طرح الدفعة الثانية من تذاكر مباراتي الأخضر في الملحق الآسيوي    اليونيسف: لا توجد أي مناطق آمنة للفلسطينيين في جنوب غزة    القبض على شخص بمنطقة القصيم لترويجه مواد مخدرة    6 أكتوبر: انطلاق أسلوب الحياة السعودي بالرياض    تكريم طلاب الصف الرابع (ج) المشاركين في الإذاعة المدرسية بمدرسة ابتدائية مصعب بن عمير    اللائحة التنفيذية لتنظيم الدعم السكني تدخل حيز التنفيذ    الأمن العام يشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    الأسهم الآسيوية والأوروبية تسجل مكاسب قوية وسط توقعات بخفض الفائدة الأمريكية    الشؤون الإسلامية في جازان تنفّذ أكثر من 81 ألف جولة رقابية على المساجد والجوامع خلال الربع الأول من عام 1447ه    وزير الداخلية: معرض الصقور منصة عالمية لصون الموروث الثقافي السعودي    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تطلق خطتها الاستراتيجية الثالثة (2025–2030) الاحد المقبل    «زاتكا» تُحبط تهريب 19.2 كجم من "الشبو المخدر"    إمام المسجد الحرام: تزكية النفوس سبيل السعادة والعيش الطيب    إمام المسجد النبوي: التباهي والتفاخر مظهر كبر وجهل وزيف دنيا    القيادة تهنئ رئيس ألمانيا بذكرى يوم الوحدة لبلاده    رئيس إنتر ميلان يكشف حقيقة رحيل أوسيليو لنادي الهلال    الرياض الدولي للكتاب 2025 يشرع أبوابه لعشاق الثقافة في حرم جامعة الأميرة نورة    أكثر من 23 ألف منشط دعوي ينفذه فرع "الشؤون الإسلامية" بالمدينة خلال الربع الأول من 1447ه    أمين الطائف يدشن مبادرة "تحسين وتطوير مداخل المويه"    شراكة استراتيجية بين "إكرام الجود" والهيئة الملكية لدعم مستهدفات رؤية 2030 في خدمة ضيوف الرحمن    القهوة.. رمز عالمي للتواصل ومورد اقتصادي يفوق 100 مليار دولار سنويًا    97 ألف زائر يتعرفون على تقنيات طباعة المصحف في مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة    قنديل في مهب العاصفة    المقاومة الزائفة    وكالة شؤون الأفواج الأمنية تشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    انطلاق بطولة آسيا للياقة البدنية الوظيفية 2025    ترامب يحذر من تسريح موظفين وإلغاء مشاريع    مطار ميونيخ يوقف الرحلات الجوية    الأخضر السعودي في مجموعة قوية بكأس آسيا تحت 23 عامًا 2026    ديشان يدعم قاعدة (البطاقة الخضراء) ويدعو لاستغلالها بشكل إيجابي    الرخص الرياضية استثمار منظم يفتح أبواب الاقتصاد الجديد    هيئة المساحة الجيولوجية: رصد زلزال بقوة 5.1 درجات في وسط إيران    "الهجن السعودية" تتصدر قوائم كأس الاتحاد السعودي ب 4 كؤوس و45 شوطاً    ترامب: أميركا تخوض «نزاعاً مسلحاً» مع كارتلات المخدرات    قراءة في مجد الطبيعة وصغارة الإنسان    الإعلاميان الكبيران : محمد عابس وعبدالعزيز خزام في مهرجان القصيدة الوطنية    نحترق لتنضج الطبخة    الشيخ والغوغاء 2/2    مواقف المملكة العربية السعودية «الأفعال تصنع الفرق قبل الأقوال»    تركيب لوحات شارع الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في العاصمة الرياض    التكيُّف مع الواقع ليس ضعفًا بل وعي وذكاء وقوة    "التخصصي" في المدينة ينجح في إجراء زراعة رائدة للخلايا الجذعية    إرث متوارث.. من قائد (موحد) إلى قائد (ملهم)    القبض على مقيمين لترويجهما 14 كجم «شبو»    «التأمينات» اكتمال صرف معاشات أكتوبر للمتقاعدين    تابع سير العمل ب«الجزائية».. الصمعاني: الالتزام بمعايير جودة الأحكام يرسخ العدالة    شذرات.. لعيون الوطن في يوم عرسه    أمراء ومسؤولون يقدمون التعازي والمواساة في وفاة الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    تصاعد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.. اقتحام الأقصى وتصاعد حصيلة الشهداء في غزة    هجوم حوثي صاروخي يستهدف سفينة هولندية في خليج عدن    اغتيال مرشح برلماني يهز طرطوس.. أردوغان يحذر من المساس بسلامة الأراضي السورية    باحثون يطورون علاجاً يدعم فعالية «المضادات»    شيءٌ من الوعي خيرٌ من قنطار علاج    تقليص ساعات العزاء والضيافة عن نساء صامطة    معتمرة تعود من بلدها لاستلام طفلها الخديج    نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام الأحوال المدنية بالمنطقة    أمير جازان يستقبل وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية    بطل من وطن الأبطال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد ... بلا حدود
نشر في الحياة يوم 14 - 01 - 2011

يشرح ميشيل فوكو في أعماله الرئيسة كيف أن كل نظام معرفي، ما هو إلا ممارسة سلطوية، أو تعبير عن سلطة. فهو تجاوز نقد ديكارت، الذي يقوم على تعرية العلم القروسطي وتجريده من صفة العلم والمعرفة، ليُخرج مارد"النقد"من أسوار المؤسسة العلمية والاجتماعية والتاريخية. وهي المغامرة النقدية الأشد ضراوةً، وهي إحدى أكثر المهمات الفلسفية إثارة للنقاش منذ ضربة ديكارت الكبرى.
