منذ أسابيع، علّقت في ردهات متحف اللوفر بباريس الرسوم الأصلية التي رسمها نيكولا دوكريسي ومارك - انطوان ماتسيو وإريك ليبيرج وآخرون من كبار مصممي الأشرطة المصورة. ويحمل بعض هذه الرسوم أقوالاً ذهبت مذهب الأمثال الشعبية السائرة، مثل"قسماً بتوثاثيس"، أو"عليه ألف سابور!"، من مجموعات تاتان القصصية وغيرها. وتعليق اللوفر اللوحات هذه لم يبلغ بعد حد وضعها في الصدارة. فينبغي البحث عنها في أروقة متقاطعة بين أبي هول ضخم وفناء المتحف الداخلي، ولكن صالة"لا ماكيت"، حيث المعرض، غير خفية، وهي صالة ضيقة، على ما يدل اسمها أي المجسّم الأولي. ولكن التكريم لا ينكر. وهو ربما خطوة صغيرة في ميزان المتحف، وقفزة عملاقٍ في ميزان الأشرطة المصورة، والحق أن الأشرطة المصورة، وفنون الرسم الشعبية عموماً، تعاني مفارقة. فهي، رسمياً، الفن التاسع، ولكنها"ثقافة فرعية"، على ما تصفها النخب. وعمدت المتاحف من قبل الى تخصيص بعض الرسامين، أو بعض الشخصيات المرسومة، بمعارض وقفتها عليهم أو على أعمالهم. واقتصر الأمر على هذا، ولم يتعدَّه الى شراء مجموعات وحفظها. ويستقبل متحف اللوفر 8.5 ملايين زائر في السنة. فهو، على هذا، لا يحتاج الى ترويج يستقطب زائرين جدداً. والمعرض إنما يتوج رواجاً طباعياً. فقبل خمس سنوات اقترح فابريس دوار، أحد المسؤولين عن منشورات المتحف وصاحب هوى في الشرائط المصورة، على كتّاب تصور قصصاً تسرد أجزاء من تاريخ المتحف الوطني الكبير ومجموعاته. وفتح فابريس دُوار أبواب المتحف على مصاريعها في وجه الكتّاب. فلم تستجب إلا قلة من دور النشر، أولها"فوتوروبوليس"التي تولت نشر"عصر الجليد"، إحدى مجموعات نيكولا دوكريسي البارزة. وتروي المجموعة قصة رحلة علمية، في زمن آتٍ بعيد، تعثر على أنقاض متحف اللوفر، وتفحص الشعائر الغريبة التي حضنها. وباعت المجموعة 55 ألف نسخة، واستقبلها النقاد بالمديح. ومذ ذاك والرواج يتجدد، ويتخطى الحدود. فرسامو مانغا اليابانيون هللوا للفكرة، وشرعوا في اقتباسها المحل ي. ويقول فابريس دُوار أنه أراد البرهان على أن الشرائط المصورة ليست التمرين المدرسي الذي يقتصر على رسم الولدين بول وبيل، وعلى حوارهما الساذج والتافه. فهي عبارة فنية محدثة ومعاصرة على نحو الرواية والسينما. والى هذا، تنخرط الشرائط في تقاليد تصويرية مثل موازنة الخطوط، والتأليف بين الأشكال والألوان، وآفاق الرؤى والأوضاع، واستعمال الألوان. وهذه مسائل لا تزال ملحة منذ عهد النهضة. وعرض الألواح الأولى هو بمنزلة ادخالها حية الى القصر، والتخلي عن انتظار الوفاة والشروع في التطويب والتكريم. ولا يجمع أهل الدار على الرأي الحداثي هذا، فتعليق رسوم ميكي بجواز أعمال الرسامين الكبار في هيكل الثقافة هذا، قريب من الانتهاك. واضطر مدير اللوفر العام، هنري لواريث، وضع دالته في الميزان في سبيل ترجيح كفة التظاهرة. وسبق لمديرة متحف تومي أنجيرير بستراسبورغ، تيريز ويلير أن كافحت طويلاً قبل أن تفوز بإقناع أصحاب القرار الثقافي في الشأن هذا. وهي تقول أن معظم نظار المتاحف يحملون الفن"الكبير"على خلاف ما هو"شعبي"أو في متناول الجمهور. فما ليس فريداً في بابه، وعلى الضد مما يطبع وتوزع منه عشرات آلاف النسخ، يتخفف من قيمته الفنية، ولا يستحق حفظه في مجموعة متحفية.