رغم التعنت الإسرائيلي مؤتمر نيويورك لحل الدولتين برئاسة مشتركة سعودية فرنسية    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للإنترنت    الداخلية: الانحراف عن المسارات المحددة مخالفة مرورية تصل غرامتها إلى 500 ريال    القبض على مخالفين لنظام أمن الحدود لترويجهما مواد مخدرة في جازان    المملكة وسوريا توقّعان مذكرة تفاهم في مجال الطاقة    نجاح عملية فصل التوأم الملتصق السوري "سيلين وإيلين" بعد عملية جراحية معقدة استغرقت (8) ساعات    المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى السياسي رفيع المستوى 2025    السوق المالية تعتمد إجراءً تحفيزيًّا للطروحات العامة لأدوات الدين    سباق ثلاثي في الدوري الإنجليزي من أجل ميتروفيتش    "إثراء" يختتم مهرجان الصغار بحضور 100 ألف زائر    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تحتفي بولادة أول "وعلين نوبيين"    أمير الشرقية يستقبل رئيس مجلس أمناء جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    أكثر من 95 ألف زائر وزائرة لعروض فعاليات مهرجان "بيت حائل 2025"    وكيل إمارة المدينة يدشن فعاليات لدعم ذوي الإعاقة    إنقاذ مريض توقفت وظائف قلبه في مركز الأمير سلطان للقلب بالأحساء    223 ألف مستفيد من خدمات مستشفى أحد بالمدينة    معالي نائب وزير الرياضة يتوّج الفلبيني "كارلو بيادو" بلقب بطولة العالم للبلياردو 2025    وزير الخارجية: مؤتمر تنفيذ حل الدولتين يأتي استنادًا لموقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام البريطاني بجدة    خلو السعودية رسميا من مرض أنيميا الخيل المعدي    هيئة كبار العلماء تعقد اجتماعها الدوري ال(97)    مختص: استشارة الزوج لزوجته وعي عاطفي لا ضعف في القيادة    بدء تطبيق قرار رفع نسب التوطين لمهن الصيدلة وطب الاسنان والمهن الفنية الهندسية    أمانة جدة تشعر المباني الآيل للسقوط في حي الرويس    سميرة آل علي أول امرأة برتبة عميد في تاريخ شرطة دبي    استشهاد 12 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي شقة وخيمة في قطاع غزة    فريق AG.AL بطلا لمنافسات Honor of Kings في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    التوسع في صناعة السجاد اليدوي بين الأسر    أنغام تطمئن جمهورها بعد الشائعة    قصر كوير    صواريخ جزيئية تهاجم الخلايا السرطانية    18 ألف حياة تنقذ سنويا.. إنجاز طبي سعودي يجسد التقدم والإنسانية    صفقة من العيار الثقيل تدعم هجوم أرسنال    الرئيسان السوري والفرنسي يبحثان مستجدات الأوضاع في سوريا    "سدايا" تدعم الدور المحوري للمملكة    الفيفي إلى عش الزوجية    "الداخلية": ضبط 22 ألف مخالف في أسبوع    العنوان الوطني شرط لتسليم الشحنات البريدية    ولادة "مها عربي" في محمية عروق بني معارض    الأهلي يخسر ودية سيلتيك بركلات الترجيح    الاحتراف العالمي الجديد    بلازا يعلن قائمة "أخضر الصالات" المشاركة في بطولة القارات    أليسا وجسار يضيئان موسم جدة بالطرب    وفاة الفنان زياد الرحباني.. نجل فيروز    أحمد الفيشاوي.. "سفاح التجمع"    "أنتوني" يرحب بالاحتراف في الدوري السعودي    أغلقته أمام عمليات تفتيش المنشآت.. إيران تفتح باب الحوار التقني مع «الطاقة الذرية»    واشنطن تحذر من المماطلة.. وجوزيف عون: لا رجوع عن حصر سلاح حزب الله    وسط تحذيرات من المخاطر.. 1.3 مليون سوداني عادوا من النزوح    القيادة تعزي رئيس روسيا الاتحادية في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب بمقاطعة آمور    47 اتفاقية بقيمة 24 مليار ريال.. السعودية.. دعم راسخ للتنمية المستدامة والازدهار في سوريا    نور تضيء منزل الإعلامي نبيل الخالد    خطيب المسجد الحرام: التشاؤم والطيرة يوقعان البلاء وسوء الظن    نائب وزير الرياضة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته لمدة أربع سنوات    المدينة المنورة تحيي معالم السيرة النبوية بمشروعات تطويرية شاملة    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكثر ما يخشى انهيار مفاجئ دون بديل جاهز . النظام يرتاب بمهمة الإبراهيمي ... كذلك المعارضة
نشر في الحياة يوم 23 - 08 - 2012

أي مبادرة أو وساطة من النوع الذي طرحه الرئيس المصري الجديد على القمة الاسلامية كان ليكون مجدياً - نظرياً - مع بدايات الانتفاضة الشعبية في سورية وليس الآن. قبل ثمانية عشر شهراً كان لا يزال"مفهوماً"أن يقصد وفد عالي المستوى دمشق لمناشدة رئيس النظام، باسم العالم الاسلامي وقيم الاسلام، وقف القمع الدموي والجنوح الى السلم الأهلي. ففي ذلك الوقت، لم يكن حتى أكثر عارفي النظام قادرين على تشخيص طبيعته وحقيقته بأنه مجرد آلة للقتل استطاعت أن تتنكّر لبضعة عقود بباقة من الشعارات الفارغة، من عروبة وقومية الى مقاومة وممانعة، أما اليوم فباتت وحشيته مشهورة"كونياً"ولم يعد قادراً على العودة الى الوراء.