وفي حوارٍ أقامه الفيلسوف الفرنسي جيل دلوز مع ميشيل فوكو، يطرح فوكو السراديب العميقة لموضوع أعماله، ليصبح، بربطه بين"الأنظمة المعرفية"وتكرير"الممارسات السلطوية"، أبرز من حفر في المساحات المهجورة، ليضخ مصطلح"اللامفكر فيه"من ضمن المصطلحات التي ستؤثر وبوضوح في الإنتاج الفلسفي الحديث.
في جزء من ذلك المجال التشريحي ينتقد فوكو دور"المثقف الشمولي"، ويطرح أسئلة تمس الدور الذي يضطلع به المثقف، فهو لا يلغي المثقف ولكنه يتساءل في شكل تشريحي عن دوره ومدى خلو الممارسات التي يجْهد في تكريرها من النزعات السلطوية. وربما كان من أفضل من استثمر هذا النقد الفوكوي للمثقف الشمولي وقام بشرحه وتوسيعه من الكتّاب العرب علي حرب في كتابه"نقد المثقف، أو أوهام النخبة".
يأتي الشرح في وقت يحتدم فيه الجدال حول فكرة"تبيئة المفاهيم"بين من يطالب بضخ كامل لكل ما يطرح من إنتاج فلسفي في العالم، بوصفه نتاجاً إنسانياً، وبين من يطالب بوصل"المفهوم"بالثقافة العربية. وقد وصل الأمر بطه عبدالرحمن الى أن طالب بوصل الكلمة بالجذر العربي، وذلك في الجزء الأول من مشروعه الذي يهدف إلى التأصيل الجذري الاشتقاقي للكلمات الفلسفية المستوردة. كل ذلك النزاع ينبني على نزاع في كيفية الهروب نحو الحداثة بين تفسير كرونولوجي يجعل من الحداثة الأوروبية نموذجاً لا يمكن العرب احتذاؤه إلا باقتفاء الحقب كافة التي مرت بها تلك الحداثة، وبين من يرى هذا التحقيب من لغو القول. فكل ما مضى يدل على هزة عنيفة ما ذات صلة وثيقة باضطراب وعي المثقف بدوره!
المثقف العربي مشتت في شكل يثير الشفقة، فهو يمارس الوعظ حيناً، فيدبج الخطب والموازنات الصبيانية، في ما يجب نقده وما لا يجوز نقده، فتراه يمارس الوصاية العمياء وكأنه مطوّف في مكة بيده العصا ينهى عن نقد أمر ويأمر بنقد آخر، وتارة يمارس السلطة حتى تخاله زعيماً سياسياً يعتب على من ينتقد جهة ما، ويثني على من ينتقد جهة أخرى، وتارة تجده ضل طريقه نحو النضال فمارس التطبيل بدلاً من النقد.
كل ممارسة نقدية هي بمعنىً ما ممارسة سلطوية، ومعظم المشاريع الثقافية لا يعيبها أن تكون تصفية حسابات ذاتية. فالذاتية تحضر في المشاريع كلها، والكاتب ليس واعظاً زاهداً، أو"فاعل خير"لا يطلب الشهرة! فالفيلسوف أحياناً، وكما يرى علي حرب"كاتب فضائح"! فالفضح المعرفي والنقد المتبادل، حتى لو كان ذاتياً وشخصياً، لم يعد خارج الممارسة الثقافية، بغض النظر عن مدى صوابيته، فهو من صلب الممارسات السلطوية، حتى العنف اللفظي مورس عربياً من أكبر الكتاب العرب، وهو يبيّن مدى الحضور الذاتي ودخوله في الإنتاج الفكري والفلسفي، على عكس ما يطمح إليه بعض الوعاظ. فهذا فيلسوف عربي يأخذ على عبدالرحمن بدوي أنه يغلق الباب بعنف حينما ينزل من السيارة. وهذا بدوي يصف العقاد ب"التافه"، وأركون ? وفق ما يروي سعيد اللاوندي - يقول:"لا أخفيك أن بدوي كريه"، والجابري وصف طرابيشي ب"المسيحي"الذي لا يحق له نقد التراث الإسلامي. ومثله في الإنتاج الفلسفي الأوروبي بين فيخته وهيغل، وبين هابرماس وفوكو. فالذات لا يمكن أن تنفكّ عن الإنتاج الفكري والفلسفي، وهي تحضر في شكل أوضح في حال غيابها. إن المطالبة العمياء بتنقية الإنتاج الثقافي من العناصر الذاتية، والاقتصار على الموضوعية لم يعد فكرة ممكنة، خصوصاً بعد التفتت الذي حدث منذ البنيوية بين الثنائيات الكلاسيكية: التركيب والتحليل، العقلانية والتجريبة، الذاتية والموضوعية...، حيث حدثت تداخلات، والينابيع اختلطت لا لتنتج فوضى فكرية، وإنما لتَخرج من أسوارٍ قديمة وتنبت في مياهها الراكدة مجالات أخرى نقدية.
إن نقد دور المثقف ورصد دوره جزء من"نقد النقد"، فهو أشبه ما يكون بالسحر المنقلب، ولم يعد الكاتب بمنأى عن نقد ذاته، فمحض الذات بالنقد يجعل من الإنتاج سلسلة تشرح الحال الذاتية للمثقف في تطوره وتنقّله.
* كاتب سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.