وتنبه تيريز ويلير الى"غرابة"الرأي هذا، فكبار الرسامين سعوا، من طريق الليتوغرافيا والطباعة على الحرير، الى توسيع جمهورهم، وهل يستقيم نفي ملصقات تولوز لوتريك من أعماله؟ أو إنكار رسوم بيكاسو التي صنع ديكور بعض الأعمال المسرحية في ضوئها؟ أو الإشاحة عن رسوم راوول دوفي على الحرير؟ وفي الأثناء، تنظم المتاحف المتفرقة معارض الرسوم وأشرطتها القصصية، فيستقبل متحف كيه رصيف نهر السين براملي طرزان. ويفتح متحف فينلي، في مدينة روديز، صالاته لرسوم راهان، وعقد أظافره. وتحل رسوم هيغو برات على متحف توما - هنري بشيربورغ. ويعلل سيباستيان غنيديغ الظاهرة بقيمة الشرائط المصورة المصرفية، وتنشيطها ارتياد المتاحف، وتجديدها جمهور المرتادين. والإعلام أقرب الى الترويج لمعرض استرجاعي يتناول فرانكان منه لمعرض يستعيد للمرة الألف الرسوم المذهبة المحفوظة في أديار سلك رهبان القديس بينيديكت. والحق أن الرغبة في مشاهدة الرسوم هذه، وفقاعات الكلام التي تصاحبها، موقتة وعابرة. فمن المستحيل مشاهدة الرسوم الأصلية التي رسمها موبيرس أو فرانكان أو دروبييه أو أوديرزو أو بيلال في مكان أو إطار عام. فمن يتولى هذا صالات متخصصة، أي نصف دزينة من أصحابها الذين يناضلون في مناسبات التوقيع الافتتاحية، والمعارض الضيقة، في سبيل الاعتراف بفنهم هذا. وإذا كانت قوانين اللوفر تحظّر عليه شراء أعمال أنجزت بعد 1848، فليست هذه حال مركز جورج بومبيدو ? بوبورغ. فهو اشترى 400 عملٍ أو"شيء فني"صنعها فيليب ستارك. وابتكار ستارك وفنه لا ينكران. ولكن أعماله، مثل مديته وأريكته، ليست فريدة، ولم يطعن هذا في شرائها وحفظها وعرضها، على خلاف الرسوم المصورة. ولم يشأ ناظر متحف بوبورغ التعليق على الأمر. وعلى هذا، اقتصر جمع الرسوم الأصلية على متاحف خاصة. فجمع متحف أنغوليم 7 آلاف لوحة و70 ألف ألبوم، معظمها من أوائل القرن العشرين، وقلة قليلة من أساتذة الأشرطة المصورة المعاصرين. والمتحف هذا، ومجموعته، نواة مدينة دولية للأشرطة المصورة تتولى الدولة الفرنسية تمويلها. وموازنة المتحف ضامرة. ولا تتيح توقع شراء رسوم أو مجموعات، لا سيما أن ثمن شراء اللوحات يتعاظم على نحو يستحيل على موازنات المتاحف لحاقه. ووعد رئيس بلدية باريس، برتران دولانوية، إنشاء متحف للفقاعات، فتستدرك باريس تخلفها عن عواصم أوروبا الأخرى. * صحافي، عن "تيليراما" الفرنسية، 1 8/2 / 2009، إعداد وضاح شرارة نشر في العدد: 16770 ت.م: 04-03-2009 ص: 25 ط: الرياض