لذلك، فإنه سيفهم أي مبادرة نحوه انعاشاً ل"شرعية"قتلها عشرات آلاف المرّات وتزكيةً ل"انتصاره"على الشعب، وبالتالي سيستغلّها للمساومة من أجل بقائه في السلطة على رغم الدماء التي سفكها. وفي هذه المساومة لن يجد تنازلات يقدمها الى الدول الأربع المقترحة مصر والسعودية وتركيا وإيران على افتراض اتفاقها على أهداف المبادرة، وباستثناء ايران فهو لا يعتبر الدول الثلاث الاخرى قادرة على توفير أي من الضمانات التي يبحث عنها. وإذا وجد تنازلات فهو يدّخرها للمساومة الأكبر التي يحاول استدراجها مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وسيواصل المحاولة من خلال تفجير الوضع في لبنان، ذاك أنه لا يزال يتوهّم بأن ثمة توقاً دولياً الى دوره السابق ومعاودته اللعب بالأوراق الاقليمية.
قد يُفهم الاقتراح المصري المتأخر بأنه محاولة لشقّ طريق الى تسوية سياسية داخلية، طالما أن عزل النظام ونبذه وفرض عقوبات عليه وتركه يواجه مصيره بترسانته الروسية - الايرانية - الكورية الشمالية لا تبدو مجدية. لكن ينبغي التيقن بأنه يبحث فعلاً عن حل سياسي ولا ينتهز أي"وساطة"للإطلاق مناورة جديدة. إسألوا المنشقّين فهم أدرى. إسألوا كوفي انان. بل إسألوا الروس والايرانيين. سيقول هؤلاء جميعاً، على اختلاف مواقعهم، إن النظام مدرك أن الحل السياسي يعني نهايته، لذا يرجّح الحل العسكري الذي يعتقد أنه وحده يبقيه في الحكم بل يريد ممن يحاوره أن يقتنع مثل روسيا وإيران بهذا الخيار، كونه الوحيد الضامن"استقرار"سورية.
انطلاقاً من ذلك يبدي النظام استعداداً للتعامل مع أي موفد يتعامل معه على أنه هو"الدولة"والسلطة والقانون، وأن كل من يعارضه في الشارع متمرد خارج على القانون. هذا ما فعله أنان فحصد الفشل، لأن التفويض الذي يملكه لا يتيح له القول لبشار الأسد: ليس هناك قانون يجيز لأي دولة أو سلطة الإفراط في العنف الى هذا الحدّ، وعندما لا تتصرفون كدولة تصبحون مجرد طرف وتفقدون صلاحية التلويح بالقانون وتعرّضون شرعيتكم الدستورية للتآكل، وهذا هو واقعكم حالياً.
ليس مؤكداً أن تفويض الأخضر الابراهيمي سيمكّنه من هذا الوضوح مع الاسد، لكنه مضطر لمصارحته بشكل أو بآخر بأن شرعيته اهتزّت، كما سيفهم المعارضة أن وضعها الراهن لا يوصلها الى هدفها. لذلك فهو يفضل ألا يُبنى الكثير من التوقعات على مهمته. صحيح أنه لا يريد ارتكاب أخطاء انان لكنه غير واثق بأن اسلوبه سيحقق اختراقاً سريعاً. لن ينهج التجريب بل سيضع كل طرف أمام واقعه ومسؤولياته. بادر النظام السوري الى الترحيب بتعيينه، ثم اشتبك معه حول تصريحاته، ولن يستمر الترحيب حين يستنتج النظام أنه لن يتمكن من استخدام هذا الموفد، كما فعل وحليفيه الروسي والايراني مع سلفه. وكان"المجلس الوطني السوري"المعارض رحّب أيضاً بالابراهيمي ثم تصيّده عندما قال إن من السابق لأوانه الحديث عن تنحّي بشار الاسد. فالمعارضة سجّلت قول انان في وداع مهمته إن الحل يبدأ"برحيل الأسد عاجلاً أو آجلاً". كما أن الجامعة العربية حددت في قراراتها الاخيرة"انتقال السلطة"عنواناً لعمل أي موفد دولي جديد.
