حل فصل الشتاء في سورية فجأة وكشفت الأمطار الغزيرة والرياح العاتية وانخفاض درجات الحرارة فداحة المعاناة التي تركت أعداداً كبيرة من السوريين في العراء، تحت ملاءة بلاستيكية، أو سقف مثقوب، أو خيمة ممزقة يعصف بها البرد والرياح والأمطار. ومع عدم وجود ما يكفي من ملابس شتوية وبطانيات، وطعام، ووقود للتدفئة أو لتجفيف الأشياء التي تسربت إليها مياه الأمطار، قد يتعرض الآلاف للمرض وبعضهم، ولا سيما الأطفال، لن يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة خلال فصل الشتاء الحالي. ومع كل يوم يخلّف القتال والقصف عدداً أكبر من الناس القتلى أو الجرحى أو المحاصرين أو النازحين. وفي كل يوم، يتعرض المزيد من المنازل والمحلات التجارية والمستشفيات والمرافق الأساسية للهدم والتدمير. وفي كل يوم، يفقد السوريون أحباءهم وذويهم وكل ما لديهم وأمانيهم للمستقبل. السوريون متعبون، مصدومون، يائسون. إنهم متعبون من هذا الصراع القبيح والطويل الأمد ومصدومون مما يعانيه المدنيون، ويائسون من نقص السبل لحماية أطفالهم خلال فصل الشتاء. في أيلول سبتمبر 2012، دعت الأممالمتحدة إلى مزيد من الدعم المالي للتأهب لأشهر الشتاء. والآن، أصبح واحد من كل ثمانية سوريين من النازحين داخل سورية أو خارجها. وفي كثير من الأحيان، كل ما يمكن أن يحملوه معهم هو الخوف المكشوف والملابس على ظهورهم. وفي سورية، يبحث أولئك الذين لم يتمكنوا من الإقامة في منازل الأصدقاء والأقارب عن ملاذ في المباني المهجورة أو التي لم تكتمل، أو في المدارس، أو في المصانع، أو في مخيمات موقتة وحتى في الكهوف. ويواجه كثر منهم نقص الغذاء والوقود والكهرباء والمياه النظيفة. لقد فروا ليجدوا أوضاعاً مثل التي تركوها وراءهم أو حتى أسوأ وأخطر. وأما الأدوية، فهي متوافرة بالكاد مما يعني أن حتى نزلات البرد العادية ممكن أن تكون قاتلة. وقد تسببت الحرائق التي اندلعت في مخيم العتمة قرب الحدود التركية في العديد من الوفيات، بما في ذلك الأطفال، حين حاولت الأسر المقيمة هناك إشعال بعض النيران بغرض التدفئة. وفي حين أنه يسهل الوصول إلى الذين عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة ومساعدتهم، فإن المأوى الملائم لا يزال يشكل تحدياً كبيراً وبخاصة في ظل تزايد الأعداد بالآلاف ممن يتدفقون كل يوم تقريباً في مختلف أنحاء المنطقة. ومرة أخرى، يواجه المستضعفون منهم المقدار الأكبر من المعاناة نتيجة البرد القارس. وتتعرض أماكن الإيواء الموقتة المصنوعة من الأخشاب أو الأغطية البلاستيكية من تسرب المياه، وتنهار الخيام بسبب الأمطار الغزيرة والرياح العاتية. وبينما يشعر اللاجئون بشيء من السلامة والأمان ويتلقون المساعدات، فإنهم في الوقت نفسه يشعرون باليأس. يبذل العاملون في المجال الإنساني في سورية قصارى جهدهم لمساعدة السوريين المتضررين من الصراع، ولكن التحديات - بما في ذلك انعدام الأمن والبيروقراطية والشك والنهب والتدخل - هائلة وكثيرة جداً وذلك بينما لا يحصل كثيرون إلا على القليل. إن عدم وجود حل تفاوضي حتى الآن يعني مزيد من إراقة الدماء والمعاناة، بينما تعكس الفجوات في التمويل عدم إمكان تغطية الاحتياجات الأكثر إلحاحا. وفي حين أنه لم يتم تمويل سوى نصف استجابة الأممالمتحدة داخل سورية خلال عام 2012، ليس لدينا تقريباً أي تمويل في إطار خطة الاستجابة للمساعدات الإنسانية داخل سورية لعام 2013. لقد أصاب الشعب السوري الإرهاق والتعب من البرامج السياسية والنزاعات. وتساورهم المخاوف في شأن سلامتهم وتوافر سبل التدفئة في هذا البرد القارس ووجود سقوف فوق رؤوسهم. إنهم يناضلون من أجل البقاء على قيد الحياة، ويريدون السلام. وإنني أناشد العالم أن يُظهر للسوريين أنهم باقون في الأذهان ولن يجري تناسيهم وهم يسيرون في هذا الطريق المؤلم نحو ربيعهم الحقيقي. السوريون يعانون البرد. فهل يترك العالم نفسه ليصبح بارد القلب؟ دمشق، 29 كانون الثاني/يناير 2013 * منسق الأممالمتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سورية