك في علم الاجتماع يبقى انه لا يمكن تبريره في الممارسة السياسية. فصحيح أن المسيحيين استفادوا قبل غيرهم من التعليم المبكر الذي جاء مع الإرساليات، وما رافق ذلك من تحولات اجتماعية واقتصادية وانفتاح على الغرب وثقافته وأنماط عيشه، فهم انقطعوا خلال الحرب انقطاعاً تاماً عن بقية المناطق وسكانها ما جعلهم مكتفين بذاتهم لفترة غير وجيزة.
وعليه عندما حان وقت"العيش المشترك"وقد كان حال المسيحيين على ما هو عليه، وضع الآخر في حيز"الغريب"الأقل شأناً. إنه ذلك الذي لا نتشارك معه في مقاعد الدراسة أو أحياء السكن وأبنيته أو فسحات النزهة إلا مرغمين. وإذ ذاك يترتب على"غير المسيحي"أن يثبت باستمرار أنه جدير بتلك الشراكة وبعبارة شائعة تلخصها، وتقال بعفوية مطلقة في سبيل الثناء والمديح"فلان لا يبدو عليه أنه مسلم/ شيعي". وغالباً ما تذيل تلك العبارة بأخرى تحمل من البداهة ما يقلب معناها تماماً، وهي أن الطوائف كلها تشتمل على أشخاص جيدين مثلنا... و"رعاع".
هذا وغيره الكثير من الهويات المتخيلة عن الذات وعن الآخر واللغة المعلنة والمضمرة كشفته حادثة الجامعة اليسوعية، وهو ما لم يكن متاحاً تظهيره عقب الحرب الأهلية إلا في لحظات احتكاك مباشر كهذه. صحيح أن جوهر المسألة يكمن في وقاحة طلاب من حزب الله طوقوا جامعتهم مستعينين بفتوات من الأحياء المجاورة، ورسموا على الجدران شعارات تمجد قاتل بشير الجميل بعد خسارتهم الانتخابات الطلابية، إلا أن رد الفعل جاء على السوية نفسها من رداءة الفعل و"ميليشيويته".
فتلك توصيفات لم تصدر عن طالب طائش يسعى إلى استفزاز زميله في حمى اللحظة، ولا هي زلة لسان غير متعمدة. إنها شتيمة موصوفة أطلقها رجل سياسة وقائد حزب يفترض إنه في موقع مسؤولية عامة إن لم يكن قدوة لمحازبيه بأقل تقدير. والمفجع أكثر مطالبته الدولة اللبنانية بإعادتهم إلى مناطقهم. إنها ببساطة استعادة لأدبيات"الكانتون"وعقليته التي لم تتخلص منها"القوات اللبنانية"والأحزاب المسيحية عموماً ومن ضمنها التيار العوني الذي يمعن حلفاؤه في إحراجه مرة تلو الأخرى. فذلك مزاج يتشاطره القواتي والعوني والكتائبي وغيرهم كثيرون من خارج التكتلات الحزبية الذين يفضلون ضمنياً أن يقيم كل في منطقته ويدرس في جامعته.
وللعلم، فإن الجامعة اليسوعية بذلت جهداً خارقاً في استقطاب الطلاب من"المناطق الأخرى"منتصف التسعينات. وليس ذلك من مبالغة القول بل لأن كسر الحواجز النفسية بعد الحرب، وجمع شباب في جامعة واحدة كانت تقع على خط تماس وفي مرمى قناصة الميليشيات كان مهمة شبه مستحيلة. وفي وقت كان الطلاب اليساريون يشعرون بالضيق والتهميش في تلك البيئة"اليمينية"، اتخذت الجامعة على عاتقها مد جسور مع يمين آخر مدفوعة بسببين. أولاً رغبتها الفعلية في لعب دور"جامع"على المستوى الوطني. وثانياً، وكما هي المؤسسات الخاصة، حاجتها الملحة لطلاب مدعومين مالياً سواء من مؤسسات الحريري أو مؤسسات حزب الله، في وقت تراجع فيه المسيحيون اقتصادياً وهاجروا بأعداد كبيرة.
لذا فهي اليوم مطالبة بموقف جدي وواضح إزاء وصفها ب"جامعة بشير"، على الأقل تجاه طلابها وخريجيها ممن هم ليسوا"بشيريين"ولا"حزب اللهيين".
هذا وتبقى محاسبة عناصر حزب الله الجامعيين ضرورة ملحة، شرط أن يتم وفق معايير أكاديمية وقانونية وليس وفق منطق فئوي ميليشيوي، تماماً كما أن معارضة الحزب ومقاومة سلاحه وسلوكيات عناصره ضرورة أيضاً للحفاظ على تنوع سياسي واجتماعي، من دون أن تبرر في المقابل تلك النزعة الشوفينية ضد فئة من اللبنانيين.
* صحافية من أسرة"الحياة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.