يُلاحظ أن وقف العنف أو وقف اطلاق النار لم يعد هدفاً ذا أولوية، لأنه لم يعد ممكناً ولا واقعياً. ذاك أن طرفي النزاع لا يريدانه. ما يعني تلقائياً أن الحل السياسي، حتى لو كان هدفاً مرتجى، ليس ممكناً بالمعطيات الراهنة. فمعادلة عجز النظام عن الحسم وعجز المعارضة عن اطاحته لا تزال سائدة عملياً، ولم تسقطها تغييرات باتت تطرأ ومنها تحسّن نوعي في الأداء العسكري للمعارضة، لكن الانطباع العام في الداخل كما في الخارج يفيد بأن النظام يتآكل بفعل الانشقاقات النوعية. ومع انتهاء مهمة انان بدا كأن الدور الروسي خسر حلبة للمناورة، لذا حاول إحياء اتفاق جنيف 30 من حزيران/ يونيو الذي كانت موسكو بالغت في تعديله حتى أماتته مضموناً وفاعليةً. واتضح الارتباك الروسي في اقتراح توجيه نداء الى"جميع الأطراف"لوقف اطلاق النار. وانكشف الارتباك أكثر مع اعلان موسكو ان مهمة الابراهيمي يجب أن تنطلق من خطة انان ذات النقاط الست، إذ استشعرت بأن هذه الخطة وإنْ بقيت على الطاولة لن تكون أساساً لعمل الموفد الجديد. باتت روسيا تخشى انزلاق المقاربة الدولية ? العربية أكثر فأكثر الى منطق التدخل من خارج مظلة مجلس الأمن، بفعل تصاعد القتال وانتشاره في معظم أنحاء سورية.
وفي هذه المواجهة تعتبر روسيا أنها مدّت النظام السوري بكل ما يلزمه من قدرات نارية، في حين أن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يزالون في أول الطريق مع المعارضة، على رغم أن الاميركيين زادوا أخيراً جرعة اهتمامهم بتفاصيل ما يحصل على الأرض من خلال تركيا والأردن. ومع الانحسار التكتيكي للدور الروسي، استئخاراً لمواجهة دولية لم يحن وقتها بعد، قفزت ايران الى الواجهة. لم تعد طهران تراهن على المفاوضات النووية لتحصل على رفع للعقوبات أو لتجرّب من خلالها انقاذ النظام السوري، كما فعلت في جولة بغداد عندما طرحت مقايضة وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة لقاء التفاهم على سورية، بل أخذت تُظهر أن الدفاع عن وجودها ونفوذها ودورها في سورية يتطلّب أن تنبري لمشاركة النظام في حربه على المعارضة. كانت طهران تأمل بأن تشقّ لها روسيا ممراً الى مسرح الصراع، واذ لم تفلح قررت أن تزيد من علنية تدخلها في سورية، فتصوّره نوعاً من"الجهاد المقدّس"ضد الغرب ومؤامراته، بل ان أحد مسؤوليها اعتبره"المباراة النهائية"مع"التيار الاسلامي"والنفوذ الاميركي في المنطقة.
هذه مجرد مقدّمات في انتظار بدء الابراهيمي عمله بالمفاهيم الجديدة لمهمته. والأكيد أنه سيركز على"عملية سياسية"لكن بمعادلة مختلفة تكون فيها الأطراف المعنية طالبة للوساطة ومستعدة لتسهيلها، وعندئذ تكون الأمم المتحدة جاهزة للعمل على ما تطرحه الأطراف نفسها. فإذا رغب النظام والمعارضة في حل سياسي سيكون عليهما طرح أفكارهما والتزاماتهما، واذا أرادا المناورة فلن يجدا استجابة من الموفد الجديد. بدأت موسكو التهيؤ لهذا التحدي مع فريق حكومي سوري قوامه"المعارضة الموالية". في الجانب الآخر، يعوَّل على المنشقين الجدد لخلط أوراق المعارضة اذ إن الحاجة مسَّت أخيراً إما الى"حكومة انتقالية"أو الى بلورة كيان معارض جديد. فأكثر ما يُخشى هو الانهيار المفاجئ للنظام من دون أن يكون هناك فريق معارض جاهز لتسلّم زمام البلاد.
* كاتب وصحافي لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.